الأربعاء، 17 مارس 2010

محمد سعيد الجليلي و الاناشيد الموصلية


محمد سعيد الجليلي و الاناشيد الموصلية
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث -العراق


ارتبط اسم (محمد سعيد الجليلي) بفكرة العمل على بث الوعي القومي العربي، والسعي للتخلص من النير التركي (العثماني) قبيل الحرب العالمية الاولى والاحتلال البريطاني بعدها. وقد شعر هذا الرائد القومي مع عدد من رفاقه امثال داؤد الملاح آل زيادة ومحمد توفيق آل حسين أغا افغان، واسماعيل حقي فرج وقاسم الشعار،بأن قادة الاتحاد والترقي مصرون على فرض النزعة الطورانية العنصرية واتباع سياسة التتريك على ابناء الولايات العربية ومنهم ابناء الموصل، فاقدموا على وضع كتاب بعنوان : ((الاناشيد الموصلية للمدارس العربية)) يتضمن أناشيد عربية حماسية قومية ((تحل محل الاناشيد التركية التي كان مقررا انشادها في المدارس آنذاك)). وقد استفاد هؤلاء الرواد، من فرصة رضوخ السلطة العثمانية الحاكمة لمطالب المؤتمر العربي الاول الذي انقد في باريس سنة 1913، ومنها جعل التعليم في المدارس الابتدائية باللغة العربية لتنفيذ فكرتهم، فاخذوا بوضع الاناشيد العربية وتولى احدهم، وهو محمد سعيد الجليلي مهمة جمع هذه الاناشيد وترتيبها وشرح الفاظها وطبعها على حسابه، وتوزيعها على مدارس الموصل وذلك سنة 1915م (المحرم 1333هـ)
ومحمد سعيد الجليلي، هو محمد سعيد بن الحاج حسين بن محمد بن حسين صادق بن عبد القادر بن صالح بن عبد الجليل ولد بالموصل سنة 1896. اكمل دراسته الابتدائية والاعدادية وعمل في سلك التعليم ودرس في مدارس عديدة منها (دار العرفان) وكان من المؤسسين لمدرسة (دار النجاح) وجامعة الاداب، ومكتبة الخضراء وندوة الحمراء وهي مؤسسات ثقافية أسهمت في ترسيخ الفكرة القومية، والنزعة الوطنية في عهدي الاحتلال العثماني والبريطاني.
برز محمد سعيد الجليلي، ككاتب صحفي، وعمل مراسلا لبعض صحف بغداد ومنها : (الاستقلال) و(الرافدين) و(لسان العرب) و(دجلة). انتسب الى النادي الادبي عند قيام الحكم الوطني واسهم في نشاطاته السياسية والثقافية. كما عمل في جمعية العلم السرية التي تأسست في الموصل سنة 1914 بهدف الكفاح المسلح ضد الاتراك العثمانيين. وكان يرى بأن (التعليم) و(الصحافة) وسيلتان مهمتان لنشر الفكر القومي. وقد ضمت جمعية العلم عددا من الشباب الموصليين أمثال مكي الشربتي. ورؤوف الغلامي، ومحمد رؤوف

الشهواني، وثابت عبد النور، وعبد المجيد شوقي البكري، وعبد الاحد الصائغ واحمد الجليلي، وكان الاسم المستعار لمحمد سعيد الجليلي في الجمعية هو (المستنصر) .
عمل في سلك الدولة بعد قيام الحكم الوطني سنة 1921. فكان مديرا للتحرير، وكاتبا للضبط في سكرتارية أول مجلس نيابي عراقي، ثم مأمورا للنفوس، ومديرا لاملاك لواء الموصل وملاحظا للكمارك. وقد عرف في كل وظائفه تلك، بالنزاهة والكفاءة وحب الناس ومساعدتهم.
لم تكن جمعية العلم السرية، هي الجمعية الوحيدة التي انتمى اليها الجليلي، وانما كان عضوا في جمعية العهد العراقي فرع الموصل، وباسم مستعار وهو (أبو عبيدة). وقد قامت هذه الجمعية بدور مهم في النضال ضد سلطات الاحتلال البريطاني. وقد عمل الجليلي مع رفاقه ومنهم حمدي جلميران، وفاضل الصيدلي، ومحمد رؤوف الغلامي، في تنظيم فعاليات ثقافية وخطابية تندد بالمحتلين وتحفز الشباب والاهالي لمقاطعتهم.
دعا محمد سعيد الجليلي الى استقلال العرب ووحدتهم من خلال تحليله للاوضاع الاجتماعية والاقتصادية وذلك في المقالات التي كان يكتبها في الصحف والمجلات الموصلية والبغدادية. وأكد في مقالاته على الحرية، وقال ((بان الحرية تتيح للشعب ان يوصل صوته ورأيه في مختلف الامور)). وكان يعتقد بان الاستقلال الاقتصادي طرف مهم في تحقيق الاستقلال السياسي، وكثيرا ما كان يهاجم الانكليز وسياستهم الهادفة الى طمس الهوية القومية. وفي كتاباته دعا الى التجديد ومواكبة الحضارة الحديثة وشخص التخلف بانه جاء نتيجة الجهل.
واكد على التربية والتعليم، والتسلح بالمعرفة. وهاجم التقليد في المظاهر، وعد السياسيين الذين يلوحون بالوعود الكاذبة للشعب والامة، حاجزا ضد قوى الشعب امام أي تطور جديد يؤدي الى الرفاهية. كذلك عزا جزءا من تخلف الامة الى جهل المرأة، وهي نصف المجتمع ودعا الى تعليمها والاهتمام بالأم واعتبارها الجانب الاساسي في تربية الجيل وقال ان جهل الام سبب من أسباب الانحطاط .
لمحمد سعيد الجليلي مؤلفات عديدة منها : (الاناشيد الموصلية) و(خواطر ويوميات) و(كيف يرقى العراق؟) و(كيف نجد السعادة؟) و(نظرات في مشاريع مجلس الاعمار) و(من صميم الواقع). ففي كتابه (خواطر ويوميات)، يجد القارىء تأملات لبعض الاحداث التي ينبغي الاهتمام بها لما لها اهمية في بناء المجتمع. وقد حوى الكتاب خواطر اربعة رئيسة هي الحسرات، يوميات، سينما العواطف، على مرسح (مسرح) الحياة، الحياة تعب، الشرق المظلوم، الى هاوية الهوان، ذئاب البشرية.
ونقرأ في موضوع لهفي عليك يا شرق مثلا : ((لا ينهض الشرق الا بنهوض العرب)). أما كيف يرقى العراق ؟ فهي ((رسالة صغيرة الحجم، لكنها جزيلة الفائدة، تبحث في العوامل السياسية والاقتصادية التي يرقى بها العراق)) وهي بالاصل محاضرة ألقاها في (النادي الادبي) الموصلي .
وقد أورد في كتابه (كيف نجد السعادة؟) أراء اشهر الكتاب والمفكرين في الشرق والمغرب، حول السعادة وكيفية الوصول اليها. وفي كتابه (نظرات في مشاريع الاعمار) وضع بعض التحليلات العلمية حول (مصير ايرادات النفط) و(ما يأمله من مجلس الاعمار) ولماذا لا نحيي مشاريع الري القديمة ؟ وفي كتابه (من صميم الواقع) وقف عند بعض القصص والحكايات التي يمكن ان يستخلص منها الانسان، العبرة لكي يمارس حياته بسعادة وهناء .
ونعود الى كتاب (الاناشيد الموصلية) لنقول بان الكتاب ضم اناشيد لمحمود الملاح، ولداؤد الملاح آل زيادة، ولمحمد توفيق آل حسين افغان، وللشيخ قاسم الشعار، ولاسماعيل حقي فرج.
وقد يكون من المناسب ان نقتطف من الكتاب، واحدا من ابرز اناشيده وهو (حطموا يانشىء) وهو على نغم نهواند، وقد ألفه المرحوم الاستاذ اسماعيل حقي فرج وجاء فيه :

حطموا يا نشىء عنكم
واكسروا هذي القيود
نحن في عصر اهتمام
ليس بجد بنا القيود
فاستفيقوا للمعالي
فلقد طال الهجود
كم الى كم نحن نبقى
آه في داء الخمود
انه يا نشىء داء
يسكن الحي اللحود
فانبذوا عادات سوء
ليس بالنفع تعود
واعيدوا المجد فيكم
انه ارث الجدود
نحن احرار خلقنا
كلنا في ذا الوجود
ما خلقنا لانقياد
دائم مثل العبيد

أما انشودة الاديب (داؤد الملاح آل زيادة) والذي كان يلقب ببلبل الحدباء فقد جاءت على لحن (الروزنة .. الروزنه) ونغمها من مقام ديوان جاء فيها :

يا أمة فخرت أم العلى فيها
أما لا يامنا يرجى تلافيها
أليس نحن الالى كنا دعاة الضيف
لنا ملوك الورى دانت بحد السيف
فكيف نغضي على هذا الرد والحيف
ابت بهذا أمة جلت معاليها
ثم يقول :
هبوا بني وطني واستلفتوا الانظار
واحيوا لما خلفوا أجدادنا الاخبار
واسترجعوا ما مضى واستطلبوا للثأر
فتلك أمصارنا حل العدو فيها
حقا كان محمد سعيد الجليلي، كاتبا وصحفيا ومناضلا كرس حياته لخدمة بلده وأمته في مجالات عديدة، فاستحق منا ان نقف اليوم لنحييه ونذكره، وذكر الانسان، حياة ثانية له .. توفي سنة 1963 رحمه الله وجزاه خيرا على ما قدم لموصلنا العزيزة ولبلدنا العراق العظيم
*الرجاء زيارة مدونة الدكتور ابراهيم العلاف ورابطها التالي :
http://wwwallafblogspotcom.blogspot.com/2010/02/1908-1995.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...