جوابا على سؤال عن حملة نجيب باشا على كربلاء 1843:
ا.د.ابراهيم العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
سألني أحد الباحثين من الطلبة وهو السيد رحيم حاتم الفرطوسي عن "حملة نجيب باشا الى كربلاء " والتي وقعت في 11 ذي الحجة سنة 1258 هجرية 1843 وقد ذكرها المؤرخ الكبير عباس العزاوي في المجلد السابع من كتابه :"تاريخ العراق بين احتلالين ".. وقصة هذه الواقعة غريبة إذ أن الاوضاع في كربلاء كانت مرتبكة منذ ايام المماليك وداؤود باشا الى اخر عهد علي رضا 1834 .. وقد حاصر محمد نجيب باشا والي بغداد كربلاء وسيطر عليها ، وكان فيها ابراهيم الزعفراني واصله أعجمي من ايران وترأس كما جاء في [ التاريخ المجهول] " اوباشها وسفهائها واطاعه اراذل البلاد والمفسدون وهم يتولون الحرب وعامتهم وكانوا عاصين الا اهم يؤدون شيئا قليلا عوض خراجها وكل من يعمل مفسدة في العراق او يأكل اموال الناس يذهب الى كربلاء ويجار بهولاء الاراذل حتى اجتمع عندهم مقدار عشرة الاف مقاتل وهم عصاة بغاة بؤذون حتى انهم امسكوا مرة على احد مجتهديهم السيد ابراهيم القزويني ليلا ولم يطلقوه حتى ادى لهم اربعة الاف قران من سكة محمد شاه وكانوا مفسدين ذوي جرأة على اعراض الناس واهل البلد يهابونهم ويخافون على انفسهم لانهم متى ارادوا هجموا على بيت احدهم ونهبوه والحاكم الذي هو من اهل البلد طوع ايديهم ولايعارضهم بما يفعلون .حاصرهم الوزير محمد نجيب باشا ( حكم من 1842-1847 ) 23 يوما وقضى عليهم " .
وكانت القوة بقيادة الفريق كرد محمد باشا وقد استخدم المدفعية حتى انه ثلم جزءا من سور البلد (20-30 قدم ارتفاع السور وبني في عهد سليمان باشا ) في محلة باب النجف ودخل الجيش من تلك الثلمة وقيل قتل في الواقعة اربعة الاف نفس ومن الجيش 500 جندي وقد القي القبض على عدد من قادة العصيان وجاؤوا بهم الى بغداد .
في ديوان الشاعر عبد الغفار الاخرس ذكر للحادثة ويقول المؤرخ العزاوي:" أن كتُاب اليوم يحاولون ان يكسبوها صبغة سياسية او دينية وان العصيان جرى بتأثير من ايران وجل ماهناك ان المتنفذين استبدوا بها واستفادوا من ضعف الدولة لااكثر ولااقل " .
كما جاء ذكر الواقعة في كتاب "هداية الطالبين " لكريم خان الكرماني وبين ان الجيوش العثمانية كانت تحترم بيوت الشيخية وكل من التجأ اليهم كان آمنا على نفسه ولم يقتل احد من اتباع السيد كاظم الرشتي مع ان الذين التجأوا الى المراقد قد قتلوا بلا رحمة .
وفي كتاب "قرة العين في تاريخ الجزيرة والعراق وبين النهرين "لمحمد رشيد السعدي جاء ذكر الحادثة بالقول ان اهل كربلاء جاهروا بالعصيان فأرسل والي بغداد قوة تمكنت من اخضاعهم وقتل رؤسائهم وعاد الامن والسكينة ..وفي تاريخ الشاوي جاء تفصيل للواقعة وانه لم ينسب العصيان للاهالي بل لمن اسماهم الاشقياء .
رحم الله استاذي الدكتور ياسين عبد الكريم الذي شرح لنا الواقعة وحللها قبل 50 سنة عندما كنا طلابا عنده في جامعة بغداد وقال ان "اليرمازية " اي الاشقياء " واليرماز كلمة تركية تعني ايضا الكسلان اعتدوا على السيد ابراهيم القزويني وان سلطان رجال الدين لم يكن كبيرا ، وان محمد نجيب باشا ارسل حملة عسكرية الى كربلاء وانه اتصل بالمندوب الايراني والقنصل البريطاني قبل ارسال الحملة وانه طلب من العصاة التسليم لكن اليرمازية لم يدركوا خطورة ما يقومون به وقفلوا ابواب كربلاء وسيطروا على سورها وابراجها وكان عدد القتلى في محزرة كربلاء 4000 الاف شخص ومن الجيش 500 جندي و50 ضابطا وان المعركة دامت ساعات واعقبها سلب ونهب وان المسؤولية التاريخية تقع على الجهة او الجهات او الاشخاص الذين هيأوا أو اوصلوا الامور الى هذا الحد وهم الذي كانوا وراء تطويرها وان الوالي محمد نجيب باشا يتحمل مسؤولية كبيرة لانه امر بالهجوم على كربلاء بدون ان يأخذ موافقة من الباب العالي في استانبول ، وان كثيرا من التقارير الرسمية العثمانية تقول انه تعجل بالامر ولم يأخذ موافقة من مسؤوليه .
وفي الوثائق البريطانية والعثمانية ما يؤكد ان محمد نجيب باشا لم يدرك ان الهجوم على كربلاء يسبب نزاعا مع ايران وانه لم يستنفذ الحلول السلمية اولا .
كما أن على الجيش العثماني يتحمل مسؤولية لانه تحرك بموجب اوامر شفهية من والي بغداد محمد نجيب باشا ومن هؤلاء الضباط المشير سعد الله والفريق محمد باشا وانهم استخدموا القوة المفرطة ودفعوا ثمنا لذلك اذ انهم فقدوا الضبط والسيطرة على الجيش .
ونأتي الان الى مسؤولية اليرمازية الذين سيطروا على كربلاء وانتهكوا مقدراتها ومارسوا السلطة بدون اي وجه حق ولم يكن لديهم اي تفويض شرعي ديني ولا قانوني حتى انهم لم يكونوا يمتلكون سلطة كما يمتلها رؤساء العشائر وشيوخها وان فتح شاه علي منح الفرمان الى محمد علي داماد وفي هذا مخالفة للعرف الدولي وانهم اظهروا تشددا في المفاوضات ولم يحسنوا تقدير الموقف ولم يدركوا الفرق بين الواليين محمد نجيب باشا وداؤود باشا او علي رضا باشا وكانوا يتصورون ان الامر بسيط لذلك سدوا الابواب وصعدوا على القبب واستخدوا القوة ضد الجيش النظامي وهم يتحملون مسؤولية ماحدث .
وعن مسؤولية القناصل الاجانب في كربلاء يمكن القول ان القنصل الانكليزي تايلور كان يعرف ما يسببه اليرمازية من مشاكل واعتداء على الناس وكان منزعجا منهم ويقول عن احد قادتهم وهو الملا عبد العزيز انه "دساس " ومع هذا التجأ هذا الى تايلور وبريطانيا كانت تحرص على حماية الهنود في كربلاء وثمة من يقول ان القنصل الانكليزي لم يفعل شيئا لايقاف الحملة وانه كان يدرك ان الملا عبد العزيز هول القضية عندما قال ان عدد من قتل في كربلاء يصل الى 50 الفا فكم كان عدد نفوس كربلاء حتى يقتل منهم 50 الفا وان القنصل الفرنسي في كربلاء وقف عاجزا امام ماحدث وان القناصل البريطاني والفرنسي والايراني لم يبذلوا جهودا حثيثة من اجل عدم وقوع الحادثة المؤلمة .
بقي ان نقول شيئا عن محمد نجيب باشا 1842-1847 والي بغداد وهو من اسرة ارستقراطية في استانبول وهو من المماليك ايضا وعمل دفتردارا وكان عندما جاء الى بغداد من الشام كان متقدما في السن ولكنه يتمتع بقوة ارادة تنعكس في شخصيته كل صفات الاتراك حيث العناد والصلابة كما كان يكره الاجانب وقد احتك بالغربيين عندما كان في الشام وهو يعرف مطامعهم في العراق والشام وقد سمى المؤرخون مذبحة كربلاء ب"غدير الدم " . وللعلم فإن من قادة اليرمازية ابراهيم الزعفراني والحاج طعمة من اسرة دراج وان من زعماء الايرانيين في كربلاء انذاك محمد علي داماد ومن رجال الدين كاظم الرشتي وابراهيم القزويني .
اذا هي حادثة تاريخية مؤلمة تتعدد فيها الاراء وكل ينظر اليها من زاويته لكن الجميع يتحمل المسؤولية من اثار المشكلة ومن استخدم القوة المفرطة .
ا.د.ابراهيم العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
سألني أحد الباحثين من الطلبة وهو السيد رحيم حاتم الفرطوسي عن "حملة نجيب باشا الى كربلاء " والتي وقعت في 11 ذي الحجة سنة 1258 هجرية 1843 وقد ذكرها المؤرخ الكبير عباس العزاوي في المجلد السابع من كتابه :"تاريخ العراق بين احتلالين ".. وقصة هذه الواقعة غريبة إذ أن الاوضاع في كربلاء كانت مرتبكة منذ ايام المماليك وداؤود باشا الى اخر عهد علي رضا 1834 .. وقد حاصر محمد نجيب باشا والي بغداد كربلاء وسيطر عليها ، وكان فيها ابراهيم الزعفراني واصله أعجمي من ايران وترأس كما جاء في [ التاريخ المجهول] " اوباشها وسفهائها واطاعه اراذل البلاد والمفسدون وهم يتولون الحرب وعامتهم وكانوا عاصين الا اهم يؤدون شيئا قليلا عوض خراجها وكل من يعمل مفسدة في العراق او يأكل اموال الناس يذهب الى كربلاء ويجار بهولاء الاراذل حتى اجتمع عندهم مقدار عشرة الاف مقاتل وهم عصاة بغاة بؤذون حتى انهم امسكوا مرة على احد مجتهديهم السيد ابراهيم القزويني ليلا ولم يطلقوه حتى ادى لهم اربعة الاف قران من سكة محمد شاه وكانوا مفسدين ذوي جرأة على اعراض الناس واهل البلد يهابونهم ويخافون على انفسهم لانهم متى ارادوا هجموا على بيت احدهم ونهبوه والحاكم الذي هو من اهل البلد طوع ايديهم ولايعارضهم بما يفعلون .حاصرهم الوزير محمد نجيب باشا ( حكم من 1842-1847 ) 23 يوما وقضى عليهم " .
وكانت القوة بقيادة الفريق كرد محمد باشا وقد استخدم المدفعية حتى انه ثلم جزءا من سور البلد (20-30 قدم ارتفاع السور وبني في عهد سليمان باشا ) في محلة باب النجف ودخل الجيش من تلك الثلمة وقيل قتل في الواقعة اربعة الاف نفس ومن الجيش 500 جندي وقد القي القبض على عدد من قادة العصيان وجاؤوا بهم الى بغداد .
في ديوان الشاعر عبد الغفار الاخرس ذكر للحادثة ويقول المؤرخ العزاوي:" أن كتُاب اليوم يحاولون ان يكسبوها صبغة سياسية او دينية وان العصيان جرى بتأثير من ايران وجل ماهناك ان المتنفذين استبدوا بها واستفادوا من ضعف الدولة لااكثر ولااقل " .
كما جاء ذكر الواقعة في كتاب "هداية الطالبين " لكريم خان الكرماني وبين ان الجيوش العثمانية كانت تحترم بيوت الشيخية وكل من التجأ اليهم كان آمنا على نفسه ولم يقتل احد من اتباع السيد كاظم الرشتي مع ان الذين التجأوا الى المراقد قد قتلوا بلا رحمة .
وفي كتاب "قرة العين في تاريخ الجزيرة والعراق وبين النهرين "لمحمد رشيد السعدي جاء ذكر الحادثة بالقول ان اهل كربلاء جاهروا بالعصيان فأرسل والي بغداد قوة تمكنت من اخضاعهم وقتل رؤسائهم وعاد الامن والسكينة ..وفي تاريخ الشاوي جاء تفصيل للواقعة وانه لم ينسب العصيان للاهالي بل لمن اسماهم الاشقياء .
رحم الله استاذي الدكتور ياسين عبد الكريم الذي شرح لنا الواقعة وحللها قبل 50 سنة عندما كنا طلابا عنده في جامعة بغداد وقال ان "اليرمازية " اي الاشقياء " واليرماز كلمة تركية تعني ايضا الكسلان اعتدوا على السيد ابراهيم القزويني وان سلطان رجال الدين لم يكن كبيرا ، وان محمد نجيب باشا ارسل حملة عسكرية الى كربلاء وانه اتصل بالمندوب الايراني والقنصل البريطاني قبل ارسال الحملة وانه طلب من العصاة التسليم لكن اليرمازية لم يدركوا خطورة ما يقومون به وقفلوا ابواب كربلاء وسيطروا على سورها وابراجها وكان عدد القتلى في محزرة كربلاء 4000 الاف شخص ومن الجيش 500 جندي و50 ضابطا وان المعركة دامت ساعات واعقبها سلب ونهب وان المسؤولية التاريخية تقع على الجهة او الجهات او الاشخاص الذين هيأوا أو اوصلوا الامور الى هذا الحد وهم الذي كانوا وراء تطويرها وان الوالي محمد نجيب باشا يتحمل مسؤولية كبيرة لانه امر بالهجوم على كربلاء بدون ان يأخذ موافقة من الباب العالي في استانبول ، وان كثيرا من التقارير الرسمية العثمانية تقول انه تعجل بالامر ولم يأخذ موافقة من مسؤوليه .
وفي الوثائق البريطانية والعثمانية ما يؤكد ان محمد نجيب باشا لم يدرك ان الهجوم على كربلاء يسبب نزاعا مع ايران وانه لم يستنفذ الحلول السلمية اولا .
كما أن على الجيش العثماني يتحمل مسؤولية لانه تحرك بموجب اوامر شفهية من والي بغداد محمد نجيب باشا ومن هؤلاء الضباط المشير سعد الله والفريق محمد باشا وانهم استخدموا القوة المفرطة ودفعوا ثمنا لذلك اذ انهم فقدوا الضبط والسيطرة على الجيش .
ونأتي الان الى مسؤولية اليرمازية الذين سيطروا على كربلاء وانتهكوا مقدراتها ومارسوا السلطة بدون اي وجه حق ولم يكن لديهم اي تفويض شرعي ديني ولا قانوني حتى انهم لم يكونوا يمتلكون سلطة كما يمتلها رؤساء العشائر وشيوخها وان فتح شاه علي منح الفرمان الى محمد علي داماد وفي هذا مخالفة للعرف الدولي وانهم اظهروا تشددا في المفاوضات ولم يحسنوا تقدير الموقف ولم يدركوا الفرق بين الواليين محمد نجيب باشا وداؤود باشا او علي رضا باشا وكانوا يتصورون ان الامر بسيط لذلك سدوا الابواب وصعدوا على القبب واستخدوا القوة ضد الجيش النظامي وهم يتحملون مسؤولية ماحدث .
وعن مسؤولية القناصل الاجانب في كربلاء يمكن القول ان القنصل الانكليزي تايلور كان يعرف ما يسببه اليرمازية من مشاكل واعتداء على الناس وكان منزعجا منهم ويقول عن احد قادتهم وهو الملا عبد العزيز انه "دساس " ومع هذا التجأ هذا الى تايلور وبريطانيا كانت تحرص على حماية الهنود في كربلاء وثمة من يقول ان القنصل الانكليزي لم يفعل شيئا لايقاف الحملة وانه كان يدرك ان الملا عبد العزيز هول القضية عندما قال ان عدد من قتل في كربلاء يصل الى 50 الفا فكم كان عدد نفوس كربلاء حتى يقتل منهم 50 الفا وان القنصل الفرنسي في كربلاء وقف عاجزا امام ماحدث وان القناصل البريطاني والفرنسي والايراني لم يبذلوا جهودا حثيثة من اجل عدم وقوع الحادثة المؤلمة .
بقي ان نقول شيئا عن محمد نجيب باشا 1842-1847 والي بغداد وهو من اسرة ارستقراطية في استانبول وهو من المماليك ايضا وعمل دفتردارا وكان عندما جاء الى بغداد من الشام كان متقدما في السن ولكنه يتمتع بقوة ارادة تنعكس في شخصيته كل صفات الاتراك حيث العناد والصلابة كما كان يكره الاجانب وقد احتك بالغربيين عندما كان في الشام وهو يعرف مطامعهم في العراق والشام وقد سمى المؤرخون مذبحة كربلاء ب"غدير الدم " . وللعلم فإن من قادة اليرمازية ابراهيم الزعفراني والحاج طعمة من اسرة دراج وان من زعماء الايرانيين في كربلاء انذاك محمد علي داماد ومن رجال الدين كاظم الرشتي وابراهيم القزويني .
اذا هي حادثة تاريخية مؤلمة تتعدد فيها الاراء وكل ينظر اليها من زاويته لكن الجميع يتحمل المسؤولية من اثار المشكلة ومن استخدم القوة المفرطة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق