المسألة الشرقية :البداية والنهاية
ابراهيم العلاف
" محاضرات في المسألة الشرقية ومؤتمر باريس "......من افضل ما كتب عن المسألة الشرقية وهي محاضرات القاها الاستاذ الدكتور محمد مصطفى صفوت على طلبة قسم الدراسات التاريخية والجغرافية في معهد الدراسات العربية العالية التابع لجامعة الدول الربية في القاهرة سنة 1958 والكتاب طبع في المطبعة الكمالية بالقاهرة 1958 .من الغريب ان الدولة العثمانية عندما كانت قوية كان الغرب هو المشكلة وعندما ضعفت اصبحت هي المشكلة امام اوربا والغرب . الدولة العثمانية كقوة عظمى كانت تسيطر على جنوب اوربا الشرقي في القرن السادس عشر وطالما كان العثمانيون قوة مهاجمة وكما هو معروف الدولة العثمانية عاشت 700 سنة من 1299الى 1922 وطالما كانت الدولة العثمانية في دور الفتوح والاتساع لم تكن هناك مسألة شرقية وانما كانت المشكلة مشكلة اوربا اي مشكلة استطاعة اوربا الوقوف امام هجمات العثمانيين العنيفة فالعثمانيون قضوا على الامبراطويات البلقانية الكبية ومنها امبراطورية الصرب وامبراطورية البلغار ودمروا الامبراطورية البيزنطية وسيطروا على عاصمتها القسطنطينية وجعلوها عاصمة للاسلام واستولوا على ولاية الافلاق والبغدان والقرم واصبح البحر الاسود بحيرة عثمانية كما استطاعوا القضاء على دولة المجر -هنغاريا واصبحت المجر ولاية عثمانية .
المسألة الشرقية اخذت بالظهور حين انحسرت موجة الفتوح العثمانية واخذ الاتراك العثمانيون يتقهقرون تدريجيا خاصة من اواسط اوربا فظهر الامل يقوى بالتدريج في اوربا في انسحاب العثمانيين يوما ما من اواسط اوربا وشبه جزيرة البلقان .
طبيعي ان ضعف الدولة العثمانية جاء بسبب ضعف نظمها منذ القرن السابع عشر وهذه النظم هي نفسها كانت من اسباب قوة الدولة العثمانية ..ضعفت شخصيات السلاطين واصبحت نظم الادارة والسياسة عقبة في طريق الاصلاح وانعكس ذلك على الجيش كما ان لظهور النمسا وروسيا كدولتين حديثتين مهاجمتين توسعتين جر الى اصطدامهما بالدولة العثمانية وادى الاصطدام المستمر الى استنفاذ قوة الدولة العثمانية وكان توسع النمسا في ظل عائلة هابسبيرك وروسيا في ظل اسرة رومانوف على حساب ممتلكات الدولة العثمانية في وسط اوربا في حوض الدانوب وعلى حدوده وعلى سواحل البحر الاسود .
وهكذا اخذت المسألة الشرقية تظهر اذن في القرن الثامن عشر وساعد على ذلك تنامي الحركة القومية وخاصة القوميات البلقانية المسيحية التي هيأت لها سياسة الدولة وسائل المحافظة على لغتها ودينها ونظمها وساندت الدول الاوربية هذه القوميات وشجعتها في مد نفوذها .
حاولت الدولة العثمانية الاستجابة للتحديات واصلاح نظمها ، إلا ان الغرب تغلغل في اراضيها ، وبدأ يعمل على تفكيكها وكانت الدعوة الى الاصلاحات هي الاداة الاوربية للتغلغل في شؤون الدولة العثمانية وانقسم الغرب بين مؤيد للمحافظة على كيان الدولة العثمانية (بريطانيا ) وبين مؤيد لتفكيكها (روسيا ) .
وجاء مؤتمر باريس الذي افتتح في 25 شباط -فبراير 1856 لحل مشاكل الشرق الادنى (الشرق الاوسط كما يطلق عليه اليوم ) وهو اول مؤتمر اوربي بعد مؤتمر فيرونا سنة 1822 يجتمع لالحل مشكلة واحدة بل سلسلة من مشاكل الشرق الادنى وحضر عالي باشا وفؤاد باشا ممثلين عن الدولة العثمانية ولم تدع روسيا الا بعد افتتاحه لان بريطانيا لم تقبل بإشتراك روسيا وكان ذلك لاذلالها ومثل انكلترا وزير خارجيتها اللورد كلارندن وسفيرها في باريس اللورد كولي ومثلت النمسا والمجر وسردينيا .
وامضيت معاهدة باريس في 30 اذار -مارس سنة 1856 وحلت مشاكل العلاقات الروسية -العثمانية في ثلاثة امور هي ان السلطان العثماني وعد بالاصلاح وان البحر الاسود اصبح في وضع الحياد واستقلت الولايتان الدانوبيتان عن حماية روسيا وكان اهم شرط في معاهدة باريس هو تحرير رومانيا وجعلها دولة مستقلة ثم نوقشت مسألة علاقة رومانيا بالدولة العثمانية وايد المؤتمر استقلالها لتكون دولة حاجزة بين الدولة العثمانية وروسيا وفي 15 نيسان 1856 وقعت انكلترا وفرنسا معاهدة للمحافظة على كيان الدولة العثمانية ولكنهما عادا خلال الحرب العالمية الاولى سنة 1916 لاقتسام ممتلكاتها في اتفاقية سايكس -بيكو 1916 سيئة الصيت .ومعنى هذا ان ما اتفق عليه في مؤتمر باريس لم ينفذ فالدولة العثمانية لم تنفذ اصلاحاتها بشأن رعاياها من المسيحيين وحيدة البحر الاسود لم تستمر طويلا وانتهت سنة 1870 واما بساربيا فقد عادت الى روسيا في سنة 1878 واما حماية الدولة العثمانية فلم يعد احد يهتم بها وقامت بريطانيا بإحتلال قبرص ومصر بين سنتي 1878 و1882 ..كن مؤتمر باريس محاولة للحيلولة دون نهوض روسيا واستغلاها ضعف الدولة العثمانية وهذا الامر وقف عنده كثير من المؤرخين امثال تايلور .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق