الأربعاء، 3 مارس 2010

مصطفى جواد 1906 ـ 1969 وجهوده اللغوية والتاريخية والتراثية والادبية



مصطفى جواد 1906 ـ 1969 وجهوده اللغوية والتاريخية والتراثية والادبية
ا.د.إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل
وقر في اذهان الكثيرين من الباحثين ان الدكتور مصطفى جواد رحمه الله كان لغويا اكثر منه مؤرخا ، في حين انه يعد واحدا من ابرز المؤرخين العراقيين المعاصرين ، فضلا عن انه تخصص بالتاريخ والتاريخ الاسلامي حصرا ، فان لديه كتبا وتحقيقات وبحوثا غزيرة في ميدان التاريخ ، ويمكننا التأكيد على انه ربط بين التاريخ واللغة في اكثر من دراسة وبحث لما لذلك من اهمية كبيرة . ولااعتقد ان احدا من العراقيين والعرب والاجانب من الذين عرفوا الدكتور مصطفى جواد عن كثب وتابعوا نشاطاته الاذاعية والتلفازية ولسنوات طويلة ينكر ما لهذا العلامة الفذ من جهود خيرة في مجال خدمة اللغة العربية والتاريخ العربي والاسلامي .
ومما يسعدني انني عرفت الدكتور مصطفى جواد والتقيت به مرات عديدة عندما كنت طالبا في كلية التربية ( دار المعلمين العالية سابقا ) اوائل الستينات من القرن الماضي وكان ، رحمه الله ، يتجول في شوارع وطرقات الكلية وبيده سبحته الطويلة التي كانت تلامس الارض .. يتحدث مع الطلبة بوجه طليق وابتسامة عريضة .. وبتواضع شديد يجيب على اسئلتهم واستفساراتهم .
من حسن الحظ ، ان الدكتور مصطفى جواد ترجم لنفسه .. وقد نشر الاستاذ الدكتور يوسف عز الدين الامين العام للمجمع العلمي العراقي الاسبق الترجمة في الجزء الاول من كتابه ( شعراء العراق) واعاد الاستاذ نافع عبد الجبار علوان ذلك في كراسه الصغير ( الدكتور مصطفى جواد : حياته ـ آثاره ) الذي نشره سنة 1969 ببغداد . ومما قاله الدكتور مصطفى جواد في ترجمته لحياته ((ولدت في الربيع الاول من القرن الرابع عشر للهجرة (وهناك من يحدد سنة 1904 او 1906 سنة لمولده وفي اضبارته في المجمع العلمي العراقي ورد بان ولادته كانت 1908) ، بدار في محلة عقد القشل ببغداد في الجانب الشرقي منها بجوار الجامع المعروف حتى اليوم بجامع المصلوب وكان والدي جواد بن مصطفى بن ابراهيم خياطا بسوق الخياطين المجاور لخان مرجان المعروف عند الاتراك واهل بغداد بخان (اورته) ، وقد اتخذ متحف للاثار العربية اليوم)) .
وبعدها يتحدث الدكتور جواد عن اصابة والده بالعمى واضطراره للانتقال الى دلتاوه ، في محافظة ديالى (بعقوبة) وقد دخل كتاب تديره امرأة اسمها الملية صفية ثم انتقاله الى مدرسة دلتاوه الابتدائية ودخول الجيش البريطاني المحتل العراق (1914 ـ1918) ، ووفاة والده وعدم قدرته على الاستمرار على الدراسة وانصرافه الى رعاية البساتين التي خلفها له والده ولاخيه الاكبر كاظم الذي ادخله المدرسة الجعفرية الاهلية قرب سوق الغزل ويذكر من مدرسيها الاساتذة الشيخ شكر البغدادي ومحمد حسن كبة واحمد الخياط .. ويذكر الدكتور مصطفى جواد انه قاسى من الفقر وشظف العيش والعوز ما يطول ذكره ويؤلم بيانه ، وذلك لان اخيه كاظم قصر في تسديد اجرة المدرسة ضنا منه بالنفقة .. حتى حلت سنة 1920 وفيها ضاقت عليه سبل العيش في بغداد فانتقل الى دلتاوه وانتفع بحصصه في البساتين الموروثة وان كان الغالب على غلاتها التمر وكانت الثورة العراقية الكبرى قد شبت عدد من مناطق العراق ولاسيما الفرات الاوسط ولواء ديالى واستولى الثوار على بعقوبة ونواحيها ومنها دلتاوه التي ضربت بالطائرات البريطانية ثلاث مرات بالقنابر .. وبعد انتهاء الثورة عاد مصطفى جواد الى المدرسة واكمل الدراسة الابتدائية ودخل دار المعلمين وتخرج معلما .. وكان من مدرسي دار المعلمين الابتدائية ببغداد الاساتذة طه الراوي وسعيد فهيـم
( مصري) واميل حنومط( لبناني) ومديرها مصري اسمه (سيد محمد خليل) وكان رجلا ذكيا المعيا .
تخرج مصطفى جواد سنة 1924 وعين معلما في مدرسة الناصرية الابتدائية وكان مديرها الاستاذ عبد المجيد زيدان وفي تلك السنة اصدر الاستاذ هاشم السعدي مجلة المعلمين ببغداد فبدأ جواد ينشر فيها وقد انتقل الى مدرسة الكاظمية ثم الى مدرسة دلتاوه الابتدائية واختاره بعدها استاذه يوسف عز الدين الناصري للعمل في وزارة المعارف وكان سامي شوكت مديرا لمعارف العراق ، لكنه عاد للعمل في المدرسة المأمونية وقد اخذ يكتب المقالات في مجلة لغة العرب لصاحبها الاب انستاس الكرملي وفي مجلة العرفان اللبنانية وفي بعض صحف بغداد ومنها جريدتي العراق والعالم العربي .
رشح مصطفى جواد للبعثة العلمية سنة 1934 وسافر الى فرنسا ودخل جامعة السوربون وقبلها درس اللغة الفرنسية في القاهرة وقد ساعده في باريس المستشرق الفرنسي المعروف لويس ماسينيون .. ويقول مصطفى جواد ان اطروحته للدكتوراه كانت في التاريخ وعنوانها : ((سياسة الدولة العباسية في اواخر عصورها )) .. وقد عاد الى العراق اثناء الحرب العالمية الثانية دون ان يناقش الاطروحة بسبب ظروف الحرب وهجوم الالمان على باريس .. وقد عين مدرسا في دار المعلمين العالية سنة 1939 ودعي سنة 1942 لتعليم ( الملك) فيصل الثاني اللغة العربية كما عين عميدا لمعهد الدراسات الاسلامية وبقي فيه حتى 1963 اذ عاد للعمل استاذا في كلية التربية بجامعة بغداد وبقي واستمر كذلك حتى قبل خمس سنوات من وفاته اذ اقعده المرض في داره .. انتخب عضوا عاملا في المجمع العلمي العراقي ثم عضوا مراسلا للمجمع العلمي العربي بدمشق وبعد ذلك عضوا مراسلا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة .
توفي بعد اصابته بالجلطة القلبية او ما كانت تسمى في حينه (خذلان القلب) مساء الاربعاء 17 كانون الاول سنة 1969 وشيع رسميا وشعبيا ومما جاء في نعي وزارة الثقافة والاعلام ((ان العراق اليوم رزيء بوفاة العلامة والمربي الكبير الاستاذ الدكتور مصطفى جواد الذي عرفته الاوساط الفكرية والادبية والتربوية علما من الاعلام متفانيا ودؤوبا ومخلصا اضاء بعلمه وادبه اجيالا عديدة من ابناء العراق والوطن العربي . وقد كان رحمه الله غزير العطاء في مجالات اللغة والتاريخ والادب طيلة حياته التي قضاها استاذا في جامعة بغداد وعضوا في المجمع العلمي العراقي وفي مجامع لغوية وعلمية عربية وهيئات علمية ولغوية اجنبية )) .
قال عنه الاستاذ نافع عبد الجبار علوان : ((ان افضال الدكتور مصطفى جواد كبيرة على اللغة العربية وتاريخ العراق والبلدانيات العربية والعناصر الحضارية في تراثنا الخالد )) . اما الاستاذ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف فقد كتب عنه مقالة في موسوعة اعلام العرب التي اصدرتها مؤسسة بيت الحكمة ببغداد سنة 2000، جاء فيها : ((ان الدكتور مصطفى جواد عالم باللغة والتاريخ وشؤون الادب ، وله شعر .. عرف بنشاطه العلمي الدائب ، وبصبره الملحوظ على البحث والتحقيق )) . وابنه الاستاذ الدكتور جاسم محمد الخلف رئيس جامعة بغداد عند وفاته (1969) قائلا : (( ان الله سبحانه وتعالى نفع الامة العربية بسيرة الفقيد الجليلة وبتراثه الخالد )) .
اما الاستاذ الدكتور طه حسين عميد الادب العربي ، وكانت عند وفاة الدكتور مصطفى جواد يشغل منصب رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة فقال : ((انعي فيه زميلا عزيزا مقتدرا واديبا فذا )) . اما الاستاذ الدكتور حسني سبح رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق فقال : ((ان وفاته تعد خسارة كبيرة لاتعوض )) .
وكتب عنه الاستاذ حميد المطبعي في موسوعته ، موسوعة اعلام العراق في القرن العشرين قائلا انه كان عالما في فنون العربية ، ثبتا ، دقيق الملاحظة ، عميق الصبر ، قوي الاستدلال .
لقد مارس الدكتور مصطفى جواد منذ بواكير حياته العلمية ، النقد والنقد التاريخي بصورة خاصة ، ولا اعرف مؤرخا استخدم طريقة النـقد التاريخـي
( الداخلي والخارجي ) مثلما استخدمه الدكتور مصطفى جواد في دراساته وبحوثه .. وقد فصل في ذلك صديقنا الاستاذ حميد المطبعي في مقالة رائعة عنه نشرها في جريدة الزمان (اللندنية) بعددها الصادر في 28 تشرين الثاني 2005 قائلا ان اطلاعه على المخطوطات والكتب التراثية وسعيه الى نسخ العشرات منها ساعده على ((اتساع خياله التراثي وارجاع الفرع الذي قرأه في الكتب الاولى الى الاصل ، وهذه المراجعة والمذاكرة مع الذات (مهدت) له الطريق لاكتشاف المزيد من حقائق اللغة التراثية ( وجعلت ) ذهنه ذهنا مقارنا حيوي التخريج)) . كما ان معايشته على ارض التاريخ والاثار اعطته خبرة جديدة في الكشف عن الغامض في تراثنا ، وهذا البحث عن الغامض هو الذي دفعه الى الاجتهاد .. للتوصل الى الحقيقة اولا والى اليقين التراثي ثانيا )) . وقد قضى شطرا طويلا من حياته في متابعة الافلام البوليسية وكان يردد انه يستفاد منها ويتعلم فن المطاردة ، فالمطاردة في هذه الافلام تشبه المطاردة في تحقيق الكتب التراثية ، من المؤلف ؟ ومتى حبر الكتاب ؟ واي نقص يختفي بين الاسطر والصفحات ؟
ليس من السهولة حصر نتاج الدكتور مصطفى جواد ، ولكن لابد من الاشارة الى ابرز نتاجاته .
يعد كتاب ( الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة ) المنسوب الى ابن الفوطي اول كتاب صدر له سنة 1932 . اما آخر كتاب طبعه فكان بعنوان ( رسائل في النحو واللغة) سنة 1969 . وبين الكتابين اصدر عددا كبيرا من الكتب المؤلفة والكتب المحققة والكتب المترجمة . فضلا عن الدراسات والبحوث والمقالات ووقائع لندوات ثقافية اذاعية وتلفازية ، جمع بعضها ونشره في كتاب ( قل ولا تقل) المشهور .
ومن الكتب التاريخية التي قام بتأليفها :
1 . دليل الجمهورية العراقية لسنة 1960 وقد وضعه بالاشتراك مع الاستاذ
محمود فهمي درويش والدكتور احمد سوسة ( مطبعة التمدن ، بغداد ، 1961)
2 . دليل خارطة بغداد المفصل ووضعه بالاشتراك مع الدكتور احمد سوسة ،
( مطبعة المجمع العراقي ، بغداد ، 1958)
3 . شخصيات القدر ( الشخصيات العربية) وضعه بالاشتراك مع اساتذة آخرين
وطبع ببيروت سنة 1963.
4 . عصر الامام الغزالي ( القاهرة ، 1961)
5 . ابو جعفر النقيب( بغداد ، 1950)
6 . سيدات البلاط العباسي ( بيروت ، 1950)
7 . دار الخلافة العباسية : تعيين موضعها واشهر مبانيها ( بغداد ، 1965)
ومن الكتب التاريخية التي حققها
1 . ( الجامع المختصر في عنوان التواريخ وعيون السير ) لابن الساعي
البغدادي ، الجزء التاسع ، المطبعة السريانية الكاثوليكية ، ( بغداد ، 1934)
2 . المختصر المحتاج اليه من تاريخ بغداد لابن الدبيثي، الجزء الاول ، مطبعة
المعارف / بغداد 1951 والجزء الثاني ، ، مطبعة الزمان بغداد ، 1962
3 . مختصر التاريخ لابن الكازروني ، مطبعة / الجمهورية ، بغداد 1969
4 . الفتوة لابن المعمار البغدادي الحنبلي ، مطبعة شفيق ، ( بغداد 1960)
كما ترجم عددا من الكتب التاريخية منها :
1 . بغداد مدينة السلام تأليف ريجارد كوك ، ترجمه بالاشتراك مع الاستاذ فؤاد
جميل ، الجزء الاول ،962 ، والجزء الثاني 1967
2 . رحلة ابي طالب خان الى العراق واروبا سنة 1213هـ/1799،
( بغداد، 1969)
3 . بغداد في رحلة تمور ، ( بغداد ، 1964)
وللدكتور مصطفى جواد مئات المقالات والدراسات التي تدور حول موضوعات عديدة منها موضوعات حول ( العملة والمعاملة والقراصنة) و(سلوقية) و( انستاس ماري الكرملي واخلاقه، وازياء العرب الشعبية ، والناصر لدين الله العباسي ، واول مدرسة في العراق : مدرسة الامام ابي حنيفة ، وثورة الحرية الخالدة 1958 ، واقول في المغول ، وتعليق على تاريخ حلب ، و
( الفرقان) و( جامع سراج الدين وترجمة الشيخ) ، وحكايــــة ابي القاسـم
البغدادي) ،(والدور الحضاري لمدارس بغداد ) و ( الربط البغدادية واثرها في الثقافة الاسلامية ) و( هاشمية الانبار وهاشمية الكوفة ) ، و( مدارس بغداد الجديدة ) و( المدرسة الكمالية ) و( المدرسة المستنصرية) و(المدرسة النظامية ) و (مدرسو مدرسة ابي حنيفة بين سنتي 459و771هـ) و( قبر ابن جنبل) و
( قبر عثمان بن سعيد العمري) و( القصر العباسي في القلعة) و( الكرخ) و(كلام في مسجد قمرية) و( محلة المأمونية وباب الازج والمختارة) و( دستور العرب القومي) و( مسجد المنطقة وبراثا) و( مشهد الكاظمين) و( المعاهد الخيرية النسوية القديمة في العراق) و ( اشهر عالمة عراقية قديمة ـ (فخر النساء شهدة ) و ( جاوان القبيلة الكردية المنسية) و ( عبد الرحمن الناصر) ..
هذا فضلا عن كتبه ودراساته اللغوية والأدبية ، كما أن له شعر كذلك واغلبه في الجوانب الوطنية ..رحم الله الدكتور مصطفى جواد فقد كان بحق موسوعة تسير على قدميها ، وجزاه الله خيرا على ما قدم لوطنه وأمته .
*الرجاء زيارة مدونة الدكتور إبراهيم خليل العلاف ورابطها التالي :
http://wwwallafblogspotcom.blogspot.com/2010/02/1908-1995.html
**الصورة المرفقة يظهر فيها الاستاذ الدكتور مصطفى جواد في الوسط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...