عبد القادر أحمد اليوسف والتاريخ للعصور الوسطى الاوربية
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل
ولد الأستاذ الدكتورعبد القادر احمد اليوسف بمدينة سوق الشيخ /محافظة الناصرية بالعراق
سنة 1921. مؤرخ عراقي معروف وباحث ومربي درس في مدرسة سوق الشيوخ الابتدائية واكمل دراسته الثانوية
في مدينة الناصرية وبعدها اصبح معلما سنة 1939 لكنه ترك مهنة التعليم ليلتحق بوظيفة باحث في دائرة
الآثار العامة سنة 1945 وهناك برزت قدراته العلمية فلقد اسهم مع السيد حسن طه النجفي في تأليف كتاب
(( موجز جغرافية العراق والبلاد العربية ((نشر سنة 1946 . كما ألف كتابين أولهما
بعنوان ((الإمام الرضا ولي عهد المأمون ))وثانيهما بعنوان (الإمام الحسن وعام الجماعة )).
ولا يزال هذين الكتابين يعدان مصدرين مهمين من مصادر التاريخ الإسلامي في العراق خاصة وانهما يتضمنان آراء
متميزة .
حصل الدكتور اليوسف من وزارة المعارف (التربية حاليا )على بعثة علمية الى الولايات المتحدة الأميركية، وفي
سنة 1952 نال الماجستير من جامعة شيكاغو وذلك عن رسالته الموسومة ((ثورة 1920 في العراق)) ومنذ ذلك
اتجه نحو جامعة ايوا، لينال منها شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث عن رسالته الموسومة ((دراسة في الحركة
الليبرالية العراقية 1908-1924)).
عاد الى وطنه ليبدا رحلة البحث والتدريس، فعمل مدرسا في كلية التربية بجامعة بغداد وشغل رئاسة قسم التاريخ
فيها بين سنتي 1961-1963 . اسهم في تأسيس جامعة طرابلس بليبيا ثم عاد الى العراق ليعمل أستاذا في قسم
التاريخ بكلية التربية وحين بدأت الدراسات العليا في التاريخ الحديث بكلية الآداب بجامعة بغداد سنة 1971،
حرص الدكتور اليوسف، وقد انتقل الى هذه الكلية على توجيه طلبته نحو موضوعات جديدة يتعلق بعضها
بالنشاط الاستعماري الاوربي في العراق والوطن العربي ،والبعض الآخر بالتطورات السياسية التي حدثت في
المدن العراقية ابان الاحتلال والانتداب البريطانيين .
لم يكن الدكتور اليوسف يتوانى عن تقديم النصح لطلابه بان يلتزم المؤرخ بالقيم العلمية والانسانية وابرزها
الصبر والشجاعة والدقة والموضوعية والجدية والامانة والمرؤءة. كما كان يغرس في نفوسهم حب الوطن
والاخلاص له، وقد حرص على ان يكون قدوة لهم وخاصة في مجال التمسك بالمبادى والدفاع عنها وعدو
التزحزح عنها قيد شعرة ايا كانت النتائج، ومن هنا فقد اتسمت شخصيته بالصرامة والحزم والجدية .
شعر الدكتور اليوسف من خلال محاضراته بوجود حاجة الى سد بعض الثغرات في "اشكالية العلاقة بين
العرب والمسلمين من جهة والغرب من جهة اخرى "،ويبدو ان لانحيازه الواضح والقاطع نحو قضايا
وطنه وامته ،اثر كبير في هذا التوجه الذي ابتدا به منذ مطلع الستينات من القرن العشرين، وقد قامت فلسفته في
هذا المجال على ان الصراع بين الشرق والغرب، هو صراع دائم وحتمي فهو ليس وليد الظروف التي قادت
الى الحروب الصليبية في العصور الوسطى، وانما له جذور
في العصور القديمة كذلك ،وقد تجدد بعد ظهور الاسلام واستونف الصراع على جبهتين هما الجبهة البيزنطية في
الشرق والجبهة الاسبانية – الفرنسية – الايطالية في الغرب، ثم ورث العثمانيون النزاع في صراعهم مع البيزنطيين،
ومن ثم العثمانيين والدول الاوربية، وبعد ذلك بين العرب والقوى الامبريالية ولا يزال الصراع قائما حتى يومنا هذا.
ويرى الدكتور اليوسف، ان وراء الصراع تكمن عوامل عديدة يتعلق معظمها بمطامع الغرب ورغبته في التوسع
والسيطرة والحيلولة دون نهضة المنطقة .ولقد اشار الدكتور اليوسف، الى ان المؤرخين المسلمين الاوائل
ادركوا هذه الاشكالية حين عدوا مثلا "الحروب الصليبية " وكانوا يسمونها "حروب الفرنجة " من مظاهر
"الفكر التعصبي " الغربي، وانها رد فعل على "الفتوحات الاسلامية " وانتشار الدين الاسلامي .
وفي العصور الوسطى، يرى الدكتور اليوسف ،ان الغرب اندفع نحو الوطن العربي، للتفتيش عن اراضي جديدة
تتوافر فيها الخيرات، وتكون مجالا لحل مشاكل اوربا الاقتصادية، وخاصة بعد ازدياد فعاليات مدن ايطالية التجارية
منذ اوائل القرن الحادي عشر فكانت "الحروب الصليبية "خير وسيلة لغزو مناهل الشرق الاقتصادية،
والمتبصر في تاريخ اوربا خلال هذه المرحلة، يدرك سر اهتمام تلك الدول الايطالية بتهيئة السفن ونقل الغزاة
الى الشرق. ولقد استفاد الغرب من تدهور الاوضاع الداخلية في المشرق العربي، وكذلك من اتساع ظاهرة
الصراعات الاسرية، والتمزق السياسي اذ نجم عنه انحسار السيادة الاسلامية في الجهات الغربية من البحر المتوسط .
ومن اجل الوقوف على تفسير الاشكالية العلاقة مع الغرب ،اخذ الدكتور اليوسف بدراسة الفترة الواقعة بين القرنين
الخامس والخامس عشر الميلاديين ،وذلك خلال ثلاثة كتب اصدرها
بين سنتي 1966و 1969، وهذه الكتب هي : "الامبراطورية البيزنطية " (بيروت ،1966 ) و "العصور الوسطى
الاوربية " (بيروت ،1967 )، و "علاقات بين الشرق والغرب بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر
"(بيروت ،1969 ). وقد انجز كتابا مكملا لهذه السلسلة التي حملت عنوان (دراسات تاريخية )حول "الامبراطورية
العثمانية" وارسله الى بيروت لكن احداث الحرب الاهلية اللبنانية ،حالت دون طبعه ،اذ قيل ان المطبعة التي كانت
ستتولى طبعه قد احترقت.
لقد تضمنت الكتب الثلاثة اراء وتفسيرات لطبيعة العلاقة مع الغرب ،وفي جميعها لا تخرج عن نظرته الاساسية في
وجود بواعث دينية وسياسية واقتصادية وعسكرية وراء الاندفاع الغربي نحو الارض العربية ،وانه قد نجم
هذا الاندفاع نتائج كان لها اثرها الفاعل في مجرى التاريخ الانساني، ولعل في مقدمتها ان العرب اسهموا في حركة
النهضة الاوربية، وخاصة في النواحي الثقافية باساليب مبلشرة وغير مباشرة، ومهما كانت العلاقات من
نواحيها السلبية والايجابية ،فقد ازداد اطلاع الغرب على التراث العربي الاسلامي.
كما ان الضغط العثماني المتواصل على الغرب منذ النصف الثاني من القرن الرابع عشر كان من الامور التي
ساعدت على احياء التراث الكلاسيكي في الجهات الايطالية .
لقد ابرز الدكتور اليوسف حقيقة اساسية وهي :ان الاحتكاك بين الشرق والغرب ،عن طرية الاراضى المقدسة
والاندلس وصقلية وبيزنطة ،قد عجل في عملية النهوض الاوربي ومن ثم النهوض الانساني .
للدكتور اليوسف مقا لات وبحوث عديدة منشورة في مجلات عربية وعراقية واجنبية، كما اشرف على عدد كبير
من طلبة الماجستير والدكتوراه في التاريخ الحديث ،وحضر ندوات ومؤتمرات علمية ،وكان كاتب هذه السطور
واحدا من طلابه الذين اشرف عليهم ،وقد وجدنا في المرحوم الدكتور اليوسف ،استاذا قديرا ،وصاحب مدرسة
متميزة في التاريخ تتسم بالعلمية والموضوعية والشمولية والتعددية في تأشير العوامل التي تصنع الحدث التاريخي،
ولكن تبقى مسالة لابد من اقرارها ،وهي ان ما ترك الدكتور اليوسف من علم ينتفع به واخلاق يعتز بها، يجعله في
مصاف العلماء والمفكرين والمؤرخين الذين ينبغي على الامة ان تتذكرهم وتدعوا الى الاقتداء بهم والسير على
منوالهم.
*الرجاء زيارة مدونة الدكتور ابراهيم العلاف ورابطها التالي :
http://wwwallafblogspotcom.blogspot.com/2010/02/1908-1995.html
مقالة رائعة بحق الدكتور عبد القادر اليوسف وحصلت منها الجواب وانا ابحث عن شخصية اليوسف العلمية بالرغم انه لم يكن أستاذي ولكن سمعته عنه وقرأت له ،اقدم جزيل الشكر والتقدير للدكتور العلاف
ردحذفاشكرك اخي الاستاذ علي كامل
حذف