السبت، 6 مارس 2010

محمد أمين زكي ..أبو التاريخ الكردي !!

محمد أمين زكي ..أبو التاريخ الكردي !!
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث - جامعة الموصل
 من المؤرخين العراقيين الكورد ، لم يتلق تدريبا على مهنة كتابة التاريخ والبحث فيه ، كان رجلا عسكريا ، لكنه اهتم بالتاريخ والدراسات التاريخية ، وألف ، وكتب ، وحاضر في عديد من موضوعات التاريخ . وخاصة المتعلقة منها بتاريخ الكورد وكوردستان .. لقد كان مؤرخا هاويا شأنه في ذلك شأن الكثيرين من المؤرخين العراقيين الرواد امثال : عباس العزاوي ، وعبد الرزاق الحسني ، ومحمد أمين العمري ، وسليمان الصائغ ، واحمد علي الصوفي ، واحمد عزت الأعظمي والشيخ فريق مزهر الفرعون ، وحامد علي البازي . ولد محمد امين زكي بن عبد الرحمن بن محمود سنة 1880 في محلة (كويزة) التي تقع في مدينة السليمانية . وقد أدخله والده الكتاب ، حيث قرأ القرآن الكريم وحفظ ، آياته وسوره ، وفي سنة 1892 ، التحق بالمدرسة الابتدائية الرسمية التي كانت قد افتتحت في السليمانية آنذاك ، وأمضى فيها عاما وحدا ، انتقل بعدها إلى (المدرسة الرشدية العسكرية) التي تأسست في مدينة السليمانية لتخريج الضباط . وفي سنة 1896 ، دخل الاعدادية العسكرية في بغداد وبعد تخرجه فيها تم قبوله في المدرسة الحربية في استانبول ، وبعد تخرجه سنة 1902 ، انضم إلى واحدة من الفرق العسكرية للجيش العثماني السادس ( التنجي اوردو) . وكانت بغداد مقره آنذاك . ادخل مدرسة الاركان العثمانية وتخرج فيها برتبة رئيس ( رائد ركن) . كتب عنه صديقنا الاستاذ حميد المطبعي في جريدة الزوراء ( البغدادية) (العدد الصادر يوم 20 تموز /يوليو 2000) . كما كتب عنه الأستاذ عمر إبراهيم عزيز في جريدة العراق (العد الصادر في 20 تموز/يوليو 1995) لمناسبة مرور (47) سنة على وفاته . وكتب عنه الدكتور حسن كريم الجاف دراسة قيمة في مجلة المؤرخ العربي (العدد 56 الصادر سنة 1998) ، وركزت الكتابات على دوره كعسكري ، وكمؤرخ ، وكمفكر كردي كبير ، كانت له نشاطات متميزة على صعيد التاريخ للكورد عبر العصور . الذي يهمنا في مجال التعرف على سيرته الذاتية أن محمد أمين زكي عمل من خلال كونه ضابطا متخصصا بالهندسة العسكرية عضوا في لجنة تأسست في استانبول سنة 1907 ، تهتم بإعداد الخرائط ، لهذا تم اختياره بعد سنة عضوا في لجنة تحديد الحدود بين الدولة العثمانية وبلغارستان( بلغاريا) ، وكذلك في لجنة تحديد الحدود بين الدولة العثمانية وروسيا القيصرية ، . وعندما اندلعت حروب البلقان 1912 ـ 1913 ، اوفد إلى فرنسا مع عدد من الضباط في الجيش العثماني للتدريب . وقد رفع الى رتبة مقدم ركن ، وارسل في ايلول / سبتمبر من سنة 1915 ، ليلتحق بقيادة أركان الجيش العثماني المرابط في العراق ، وقد شارك في معارك الكوت المعروفة ، وبعد ذلك عين مديرا لشعبة الاستخبارات العسكرية ، وفي أعقاب الاحتلال البريطاني لبغداد في 11/آذار /مارس 1917 ، انسحب محمد أمين زكي مع قطعات الجيش العثماني إلى مدينة الموصل . ومنها عاد إلى استانبول ، ونظرا للصداقة التي كانت تربطه مع مصطفى كمال ، فقد اختاره ليكون معاونا لرئيس أركان الجيش السابع المرابط في استنبول . وقد اشترك في كل المعارك التي خاضها العثمانيون في جبهات فلسطين وقفقاسيا . وفي اواخر سنة 1918 نقل إلى شعبة هيئة تدوين التاريخ العسكري في وزارة الدفاع التركية ، وأتيحت له الفرصة لتدريس مادة تاريخ الحرب في كلية الأركان في استانبول . وبعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة سنة 1920 ، عاد إلى العراق فعين أستاذا في المدرسة العسكرية وآمرا للكلية العسكرية وبقى كذلك حتى سنة 1925 ، حين ترك الخدمة في الجيش ، وانخرط في العمل السياسي ، وانتخب نائبا عن مدينة السليمانية في مجلس النواب العراقي لأكثر من مرة ، وفي 14 تشرين الأول 1925 عين وزيرا للأشغال والمواصلات في وزارة السيد عبد المحسن السعدون الثانية ( 26 حزيران 1925 ـ 1 تشرين الثاني 1926) ثم وزيرا للأشغال والمواصلات في وزارة الفريق جعفر العسكري الثانية (21 تشرين الثاني 1926ـ 8 كانون الثاني 1928 ) وفي 28 نيسان / مايو 1929 أصبح وزيرا للدفاع في وزارة توفيق السويدي (28 نيسان 1929 ـ 25 آب 1929) وبين 1929 و1942 تسنم وزارات عديدة في بغداد ، وكسب سمعة طيبة لما كان يتمتع به من كفاءة ، ونزاهة ، وحب وإخلاص للوطن ، ودور متميز في تعزيز التلاحم الأخوي المصيري بين مكونات الشعب العراقي المختلفة . في 9 شباط /فبراير 1942 أحال نفسه على التقاعد لاعتلال صحته . وفي 10 تموز/يوليو 1948 توفي رحمه الله عن عمر ناهز ال (68) عاما ، وقد دفن في مقبرة (كردي سيوان) بمدينة السليمانية وبجوار قبر احد القادة العسكريين الكورد المعروفين . ترك محمد امين زكي مؤلفات كثيرة باللغات التركية والكردية والعربية ، فضلا عن دراسات وبحوث متميزة ، ومما ساعده على ذلك إتقانه لغات عديدة منها الفرنسية والإنكليزية والفارسية إضافة إلى اللغات الثلاث التي اشرنا إليها آنفا . كان باحثا مدققا غايته الوصول إلى الحقيقة ولم يكن يبخل على نفسه عندما يريد أن يحوز وثيقة أو كتابا . كما كان يتردد باستمرار على المكتبات الخاصة والعامة . يقول في مقدمة كتابه (( مشاهير الكورد وكوردستان)) ((ولا اخفي على القاريء الكريم أن لي مزاجا يبدو غريبا في التأليف ، فاني أود أن يكون الموضوع الذي اكتبه صعبا معقدا بحيث يدفعني إكماله إلى زيارة المكتبات الخاصة والعامة لمراجعة مئات الوثائق والمستندات ....)) . من كتبه المنشورة (بغداد وصوك حادثة صنياعي) 1338هـ (1919) أي حادثة سقوط بغداد وباللغة التركية ، وكتاب (عراق سفري) 1336هـ (1917) أي حرب العراق باللغة التركية ، وتاريخ الدول والإمارات الكردية في العصر الإسلامي (باللغة الكردية) وهو الجزء الثاني من كتاب (خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان) ونقله إلى العربية محمد علي عوني (طبع في القاهرة سنة 1945) ، وكتاب (تاريخ السليمانية وأنحائها ) ونشر ببغداد سنة 1951 وكتاب ( مشاهير الكورد وكوردستان في الدور الإسلامي) جزءان ونقلتهما إلى العربية ابنته الدكتورة سانحة أمين زكي ، طبع الجزء الأول في القاهرة سنة 1945 والثاني بالقاهرة سنة 1947 . ليس من السهولة رصد كل نتاجات المؤرخ محمد زكي أمين لتنوعها ، واختلاف موضوعاتها وتعدد محاورها .. ألف في التاريخ العسكري ، وكتب عن السير والشخصيات ، وتناول التاريخ المحلي (البلداني) .. وقد كان شاعرا وأديبا .. نشر بعضا من قصائده وخاصة في مجلة (كه لاويز) الكوردية المعروفة . يقول الأستاذ عمر إبراهيم عزيز في المقالة التي اشرنا إليها آنفا : ((لولا تفرغ محمد أمين زكي للتاريخ والتاريخ الكوردي على الأخص لكان في مقدمة الأدباء لما اتصف به من لطف العاطفة ، ورقة التعبير ، وسمو الخيال)) . وفيما يتعلق بمنهجه التاريخي ، فلقد كان رحمه الله حريصا على الالتزام بالموضوعية ، والحياد ، والابتعاد عن المبالغة .. كان أمينا وصادقا وممحصا .. يحترم آراء غيره .. وقد أحبه الناس كافة لسجاياه النادرة وكثيرا ما استشاره زملائه من السياسيين والعسكريين والمثقفين عموما وكان مجلسه عامرا يغص بالفضلاء من العرب والكورد ممن يرغبون بنهل المعارف والعلوم وكان يمتاز بطيبته وبالابتسامة التي لاتفارقه . كان محمد امين زكي يعد من ابرز الباحثين العراقيين المعاصرين الذين اهتموا بالتاريخ الكوردي عبر عصوره المختلفة .. فهو أول من كتب بلغة الكورد عن اصل الشعب الكوردي ، وموطنه ، وكتابه (خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان) كان النواة الأولى التي اعتمد عليها المؤرخون في تدوين تاريخ الشعب الكوردي بعد كتاب الشرفنامة للأمير شرف خان البدليسي الذي كتبه بالفارسية عن تاريخ الكورد . أما كتابه ( مشاهير الكورد وكوردستان) فقد جمع فيه سيرة عدد كبير من العلماء والشعراء والأدباء الكورد الذين خدموا الحضارة العربية والإسلامية . ولمحمد أمين مؤلفات مخطوطة منها ذكرياته عن بعض تجاربه وسني حياته منها ( دفتري خاطراتم) وهي مذكرات تتألف من أربعة دفاتر .. نأمل في أن ترى النور قريبا لأهميتها .. كان محمد أمين زكي أديبا ، ومؤرخا ، وعسكريا ، وسياسيا ، وشاعرا ، والاهم من ذلك كله كان إنسانا ، أحب وطنه العراق وخدم بني جنسه الكورد بكل إخلاص ومحبة ، ولم يقعده المرض عن الدرس والتحصيل لذلك فهو يحتل في قلوب العراقيين عامة والكورد خاصة مكانة كبيرة ، وحين يتوارد اسمه على الخاطر ، أو يذكر اسمه في مجلس فأن أول ما يقال عنه انه كان بحق ( أبو التاريخ الكوردي ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...