تاريخ وحاضر جماعة الاخوان المسلمين في العراق
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
أستاذ متمرس-جامعة الموصل
كانت "جماعة الاخوان المسلمون " في العراق ، وما زالت موضوعا لكثير من الدراسات ، والمقالات ، والبحوث ، والرسائل الجامعية . ولايعني ان ما كتب عنها –سلبا أو ايجابا- يسد الطريق أمام الباحثين والمؤرخين في ولوج هذا الموضوع المهم والحساس والخطير .ذلك ان جماعة الاخوان المسلمين في العراق تعد من ابرز الحركات السياسية –الدينية التي شهدها العراق والوطن العربي في التاريخ الحديث .
ليس ذلك فحسب ، بل ان تأثرها في الساحة السياسية والفكرية والثقافية العراقية كان كبيرا .فضلا عن انها أثرت على اجيال من الشباب العراق طوال عقود .وكان لجماعة الاخوان المسلمين - لوحدهم أو بالتعاون مع القوى القومية العربية - مواقف من كل الاحداث التي مر بها العراق وخاصة في اعقاب الحرب العالمية الثانية 1939-1945 .ويزخر ارشيف الوطني العراقي بالكثير من الوثائق والنصوص والكتابات التي توثق للنشاطات السياسية والثقافية والدعوية التي قام بها جماعة الاخوان المسلمين .
وليس من شك في ان جماعة الاخوان المسلمين في العراق هم جزء من رافد مهم من روافد الفكر العربي –الاسلامي ، والذي ترجع جذوره وأصوله الى العصور الوسطى الاوربية .ناهيك عن ان جماعة الاخوان المسلمين في العراق لم تكن بعيدة عن جماعة الاخوان المسلمين التي تشكلت في مصر سنة 1928 بزعامة الشيخ حسن البنا .
وثمة حقيقة أخرى لابد من تثبيتها ؛ وهي ان جماعة الاخوان المسلمين في العراق كانت جزءا من "الحركة الوطنية العراقية " سواء في العهد الملكي الهاشمي ، أو في العهد الجمهوري بمراحله المختلفة أي ان نشاط هذه الحماعة إرتبط –بشكل أو بآخر – بنشاط الحركة الوطنية العراقية .
حاول الاستاذ الدكتور محسن عبد الحميد استاذ العقيدة والتفسير والفكر الاسلامي في جامعة بغداد سنة 1999 التأريخ لجماعة الاخوان المسلمين في العراق من خلال كتاب محمود التداول طبع بنسخ محودة ولدى كاتب هذه السطور نسخة منه وهو بعنوان :" تاريخ جماعة الاخوان المسلمين في العراق من عام 1945 الى عام 1965 " اعتمادا على بعض ما توفر له من مصادر ، واعتمادا على ذاكرته بإعتباره واحدا من الجماعة ، واستنادا الى مقابلات شخصية أجراها مع بعض قادة الجماعة .وقد وفق في جوانب واخفق في جوانب اخرى. لكن مع هذا فإنه ذكر إسم المؤسس الحقيقي لجماعة الاخوان المسلمين في العراق كما وقف عند موقعهم في خارطة الحركات والاحزاب السياسية في العراق المعاصر .
يرى الاستاذ الدكتور محسن عبد الحميد ان " الدكتور حسين كمال الدين (1913-1987 ) " وهو استاذ مصري عين في كلية الهندسة العراقية ببغداد سنة 1941 هو المؤسس الحقيقي لجماعة الاخوان المسلمين في العراق .
لكن هذا لايعني ان فكر الاخوان المسلمين في مصر كان غريبا عن العراق ؛ فالمثقفون العراقيون - وخاصة من ذوي التوجهات الدينية - كانوا على صلة تامة بهذا الفكر سواء من خلال الصحف والمجلات ، أو من خلال البعثات العلمية الى الجامع الازهر، أو من خلال وسائل فردية اخرى ؛ فمجلة "الاخوان المسلمون " المصرية كانت تصل الى المكتبات العراقية . وثمة ممن اشترك فيها فكانت تصل الموصل وبغداد والبصرة بسهولة وييسر عبر البريد .
حرص الدكتور حسين كمال الدين على ان يتحدث أمام طلبته والناس الذين يلتقيهم عن الاسلام والحقوق والواجبات ويبدو انه جلب معه مجموعة من أعمال الشيخ حسن البنا من قبيل كراريس :" من اين نبدأ ؟" و" بين الامس واليوم ".. وكان لايتوانى عن إعطائها لطلبته ، ومن تعرف اليهم مع التأكيد على ان ثمة حلولا وضعها الاسلام لكل مشاكل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعترضهم وكان ما يقوله يبدو غريبا عن ما الفه الناس عن الاسلام .. وقد وجدت أفكار الشيخ حسن البنا في التوحيد والبناء والاخوة طريقا الى عدد من شباب كلية الهندسة وغيرهم في بغداد منهم على سبيل المثال : توفيق الوتاري ، وتحسين عبد القادر ، وعدنان رانية ، وعبد الله الحاج سليم ، وحامد حسين، ونافع حمودات .
ينقل الاستاذ الدكتور محسن عبد الحميد عن المهندس عبد الوهاب الحاج حسن وهو أحد تلامذة الدكتور حسين كمال الدين في كلية الهندسة قوله : ان مجلة " الاخوان المسلمون " كانت تصل العراق في الاربعينات من القرن الماضي وتوزع على المكتبات في المدن العراقية ، ويوما بعد يوم كان قراءها يتكاثرون باعتبارها مجلة اسلامية حرة تنشر العقيدة الاسلامية وتعرض المبادئ التي يدعو اليها الاخوان المسلمين وقد بدأت الفكرة تنتشر في كلية الهندسة وخارجها وإزداد النشاط الاخواني واخذ يتنوع ليأخذ طابع عقد الاجتماعات الاسبوعية في دور اعضاءها وخاصة في الاعظمية . وكان الاستاذ حسين كمال الدين يحرص على حضور تلك الاجتماعات ويلقي فيها المحاضرات ويجيب عن الاسئلة وبعد إداء صلاة المغرب كانت الاجتماعات تنتهي وعندما كثر عدد المصلين في كلية الهندسة طلبوا من عميد الكلية - وكان انكليزيا - اسمه وليم مارش ان يخصص لهم غرفة للصلاة وبعد تلكؤ وافق وكثيرا ما كان جماعة الاخوان المسلمين يتعمدون اداء الصلاة في حدائق وقاعات جمعية الشبان المسلمين التي باتوا يسيطرون على ادارتها وبلغ الامر بهم ان عقدوا اجتماعات منظمة يحضرها العشرات من الشباب الاوائل الذين انتموا الى التنظيم منهم ياسين سعودي من كلية الحقوق ، وعبد الله العنيزي من كلية الطب ، ونشأت محمد من دار المعلمين العالية وتوفيق الوتاري ، وعبد الوهاب الحاج حسن من كلية الهندسة .وهكذا لم يعد اعضاء التنظيم يقتصرون على طلبة كلية الهندسة بل اتسعت الدائرة لتشمل طلاب من معظم كليات بغداد .
كان الى جانب الدكتور حسين كمال الدين في نشر فكر جماعة الاخوان المسلمين في العراق استاذ مصري آخر هو الاستاذ محمد عبد الحميد أحمد 1911-1992 والمعروف ب: " أبو الجامعيين " ،والذي كان يكتب ايضا في مجلة "الاخوان المسلمون " الاسبوعية اواخر الاربعينات من القرن الماضي ,وقد عمل بعد تخرجه في قسم اللغة العربية بكلية الاداب بالجامعة المصرية سنة 1938 مدرسا في مدرسة (الاخوان المسلمون ) في الاسماعيلية . كما شغل منصب سكرتير تحرير "مجلة النذير " التي كان يرأس تحريرها الاستاذ صالح عشماوي أحد قادة الاخوان المسلمين في مصر .وقد انتدب الاستاذ محمد عبد الحميد أحمد سنة 1941 للعمل بالعراق في مدرسة صناعة بغداد 1941-1946 ، وانضم الى الدكتور حسين كمال الدين المدرس في كلية الهندسة ببغداد فتعاون الاثنان على نشر الدعوة الاسلامية في العراق ، وكانا نواة العمل الاخواني .
ومما يقوله المستشار عبد الله العقيل كذلك في الجزء الاول من كتابه :" أعلام الدعوة والحركة الاسلامية المعاصرة " ان الامام حسن البنا هو من كلف الدكتور حسين كمال الدين بنشر الدعوة في العراق ، وايجاد اللبنات لتأسيس جماعة الاخوان المسلمين وذلك بالتعاون مع زملاءه محمد عبد الحميد احمد ، ومحمود يوسف في ايجاد طريق الى شباب الكليات الجامعية .
وبعد عودة الشيخ محمد محمود الصواف من بعثته في الازهر سنة 1946 ، تعاون الجميع معه ومع تلامذة الاساتذة المصريين فإنتشرت الدعوة في معظم انحاء العراق بخاصة في بغداد والموصل والبصرة واربيل وكركوك والرمادي حيث تكونت النواة الاولى للجماعة . ويقول انه عرف الكثيرين من الاباء الاوائل للتنظيم منهم صالح مهدي الدباغ ، وكمال القيسي ، وعبد الحكيم المختار ، وابراهيم منير المدرس، ونعمان عبد الرزاق السامرائي ، ووليد الاعظمي وغيرهم ببغداد.
وكان نور الدين الواعظ ، وسليمان محمد القابلي واخوانهما في كركوك وعبد الوهاب الحاج حسن واخوانه في اربيل وكان عبد الهادي ويعقوب الباحسين وتوفيق الصائغ وعبد الواحد أمان وخليل العقرب وعبد القادر الابرشي وعبدالرزاق المال الله وعبد الرحمن الخزيم وعمر الدايل في البصرة وعبد الرحمن السيد محمود وغانم سعدالله حمودات وعبد الرحمن الارحيم واخوانهم في الموصل ، وغيرهم في سائر المدن العراقية الذين فتحوا مكتبات الاخوان واصدروا النشريات الدعوية واقاموا الندوات والمهرجانات واسسوا الاندية الرياضية ونظموا الرحلات الكشفية والسفرات الربيعية .وتلك كانت وسائل الاخوان لجذب الشباب وتلاميذ المدارس و المعاهد والكليات الجامعية .
ومما يذكر في هذا الصدد ان الاستاذ محمود يوسف ، لحق بالاثنان الدكتور حسين كمال الدين، والاستاذ محمد عبد الحميد أحمد ، وكان الاستاذ محمود يوسف من إخوان مصر ثم تبعه الاستاذ كامل النحاس وغيرهم من الاخوان .وكان الاستاذ الشيخ محمد محمود الصواف يدرس في الجامع الازهر بمصر وبعد تخرجه ونيله الشهادة العالمية نشط معهما في الدعوة .وفي سنة 1946 غادر الاستاذ محمد عبد الحميد أحمد العراق بعد انتهاء مدة انتدابه وعاد الى مصر ليباشر عمله مدرسا .
ويعد الاستاذ محمد عبد الحميد أحمد من التلامذة النجباء للامام الشيخ حسن البنا فقد تتلمذ على يديه ، وأخذ عنه الكثير من اساليب الدعوة ومنهج السلوك وكان له التأثير العظيم في حياته الفكرية والروحية .وله مؤلفات منها :"كلمات وأراء" و" في وجه الطوفان " و" العقيدة وحياة رجل العقيدة " و"ذكرياتي " فضلا عن عدد كبير من البحوث والمقالات التي كان ينشرها في مجلات "النذير " و"الاخوان المسلمون " و"الدعوة " و"المباحث القضائية " .
لم يكن الهيكل التنظيمي لجماعة الاخوان المسلمين في العراق ، يختلف عن التنظيم الداخلي في مصر ؛ فالاسرة تعد اصغر وحدة تنظيمية .. والاسرة تتألف من خمسة أفراد ، وترتبط بالشعبة والشعبة بمكتب المنطقة والمنطقة بالمكتب الاداري الذي يرتبط بالمركز العام .ويقسم الاعضاء العاملون في الشعبة الى أسر كتنظيم اليد كل يد فيها خمسة اصابع وكل خمسة ترتبط بخمسة أخرى وهكذا .وكما هو معروف فإن التنظيم في العراق كان يلتزم بالكثير من شعارات الجماعة في مصر ومن ضمنها مقولة الامام الشيخ حسن البنا الشهيرة :ان الجماعة تستند الى ركائز ثلاثة هي : التعارف ، والتفهم ، والتكافل والى مبادئ جماعة الاخوان المسلمين : " الله غايتنا ،والرسول قدوتنا ، والقرآن دستورنا ،والجهاد سبيلنا ، والشهادة أمنيتنا " .ويجمع الامام الشيخ حسن البنا مظاهر هذا الشعار في خمس كلمات هي : " البساطة ،التلاوة ، الصلاة ، الجندية ، الخلق " .
إلا ان ما يمكنني ملاحظته - وانا قد عرفت جماعة الاخوان المسلمين في الموصل - ان القلة منهم من يعتمد تلك المبادئ في سلوكيته ، فلقد رأيتهم متعصبين لما يؤمنون به ، ويفرقون بين من هو منهم وبين من ليس كذلك . كما انني شهدت وانا طالب في المتوسطة المركزية سنة 1962كم كانوا عنيفين عندما اصطدموا ببعض العناصر من حركة القوميين العرب .. وللاسف هذا هو ما يسم حركتهم ليس في العراق فحسب بل في كثير من البلدان العربية والاسلامية .
في الموصل ظهر نشاط للاخوان المسلمين بفضل عدد من المدرسين المصريين منهم الاستاذ احمد كامل المنوفي المدرس في ثانوية صناعة الموصل في مطلع الاربعينات من القرن الماضي . ويذكر احد تلامذته وهو فخر الدين محضر باشي للدكتور عبد الفتاح علي البوتاني في 2 حزيران سنة 1990 ان هذا المدرس كان يشجع الطلاب على قراءة "مجلة الاخوان المسلمين " ، ويحثهم على الاشتراك فيها . كما انتقل فكر الجماعة من خلال عدد من الطلبة الذين كانوا يدرسون في كليات بغداد وخاصة من طلاب دار المعلمين العالية وكان رائدهم في هذا الاتجاه الاستاذ غانم سعد الله حمودات والذي تحدث عن ان فكر جماعة الاخوان المسلمين في مصر استهواه ، وكان ذلك بفضل ما كان يصل من أعداد مجلة "الاخوان المسلمون " ، أو ما كانت جريدة "فتى العراق "الموصلية لصاحبها الاستاذ ابراهيم الجلبي تنشره سنة 1945 من مقالات واخبار نشاطات الاخوان المسلمين في مصر .. وكان مما نشرته واطلع عليه الشباب الموصلي منهاج الاخوان المسلمين والذي نشرته متسلسلا في اكثر من عدد .
كما كانت جريدة الاديب (الموصلية ) لصاحبها محيي الدين ابو الخطاب تنشر بعض المقالات عن جماعة الاخوان المسلمين ومن ذلك على سبيل المثال مقالة صاحب الجريدة التي نشرها في 1 تموز 1948 بعنوان :" جمعية الاخوان المسلمين في الميزان " .
وكان من ابرز من إستواهم فكر الاخوان المسلمين في الاربعينات السيد عبد الرحمن السيد محمود ، والسيد عبد الرحمن الارحيم ، اللذين حاولا في اب سنة 1945 تأليف جمعية بإسم " جمعية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر " ، لتكون واجهة لنشاطهم الدعوي الاسلامي ، لكن الحكومة لم توافق على اجازتها .وقد يكون من المناسب ان نشير الى ان افكار جماعة الاخوان المسلمين قد وجدت لها طريقا لها الى مدن العراق الاخرى ومنها الرمادي واربيل والبصرة .
دخل تاريخ جماعة الاخوان المسلمين في العراق مرحلة متقدمة ؛ عندما تسلم قيادة الجماعة الاستاذ محمد محمود الصواف وعو عالم دين من الموصل ، وكان ذلك بعد عودته من دراسته في الجامع الازهر ضمن بعثة مصطفى الصابونجي الشهيرة سنة 1946 .وقد يكون من المناسب ان نشير الى انه وجد أمامه ارضية ممهدة ، ومناسبة للاستمرار في نشر مبادئ وافكار جماعة الاخوان المسلمين .وكان الشيخ محمد محمود الصواف على صلة بالشيخ حسن البنا وكان يلتقي به في مسجد محمد فاضل باشا في القاهرة حيث ذهب هو واعضاء بعثة الصابونجي للقائه .وكان الشيخ الصواف يتمتع بشخصية قيادية (كاريزمية ).. كما كان لبقا وخطيبا مفوها . وفوق هذا وذاك متحمسا لمبادئ الاخوان وله علاقات واسعة في العراق .فضلا عن انه دمث الاخلاق متواضعا عالما تفرغ للدعوة الاسلامية وقد لاقت الدعوة في عهده عقبات اهمها انتشار الفكر الشيوعي وخاصة في اعقاب الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء وفي الخمسينات من القرن الماضي .
وقد اخذ الشيوعيون يهاجمون افكار الاخوان المسلمين وكان هذا الهجوم يزداد حدة كلما وجدوا ان فكر الاخوان ينتشر بين اوساط الشباب وبخاصة الجامعيون منهم .كما اتهم الشيخ الصواف بنقص الخبرة في قضايا التنظيم الدقيق لتكوين الجماعات الاسلامية وقد أدى ذلك الى حدوث انشقاقات داخل التنظيم ومن اقدم هذه الانشقاقات انشقاق حسين احمد الصالح ، وانشقاق مصطفى الوهب ، وانشقاق جماعة سالم زيدان وسامي مكي العاني وعبد الغني شندالة في الخمسينات من القرن الماضي .
ومما عملته جماعة الاخوان المسلمين في العهد الملكي انها حاولت الظهر العلني من خلال التخفي وراء ما عرف ب"جمعية الاخوة الاسلامية " برئاسة الشيخ أمجد الزهاوي وكان لهذه الجمعية التي اجازتها وزارة الداخلية فروع في عدد من المدن العراقية ومنها الموصل .
كان لجماعة الاخوان المسلمين في العراق نظام داخلي - شأنهم في ذلك شأن كل تنظيمات الاخوان المسلمين في البلدان الاخرى- فالمراقب العام الشيخ محمد محمود الصواف انتخبه الاخوان انتخابا شرعيا بعد عودته من مصر ، وتأكدوا انه تتلمذ على يد الامام حسن البنا قرابة ثلاث سنوات ، وكان عضوا في الهيئة التأسيسية للاخوان المسلمين في مصر وبعد ان علموا بمبايعته للامام بإن يعمل من اجل الاسلام في العراق .وكان لجماعة الاخوان المسلمين هيئة تأسيسية عامة تتكون من مسؤولي واعضاء مكاتب الفروع والشعب في العراق كافة وهم الذين ينتخبون اعضاء اللجنة المركزية التي كانت تعد أعلى هيئة في تنظيم الاخوان وهم من يخططون سياسة الجماعة ويأمرون بتنفيذها .
وبشأن تمويل الجماعة المالي ؛ فقد كانت اشتراكات الاعضاء المصدر الرئيس للجماعة .كما حرصت الجماعة ومنذ تشكيلها على ان يكون لها مصادر للتمويل من خلال تأسيس شركات استثمارية منها مثلا تأسيسهم شركة طباعية بإسم "الشركة الاسلامية " للطباعة والنشر ، وكانت هذه الشركة تتولى طبع نشريات الجماعة .كما اسست الجماعة مكتبات في بغداد وبعض المدن العراقية التي كانوا يتواجدون بها ومنها فروع الموصل واربيل وكركوك والرمادي والبصرة والسليمانية .ومما يذكر في هذا الصدد ان جمعية الاخوة الاسلامية والتي تشكلت لتكون واجهة لجماعة الاخوان المسلمين كانت تتسلم من الدولة - بإعتبارها جمعية - مساعدات مالية سنوية كانت تبلغ في الخمسينات 200 دينار شهريا (اكثر من 600 دولار انذاك وهو مبلغ كانت له بعض القيمة وقتئذ ) .
اثناء قيادة الشيخ محمد محمود الصواف لجماعة الاخوان المسلمين ، كان للجماعة مواقف سياسية تجاه حكم نوري السعيد رئيس وزراء العراق المزمن الاستبدادية وفي معارضة معاهدة بورتسموث ووثبة كانون الثاني 1948 ، وفي نصرة مصر ضد العدوان البريطاني –الفرنسي-الاسرائيلي سنة 1956 . ولم يكن موقفهم من ثورة 14 تموز 1958 التي اسقطت الحكم الملكي ايجابيا وقد اسماها الشيخ الصواف :" الفتنة " .
ومن المؤكد ان قضية فلسطين شغلت جماعة الاخوان المسلمين وكانت لهم تظاهراتهم ، ووقفاتهم لنصرة اهلهم في فلسطين المغتصبة من قبل الصهاينة منذ سنة 1948 .وكان للنظام الملكي موقف متوجس من نشاط الاخوان وكثيرا ما وضعت امام التنظيم العراقيل .. وقد انعكس الموقف المصري من الاخوان على سياسة التشدد التي اتبعتها الحكومات العراقية المتعاقبة تجاه الاخوان المسلمين .
وكان للاخوان المسلمين نشاط بين النساء، ومن ذلك ان الجماعة فتحت فروعا لجمعية الاخت المسلمة في بغداد والمدن الاخرى .
كما كان للاخوان المسلمين مجلات منها مجلة : " الاخوة الاسلامية " وكانت نصف شهرية تولى الشيخ الصواف رئاسة تحريرها عند صدورها سنة 1953 . وكان للاخوان ملحق شهري لمجلة "الاخوة الاسلامية " يصدر بعنوان :" لواء الاخوان " صدر العدد الاول بتاريخ الاول من رجب 1953. كما كان لجماعة الاخوان مجلة بعنوان :" الطريق المستقيم " صدرت سنة 1953 و1954.. وكان لهم جريدة بأسم :" الحساب " صدر العدد الاول منها في نيسان 1954 .وثمة جريدة اخرى اصدرها الاخوان بعنوان :"صوت الاخوان " .
عندما وقعت في العراق ثورة 14 تموز سنة 1958 .. لم يبتهج جماعة الاخوان المسلمون بالثورة خاصة بعد اتضحت نزعتها التقدمية وانحياز الزعيم الركن عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة 1958 -1963 للشيوعيين وقد عارض علماء الدين هذا التوجه وخاصة بعد فشل حركة الشواف المسلحة في آذار 1959 وقد اعتقل الزعيم الكثيرين من القوميين العرب والاخوان المسلمين والقى بهم في غياهب السجون .
وممن اعتقلهم الشيخ محمد محمود الصواف المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين وبعد الافراج عنه هرب من العراق الى سوريا ومن ثم الى المملكة العربية السعودية حيث استقر هناك .
وقد أناب الشيخ محمد محمود الصواب عنه في قيادة الجماعة الدكتور عبد الكريم زيدان وقد وافقت الجماعة على هذا الاجراء ولم يصدر أي قرار بعزل الشيخ الصواف - كما يقول الاستاذ الدكتور محسن عبد الحميد - لكن بعد فترة وبعد ان ايقنوا ان الشيخ الصواف لن يعود ثانية ، قرروا انتخاب الدكتور عبد الكريم زيدان انتخابا شرعيا بالاجماع مراقبا عاما جديدا لجماعة الاخوان المسلمين .
وكان ممن عمل مع الدكتور عبد الكريم زيدان ..علي السعودي ، وكامل محمد علي ، وعبد الرحمن داؤد، وعبد المنعم العلي ، واحمد ابراهيم محمود ، وعبد اللطيف محمود الدوري ، ونور الدين الواعظ المحامي ، وصلاح العطار، وعايش رجب الكبيسي ، واحمد نجم الدين البرزنجي ، وصالح عبد الله سرية (فلسطيني كان يعيش في العراق ويعد رسالة ماجستير عن تاريخ التعليم الصناعي في العراق في كلية التربية في جامعة بغداد ) .
وكان الدكتور عبد الكريم زيدان عضوا في اللجنة المركزية للجماعة ، وكان يتمتع بعلم شرعي كبير ، وبإخلاق فاضلة ، وهو من مدينة عانة بلواء الرمادي (محافظة الانبار ) ومن مواليدها سنة 1917 يحمل الدكتوراه في الشريعة من جامعة القاهرة عن اطروحته الموسومة :" احكام الذميين والمستأمنين في الشريعة الاسلامية " التي أنجزها بإشراف الاستاذ الدكتور محمد سلام مدكور .
ومن الاحداث البارزة في عهد الاستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان وقيادته لجماعة الاخوان المسلمين ، صدور " قانون الجمعيات والاحزاب في العراق " سنة 1960 . وقد استغل الاخوان هذه الفرصة فقدموا طلبا الى وزارة الداخلية بإنشاء حزب بإسم :" الحزب الاسلامي " وكان هدفهم من ذلك كما يقول الاستاذ الدكتور محسن عبد الحميد في كتابه :"تاريخ جماعة الاخوان المسلمين في العراق من عام 1945 الى عام 1965 " ان تكون لهم قناة علنية تستطيع ان تقود حركة الدعوة الاسلامية وتدخل في صراع سياسي ، ومواجهة علنية رسمية مع حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم من جهة ، ومع الفساد الاجتماعي ، واصلاح الفرد العراقي من جهة اخرى " .
قدمت الهيئة المؤسسة للحزب الاسلامي العراقي طلبها الى وزارة الداخلية ، ونشر في جريدة "العراق" وفي العدد الصادر في 8 شباط سنة 1960 - شأنه شأن الاحزاب الاخرى - لكن وزارة الداخلية رفضت الطلب في كتابها المرقم ش ح -914 في 27 اذار سنة 1960 بدعوى ان مبادئ الحزب لاتنسجم مع الحياة العصرية ، فإضطرت الهيئة المؤسسة للتمييز فصدر قرار محكمة تمييز العرق قي 26 نيسان سنة 1960 بإجازة الحزب ، ورد دعوى وزارة الداخلية ، وقامت وزارة الداخلية بإبلاغ ذلك للهيئة المؤسسة في 9 تموز 1960 وهو التاريخ الذي عُد تاريخا لتأسيس الحزب الاسلامي العراقي .ومما يذكر في هذا المجال ان الهيئة المؤسسة للحزب ضمت اعضاء من كل مكونات واديان ومذاهب وقوميات مختلفة .
وفي يوم الجمعة الخامس من صفر سنة 1380 هجرية الموافق لليوم 29 من تموز 1960 عقد الحزب الاسلامي العراقي مؤتمره الاول والذي ضم حشدا من اعضاءه . وافتتح المؤتمر تحت شعار الاية الكريمة :" وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ " (الاية 33 من سورة فصلت ).
وبعد قراءة ماتيسر من آيات القران الكريم ألقى الاستاذ نعمان عبد الرزاق السامرائي عضو الهيئة المؤسسة للحزب تقرير الحزب وتضمن التأكيد على ان الحزب يعمل من اجل حمل افكار الاسلام ومبادئه ونشرها ومقاومة الاستعمار الغربي والتخلص من نفوذه .
كما فند المقولة التي تذهب بأن افكار الاسلام تعزل الناس عن العالم المعاصر ، وعن الحياة والامة وقال : ان طبيعة الاسلام تؤكد على العمل المنظم السليم ، وان قيام حزب اسلامي يمثل صمام أمان وقارب نجاة للشباب لكي لايقعوا في أحابيل المستعمرين ، وان الاسلام دين شمولي يهتم بكل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية .
كانت اللجنة المركزية للحزب الاسلامي التي فازت في الاقتراع السري في اول اجتماع للحزب مؤلفة على النحو التالي :
1.الدكتور نعمان عبد الرزاق السامرائي رئيسا
2. الاستاذ فليح حسن السامرائي عضوا
2. الشيخ ابراهيم منير الريس عضوا
4. الشاعر وليد الاعظمي عضوا
5. الشيخ طه جابر العلواني عضوا
6. الاستاذ المحامي فاضل العاني عضوا
7.الاستاذ المحامي فاضل القاضي عضوا
8.الاستاذ سليمان القابلي عضوا
9.الشيخ عبد الجليل ابراهيم عضوا
10. الاستاذ نظام الدين عبد الحميد عضوا
وقد أصدر الحزب دستورا تفصيليا بعنوان :"دستور الحزب الاسلامي " تألف من مقدمة وفصول ستة تناولت موادا تمهيدية وفي السلطة القضائية وفي النظام الاجتماعي وفي التظيم وفي النظام الاقتصادي وفي السياستين الداخلية والخارجية .
كان الاستاذ نعمان عبد الرزاق السامرائي أول رئيس للحزب الاسلامي . وفي سنة 1991 تولى اياد السامرائي رئاسة الحزب عند اعادة تأسيسه في المهجر بلندن وبعد الاحتلال الاميركي للعراق في نيسان 2003 شغل الدكتور محسن عبد الحميد منصب الامين العام للحزب مع عضويته في مجلس الحكم الذي انشأه السفير بول بريمر وفي تموز سنة 2004 تولى طارق الهاشمي رئاسة الحزب واستمر حتى سنة 2009 .
وفي حزيران سنة 2009 تولى الدكتور أسامة التكريتي رئاسة الحزب وفي سنة 2011 تولى إياد السامرائي رئاسة الحزب خلفا للدكتور أسامة التكريتي وقد جرى ذلك كله –كما تقول أدبيات الحزب – وفق انتخابات حزبية داخلية .
كان للحزب مواقف من المد الشيوعي في العراق ومقاومته ومقاومة الحكم القاسمي الفردي .
وبشأن الموقف من القضية الكردية يقول الدكتور ميفان عارف عبد الرحمن في اطروحته للدكتوراه التي قدمها لجامعة الموصل بإشراف كاتب هذه السطور سنة 2007 :" ان موقف جماعة الاخوان المسلمين من القضية الكردية ظل غامضا وطوال سنوات الاقتتال والهدنة التي كانت تتم بين الحكومة العراقية والقيادة الكردية البارزانية لم يصدر من جماعة الاخوان المسلمين أي بيان أو توضيح حول القضية ؛ والحزب الاسلامي العراقي لم يكن يرى ان الاكراد اصابهم الظلم والاضطهاد وانما يرى بأن الظلم في العراق أمر طارئ أصيب به كل العراقيين وضمن فترات تاريخية عديدة .
ومع هذا فإن ثمة من يشير الى ان العلاقة بين جماعة الاخوان المسلمين والملا مصطفى البارزاني زعيم الحركة الكردية كانت جيدة وخاصة عندما ذهب وفد الاخوان المسلمين في سنة 1966 الى الملا مصطفى البارزاني لاستحصال موافقته بشأن رفع مذكرة الى الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة لطلب الاعفاء عن سيد قطب الامين العام لجماعة الاخوان المسلمين في مصر والذي حكم بالاعدام بتهمة العمل على قلب نظام الحكم وقد وقع الملا مصطفى على الطلب شأنه شأن كثيرين من القادة والزعماء الذين حاولوا الشفاعة والحيلولة دون اعدام سيد قطب .
أصدر الحزب الاسلامي العراقي نشريات عديدة ونشط بين الطلبة والشباب والعمال وكانت له صلات مع علماء السنة والشيعة في الشمال والوسط والجنوب ، وقدم للحكومة مذكرات حول اصلاح التعليم وتطوير الصحة وتقديم الخدمات للمواطنين .كما قدم مذكرات حول القضايا العربية والاسلامية المصيرية انذاك ومنها قضية فلسطين وقضية الجزائر واعترض على اعتراف ايران والباكستان باسرائيل .وقد كان في كل مواقفه ومذكراته يؤكد اهمية تعزيز الوحدة الوطنية والعربية والاسلامية وكان له موقف حازم من الفكر الشيوعي الذي وجد له انذاك طريقا الى الساحتين العراقية والعربية ..
وكان الحزب ينظر الى كل القوميات في العراق نظرة متساوية ويعطف على ان ينال ابناء تلك القوميات حقوقهم ولم يكن يفرق بين قومية واخرى ويرفض اية محاولات اعتدائية على اي من القوميات.كما كان يوصي بان المواطنين العراقيين من غير المسلمين لهم نفس حقوق المسلمين وعلى الدولة ان تؤمن لهم التمتع بكل حقوقهم وان عقيدة المواطنين من غير المسلمين من اهل الكتاب في العراق مصونة .
وقد انتقد المجازر التي إرتكبها الشيوعيين في الموصل وكركوك سنة 1959 ، وعدها وصمة عار في جبين الحزب الشيوعي العراقي ، ودعا الى الاسراع في الانتقال الى الحياة الدستورية والحكم المدني ، واصدار الدستور الدائم ، وإجراء انتخابات المجلس الوطني (البرلمان ).
وقد اهتم بالتعليم ، وعده الركيزة الاساسية للنهوض بالامة .وقد عالج الحزب في بعض مذكراته وتقاريره " مشكلة الفقر في العراق من منظور اسلامي " يعتمد على الاهتمام بالزكاة والصدقات ، وقيام الدولة بفرض ضرائب عادلة .
واهتم الحزب بالنفط ، ودعا الى الانتفاع منه كما ينبغي. ومن المناسب الاشارة الى أنه دعا الى تأميمه وتخليصه من الشركات الاحتكارية وتويضها عن منشآتها . ولم تكن دعوة الحزب هذه تختلف عن دعوات الاحزاب القومية العربية . ولم يكن محض صدفة ان يتعاون جماعة الاخوان المسلمين مع القوميين والعروبيين في مواقف كثيرة منها موقفهم من المد الشيوعي وتقيامهم في مدية الموصل قبل وبعد قيام وفشل حركة الشواف المسلحة سنة 1959 بتشكيل التكتل او التجمع القومي –الاسلامي والذي كان له دوره الفاعل في الحفاظ على عروبة الموصل وشخصيتها الحضارية القومية – الاسلامية .
ان عمل "جماعة الاخوان المسلمين " في العراق ، سار على الرغم من وجود "الحزب الاسلامي " ، وانشغال عدد كبير من كوادر الجماعة بأعمال الحزب وما ترتب على ذلك من انجازات ونشاطات دعوية واجتماعية وحتى سياسية .
عن العلاقة بين جماعة الاخوان المسلمين والحزب الاسلامي كتب الدكتور طه جابر العلواني مقالة في مجلة :" رؤية تركية " العدد 2 -2012التي تصدر عن مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية (ستا ) في انقرة قال فيها :"شاركت في مقتبل العمر في تجربة سياسية وذلك حين سمحت ظروف العراق السياسية في عهد عبد الكريم قاسم بستينات القرن الماضي بتشكيل احزاب سياسية وقام عدد من حملة الدعوة والهم الاسلامي بتأسيس (الحزب الاسلامي العراقي ) الذي اعلن انه سيؤسسه عدد من الاسلاميين المستقلين وكنت من بين هؤلاء واتضح فيما بعد ان من روجوا لتأسيس هذا الحزب في بادئ الامر كانوا (الاخوان المسلمون ) الذين يعملون في اطار تنظيم سري فقرروا تأسيسه ليكون واجهة علنية لهم ووضع المستقلين امثالي في اطار يشعرهم بأنهم اهل هذا الحزب واصحابه ومؤسسوه وان الاخرين هم اخوان قرروا تجاوز العمل السري الى العلن فأصبح كل منهم لايختلف عن اي اسلامي مستقل يمارس التحرك والعمل السياسي انطلاقا من مرجعية الاسلام وتحقيق مقاصده وغاياته .وبعد قيام الحزب وبدء نشاطه العلني فوجئ المستقلون امثالي بأن القيادة الحقيقية للحزب انما هي القيادة السرية لجماعة الاخوان المسلمين العراقيين .اما قيادة الحزب الاسلامي فلا تستطيع ان تمرر قراراتها او تنفذها الا اذا صادقت عليها قيادة الاخوان السرية وكان ذلك اول الوهن وبداية الفشل التي ادت الى توقف نشاط الحزب تماما الى ان قام قادة الحزب المعاصرون بعد انضمامهم للمعارضة العراقية ضد نظام حكم الرئيس الاسبق صدام حسين بنفض الغبار عنه اي عن الحزب الاسلامي وتنشيطه في اطار المعارضة العراقية التي تسلمت السلطة من الاميركان الذين اسقطوا نظام صدام حسين " . ويقف الدكتور طه جابر العلواني لينبه الى ان انغماس قيادات الحزب الاسلامي الجدد ينبغي ان لاينساقوا كثيرا في الحديث والاجتهاد الذي نسمع عنه كل يوم حول الديموقراطية والتعددية الليبرالية والحزبية الى آخر المنظومة كما ان على مشايخ هذا الحزب والمتصدون للفتوى ان لايسترسلوا في هكذا نوع من الاجتهادات التي من المؤكد ان تكون لها آثار سلبية في مقبل الايام .واقول هنا ان نقد العلواني وتحذيره كان في محله اذ خسرت قيادات الحزب الاسلامي الكثير من قواعدها بسبب انخراطها في العملية السياسية التي اوجدها المحتلون الاميركان والتي اثبتت الوقائع خطلها وفشلها واسهامها في تدمير العراق وتفكيكه وافلاسه .
كان من الطبيعي ان يكون نشاط "جماعة الاخوان المسلمين "في العراق سريا بجميع فروعه . وقد عكست نشريات الجماعة وصحفها السرية ذلك وعلى سبيل المثال كان للجماعة جريدة سرية تصدر بأسم :" الجهاد " ، وكانت جريدة سياسية اخبارية وكان رئيس تحريرها الاستاذ نور الدين الواعظ الذي بقي يعمل في صفوف جماعة الاخوان ، ورفض تسلم رئاسة الحزب الاسلامي لرفضه طبيعة القيادة المزدوجة وكان هو من يتولى كتابة افتتاحية جريدة "الجهاد " .كما كان لجماعة الاخوان جريدة اخرى بأسم :" الفيحاء " وكثيرا ما تعرض من يكتب في الصحف هذه الى الاعتقال اكثر من مرة .ولم يكن اعلام جماعة الاخوان المسلمين والحزب الاسلامي مقتصرا على الصحف والمجلات وانما كان للنشريات المختلفة دورها طوال سنوات الستينات من القرن الماضي وما بعدها والتي كثيرا ما تناولت موضوعات عديدة من قبيل "الجيش "و"الكفر المستورد " و"محنة الاخوان في مصر " و"تطورات الوضع في الباكستان " و"الوحدة بين مصر وسوريا " و" ذكرى تقسيم فلسطين " و" ابادة دعاة الاسلام في مصر " و"كارثة زنجبار ومواجهة الرئيس التانزاني نويري المعارضة الاسلامية ".
وفي سنة 1965 أصدرت جماعة الاخوان المسلمين في العراق مجلة بعنوان : " المنهاج " وعدوها تصدر بإسم " الحركة الاسلامية في العراق " . ومما يلحظ ان هذه المجلة عالجت قضايا عديدة منها "القضية الكردية " وقد خفت لهجة جماعة الاخوان في معالجة هذه القضية وخاصة في الموقف من الملا مصطفى البارزاني الذي كانوا ينظرون اليه بإعتباره بطلا قوميا كرديا وليس اسلاميا لهذا كانوا يهاجمونه ويتهمونه بشتى التهم ومما يؤكد ذلك ما جاء في العدد الذي صدر من" المنهاج " في كانون الاول 1965 .وفي السنة 1966 اصدروا مجلة بعنوان " النقيب " وكانت مجلة داخلية تثقيفية موجهة الى النقباء المسؤولين عن عدد من الاخوان المسلمين العاملين .
وللاخوان ايضا رسالة شهرية توجيهية لتثقيف أعضاءها في التفسير والحديث وقضايا الفكر الاسلامي ولهم كذلك "المعلم " وهي نشرة داخلية كانت تصدرها رابطة المعلمين الاسلامية في العراق .أما " هذه دعوتنا " فكانت تعد نشرة تهتم بتثقيف العضو بالمعلومات المختلفة وخاصة في شؤون الكتاب والسنة .
ولم تكن الجماعة تتوانى عن إقامة الاحتفالات في المناسبات الدينية كالمولد النبوي والهجرة والاسراء والمعراج وأيام رمضان وتنظم السفرات لفتيانها وشبابها ورجالها وتحاول الكسب اليومي من خلال توجيههم الى حضور الندوات في المقاهي المحددة وفي الجوامع والمدارس الدينية وعلى شواطئ نهري دجلة والفرات كانت تقيم ما يسمى بالسرادقات و" الجراديغ " لتدرب الشباب على السباحة .
وخلال فترة حكم الاخوين الرئيس عبد السلام محمد عارف 1963-1966 والرئيس عبد الرحمن محمد عارف 1966-1968 استمرت "جماعة الاخوان المسلمين " في تقديم النصائح والتوجيهات لصناع القرار من خلال المذكرات السياسية وأبرز ما كانت تتضمنه تلك المذكرات الدعوة الى" تطبيق الشريعة الاسلامية " ، و"نبذ المبادئ العلمانية " ، ومحاربة العنصرية ، واقامة وحدة حقيقية بين الشعب العراقي على اساس "الاخوة الاسلامية " .
تعرضت " جماعة الاخوان المسلمون في العراق "في السنوات 1965-1966 الى انشقاق خطير قادته مجموعة مؤلفة من فليح حسن السامرائي ، وطه جابر العلواني امام وخطيب جامع الباجه جي في بغداد والضابط الاحتياط ومدرس الدين في الكلية العسكرية ، والمهندس عبد الغني شندالة وصالح عبد الله سرية (طالب دراسات عليا وتخصص في التربية في جامعة بغداد وهو فلسطيني ) ونو الدين الواعظ المحامي وعدنان المشايخي ومنيب الدوري . وكان معهم عدد من الاخوان العسكريين امثال العميد محمد فرج جاسم .
وتعود جذور الخلاف بين هذه الجماعة والقيادة الشرعية المتمثلة بالدكتور عبد الكريم زيدان المراقب العام للاخوان المسلمين الى ايام الحزب الاسلامي مطلع الستينات ، وكانت الجماعة المنشقة تنتقد الدكتور عبد الكريم زيدان بشدة وتتهمه بأنه لايتفاعل مع العمل السياسي .وقد تطور الخلاف الى ان يقدم جماعة العميد محمد فرج جاسم ، وفليح السامرائي ، وطه جابر العلواني الى الاتصال ببعض العسكريين والتخطيط للقيام بانقلاب عسكري على نظام حكم الرئيس عبد الرحمن محمد عارف 1966-1968 . وكان المنشقون يرون ان الخطر قادم الى العراق مادام الفريق عبد الرحمن محمد عارف في السلطة فهو برأيهم " مشلول الارادة ، قليل الحيلة ، ضعيف الشخصية أمام ضباط الجيش وتدخل الدول العربية في شؤون العراق الداخلية " . وكان العميد محمد فرج جاسم على صلة بالعميد عبد الغني الراوي واخرين من الضباط وكانوا يلحون على ان يكون الاخوان المسلمين من اوائل المشاركين في هذا الانقلاب .
عارض الدكتور عبد الكريم زيدان المراقب العام هذا التوجه وقال لهم ان الانقلابات العسكرية لاتأتي بخير وانها غالبا ما تكون مخترقة من بعض مخابرات الدول الاجنبية .ومعنى هذا فإن توريط الاخوان في مثل هكذا تحركات يبعدهم عن خط التربية والتثقيف والدعوة الاسلامية الحقيقية .ولربما كانت تجربة الاخوان مع ثورة 23 يوليو –تموز 1952 ماثلة امامهم في العراق .وثمة من يقول ان الدكتور عبد الكريم زيدان كان يتبع سياسة حذرة إزاء التطورات السياسية في العراق وانه كان يخشى من ان تصاب جماعة الاخوان المسلمين بنكسة كما اصيبت جماعة الاخوان في مصر بعد ثورة 23 يوليو –تموز 1952 .
غير أن المنشقين أصروا على موقفهم ، وفتحوا لهم خطوطا للاتصال مع ضباط وسياسيين من غير الاخوان وقد إجتمعوا وقالوا نحن لانطعن في مقاصد القيادة ولانتهمهم انما نختلف معهم في اسلوب الدعوة وقرروا اصدار مجلة بإسم " الاخوان المسلمون " ، والتي نشرت مقالات في تحليل حركة الاخوان المسلمين في العراق ولم يصدر منها سوى عددان كما اصدروا بيانا كان فيه استفزاز واضح لقيادة الدكتور عبد الكريم زيدان .
وعلى أثر ذلك قررت القيادة فصل المنشقين واتهامهم بتخريب الجماعة ووجوب مقاطعتهم من جميع جماعة الاخوان في العراق .
في 17 تموز 1968 حدثت حركة انقلابية مسلحة ، أنهت نظام حكم الرئيس عبد الرحمن محمد عارف . وقد اشترك الدكتور عبد الكريم زيدان في التشكيلة الوزارية الاولى التي تشكلت برئاسة السيد عبد الرزاق النايف ، وأسند اليه منصب وزير الاوقاف وذلك في محاولة لجذب جماعة الاخوان المسلمين ، وضمان تأييدهم للتغيير .الا ان هذه الوزارة لم تدم سوى 13 يوما اذ سقطت في الثلاثين من تموز 1968 وبذلك فقد الدكتور عبد الكريم زيدان منصبه .
إتضح ان لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي تسلم السلطة فعليا وواقعيا في يوم 30 تموز 1968 موقف مضاد من نشاط جماعة الاخوان المسلمين لذلك حد من نشاطاتهم ومنعهم من ان يقوموا بأي عمل .
كما تعرض عددمن قادة الاخوان الى الاعتقال والملاحقة وأعدم عدد آخر من قادتهم لعل من أبرزهم الشيخ عبد العزيز البدري وشقيقه ، والعميد محمد فرج جاسم ، والعميد عبد الستار العبوسي ، والشيخ ناظم العاصي ، والمهندس عبد الغني شندالة وكانت التهمة الموجهة لهم هي المشاركة في حركة العميد عبد الغني الراوي الانقلابية ضد نظام الحكم سنة 1970 .
ومع انهم ظلوا يحافظون على نشاطهم الدعوي السري ، الا ان هذا النشاط لم يكن كبيرا فقد هرب معظم قادتهم من العراق وتوجهوا الى دول الخليج العربي واوربا واميركا .
وفي الوثائق المتداولة ما يشير الى ان الحزب الاسلامي ، وجماعة الاخوان المسلمين قد اوقفوا تنظيماتهما رسميا في 5 نيسان سنة 1971 وكان قرارهم - كما يقول الدكتور شمران العجلي في كتابه :" الخريطة السياسية للمعارضة العراقية " – يعني ان التنظيم يعني التصفية من قبل السلطة ويجب ان يتوقف التنظيم ليخلي المجال للنشاط الدعوي السلمي .
في سنة 1991 إجتمع عدد من قيادات جماعة الاخوان المسلمين والحزب الاسلامي في بلدان المهجر وخاصة في لندن وقرروا إعادة تنظيم انفسهم في الحزب الاسلامي .كما عمل بعضهم على انشاء مؤسسات فكرية وشركات استثمارية استطاع بعضها - وخلال سنوات الحرب العراقية –الايرانية 1980-1988 وحرب الخليج الثانية 1991 والحصار على العراق - التغلغل داخل العراق والاستثمار فيه مع عدم التخلي عن معارضة نظام الحكم الذي كان قائما قبل الاحتلال الاميركي في 9 نيسان 2003 .
كما إستطاعوا من خلال الاعمال الخيرية ، والاغاثية والاجتماعية ، التي كان يحتاجها العراقيين إبان الحصار الاتصال بالناس واقامة منظمات طابعها الظاهر العمل الخيري لكن طابعها العام هو العمل الدعوي .
ومن المؤكد ان نظام الحكم العراقي قبل الاحتلال الاميركي البغيض في 9 نيسان 2003 .. غض الطرف عن كثير من النشاطات الدعوية والثقافية لجماعة الاخوان المسلمين الذين استفادوا من " الحملة الايمانية " التي أعلنها النظام خلال الحصار ، والمواجهة مع الولايات المتحدة الاميركية .
ويمكن ملاحظة ذلك من متابعة نشرياتهم وخطبهم ومحاضرات الكثير من قادتهم ومنهم الدكتور محسن عبد الحميد المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين عشية الاحتلال .
وما ان وقع الاحتلال الاميركي للعراق في 9 نيسان 2003 حتى ظهرت جماعة الاخوان المسلمين بأسم :" الحزب الاسلامي " ، وصارت تمارس نشاطاتها بكل حرية ، ولم يقتصر الامر على ذلك بل شاركت في مجلس الحكم الذي أسسه السفير بول بريمر بشخص الدكتور محسن عبد الحميد .
ويتولى اليوم - وعند كتابة هذه السطور - الدكتور أسامة التكريتي مهمة المراقب العام لجماعة الاخوان الاسلاميين .ومن قيادات الحزب الاسلامي الدكتور سليم الجبوري نائب الامين العام للحزب(رئيس مجلس النواب الحالي ) ، والدكتور عمار وجيه زين العابدين رئيس مجلس شورى الحزب
والمتحدث الاعلامي ومن اعضاء المكتب السياسي : بهاء الدين النقشبندي، والدكتور محمد إقبال عمر الصيدلي ، ونصير عايف العاني ، ورشيد العزاوي ، ومطشر السوداني ، وعمار يوسف العاني ، والدكتور محمد مبارك وعصام الشيخلي . ومن الاعضاء البارزين الدكتور محمد شاكر الغنام مسؤول الحزب في الموصل ، والدكتور عبد القهار مهدي السامرائي ، والمهندس فائق ذياب طفاح السامرائي .
ومهما يكن من أمر ، فإن الحزب الاسلامي العراقي يشارك في العملية السياسية الجارية المتلكئة في العراق لابل اقول الفاشلة .. واستطيع ان اقول ايضا بأنه –ونتيجة مشاركته هذه – خسر الكثير من قواعده الشعبية التي كانت تنظر لجماعة الاخوان المسلمين وللحزب الاسلامي العراقي بعين الاكبار والاعتزاز من حيث ان جماعة الاخوان المسلمين في العراق كانت لسنين طويلة جزءا من الحركة الوطنية . فضلا عن انها كانت تمثل ، لمن انتسب الى الجماعة وخاصة في الخمسينات من القرن الماضي ، التنظيم الوحيد الذي يعلي من شأن الاسلام وعظمته وخاصة من حيث التسلح بالقيم والمعايير الاخلاقية القائمة على ركائز التعاون والتسامح والصدق والايثار والعمل الوطني والقومي العربي والاسلامي والانساني .
المصادر والمراجع :
1. البوتاني ،عبد الفتاح علي يحيى ، الحياة الحزبية في الموصل ، رسالة ماجستير بإشراف الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف ، قدمت الى مجلس كلية الاداب ، جامعة الموصل ، 1997 وهي غير منشورة .
2. بوهلي ، مايكل ، الشبكة الاصولية :تعريف بالمنظمات الاصولية الاسلامية في العالم ،ترجمة فريدون كاكه يي ،مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية ،السليمانية ،2001
3. الشريدة ، نوري شهاب أحمد ، تاريخ الاحزاب السياسية في القطر العراقي ،اصدرته دائرة الشؤون السياسية في مديرية الامن العامة –وزارة الداخلية ، جمهورية العراق ، توزيع محدود ،بغداد ، 1975 .
4. صالح ، محمد وليد عبد ، محمود شيت خطاب : حياته واثاره العلمية، رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة الى كلية الآداب – جامعة الموصل، 2003
5. عبد الحميد ، محسن ، تاريخ جماعة الاخوان المسلمين في العراق من عام 1945 الى 1965 ،طبعة خاصة .بغداد ، 1999 .
6. عبد الرحمن ، ميفان عارف، الاحزاب السياسية العراقية والقضية الكردية 1946-1970 ، اطروحة دكتوراه بإشراف الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف قدمت الى مجلس كلية الاداب –جامعة الموصل ، 2007.
7. العكيدي ، مجول محمد محمود جاسم ، الشيخ أمجد الزهاوي 1883-1967 دراسة تاريخية ، اطروحة دكتوراه قدمت بإشراف الدكتور غانم محمد الحفو الى مجلس كلية التربية –جامعة الموصل ، 2004
8. -------------------------------، علماء الدين الاسلامي في الموصل ومواقفهم تجاه أبرز القضايا الوطنية والقومية 1921-1958 ، رسالة ماجستير قدمت بإشراف الدكتور نمير طه ياسين الى كلية التربية –جامعة الموصل ، 2001 .
9. العقيل ، عبد الله، من اعلام الدعوة والحركة الاسلامية المعاصرة ، ثلاثة أجزاء ،دار البشير ، ط8 ،2008 .
10. العجلي ، شمران ، الخريطة السياسية للمعارضة العراقية ، دار الحكمة ،لندن 2000 .
11. نجم ، جاسم محمد عبدالله ، محمد محمود الصواف : 1915 - 1992 دراسة في سيرته ودوره الديني والسياسي، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية الآداب – جامعة الموصل، 2005
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
أستاذ متمرس-جامعة الموصل
كانت "جماعة الاخوان المسلمون " في العراق ، وما زالت موضوعا لكثير من الدراسات ، والمقالات ، والبحوث ، والرسائل الجامعية . ولايعني ان ما كتب عنها –سلبا أو ايجابا- يسد الطريق أمام الباحثين والمؤرخين في ولوج هذا الموضوع المهم والحساس والخطير .ذلك ان جماعة الاخوان المسلمين في العراق تعد من ابرز الحركات السياسية –الدينية التي شهدها العراق والوطن العربي في التاريخ الحديث .
ليس ذلك فحسب ، بل ان تأثرها في الساحة السياسية والفكرية والثقافية العراقية كان كبيرا .فضلا عن انها أثرت على اجيال من الشباب العراق طوال عقود .وكان لجماعة الاخوان المسلمين - لوحدهم أو بالتعاون مع القوى القومية العربية - مواقف من كل الاحداث التي مر بها العراق وخاصة في اعقاب الحرب العالمية الثانية 1939-1945 .ويزخر ارشيف الوطني العراقي بالكثير من الوثائق والنصوص والكتابات التي توثق للنشاطات السياسية والثقافية والدعوية التي قام بها جماعة الاخوان المسلمين .
وليس من شك في ان جماعة الاخوان المسلمين في العراق هم جزء من رافد مهم من روافد الفكر العربي –الاسلامي ، والذي ترجع جذوره وأصوله الى العصور الوسطى الاوربية .ناهيك عن ان جماعة الاخوان المسلمين في العراق لم تكن بعيدة عن جماعة الاخوان المسلمين التي تشكلت في مصر سنة 1928 بزعامة الشيخ حسن البنا .
وثمة حقيقة أخرى لابد من تثبيتها ؛ وهي ان جماعة الاخوان المسلمين في العراق كانت جزءا من "الحركة الوطنية العراقية " سواء في العهد الملكي الهاشمي ، أو في العهد الجمهوري بمراحله المختلفة أي ان نشاط هذه الحماعة إرتبط –بشكل أو بآخر – بنشاط الحركة الوطنية العراقية .
حاول الاستاذ الدكتور محسن عبد الحميد استاذ العقيدة والتفسير والفكر الاسلامي في جامعة بغداد سنة 1999 التأريخ لجماعة الاخوان المسلمين في العراق من خلال كتاب محمود التداول طبع بنسخ محودة ولدى كاتب هذه السطور نسخة منه وهو بعنوان :" تاريخ جماعة الاخوان المسلمين في العراق من عام 1945 الى عام 1965 " اعتمادا على بعض ما توفر له من مصادر ، واعتمادا على ذاكرته بإعتباره واحدا من الجماعة ، واستنادا الى مقابلات شخصية أجراها مع بعض قادة الجماعة .وقد وفق في جوانب واخفق في جوانب اخرى. لكن مع هذا فإنه ذكر إسم المؤسس الحقيقي لجماعة الاخوان المسلمين في العراق كما وقف عند موقعهم في خارطة الحركات والاحزاب السياسية في العراق المعاصر .
يرى الاستاذ الدكتور محسن عبد الحميد ان " الدكتور حسين كمال الدين (1913-1987 ) " وهو استاذ مصري عين في كلية الهندسة العراقية ببغداد سنة 1941 هو المؤسس الحقيقي لجماعة الاخوان المسلمين في العراق .
لكن هذا لايعني ان فكر الاخوان المسلمين في مصر كان غريبا عن العراق ؛ فالمثقفون العراقيون - وخاصة من ذوي التوجهات الدينية - كانوا على صلة تامة بهذا الفكر سواء من خلال الصحف والمجلات ، أو من خلال البعثات العلمية الى الجامع الازهر، أو من خلال وسائل فردية اخرى ؛ فمجلة "الاخوان المسلمون " المصرية كانت تصل الى المكتبات العراقية . وثمة ممن اشترك فيها فكانت تصل الموصل وبغداد والبصرة بسهولة وييسر عبر البريد .
حرص الدكتور حسين كمال الدين على ان يتحدث أمام طلبته والناس الذين يلتقيهم عن الاسلام والحقوق والواجبات ويبدو انه جلب معه مجموعة من أعمال الشيخ حسن البنا من قبيل كراريس :" من اين نبدأ ؟" و" بين الامس واليوم ".. وكان لايتوانى عن إعطائها لطلبته ، ومن تعرف اليهم مع التأكيد على ان ثمة حلولا وضعها الاسلام لكل مشاكل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعترضهم وكان ما يقوله يبدو غريبا عن ما الفه الناس عن الاسلام .. وقد وجدت أفكار الشيخ حسن البنا في التوحيد والبناء والاخوة طريقا الى عدد من شباب كلية الهندسة وغيرهم في بغداد منهم على سبيل المثال : توفيق الوتاري ، وتحسين عبد القادر ، وعدنان رانية ، وعبد الله الحاج سليم ، وحامد حسين، ونافع حمودات .
ينقل الاستاذ الدكتور محسن عبد الحميد عن المهندس عبد الوهاب الحاج حسن وهو أحد تلامذة الدكتور حسين كمال الدين في كلية الهندسة قوله : ان مجلة " الاخوان المسلمون " كانت تصل العراق في الاربعينات من القرن الماضي وتوزع على المكتبات في المدن العراقية ، ويوما بعد يوم كان قراءها يتكاثرون باعتبارها مجلة اسلامية حرة تنشر العقيدة الاسلامية وتعرض المبادئ التي يدعو اليها الاخوان المسلمين وقد بدأت الفكرة تنتشر في كلية الهندسة وخارجها وإزداد النشاط الاخواني واخذ يتنوع ليأخذ طابع عقد الاجتماعات الاسبوعية في دور اعضاءها وخاصة في الاعظمية . وكان الاستاذ حسين كمال الدين يحرص على حضور تلك الاجتماعات ويلقي فيها المحاضرات ويجيب عن الاسئلة وبعد إداء صلاة المغرب كانت الاجتماعات تنتهي وعندما كثر عدد المصلين في كلية الهندسة طلبوا من عميد الكلية - وكان انكليزيا - اسمه وليم مارش ان يخصص لهم غرفة للصلاة وبعد تلكؤ وافق وكثيرا ما كان جماعة الاخوان المسلمين يتعمدون اداء الصلاة في حدائق وقاعات جمعية الشبان المسلمين التي باتوا يسيطرون على ادارتها وبلغ الامر بهم ان عقدوا اجتماعات منظمة يحضرها العشرات من الشباب الاوائل الذين انتموا الى التنظيم منهم ياسين سعودي من كلية الحقوق ، وعبد الله العنيزي من كلية الطب ، ونشأت محمد من دار المعلمين العالية وتوفيق الوتاري ، وعبد الوهاب الحاج حسن من كلية الهندسة .وهكذا لم يعد اعضاء التنظيم يقتصرون على طلبة كلية الهندسة بل اتسعت الدائرة لتشمل طلاب من معظم كليات بغداد .
كان الى جانب الدكتور حسين كمال الدين في نشر فكر جماعة الاخوان المسلمين في العراق استاذ مصري آخر هو الاستاذ محمد عبد الحميد أحمد 1911-1992 والمعروف ب: " أبو الجامعيين " ،والذي كان يكتب ايضا في مجلة "الاخوان المسلمون " الاسبوعية اواخر الاربعينات من القرن الماضي ,وقد عمل بعد تخرجه في قسم اللغة العربية بكلية الاداب بالجامعة المصرية سنة 1938 مدرسا في مدرسة (الاخوان المسلمون ) في الاسماعيلية . كما شغل منصب سكرتير تحرير "مجلة النذير " التي كان يرأس تحريرها الاستاذ صالح عشماوي أحد قادة الاخوان المسلمين في مصر .وقد انتدب الاستاذ محمد عبد الحميد أحمد سنة 1941 للعمل بالعراق في مدرسة صناعة بغداد 1941-1946 ، وانضم الى الدكتور حسين كمال الدين المدرس في كلية الهندسة ببغداد فتعاون الاثنان على نشر الدعوة الاسلامية في العراق ، وكانا نواة العمل الاخواني .
ومما يقوله المستشار عبد الله العقيل كذلك في الجزء الاول من كتابه :" أعلام الدعوة والحركة الاسلامية المعاصرة " ان الامام حسن البنا هو من كلف الدكتور حسين كمال الدين بنشر الدعوة في العراق ، وايجاد اللبنات لتأسيس جماعة الاخوان المسلمين وذلك بالتعاون مع زملاءه محمد عبد الحميد احمد ، ومحمود يوسف في ايجاد طريق الى شباب الكليات الجامعية .
وبعد عودة الشيخ محمد محمود الصواف من بعثته في الازهر سنة 1946 ، تعاون الجميع معه ومع تلامذة الاساتذة المصريين فإنتشرت الدعوة في معظم انحاء العراق بخاصة في بغداد والموصل والبصرة واربيل وكركوك والرمادي حيث تكونت النواة الاولى للجماعة . ويقول انه عرف الكثيرين من الاباء الاوائل للتنظيم منهم صالح مهدي الدباغ ، وكمال القيسي ، وعبد الحكيم المختار ، وابراهيم منير المدرس، ونعمان عبد الرزاق السامرائي ، ووليد الاعظمي وغيرهم ببغداد.
وكان نور الدين الواعظ ، وسليمان محمد القابلي واخوانهما في كركوك وعبد الوهاب الحاج حسن واخوانه في اربيل وكان عبد الهادي ويعقوب الباحسين وتوفيق الصائغ وعبد الواحد أمان وخليل العقرب وعبد القادر الابرشي وعبدالرزاق المال الله وعبد الرحمن الخزيم وعمر الدايل في البصرة وعبد الرحمن السيد محمود وغانم سعدالله حمودات وعبد الرحمن الارحيم واخوانهم في الموصل ، وغيرهم في سائر المدن العراقية الذين فتحوا مكتبات الاخوان واصدروا النشريات الدعوية واقاموا الندوات والمهرجانات واسسوا الاندية الرياضية ونظموا الرحلات الكشفية والسفرات الربيعية .وتلك كانت وسائل الاخوان لجذب الشباب وتلاميذ المدارس و المعاهد والكليات الجامعية .
ومما يذكر في هذا الصدد ان الاستاذ محمود يوسف ، لحق بالاثنان الدكتور حسين كمال الدين، والاستاذ محمد عبد الحميد أحمد ، وكان الاستاذ محمود يوسف من إخوان مصر ثم تبعه الاستاذ كامل النحاس وغيرهم من الاخوان .وكان الاستاذ الشيخ محمد محمود الصواف يدرس في الجامع الازهر بمصر وبعد تخرجه ونيله الشهادة العالمية نشط معهما في الدعوة .وفي سنة 1946 غادر الاستاذ محمد عبد الحميد أحمد العراق بعد انتهاء مدة انتدابه وعاد الى مصر ليباشر عمله مدرسا .
ويعد الاستاذ محمد عبد الحميد أحمد من التلامذة النجباء للامام الشيخ حسن البنا فقد تتلمذ على يديه ، وأخذ عنه الكثير من اساليب الدعوة ومنهج السلوك وكان له التأثير العظيم في حياته الفكرية والروحية .وله مؤلفات منها :"كلمات وأراء" و" في وجه الطوفان " و" العقيدة وحياة رجل العقيدة " و"ذكرياتي " فضلا عن عدد كبير من البحوث والمقالات التي كان ينشرها في مجلات "النذير " و"الاخوان المسلمون " و"الدعوة " و"المباحث القضائية " .
لم يكن الهيكل التنظيمي لجماعة الاخوان المسلمين في العراق ، يختلف عن التنظيم الداخلي في مصر ؛ فالاسرة تعد اصغر وحدة تنظيمية .. والاسرة تتألف من خمسة أفراد ، وترتبط بالشعبة والشعبة بمكتب المنطقة والمنطقة بالمكتب الاداري الذي يرتبط بالمركز العام .ويقسم الاعضاء العاملون في الشعبة الى أسر كتنظيم اليد كل يد فيها خمسة اصابع وكل خمسة ترتبط بخمسة أخرى وهكذا .وكما هو معروف فإن التنظيم في العراق كان يلتزم بالكثير من شعارات الجماعة في مصر ومن ضمنها مقولة الامام الشيخ حسن البنا الشهيرة :ان الجماعة تستند الى ركائز ثلاثة هي : التعارف ، والتفهم ، والتكافل والى مبادئ جماعة الاخوان المسلمين : " الله غايتنا ،والرسول قدوتنا ، والقرآن دستورنا ،والجهاد سبيلنا ، والشهادة أمنيتنا " .ويجمع الامام الشيخ حسن البنا مظاهر هذا الشعار في خمس كلمات هي : " البساطة ،التلاوة ، الصلاة ، الجندية ، الخلق " .
إلا ان ما يمكنني ملاحظته - وانا قد عرفت جماعة الاخوان المسلمين في الموصل - ان القلة منهم من يعتمد تلك المبادئ في سلوكيته ، فلقد رأيتهم متعصبين لما يؤمنون به ، ويفرقون بين من هو منهم وبين من ليس كذلك . كما انني شهدت وانا طالب في المتوسطة المركزية سنة 1962كم كانوا عنيفين عندما اصطدموا ببعض العناصر من حركة القوميين العرب .. وللاسف هذا هو ما يسم حركتهم ليس في العراق فحسب بل في كثير من البلدان العربية والاسلامية .
في الموصل ظهر نشاط للاخوان المسلمين بفضل عدد من المدرسين المصريين منهم الاستاذ احمد كامل المنوفي المدرس في ثانوية صناعة الموصل في مطلع الاربعينات من القرن الماضي . ويذكر احد تلامذته وهو فخر الدين محضر باشي للدكتور عبد الفتاح علي البوتاني في 2 حزيران سنة 1990 ان هذا المدرس كان يشجع الطلاب على قراءة "مجلة الاخوان المسلمين " ، ويحثهم على الاشتراك فيها . كما انتقل فكر الجماعة من خلال عدد من الطلبة الذين كانوا يدرسون في كليات بغداد وخاصة من طلاب دار المعلمين العالية وكان رائدهم في هذا الاتجاه الاستاذ غانم سعد الله حمودات والذي تحدث عن ان فكر جماعة الاخوان المسلمين في مصر استهواه ، وكان ذلك بفضل ما كان يصل من أعداد مجلة "الاخوان المسلمون " ، أو ما كانت جريدة "فتى العراق "الموصلية لصاحبها الاستاذ ابراهيم الجلبي تنشره سنة 1945 من مقالات واخبار نشاطات الاخوان المسلمين في مصر .. وكان مما نشرته واطلع عليه الشباب الموصلي منهاج الاخوان المسلمين والذي نشرته متسلسلا في اكثر من عدد .
كما كانت جريدة الاديب (الموصلية ) لصاحبها محيي الدين ابو الخطاب تنشر بعض المقالات عن جماعة الاخوان المسلمين ومن ذلك على سبيل المثال مقالة صاحب الجريدة التي نشرها في 1 تموز 1948 بعنوان :" جمعية الاخوان المسلمين في الميزان " .
وكان من ابرز من إستواهم فكر الاخوان المسلمين في الاربعينات السيد عبد الرحمن السيد محمود ، والسيد عبد الرحمن الارحيم ، اللذين حاولا في اب سنة 1945 تأليف جمعية بإسم " جمعية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر " ، لتكون واجهة لنشاطهم الدعوي الاسلامي ، لكن الحكومة لم توافق على اجازتها .وقد يكون من المناسب ان نشير الى ان افكار جماعة الاخوان المسلمين قد وجدت لها طريقا لها الى مدن العراق الاخرى ومنها الرمادي واربيل والبصرة .
دخل تاريخ جماعة الاخوان المسلمين في العراق مرحلة متقدمة ؛ عندما تسلم قيادة الجماعة الاستاذ محمد محمود الصواف وعو عالم دين من الموصل ، وكان ذلك بعد عودته من دراسته في الجامع الازهر ضمن بعثة مصطفى الصابونجي الشهيرة سنة 1946 .وقد يكون من المناسب ان نشير الى انه وجد أمامه ارضية ممهدة ، ومناسبة للاستمرار في نشر مبادئ وافكار جماعة الاخوان المسلمين .وكان الشيخ محمد محمود الصواف على صلة بالشيخ حسن البنا وكان يلتقي به في مسجد محمد فاضل باشا في القاهرة حيث ذهب هو واعضاء بعثة الصابونجي للقائه .وكان الشيخ الصواف يتمتع بشخصية قيادية (كاريزمية ).. كما كان لبقا وخطيبا مفوها . وفوق هذا وذاك متحمسا لمبادئ الاخوان وله علاقات واسعة في العراق .فضلا عن انه دمث الاخلاق متواضعا عالما تفرغ للدعوة الاسلامية وقد لاقت الدعوة في عهده عقبات اهمها انتشار الفكر الشيوعي وخاصة في اعقاب الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء وفي الخمسينات من القرن الماضي .
وقد اخذ الشيوعيون يهاجمون افكار الاخوان المسلمين وكان هذا الهجوم يزداد حدة كلما وجدوا ان فكر الاخوان ينتشر بين اوساط الشباب وبخاصة الجامعيون منهم .كما اتهم الشيخ الصواف بنقص الخبرة في قضايا التنظيم الدقيق لتكوين الجماعات الاسلامية وقد أدى ذلك الى حدوث انشقاقات داخل التنظيم ومن اقدم هذه الانشقاقات انشقاق حسين احمد الصالح ، وانشقاق مصطفى الوهب ، وانشقاق جماعة سالم زيدان وسامي مكي العاني وعبد الغني شندالة في الخمسينات من القرن الماضي .
ومما عملته جماعة الاخوان المسلمين في العهد الملكي انها حاولت الظهر العلني من خلال التخفي وراء ما عرف ب"جمعية الاخوة الاسلامية " برئاسة الشيخ أمجد الزهاوي وكان لهذه الجمعية التي اجازتها وزارة الداخلية فروع في عدد من المدن العراقية ومنها الموصل .
كان لجماعة الاخوان المسلمين في العراق نظام داخلي - شأنهم في ذلك شأن كل تنظيمات الاخوان المسلمين في البلدان الاخرى- فالمراقب العام الشيخ محمد محمود الصواف انتخبه الاخوان انتخابا شرعيا بعد عودته من مصر ، وتأكدوا انه تتلمذ على يد الامام حسن البنا قرابة ثلاث سنوات ، وكان عضوا في الهيئة التأسيسية للاخوان المسلمين في مصر وبعد ان علموا بمبايعته للامام بإن يعمل من اجل الاسلام في العراق .وكان لجماعة الاخوان المسلمين هيئة تأسيسية عامة تتكون من مسؤولي واعضاء مكاتب الفروع والشعب في العراق كافة وهم الذين ينتخبون اعضاء اللجنة المركزية التي كانت تعد أعلى هيئة في تنظيم الاخوان وهم من يخططون سياسة الجماعة ويأمرون بتنفيذها .
وبشأن تمويل الجماعة المالي ؛ فقد كانت اشتراكات الاعضاء المصدر الرئيس للجماعة .كما حرصت الجماعة ومنذ تشكيلها على ان يكون لها مصادر للتمويل من خلال تأسيس شركات استثمارية منها مثلا تأسيسهم شركة طباعية بإسم "الشركة الاسلامية " للطباعة والنشر ، وكانت هذه الشركة تتولى طبع نشريات الجماعة .كما اسست الجماعة مكتبات في بغداد وبعض المدن العراقية التي كانوا يتواجدون بها ومنها فروع الموصل واربيل وكركوك والرمادي والبصرة والسليمانية .ومما يذكر في هذا الصدد ان جمعية الاخوة الاسلامية والتي تشكلت لتكون واجهة لجماعة الاخوان المسلمين كانت تتسلم من الدولة - بإعتبارها جمعية - مساعدات مالية سنوية كانت تبلغ في الخمسينات 200 دينار شهريا (اكثر من 600 دولار انذاك وهو مبلغ كانت له بعض القيمة وقتئذ ) .
اثناء قيادة الشيخ محمد محمود الصواف لجماعة الاخوان المسلمين ، كان للجماعة مواقف سياسية تجاه حكم نوري السعيد رئيس وزراء العراق المزمن الاستبدادية وفي معارضة معاهدة بورتسموث ووثبة كانون الثاني 1948 ، وفي نصرة مصر ضد العدوان البريطاني –الفرنسي-الاسرائيلي سنة 1956 . ولم يكن موقفهم من ثورة 14 تموز 1958 التي اسقطت الحكم الملكي ايجابيا وقد اسماها الشيخ الصواف :" الفتنة " .
ومن المؤكد ان قضية فلسطين شغلت جماعة الاخوان المسلمين وكانت لهم تظاهراتهم ، ووقفاتهم لنصرة اهلهم في فلسطين المغتصبة من قبل الصهاينة منذ سنة 1948 .وكان للنظام الملكي موقف متوجس من نشاط الاخوان وكثيرا ما وضعت امام التنظيم العراقيل .. وقد انعكس الموقف المصري من الاخوان على سياسة التشدد التي اتبعتها الحكومات العراقية المتعاقبة تجاه الاخوان المسلمين .
وكان للاخوان المسلمين نشاط بين النساء، ومن ذلك ان الجماعة فتحت فروعا لجمعية الاخت المسلمة في بغداد والمدن الاخرى .
كما كان للاخوان المسلمين مجلات منها مجلة : " الاخوة الاسلامية " وكانت نصف شهرية تولى الشيخ الصواف رئاسة تحريرها عند صدورها سنة 1953 . وكان للاخوان ملحق شهري لمجلة "الاخوة الاسلامية " يصدر بعنوان :" لواء الاخوان " صدر العدد الاول بتاريخ الاول من رجب 1953. كما كان لجماعة الاخوان مجلة بعنوان :" الطريق المستقيم " صدرت سنة 1953 و1954.. وكان لهم جريدة بأسم :" الحساب " صدر العدد الاول منها في نيسان 1954 .وثمة جريدة اخرى اصدرها الاخوان بعنوان :"صوت الاخوان " .
عندما وقعت في العراق ثورة 14 تموز سنة 1958 .. لم يبتهج جماعة الاخوان المسلمون بالثورة خاصة بعد اتضحت نزعتها التقدمية وانحياز الزعيم الركن عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة 1958 -1963 للشيوعيين وقد عارض علماء الدين هذا التوجه وخاصة بعد فشل حركة الشواف المسلحة في آذار 1959 وقد اعتقل الزعيم الكثيرين من القوميين العرب والاخوان المسلمين والقى بهم في غياهب السجون .
وممن اعتقلهم الشيخ محمد محمود الصواف المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين وبعد الافراج عنه هرب من العراق الى سوريا ومن ثم الى المملكة العربية السعودية حيث استقر هناك .
وقد أناب الشيخ محمد محمود الصواب عنه في قيادة الجماعة الدكتور عبد الكريم زيدان وقد وافقت الجماعة على هذا الاجراء ولم يصدر أي قرار بعزل الشيخ الصواف - كما يقول الاستاذ الدكتور محسن عبد الحميد - لكن بعد فترة وبعد ان ايقنوا ان الشيخ الصواف لن يعود ثانية ، قرروا انتخاب الدكتور عبد الكريم زيدان انتخابا شرعيا بالاجماع مراقبا عاما جديدا لجماعة الاخوان المسلمين .
وكان ممن عمل مع الدكتور عبد الكريم زيدان ..علي السعودي ، وكامل محمد علي ، وعبد الرحمن داؤد، وعبد المنعم العلي ، واحمد ابراهيم محمود ، وعبد اللطيف محمود الدوري ، ونور الدين الواعظ المحامي ، وصلاح العطار، وعايش رجب الكبيسي ، واحمد نجم الدين البرزنجي ، وصالح عبد الله سرية (فلسطيني كان يعيش في العراق ويعد رسالة ماجستير عن تاريخ التعليم الصناعي في العراق في كلية التربية في جامعة بغداد ) .
وكان الدكتور عبد الكريم زيدان عضوا في اللجنة المركزية للجماعة ، وكان يتمتع بعلم شرعي كبير ، وبإخلاق فاضلة ، وهو من مدينة عانة بلواء الرمادي (محافظة الانبار ) ومن مواليدها سنة 1917 يحمل الدكتوراه في الشريعة من جامعة القاهرة عن اطروحته الموسومة :" احكام الذميين والمستأمنين في الشريعة الاسلامية " التي أنجزها بإشراف الاستاذ الدكتور محمد سلام مدكور .
ومن الاحداث البارزة في عهد الاستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان وقيادته لجماعة الاخوان المسلمين ، صدور " قانون الجمعيات والاحزاب في العراق " سنة 1960 . وقد استغل الاخوان هذه الفرصة فقدموا طلبا الى وزارة الداخلية بإنشاء حزب بإسم :" الحزب الاسلامي " وكان هدفهم من ذلك كما يقول الاستاذ الدكتور محسن عبد الحميد في كتابه :"تاريخ جماعة الاخوان المسلمين في العراق من عام 1945 الى عام 1965 " ان تكون لهم قناة علنية تستطيع ان تقود حركة الدعوة الاسلامية وتدخل في صراع سياسي ، ومواجهة علنية رسمية مع حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم من جهة ، ومع الفساد الاجتماعي ، واصلاح الفرد العراقي من جهة اخرى " .
قدمت الهيئة المؤسسة للحزب الاسلامي العراقي طلبها الى وزارة الداخلية ، ونشر في جريدة "العراق" وفي العدد الصادر في 8 شباط سنة 1960 - شأنه شأن الاحزاب الاخرى - لكن وزارة الداخلية رفضت الطلب في كتابها المرقم ش ح -914 في 27 اذار سنة 1960 بدعوى ان مبادئ الحزب لاتنسجم مع الحياة العصرية ، فإضطرت الهيئة المؤسسة للتمييز فصدر قرار محكمة تمييز العرق قي 26 نيسان سنة 1960 بإجازة الحزب ، ورد دعوى وزارة الداخلية ، وقامت وزارة الداخلية بإبلاغ ذلك للهيئة المؤسسة في 9 تموز 1960 وهو التاريخ الذي عُد تاريخا لتأسيس الحزب الاسلامي العراقي .ومما يذكر في هذا المجال ان الهيئة المؤسسة للحزب ضمت اعضاء من كل مكونات واديان ومذاهب وقوميات مختلفة .
وفي يوم الجمعة الخامس من صفر سنة 1380 هجرية الموافق لليوم 29 من تموز 1960 عقد الحزب الاسلامي العراقي مؤتمره الاول والذي ضم حشدا من اعضاءه . وافتتح المؤتمر تحت شعار الاية الكريمة :" وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ " (الاية 33 من سورة فصلت ).
وبعد قراءة ماتيسر من آيات القران الكريم ألقى الاستاذ نعمان عبد الرزاق السامرائي عضو الهيئة المؤسسة للحزب تقرير الحزب وتضمن التأكيد على ان الحزب يعمل من اجل حمل افكار الاسلام ومبادئه ونشرها ومقاومة الاستعمار الغربي والتخلص من نفوذه .
كما فند المقولة التي تذهب بأن افكار الاسلام تعزل الناس عن العالم المعاصر ، وعن الحياة والامة وقال : ان طبيعة الاسلام تؤكد على العمل المنظم السليم ، وان قيام حزب اسلامي يمثل صمام أمان وقارب نجاة للشباب لكي لايقعوا في أحابيل المستعمرين ، وان الاسلام دين شمولي يهتم بكل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية .
كانت اللجنة المركزية للحزب الاسلامي التي فازت في الاقتراع السري في اول اجتماع للحزب مؤلفة على النحو التالي :
1.الدكتور نعمان عبد الرزاق السامرائي رئيسا
2. الاستاذ فليح حسن السامرائي عضوا
2. الشيخ ابراهيم منير الريس عضوا
4. الشاعر وليد الاعظمي عضوا
5. الشيخ طه جابر العلواني عضوا
6. الاستاذ المحامي فاضل العاني عضوا
7.الاستاذ المحامي فاضل القاضي عضوا
8.الاستاذ سليمان القابلي عضوا
9.الشيخ عبد الجليل ابراهيم عضوا
10. الاستاذ نظام الدين عبد الحميد عضوا
وقد أصدر الحزب دستورا تفصيليا بعنوان :"دستور الحزب الاسلامي " تألف من مقدمة وفصول ستة تناولت موادا تمهيدية وفي السلطة القضائية وفي النظام الاجتماعي وفي التظيم وفي النظام الاقتصادي وفي السياستين الداخلية والخارجية .
كان الاستاذ نعمان عبد الرزاق السامرائي أول رئيس للحزب الاسلامي . وفي سنة 1991 تولى اياد السامرائي رئاسة الحزب عند اعادة تأسيسه في المهجر بلندن وبعد الاحتلال الاميركي للعراق في نيسان 2003 شغل الدكتور محسن عبد الحميد منصب الامين العام للحزب مع عضويته في مجلس الحكم الذي انشأه السفير بول بريمر وفي تموز سنة 2004 تولى طارق الهاشمي رئاسة الحزب واستمر حتى سنة 2009 .
وفي حزيران سنة 2009 تولى الدكتور أسامة التكريتي رئاسة الحزب وفي سنة 2011 تولى إياد السامرائي رئاسة الحزب خلفا للدكتور أسامة التكريتي وقد جرى ذلك كله –كما تقول أدبيات الحزب – وفق انتخابات حزبية داخلية .
كان للحزب مواقف من المد الشيوعي في العراق ومقاومته ومقاومة الحكم القاسمي الفردي .
وبشأن الموقف من القضية الكردية يقول الدكتور ميفان عارف عبد الرحمن في اطروحته للدكتوراه التي قدمها لجامعة الموصل بإشراف كاتب هذه السطور سنة 2007 :" ان موقف جماعة الاخوان المسلمين من القضية الكردية ظل غامضا وطوال سنوات الاقتتال والهدنة التي كانت تتم بين الحكومة العراقية والقيادة الكردية البارزانية لم يصدر من جماعة الاخوان المسلمين أي بيان أو توضيح حول القضية ؛ والحزب الاسلامي العراقي لم يكن يرى ان الاكراد اصابهم الظلم والاضطهاد وانما يرى بأن الظلم في العراق أمر طارئ أصيب به كل العراقيين وضمن فترات تاريخية عديدة .
ومع هذا فإن ثمة من يشير الى ان العلاقة بين جماعة الاخوان المسلمين والملا مصطفى البارزاني زعيم الحركة الكردية كانت جيدة وخاصة عندما ذهب وفد الاخوان المسلمين في سنة 1966 الى الملا مصطفى البارزاني لاستحصال موافقته بشأن رفع مذكرة الى الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة لطلب الاعفاء عن سيد قطب الامين العام لجماعة الاخوان المسلمين في مصر والذي حكم بالاعدام بتهمة العمل على قلب نظام الحكم وقد وقع الملا مصطفى على الطلب شأنه شأن كثيرين من القادة والزعماء الذين حاولوا الشفاعة والحيلولة دون اعدام سيد قطب .
أصدر الحزب الاسلامي العراقي نشريات عديدة ونشط بين الطلبة والشباب والعمال وكانت له صلات مع علماء السنة والشيعة في الشمال والوسط والجنوب ، وقدم للحكومة مذكرات حول اصلاح التعليم وتطوير الصحة وتقديم الخدمات للمواطنين .كما قدم مذكرات حول القضايا العربية والاسلامية المصيرية انذاك ومنها قضية فلسطين وقضية الجزائر واعترض على اعتراف ايران والباكستان باسرائيل .وقد كان في كل مواقفه ومذكراته يؤكد اهمية تعزيز الوحدة الوطنية والعربية والاسلامية وكان له موقف حازم من الفكر الشيوعي الذي وجد له انذاك طريقا الى الساحتين العراقية والعربية ..
وكان الحزب ينظر الى كل القوميات في العراق نظرة متساوية ويعطف على ان ينال ابناء تلك القوميات حقوقهم ولم يكن يفرق بين قومية واخرى ويرفض اية محاولات اعتدائية على اي من القوميات.كما كان يوصي بان المواطنين العراقيين من غير المسلمين لهم نفس حقوق المسلمين وعلى الدولة ان تؤمن لهم التمتع بكل حقوقهم وان عقيدة المواطنين من غير المسلمين من اهل الكتاب في العراق مصونة .
وقد انتقد المجازر التي إرتكبها الشيوعيين في الموصل وكركوك سنة 1959 ، وعدها وصمة عار في جبين الحزب الشيوعي العراقي ، ودعا الى الاسراع في الانتقال الى الحياة الدستورية والحكم المدني ، واصدار الدستور الدائم ، وإجراء انتخابات المجلس الوطني (البرلمان ).
وقد اهتم بالتعليم ، وعده الركيزة الاساسية للنهوض بالامة .وقد عالج الحزب في بعض مذكراته وتقاريره " مشكلة الفقر في العراق من منظور اسلامي " يعتمد على الاهتمام بالزكاة والصدقات ، وقيام الدولة بفرض ضرائب عادلة .
واهتم الحزب بالنفط ، ودعا الى الانتفاع منه كما ينبغي. ومن المناسب الاشارة الى أنه دعا الى تأميمه وتخليصه من الشركات الاحتكارية وتويضها عن منشآتها . ولم تكن دعوة الحزب هذه تختلف عن دعوات الاحزاب القومية العربية . ولم يكن محض صدفة ان يتعاون جماعة الاخوان المسلمين مع القوميين والعروبيين في مواقف كثيرة منها موقفهم من المد الشيوعي وتقيامهم في مدية الموصل قبل وبعد قيام وفشل حركة الشواف المسلحة سنة 1959 بتشكيل التكتل او التجمع القومي –الاسلامي والذي كان له دوره الفاعل في الحفاظ على عروبة الموصل وشخصيتها الحضارية القومية – الاسلامية .
ان عمل "جماعة الاخوان المسلمين " في العراق ، سار على الرغم من وجود "الحزب الاسلامي " ، وانشغال عدد كبير من كوادر الجماعة بأعمال الحزب وما ترتب على ذلك من انجازات ونشاطات دعوية واجتماعية وحتى سياسية .
عن العلاقة بين جماعة الاخوان المسلمين والحزب الاسلامي كتب الدكتور طه جابر العلواني مقالة في مجلة :" رؤية تركية " العدد 2 -2012التي تصدر عن مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية (ستا ) في انقرة قال فيها :"شاركت في مقتبل العمر في تجربة سياسية وذلك حين سمحت ظروف العراق السياسية في عهد عبد الكريم قاسم بستينات القرن الماضي بتشكيل احزاب سياسية وقام عدد من حملة الدعوة والهم الاسلامي بتأسيس (الحزب الاسلامي العراقي ) الذي اعلن انه سيؤسسه عدد من الاسلاميين المستقلين وكنت من بين هؤلاء واتضح فيما بعد ان من روجوا لتأسيس هذا الحزب في بادئ الامر كانوا (الاخوان المسلمون ) الذين يعملون في اطار تنظيم سري فقرروا تأسيسه ليكون واجهة علنية لهم ووضع المستقلين امثالي في اطار يشعرهم بأنهم اهل هذا الحزب واصحابه ومؤسسوه وان الاخرين هم اخوان قرروا تجاوز العمل السري الى العلن فأصبح كل منهم لايختلف عن اي اسلامي مستقل يمارس التحرك والعمل السياسي انطلاقا من مرجعية الاسلام وتحقيق مقاصده وغاياته .وبعد قيام الحزب وبدء نشاطه العلني فوجئ المستقلون امثالي بأن القيادة الحقيقية للحزب انما هي القيادة السرية لجماعة الاخوان المسلمين العراقيين .اما قيادة الحزب الاسلامي فلا تستطيع ان تمرر قراراتها او تنفذها الا اذا صادقت عليها قيادة الاخوان السرية وكان ذلك اول الوهن وبداية الفشل التي ادت الى توقف نشاط الحزب تماما الى ان قام قادة الحزب المعاصرون بعد انضمامهم للمعارضة العراقية ضد نظام حكم الرئيس الاسبق صدام حسين بنفض الغبار عنه اي عن الحزب الاسلامي وتنشيطه في اطار المعارضة العراقية التي تسلمت السلطة من الاميركان الذين اسقطوا نظام صدام حسين " . ويقف الدكتور طه جابر العلواني لينبه الى ان انغماس قيادات الحزب الاسلامي الجدد ينبغي ان لاينساقوا كثيرا في الحديث والاجتهاد الذي نسمع عنه كل يوم حول الديموقراطية والتعددية الليبرالية والحزبية الى آخر المنظومة كما ان على مشايخ هذا الحزب والمتصدون للفتوى ان لايسترسلوا في هكذا نوع من الاجتهادات التي من المؤكد ان تكون لها آثار سلبية في مقبل الايام .واقول هنا ان نقد العلواني وتحذيره كان في محله اذ خسرت قيادات الحزب الاسلامي الكثير من قواعدها بسبب انخراطها في العملية السياسية التي اوجدها المحتلون الاميركان والتي اثبتت الوقائع خطلها وفشلها واسهامها في تدمير العراق وتفكيكه وافلاسه .
كان من الطبيعي ان يكون نشاط "جماعة الاخوان المسلمين "في العراق سريا بجميع فروعه . وقد عكست نشريات الجماعة وصحفها السرية ذلك وعلى سبيل المثال كان للجماعة جريدة سرية تصدر بأسم :" الجهاد " ، وكانت جريدة سياسية اخبارية وكان رئيس تحريرها الاستاذ نور الدين الواعظ الذي بقي يعمل في صفوف جماعة الاخوان ، ورفض تسلم رئاسة الحزب الاسلامي لرفضه طبيعة القيادة المزدوجة وكان هو من يتولى كتابة افتتاحية جريدة "الجهاد " .كما كان لجماعة الاخوان جريدة اخرى بأسم :" الفيحاء " وكثيرا ما تعرض من يكتب في الصحف هذه الى الاعتقال اكثر من مرة .ولم يكن اعلام جماعة الاخوان المسلمين والحزب الاسلامي مقتصرا على الصحف والمجلات وانما كان للنشريات المختلفة دورها طوال سنوات الستينات من القرن الماضي وما بعدها والتي كثيرا ما تناولت موضوعات عديدة من قبيل "الجيش "و"الكفر المستورد " و"محنة الاخوان في مصر " و"تطورات الوضع في الباكستان " و"الوحدة بين مصر وسوريا " و" ذكرى تقسيم فلسطين " و" ابادة دعاة الاسلام في مصر " و"كارثة زنجبار ومواجهة الرئيس التانزاني نويري المعارضة الاسلامية ".
وفي سنة 1965 أصدرت جماعة الاخوان المسلمين في العراق مجلة بعنوان : " المنهاج " وعدوها تصدر بإسم " الحركة الاسلامية في العراق " . ومما يلحظ ان هذه المجلة عالجت قضايا عديدة منها "القضية الكردية " وقد خفت لهجة جماعة الاخوان في معالجة هذه القضية وخاصة في الموقف من الملا مصطفى البارزاني الذي كانوا ينظرون اليه بإعتباره بطلا قوميا كرديا وليس اسلاميا لهذا كانوا يهاجمونه ويتهمونه بشتى التهم ومما يؤكد ذلك ما جاء في العدد الذي صدر من" المنهاج " في كانون الاول 1965 .وفي السنة 1966 اصدروا مجلة بعنوان " النقيب " وكانت مجلة داخلية تثقيفية موجهة الى النقباء المسؤولين عن عدد من الاخوان المسلمين العاملين .
وللاخوان ايضا رسالة شهرية توجيهية لتثقيف أعضاءها في التفسير والحديث وقضايا الفكر الاسلامي ولهم كذلك "المعلم " وهي نشرة داخلية كانت تصدرها رابطة المعلمين الاسلامية في العراق .أما " هذه دعوتنا " فكانت تعد نشرة تهتم بتثقيف العضو بالمعلومات المختلفة وخاصة في شؤون الكتاب والسنة .
ولم تكن الجماعة تتوانى عن إقامة الاحتفالات في المناسبات الدينية كالمولد النبوي والهجرة والاسراء والمعراج وأيام رمضان وتنظم السفرات لفتيانها وشبابها ورجالها وتحاول الكسب اليومي من خلال توجيههم الى حضور الندوات في المقاهي المحددة وفي الجوامع والمدارس الدينية وعلى شواطئ نهري دجلة والفرات كانت تقيم ما يسمى بالسرادقات و" الجراديغ " لتدرب الشباب على السباحة .
وخلال فترة حكم الاخوين الرئيس عبد السلام محمد عارف 1963-1966 والرئيس عبد الرحمن محمد عارف 1966-1968 استمرت "جماعة الاخوان المسلمين " في تقديم النصائح والتوجيهات لصناع القرار من خلال المذكرات السياسية وأبرز ما كانت تتضمنه تلك المذكرات الدعوة الى" تطبيق الشريعة الاسلامية " ، و"نبذ المبادئ العلمانية " ، ومحاربة العنصرية ، واقامة وحدة حقيقية بين الشعب العراقي على اساس "الاخوة الاسلامية " .
تعرضت " جماعة الاخوان المسلمون في العراق "في السنوات 1965-1966 الى انشقاق خطير قادته مجموعة مؤلفة من فليح حسن السامرائي ، وطه جابر العلواني امام وخطيب جامع الباجه جي في بغداد والضابط الاحتياط ومدرس الدين في الكلية العسكرية ، والمهندس عبد الغني شندالة وصالح عبد الله سرية (طالب دراسات عليا وتخصص في التربية في جامعة بغداد وهو فلسطيني ) ونو الدين الواعظ المحامي وعدنان المشايخي ومنيب الدوري . وكان معهم عدد من الاخوان العسكريين امثال العميد محمد فرج جاسم .
وتعود جذور الخلاف بين هذه الجماعة والقيادة الشرعية المتمثلة بالدكتور عبد الكريم زيدان المراقب العام للاخوان المسلمين الى ايام الحزب الاسلامي مطلع الستينات ، وكانت الجماعة المنشقة تنتقد الدكتور عبد الكريم زيدان بشدة وتتهمه بأنه لايتفاعل مع العمل السياسي .وقد تطور الخلاف الى ان يقدم جماعة العميد محمد فرج جاسم ، وفليح السامرائي ، وطه جابر العلواني الى الاتصال ببعض العسكريين والتخطيط للقيام بانقلاب عسكري على نظام حكم الرئيس عبد الرحمن محمد عارف 1966-1968 . وكان المنشقون يرون ان الخطر قادم الى العراق مادام الفريق عبد الرحمن محمد عارف في السلطة فهو برأيهم " مشلول الارادة ، قليل الحيلة ، ضعيف الشخصية أمام ضباط الجيش وتدخل الدول العربية في شؤون العراق الداخلية " . وكان العميد محمد فرج جاسم على صلة بالعميد عبد الغني الراوي واخرين من الضباط وكانوا يلحون على ان يكون الاخوان المسلمين من اوائل المشاركين في هذا الانقلاب .
عارض الدكتور عبد الكريم زيدان المراقب العام هذا التوجه وقال لهم ان الانقلابات العسكرية لاتأتي بخير وانها غالبا ما تكون مخترقة من بعض مخابرات الدول الاجنبية .ومعنى هذا فإن توريط الاخوان في مثل هكذا تحركات يبعدهم عن خط التربية والتثقيف والدعوة الاسلامية الحقيقية .ولربما كانت تجربة الاخوان مع ثورة 23 يوليو –تموز 1952 ماثلة امامهم في العراق .وثمة من يقول ان الدكتور عبد الكريم زيدان كان يتبع سياسة حذرة إزاء التطورات السياسية في العراق وانه كان يخشى من ان تصاب جماعة الاخوان المسلمين بنكسة كما اصيبت جماعة الاخوان في مصر بعد ثورة 23 يوليو –تموز 1952 .
غير أن المنشقين أصروا على موقفهم ، وفتحوا لهم خطوطا للاتصال مع ضباط وسياسيين من غير الاخوان وقد إجتمعوا وقالوا نحن لانطعن في مقاصد القيادة ولانتهمهم انما نختلف معهم في اسلوب الدعوة وقرروا اصدار مجلة بإسم " الاخوان المسلمون " ، والتي نشرت مقالات في تحليل حركة الاخوان المسلمين في العراق ولم يصدر منها سوى عددان كما اصدروا بيانا كان فيه استفزاز واضح لقيادة الدكتور عبد الكريم زيدان .
وعلى أثر ذلك قررت القيادة فصل المنشقين واتهامهم بتخريب الجماعة ووجوب مقاطعتهم من جميع جماعة الاخوان في العراق .
في 17 تموز 1968 حدثت حركة انقلابية مسلحة ، أنهت نظام حكم الرئيس عبد الرحمن محمد عارف . وقد اشترك الدكتور عبد الكريم زيدان في التشكيلة الوزارية الاولى التي تشكلت برئاسة السيد عبد الرزاق النايف ، وأسند اليه منصب وزير الاوقاف وذلك في محاولة لجذب جماعة الاخوان المسلمين ، وضمان تأييدهم للتغيير .الا ان هذه الوزارة لم تدم سوى 13 يوما اذ سقطت في الثلاثين من تموز 1968 وبذلك فقد الدكتور عبد الكريم زيدان منصبه .
إتضح ان لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي تسلم السلطة فعليا وواقعيا في يوم 30 تموز 1968 موقف مضاد من نشاط جماعة الاخوان المسلمين لذلك حد من نشاطاتهم ومنعهم من ان يقوموا بأي عمل .
كما تعرض عددمن قادة الاخوان الى الاعتقال والملاحقة وأعدم عدد آخر من قادتهم لعل من أبرزهم الشيخ عبد العزيز البدري وشقيقه ، والعميد محمد فرج جاسم ، والعميد عبد الستار العبوسي ، والشيخ ناظم العاصي ، والمهندس عبد الغني شندالة وكانت التهمة الموجهة لهم هي المشاركة في حركة العميد عبد الغني الراوي الانقلابية ضد نظام الحكم سنة 1970 .
ومع انهم ظلوا يحافظون على نشاطهم الدعوي السري ، الا ان هذا النشاط لم يكن كبيرا فقد هرب معظم قادتهم من العراق وتوجهوا الى دول الخليج العربي واوربا واميركا .
وفي الوثائق المتداولة ما يشير الى ان الحزب الاسلامي ، وجماعة الاخوان المسلمين قد اوقفوا تنظيماتهما رسميا في 5 نيسان سنة 1971 وكان قرارهم - كما يقول الدكتور شمران العجلي في كتابه :" الخريطة السياسية للمعارضة العراقية " – يعني ان التنظيم يعني التصفية من قبل السلطة ويجب ان يتوقف التنظيم ليخلي المجال للنشاط الدعوي السلمي .
في سنة 1991 إجتمع عدد من قيادات جماعة الاخوان المسلمين والحزب الاسلامي في بلدان المهجر وخاصة في لندن وقرروا إعادة تنظيم انفسهم في الحزب الاسلامي .كما عمل بعضهم على انشاء مؤسسات فكرية وشركات استثمارية استطاع بعضها - وخلال سنوات الحرب العراقية –الايرانية 1980-1988 وحرب الخليج الثانية 1991 والحصار على العراق - التغلغل داخل العراق والاستثمار فيه مع عدم التخلي عن معارضة نظام الحكم الذي كان قائما قبل الاحتلال الاميركي في 9 نيسان 2003 .
كما إستطاعوا من خلال الاعمال الخيرية ، والاغاثية والاجتماعية ، التي كان يحتاجها العراقيين إبان الحصار الاتصال بالناس واقامة منظمات طابعها الظاهر العمل الخيري لكن طابعها العام هو العمل الدعوي .
ومن المؤكد ان نظام الحكم العراقي قبل الاحتلال الاميركي البغيض في 9 نيسان 2003 .. غض الطرف عن كثير من النشاطات الدعوية والثقافية لجماعة الاخوان المسلمين الذين استفادوا من " الحملة الايمانية " التي أعلنها النظام خلال الحصار ، والمواجهة مع الولايات المتحدة الاميركية .
ويمكن ملاحظة ذلك من متابعة نشرياتهم وخطبهم ومحاضرات الكثير من قادتهم ومنهم الدكتور محسن عبد الحميد المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين عشية الاحتلال .
وما ان وقع الاحتلال الاميركي للعراق في 9 نيسان 2003 حتى ظهرت جماعة الاخوان المسلمين بأسم :" الحزب الاسلامي " ، وصارت تمارس نشاطاتها بكل حرية ، ولم يقتصر الامر على ذلك بل شاركت في مجلس الحكم الذي أسسه السفير بول بريمر بشخص الدكتور محسن عبد الحميد .
ويتولى اليوم - وعند كتابة هذه السطور - الدكتور أسامة التكريتي مهمة المراقب العام لجماعة الاخوان الاسلاميين .ومن قيادات الحزب الاسلامي الدكتور سليم الجبوري نائب الامين العام للحزب(رئيس مجلس النواب الحالي ) ، والدكتور عمار وجيه زين العابدين رئيس مجلس شورى الحزب
والمتحدث الاعلامي ومن اعضاء المكتب السياسي : بهاء الدين النقشبندي، والدكتور محمد إقبال عمر الصيدلي ، ونصير عايف العاني ، ورشيد العزاوي ، ومطشر السوداني ، وعمار يوسف العاني ، والدكتور محمد مبارك وعصام الشيخلي . ومن الاعضاء البارزين الدكتور محمد شاكر الغنام مسؤول الحزب في الموصل ، والدكتور عبد القهار مهدي السامرائي ، والمهندس فائق ذياب طفاح السامرائي .
ومهما يكن من أمر ، فإن الحزب الاسلامي العراقي يشارك في العملية السياسية الجارية المتلكئة في العراق لابل اقول الفاشلة .. واستطيع ان اقول ايضا بأنه –ونتيجة مشاركته هذه – خسر الكثير من قواعده الشعبية التي كانت تنظر لجماعة الاخوان المسلمين وللحزب الاسلامي العراقي بعين الاكبار والاعتزاز من حيث ان جماعة الاخوان المسلمين في العراق كانت لسنين طويلة جزءا من الحركة الوطنية . فضلا عن انها كانت تمثل ، لمن انتسب الى الجماعة وخاصة في الخمسينات من القرن الماضي ، التنظيم الوحيد الذي يعلي من شأن الاسلام وعظمته وخاصة من حيث التسلح بالقيم والمعايير الاخلاقية القائمة على ركائز التعاون والتسامح والصدق والايثار والعمل الوطني والقومي العربي والاسلامي والانساني .
المصادر والمراجع :
1. البوتاني ،عبد الفتاح علي يحيى ، الحياة الحزبية في الموصل ، رسالة ماجستير بإشراف الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف ، قدمت الى مجلس كلية الاداب ، جامعة الموصل ، 1997 وهي غير منشورة .
2. بوهلي ، مايكل ، الشبكة الاصولية :تعريف بالمنظمات الاصولية الاسلامية في العالم ،ترجمة فريدون كاكه يي ،مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية ،السليمانية ،2001
3. الشريدة ، نوري شهاب أحمد ، تاريخ الاحزاب السياسية في القطر العراقي ،اصدرته دائرة الشؤون السياسية في مديرية الامن العامة –وزارة الداخلية ، جمهورية العراق ، توزيع محدود ،بغداد ، 1975 .
4. صالح ، محمد وليد عبد ، محمود شيت خطاب : حياته واثاره العلمية، رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة الى كلية الآداب – جامعة الموصل، 2003
5. عبد الحميد ، محسن ، تاريخ جماعة الاخوان المسلمين في العراق من عام 1945 الى 1965 ،طبعة خاصة .بغداد ، 1999 .
6. عبد الرحمن ، ميفان عارف، الاحزاب السياسية العراقية والقضية الكردية 1946-1970 ، اطروحة دكتوراه بإشراف الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف قدمت الى مجلس كلية الاداب –جامعة الموصل ، 2007.
7. العكيدي ، مجول محمد محمود جاسم ، الشيخ أمجد الزهاوي 1883-1967 دراسة تاريخية ، اطروحة دكتوراه قدمت بإشراف الدكتور غانم محمد الحفو الى مجلس كلية التربية –جامعة الموصل ، 2004
8. -------------------------------، علماء الدين الاسلامي في الموصل ومواقفهم تجاه أبرز القضايا الوطنية والقومية 1921-1958 ، رسالة ماجستير قدمت بإشراف الدكتور نمير طه ياسين الى كلية التربية –جامعة الموصل ، 2001 .
9. العقيل ، عبد الله، من اعلام الدعوة والحركة الاسلامية المعاصرة ، ثلاثة أجزاء ،دار البشير ، ط8 ،2008 .
10. العجلي ، شمران ، الخريطة السياسية للمعارضة العراقية ، دار الحكمة ،لندن 2000 .
11. نجم ، جاسم محمد عبدالله ، محمد محمود الصواف : 1915 - 1992 دراسة في سيرته ودوره الديني والسياسي، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية الآداب – جامعة الموصل، 2005
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق