الاثنين، 22 مارس 2010

هياكل صنع القرار السياسي في العراق ومصادره وآلياته




هياكل صنع القرار السياسي في العراق ومصادره وآلياته


     أ. د.إبراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل
مستخلص البحث
مر العراق بين سنتين 2003 والوقت الحاضر بمراحل عديدة شهدتها ظهور هياكل وسلطات إدارية مختلفة. والدراسة تتناول هذه الهياكل وسلطة الائتلاف المؤقتة ومجلس الحكم والحكومة العراقية الدائمة، كما تقف الدراسة عند هياكل صنع القرار بعد صدور الدستور وظهور المؤسسات المتمثلة بمجلس النواب ومجلس الاتحاد ومجلس الرئاسة ومجلس الوزراء ومجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية العليا. وتصل الدراسة الى نتائج لعل من أبرزها ان صنع القرار السياسي في العراق لايزال يواجه الكثير من الارتباك والغموض فضلا عن تعددية مصادره واضطهادها وتناقضها بين بعضها البعض.


مقدمة :


بعد احتلال العراق في التاسع من نيسان 2003، وإسقاط النظام السياسي السابق، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية أنها أمام مشكلتين أولاهما إنها لم تكن تملك خطة واضحة تساعد في السيطرة على الأوضاع على العراق خاصة بعد حل الجيش العراقي، والأجهزة الأمنية والاستخبارية، وفتح الحدود على مصراعيها مما أدى الى تسرب قوى وأشخاص وشبكات مختلفة الاتجاهات بدأت تعمل في الساحة العراقية، وقسم منها يرتبط، بشكل أو بآخر، بمصالح دول الجوار، وينشط باتجاه تحقيق أهداف بعيدة عن مصالح العراق، وخير شعبه، وقد أدى ذلك إلى خلق حالة من الفوضى والارتباك وعدم الاستقرار لانزال نعيش تبعاته حتى يومنا هذا.


والمشكلة الثانية التي أصبحت تواجهها الولايات المتحدة في العراق هي أنها صارت وجها لوجه أمام عمليات مقاومة وطنية وإسلامية ( سلمية ومسلحة) ليس من السهولة إخضاعها، لذلك اتجهت الى مجلس الأمن، وتمكنت من الحصول على القرار (1483) سنة 2003 الذي عدها دولة محتلة تترتب عليها تبعات وواجبات متعددة لعل في مقدمتها السعي باتجاه إيجاد سلطة حاكمة أو حكومة وطنية.


مراحل إدارة العراق :


مر العراق بين سنتي 2003 والوقت الحاضر بمراحل عديدة، شهد فيها ظهور هياكل وسلطات إدارية مختلفة وهي على التوالي:


1. مكتب إعادة الاعمار والمساعدات الإنسانية


Office of Reconstruction and Humanitarian Assistance (ORHA).


2. سلطة الائتلاف المؤقتة في العراق


Coalition Provisional Authority (CPA).


3. مجلس الحكم الانتقالي.


4. الحكومة العراقية المؤقتة.


5. الحكومة العراقية الانتقالية.


6. الحكومة العراقية المنتخبة.






مكتب إعادة الاعمار والمساعدات الإنسانية :


عقب الاحتلال الأمريكي للعراق، تشكلت هيئة لإدارة شؤون العراق سميت بإسم (مكتب إعادة اعمار العراق والمساعدات الإنسانية) المعروفة اختصارا بـ (ORHA). وقد اختارت الإدارة الأمريكية الجنرال المتقاعد جاي مونتغمري غارنر (Jay Montgomery Garner) مشرفا عليها، وصدر أمر تعيينه منذ يوم 6 نيسان 2003، وقد كان غارنر يتبع وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد مباشرة، خاصة وانه كان من أصدقاءه المعروفين. وقد وصل غارنر الكويت ظهر يوم 7 نيسان 2003 واختار أم قصر لتكون مقرا مؤقتا له. وغارنر من مواليد 15 نيسان 1938، عمل لفترة نائبا لرئيس أركان القوات البرية الأمريكية، ومسؤولا عن أنظمة صواريخ باتريوت. وخلال حرب 1991، كلف بمتابعة ضمان عودة اللاجئين الأكراد إلى شمال العراق. وصل غارنر بغداد يوم 21 نيسان 2003، وكان الى جانبه في المكتب الجنرال بروز مور ((Brose More، وكلف بمتابعة شؤون المنطقة الشمالية من العراق، والجنرال بيك والترز (Peek Walters)، وكلف بمتابعة شؤون المنطقة الجنوبية. أما باربارا أودين السفيرة الأمريكية السابقة في اليمن، فكلفت بإدارة شؤون المنطقة الوسطى، وكان في المكتب عدد من الموظفين العراقيين الذين كانت لهم صلة سابقة بالإدارة الأمريكية منهم علاء قطب، والدكتور عماد ضياء، وزينب السويج، والدكتور عادل عوض، والدكتور ليث كبه، والدكتور انتفاض قنبر. وقد أشير في حينه الى أن إدارة غارنر ستستمر لمدة لاتزيد عن ثلاثة اشهر. وقد صدر عن المكتب سلسلة من القرارات منها تعيين مستشارين في الوزارات العراقية المختلفة وعلى سبيل المثال فقد عين الدكتور اندرو بي ان ايردمان مستشارا لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي


Andrew P. N. Erdmann Senior Ministry Advisor, Ministry of Higher Education and Scientific Research


ويذكر بأنه اصدر قرارات وتوصيات بشأن انتخاب القيادات الجامعية تضمنت مواصفات الترشيح لرؤساء الجامعات ولعمداء الكليات ولرؤساء الأقسام وشروط الناخبين وإجراءات الانتخابات، والتأكيد على حضور ممثل عن الـ ORHA لهذه الانتخابات. كانت ميزانية المكتب تدفع من ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية. والملاحظ ان عمر هذا المكتب كان قصيرا حيث تم حله بصورة مفاجئة، وعين السفير بول بريمر(Paul primer) في مكان جي غارنر، وتم تبديل اسم المكتب الى (سلطة الائتلاف المؤقتة) وهي تدعم من وزارة الدفاع الأمريكية. ويشير مؤلف كتاب( العراق يحترق) الذي صدر بلندن في كانون الثاني 2006 زكي شهاب، وهو صحفي لبناني له اطلاع بشؤون العراق، الى ان جي غارنر كان واحدا من مجموعة العمل الاميركي التي تشكلت بعد إقرار خطة الحرب على العراق وضمت أعضاء من وزارات الدفاع والعدل والخارجية الاميركية في تشرين الأول 2002، وفي كانون الثاني 2003 اتصل دوغ فيث الساعد الأيمن لوزير الخارجية الاميركية بجي غارنر في مكتبه في مانهاتن وقال له ان وزير الدفاع رامسفيلد يريده ان يؤلف فريقا للتحضير لفترة ما بعد الحرب في العراق وأطلق على المشروع اسم (مستقبل العراق ).


وخلال الاسبوع الثالث من شباط 2003 اجتمع أكثر من سبعين مسؤولا وخبيرا في جامعة الدفاع الوطني في( فورت ماكنير) على مدى يومين لمناقشة الخطط العسكرية وتمحيص في مواضيع تتعلق بإنشاء جهاز شرطة، وإقامة سجون ومحاكم، واستمرت هذه المباحثات في الكويت. كما عقد غارنر اجتماعات أكثر من مرة في الاسبوع لاطلاع كوندليزا رايس مستشارة الأمن القومي الأميركي آنذاك، على المستجدات، وفي الوقت نفسه عقد اجتماعات دورية مع رامسفيلد وكولن باول وزير الخارجية.


اطلع غارنر الرئيس الأميركي بوش على المعلومات الأساسية في الاسبوع الثاني من آذار 2003 قبيل مغادرته الى العراق ويقول غارنر ان من الأسئلة التي شدد عليها الرئيس بوش هي تاريخ عملي وسيرتي الذاتية وقد جاءه الجواب من الوزير رامسفيلد، ثم سأل عن خطط إعادة الاعمار، فأجبته أننا سنستخدم الجيش العراقي بالإجمال لإعادة الاعمار، وقد اعتزمنا ذلك لكن لم يكن في بالنا ان الجيش قد يختفي من الوجود. ويستذكر غارنر الأمر فيقول انه سبق ان أعرب عن خشيته من تلاشي الجيش في أحد الاجتماعات مع إدارة الأمن القومي ووزارات أخرى وقال: ((سألوني من أين جئت بهذه الفكرة ؟وصححوها بالقول :ما تعنيه هو أنهم سيستسلمون!!)).


ناقش غاي غارنر مع عدد من الخبراء مشروع وزارة الخارجية المعروف (مستقبل العراق ) الذي بدأ في تشرين الأول 2001، بإدارة (توم واريك ) وشكلت وزارة الخارجية في نيسان 2002 ، مجموعة عمل من عراقيين أكثرهم منفيون عسكريين ومدنيين، وكان من المفترض ان يشمل العمل ميادين المالية والعدل والمياه والدفاع والحكم المحلي والإعلام ومحاربة الفساد والتعليم واللاجئين والزراعة والمجتمع المدني والطاقة والتراث الثقافي والبيئة والمياه والنفط والمبادئ الديمقراطية والشفافية والتواصل مع الناس،لكن ذلك البرنامج لم يلق ترحيبا من جانب كثيرين في أوساط وزارة الدفاع الأميركية والأمن القومي، فلم يستمر توم واريك طويلا في وظيفته، إذ طلب رامسفيلد إقالته ويبدو ان نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني لم يكن يرتاح إليه بعدما انتقد بصراحة العراقيين الذين كانوا يعملون مع وزارة الدفاع الأميركية. كما ظهرت صراعات بين الوكالات الرسمية الاميركية حول برنامج مستقبل العراق والعراقيين الذين يمكن للإدارة الاميركية ان تعتمد عليهم بعد إسقاط النظام.


في 17 نيسان 2003 اجتمع جي غارنر في قطر بالجنرال تومي فرانكس قائد الحملة على العراق وطلب منه السفر الى العراق للاجتماع بالقادة العسكريين على الأرض في بغداد خاصة وان النهب والتدمير كان مستمرا وقد دمرت 17 وزارة من اصل 23 وزارة تدميرا كاملا في بغداد، وسرقت المستشفيات والمدارس والمصانع وانقطعت الاتصالات والتيار الكهربائي، وبدا الاميركيون ضعفاء وعاجزين عن السيطرة على الوضع في العراق إذ لم يكن، كما قيل، يتوقعون هذا السيناريو أو الحول دون حصوله من أخطاء الولايات المتحدة الاميركية الأساسية، ويقول جي غارنر انه كان في مأزق كبير وازداد هذا المأزق شدة عندما اتصل به رامسفيلد يوم وصوله بغداد ليبلغه ان الرئيس الاميركي بوش عين السفير بول بريمر موفدا خاصا له الى بغداد. يقول جي غارنر: (( التقيت بريمر في العاشر من آذار وأطلعته على كل الخطط التي وضعناها للمباشرة بعملية سياسية جديدة، واقتضت إحداها تشكيل (مجموعة قيادية) ضمت جلال الدين حسام الطالباني ومسعود البارزاني الزعيمين الكرديين الرئيسيين والدكتور احمد عبد الهادي الجلبي والدكتور أياد هاشم علاوي زعيمي المعارضة للنظام السابق ومحمد باقر الحكيم زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وعدنان الباجه جي ويضاف الى ذلك ثلاثة أشخاص يمثلون المسيحيين والسنة والشيعة المعتدلين. كما فكرنا باتخاذ التدابير اللازمة لجمع ثلاثمائة الى أربعمائة عراقي، نعين منهم فريق عمل ثم نبدأ معهم بكتابة مسودة دستور، ونختار نوع الحكومة التي يريدونها. وقد نوقشت هذه الأفكار مع كل من كولن باول و رامسفيلد)).


يقول جي غارنر انه بعد وصوله بغداد لم يلتق بأي عضو من أعضاء الحكومة العراقية السابقة لأنهم اختفوا كما اختفى رجال الجيش والشرطة وكانت الاتصالات معطلة والتيار الكهربائي مقطوع وبدا مستشاروا جهاز الشرطة والقطاعات المدنية الأخرى بالوصول من الولايات المتحدة الاميركية الى العراق خلال الاسبوع الأخير من شهر مايس /أيار 2003 واتوا من دون أي عناوين أو أرقام هواتف لعراقيين كان يجب ان يتصلوا بهم في الوزارات المختلفة حتى ان مستشارا اميركيا خرج الى الشارع ليسأل فيما إذا كان بوسع احد المارة التعرف الى صور الأشخاص الظاهرة على النشرات الإعلانية وتحديد امكنتهم. إذا يضيف غارنر، لم يكن الوضع منظما، بل اتسم بالفوضى.


في الواقع يقول غارنر انه تنبأ بهذا السيناريو من قبل فاقترح ان تنفق الأموال المخصصة لجهود ما بعد الحرب في إطار عقود لقطاعي الشرطة والعدل أي السجون، وكان بوسع وزارتي الخارجية والعدل استخدام رجال شرطة ومستشارين قانونيين اميركيين وتهيئتهم للتوجه مباشرة الى العراق ولسوء الحظ فان الأموال لم توزع في الوقت المناسب ولم توقع العقود واضطر البعض الى الانتظار حتى منتصف مايس 2003 قبل المجئ الى العراق وتضمن ذلك عقود المساعدات الاميركية ووزارة الخارجية المتعلقة باختصاصيي التعليم والزراعة والبنى التحتية وإعادة الاعمار.


ومن المشاكل التي واجهها غارنر عدم توزيع قوات عسكرية كافية لمواكبة الفريقين الوزاري والحكومي في جولاتهما على مكاتب مختلف الوزارات. وفي 12 مايس /أيار ظهر بول بريمر، وأشيع ان جي غارنر طرد بسبب خلاف بين وزارتي الخارجية والدفاع الاميركيتين، لكن بعد عودته الى واشنطن، نفى ذلك قائلا انه لطالما اعتبر ان عمله في العراق لن يدوم أكثر من بضعة اشهر وان مهمته، تكمن كما قال: ((في تشكيل فريق ونقله الى هناك لتسليمه الى شخص يعينه الرئيس، وهذا ما حصل))، ويقول احد المراقبين ان هذا كان تصريحا لإنقاذ ماء الوجه، إذ ان العنف والفوضى اللذين كان يجب التحسب لهما، قضيا في غضون أيام، على اشهر من الجهود أمضاها وفريقه في التحضير لمواجهة الوضع في العراق ما بعد الغزو.


سلطة الائتلاف المؤقتة :


Coalition Provisional Authority (CPA) وتعرف هذه السلطة اختصارا بـ (CPA). وقد ابتدأ حكم هذه السلطة للعراق من 21 نيسان 2004 الى 28 حزيران 2004، وقد استندت سلطة الائتلاف المؤقتة في حكمها للعراق على قرار مجلس الأمن المرقم (1483) سنة 2003 والذي يتيح لها، حسب قوانين الحرب والاحتلال العسكري المتفق عليها في الأمم المتحدة، بسط سيطرتها على السلطات الثلاث في العراق التشريعية والتنفيذية والقضائية. وقد تولى السفير بول بريمر إدارة السلطة الائتلافية المؤقته، باسم مدير سلطة الائتلاف المؤقتة Administrator Coalition Provisional Authority. وكان الى جانبه لفترة السفير جيرمي غرينستوك ممثلا خاصا لبريطانيا في العراق (2003 -2004 )، وأصدرت السلطة قرارات وقوانين خطيرة بشأن البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعسكرية العراقية ووثقت هذه القرارات في جريدة الوقائع العراقية وفي أكثر من مجلد وباللغتين العربية والانكليزية ليس هنا مجال لمناقشتها، لكن من المؤكد القول ان تلك القرارات والقوانين تركت أثارها السلبية على مستقبل العراق ووحدة نسيجه الاجتماعي. وقد جاء في العدد (3977) من جريدة الوقائع العراقية (السنة الرابعة والأربعون ) الصادر في 17 حزيران 2003 تقديم السفير بول برايمر لمجموعة القوانين والقرارات التي سوف يصدرها قوله: ((بموجب صلاحياتي كمدير لسلطة التحالف (الائتلاف )المؤقتة، فأن وزارة العدل ستعيد نشر الوقائع العراقية، وسوف تنشر فيها الأنظمة والأوامر والمذكرات، والتعليمات الصادرة عن سلطة التحالف المؤقتة... وبموجب توجيهاتي، فان السلطة أخذت على عاتقها تعطيل القوانين الظالمة وغير العادلة المفروضة من قبل النظام السابق...)).


ولقد تضمنت الوقائع نص نظام سلطة الائتلاف المؤقته رقم (1) وجاء فيه: (( وفقا لصلاحياتي كمدير لسلطة الائتلاف المؤقته، وانسجاما مع قرارات مجلس الأمن الدولي بما فيها القرار رقم (1483) سنة 2003، وبناء على قوانين وأعراف الحرب أعلن بموجب ذلك ما يلي:


1. تمارس السلطة الائتلافية المؤقتة سلطات الحكومة مؤقتا من اجل إدارة شؤون العراق بفعالية خلال فترة الإدارة الانتقالية بغية استعادة أوضاع الأمن والاستقرار وإيجاد الظروف التي تمكن شعب العراق من تحديد مستقبله السياسي بحرية، كما تقوم بتحسين وتعزيز الجهود المبذولة لإعادة بناء وتأسيس المؤسسات الوطنية والمحلية الرامية لتمثيل فئات الشعب، وتسهيل الجهود المبذولة لإنعاش النظام الاقتصادي، وإعادة البناء وتحقيق التنمية القابلة للاستمرار.


2. يعهد إلى السلطة الائتلافية المؤقتة ممارسة كافة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية اللازمة لتحقيق أهدافها، وذلك بموجب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما في ذلك القرار (1483) سنة 2003 والقوانين والأعراف المتبعة في حالة الحرب، ويتولى مدير سلطة الائتلاف المؤقتة ممارسة تلك السلطات.


3. يقدم قائد القوات المركزية الأميركية بصفته قائد قوات الائتلاف، الدعم المباشر الى السلطة الائتلافية ويقوم بردع الأعمال العدائية والمحافظة على وحدة الأراضي العراقية والأمن فيها والبحث عن أسلحة الدمار الشامل وتأمينها وتدميرها ويساهم بشكل عام في تنفيذ سياسة الائتلاف)).


وفي الأمر الثاني الذي أصدره بريمر أكد بان القوانين التي كانت سارية في العراق اعتبارا من تاريخ 16 نيسان 2003 تبقى سارية المفعول وقابلة للتطبيق بعد هذا التاريخ، إلا إذا قررت السلطة الائتلافية المؤقتة تعليقها أو استبدالها بغيرها أو تم إلغاؤها وإقرار تشريعات أخرى تحل محلها وتصدرها المؤسسات الديموقراطية في العراق. كما تبقى تلك القوانين سارية المفعول وقابلة للتطبيق طالما أنها لاتحول دون ممارسة السلطة الائتلافية المؤقتة لحقوقها والوفاء بالتزاماتها أو طالما لاتتعرض مع هذه اللائحة التنظيمية أو مع أية لائحة تنظيمية أخرى تصدر عن السلطة الائتلافية المؤقتة. وفي الأمر الآخر قال بريمر ان مدير سلطة الائتلاف المؤقتة سوف يبادر بإصدار الأنظمة والأوامر كلما دعت الحاجة لذلك في إطار قيامه بتنفيذ السلطات والمسؤوليات المعهودة للسلطة الائتلافية المؤقتة والتعريف بها. وقال ان الأوامر الصادرة عن السلطة ملزمة وتبقى الأنظمة والأوامر الصادرة عن السلطة سارية المفعول حتى يقوم مدير السلطة بإلغائها أو حتى تلغيها وتحل محلها التشريعات الصادرة عن المؤسسات الديمقراطية في العراق. وتكون للأنظمة الصادرة عن السلطة الائتلافية المؤقتة أولوية التطبيق، وترجح على كافة القوانين والمنشورات في حالة عدم تماشي تلك القوانين والمنشورات مع اللوائح التنظيمية والأوامر الصادرة عن السلطة الائتلافية المؤقتة، ويجوز لمدير سلطة الائتلاف المؤقتة القيام من حين لآخر بإصدار الإعلانات العامة الموجهة للجمهور. وتنشر تلك الأوامر والأنظمة باللغات ذات الصلة (يقصد العربية والكردية والتركمانية والسريانية)، وفي حالة نشوء أي اختلاف بين مضمون النص المكتوب باللغة الانكليزية والنص المكتوب باللغات الأخرى يؤخذ النص المكتوب باللغة الانكليزية ويعتمد به، ويجوز للمدير إصدار المذكرات المتصلة بتفسير أو تطبيق أي نظام أو أمر. وهكذا باتت قرارات بريمر تتوالى ومنها حل (حزب البعث) و(حل الكيانات العراقية)، واستحداث (تشكيلات جديدة للقوات العراقية ) والاحتفاظ بـ (اصول الكيانات المنحلة) بما فيها سجلات تلك الكيانات وبياناتها، وحل وزارات الدفاع والإعلام والشؤون العسكرية، وجهاز المخابرات، ومكتب الأمن القومي، ومديرية الأمن العام، وجهاز الأمن الخاص، والمنظمات العسكرية، وهي الجيش والسلاح الجوي والبحرية وقوة الدفاع الجوي والحرس الجمهوري ومديرية الاستخبارات العسكرية وقوات الطوارئ والقوات شبه العسكرية وديوان الرئاسة والمجلس الوطني واللجنة الوطنية للألعاب الاولمبية والمحاكم الخاصة ومحاكم الأمن الخاص. كما اصدر قرارات لحظر الأسلحة الثقيلة ودعا الى تسليم وجمع الأسلحة وأسس ما يسمى (صندوق تنمية العراق) وخول نفسه سلطة الإشراف على تأسيس وإدارة واستخدام الصندوق وصرف الأموال نيابة عن الشعب العراقي كما ورد في اللائحة التنظيمية رقم (2) التي أصدرها بريمر في 15 حزيران 2003 وقد أودعت في الصندوق (95%) من إيرادات جميع المبيعات التي يصدرها العراق من نفط ومنتجاته وحولت الى الصندوق مبالغ من أموال عراقية كانت مودعة في حسابات فتحت بموجب قرارات مجلس الأمن السابقة. وقد اصدر بريمر اللائحة التنظيمية بما اسماه (تسوية المطالبات العراقية المتعلقة بالملكية). وفي اللائحة التنظيمية رقم (6) اعترف بمجلس الحكم على انه: ((الجهة الرئيسية للإدارة العراقية المؤقتة، الى حين تشكيل حكومة معترف بها دوليا، ممثلة للشعب العراقي ))، وقد حدد العلاقة مع هذا المجلس وقال ان مجلس الحكم وسلطة الائتلاف المؤقتة: ((وبالتعاون مع الممثل الخاص للامين العام للأمم المتحدة (يأخذون) على عاتقهم العمل سوية في عملية التشاور والتعاون لمصلحة الشعب العراقي )). كما ان مجلس الحكم وسلطة الائتلاف المؤقتة طبقا للقرار (1483)يتشاوران وينسقان جميع الأمور المتعلقة بالإدارة المؤقتة للعراق، بما فيها سلطات مجلس الحكم. ويؤمر جميع موظفي سلطات الائتلاف المؤقتة،وبشكل حازم، بالاستجابة الى جميع طلبات الخبراء وإسداء المعونة التقنية أو أي دعم مطلوب من مجلس الحكم.






مجلس الحكم الانتقالي:


شعرت قيادات الأحزاب السياسية التي كان لها دورها في معارضة النظام السابق، وتواجدت آنذاك خارج القطر، ان مصلحتها تقتضي العمل للوصول الى السلطة لذلك عقدت أول اجتماع لها في أواخر نيسان سنة 2003 في بغداد، وحضر الاجتماع زعماء الأحزاب السياسية التالية :


1. حركة الوفاق الوطني.


2. الحزب الديموقراطي الكوردستاني.


3. حزب المؤتمر الوطني العراقي.


4. المجلس الأعلى للثورة الإسلامية (يعرف الآن بالمجلس الإسلامي العراقي الأعلى).


5. الاتحاد الوطني الكوردستاني.


ولقد تقرر في الاجتماع السعي باتجاه ما سمي في حينه (ارساء أسس ديموقراطية للمجتمع المدني العراقي)، وتشكيل مكتب سكرتارية دائمة لتكون حلقة وصل بين هذه الأحزاب ( الخمسة)، وكل أطياف الحياة السياسية العراقية.


وبعد الخامس من أيار 2003، اضيف إلى الأحزاب الخمسة ممثلين عن (حزب الدعوة)، و (الحزب الشيوعي) و ( تجمع الديمقراطيين المستقلين). وبعد مناقشات ومداولات بين هذه القوى السياسية، وسلطة الائتلاف المؤقتة، تقرر تشكيل ما سمي بـ (الهيئة القيادية)، وكلفت هذه الهيئة بالعمل على تشكيل حكومة انتقالية. ولقد وافقت الهيئة على صيغة حكم عرفت باسم ( مجلس الحكم الانتقالي) الذي تشكل يوم 13 تموز 2003 من ممثلي الأحزاب السبعة التالية:


1. الدكتور أياد هاشم علاوي ( حركة الوفاق الوطني).


2. السيد مسعود مصطفى البارزاني ( الحزب الديموقراطي الكوردستاني).


3. الدكتور احمد عبد الهادي الجلبي ( حزب المؤتمر الوطني العراقي ).


4. السيد عبد العزيز السيد محسن الحكيم (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية).


5. السيد جلال حسام الدين الطالباني ( الاتحاد الوطني الكوردستاني).


6. السيد حميد مجيد موسى ( الحزب الشيوعي العراقي ).


7. الدكتور محسن عبد الحميد ( الحزب الإسلامي العراقي).


وأضيفت أسماء أخرى لهذه التشكيلة التي اعتمدت مبدأ ( التوافق) و (المحاصصة الطائفية والعرقية ). ومن الأسماء التي أضيفت الدكتور عدنان مزاحم الباجه جي، والدكتور محمد بحر العلوم والسيد يونادم كنه والدكتورة عقيلة الهاشمي وبلغ عدد أعضاء مجلس الحكم ( 25) عضوا. وقد حددت مهام مجلس الحكم طبقا لما ورد في بيانه السياسي بما يلي:






1. توفير الأمن والاستقرار للمواطنين.


2. تصفية آثار الاستبداد السياسي، وإطلاق مبادرة المصالحة الوطنية.


3. وضع الأسس لنظام ديموقراطي اتحادي تعددي.


4. توفير الخدمات العامة.


5. إنعاش الاقتصاد الوطني.


6. تطوير وتأهيل القطاع النفطي.


7. تطوير علاقات العراق الخارجية.


ويعد مجلس الحكم،هو ثالث هيئة إدارية تشكلت حسب التسلسل الزمني في العراق عقب الاحتلال الأمريكي. وقد تشكل مجلس الحكم بقرار من سلطة الائتلاف المؤقتة في 12 تموز 2003 ومنح صلاحيات جزئية في إدارة شؤون العراق. وكانت سلطة الائتلاف لاتزال تمتلك الصلاحيات الكاملة حسب قوانين الحرب والاحتلال العسكري المشار إليها آنفا، وامتدت فترة الصلاحيات المحددة لمجلس الحكم من 12 تموز 2003 حتى الأول من حزيران سنة 2004 حين تم حله بعد تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة.


اعترفت جامعة الدول العربية بمجلس الحكم كممثل شرعي للعراق في الأول من حزيران 2004 وكانت رئاسة المجلس تتم بصورة متناوبة حيث تناوب رؤساء الأحزاب المشاركة بالمجلس على رئاسته ولمدة شهر وكما يلي:






الدكتور محمد بحر العلوم
13 – 31 تموز 2003


الدكتور إبراهيم الجعفري
1- 31 آب 2003


الدكتور احمد الجلبي
1 – 30 أيلول 2003


الدكتور أياد علاوي
1 – 31 تشرين الأول 2003


السيد جلال حسام الدين الطالباني
1 – 30 تشرين الثاني 2003


السيد عبد العزيز السيد محسن الحكيم
1 – 31 كانون الأول 2003


الدكتور عدنان مزاحم الباجه جي
1 – 31 كانون الثاني 2004


الدكتور محسن عبد الحميد
1 – 29 شباط 2004


الدكتور محمد بحر العلوم (للمرة الثانية)
1 – 31 آذار 2004


السيد مسعود مصطفى البارزاني
1 – 31 نيسان 2004


السيد عز الدين سليم
1 – 17 مايس 2004


الشيخ غازي مشعل الياور
17 مايس – 1 تموز 2004




بالرغم من اعتراف جامعة الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول بمجلس الحكم العراقي كممثل شرعي للعراق، إلا ان السلطة الفعلية كانت بيد قوات الاحتلال الأمريكية وممثلها في العراق السفير بول بريمر، والذي أبقى بيده سلطة حق نقض (فيتو) أي قرار يتخذه المجلس في حالة عدم اقتناعه به. وقد استخدم سلطته هذه لأكثر من مرة. وتعد مذكراته التي صدرت بعنوان: (عامي الذي امضيته في العراق) وثيقة مهمة من وثائق هذه المرحلة الخطيرة من مراحل تاريخ العراق المعاصر.


ومن القرارات والقوانين المثيرة للجدل التي اتخذها مجلس الحكم، قراره بإلغاء قانون الأحوال الشخصية واستبداله بقانون جديد يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية كما قيل في حينه، وقرار اتخاذ يوم سقوط بغداد بيد القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها يوم 9 نيسان 2003 عيدا وطنيا، وقرار تبديل العلم العراقي الذي يحمل عبارة (الله اكبر) بعلم آخر يشبه الى حد ما العلم الإسرائيلي. وقد لاقت كل هذه القرارات استهجانا من قطاعات واسعة من الشعب العراقي، لذلك لم تجد طريقها الى التنفيذ.


تألف مجلس الحكم من الشخصيات التالية، وقد جاء في نظامه انه ينتخب رئيسه من بين الـ(25) عضوا، وحسب حروف الألف باء، ولمدة شهر. وقد عقد أول اجتماع له بعد تشكيله في 13 تموز 2003 وأعضاء مجلس الحكم هم :


1. الدكتور إبراهيم الاشيقر الجعفري.


2. السيد احمد شياع البراك.


3. الدكتور احمد عبد الهادي الجلبي.


4. الدكتور أياد هاشم علاوي.


5. السيد جلال حسام الدين الطالباني.


6. السيد حميد مجيد موسى.


7. السيد دارا نور الدين.


8. السيد عبد الكريم ما هود المحمداوي.


9. السيد عدنان مزاحم الباجه جي.


10. السيدة سلامة الخفاجي.


11. الشيخ غازي مشعل الياور.


12. الدكتور محسن عبد الحميد.


13. الدكتور محمد بحر العلوم.


14. الدكتور محمود عثمان.


15. السيد مسعود مصطفى البارزاني.


16. الدكتور موفق الربيعي.


17. السيد نصير الجاد رجي.


18. القاضي وائل عبد اللطيف.


19. السيد يونادم كنا.


20. الدكتور رجاء حبيب الخزاعي.


21. السيد سمير شاكر الصميدعي.


22. السيد صلاح الدين بهاء الدين.


23. السيدة صون كل جابوك.


24. السيد عز الدين سليم.


25. السيد عبد العزيز السيد محسن الحكيم.


لقد كان من بعض صلاحيات مجلس الحكم الموافقة على عدد من التعيينات، ومن ذلك تعيين الوزراء، وتعيين ممثل دائم للعراق في الأمم المتحدة. فضلا عن قيامه بتشكيل لجنة لوضع مسودة لدستور مؤقت سمي فيما بعد ب (قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية)


أكد ( قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية) والذي أصدره مجلس الحكم في الثامن من آذار سنة 2004، الذي أكد على ان المرحلة الانتقالية تبدأ من 30 حزيران 2004 وتنهي عند تشكيل حكومة عراقية منتخبة بموجب دستور دائم وذلك في موعد أقصاه 31 كانون الأول 2005. وجاء إصدار هذا القانون تنفيذا لاتفاق تم عقده بين مجلس الحكم وسلطة الائتلاف المؤقتة في 15 تشرين الثاني 2003. ويؤسس القانون كما أعلن آنذاك لنظام (اتحادي) ( ديموقراطي) (تعددي) يتمتع فيه أفراد الشعب العراقي قاطبة بالحقوق الأساسية للإنسان. ونص على تأكيد الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، والمساواة التامة بين الناس بصرف النظر عن الجنس أو المذهب أو الأصل أو الدين وضرورة ضمان الحريات العامة، وحق الفرد بالتعليم، والعناية الصحية، وتوفير الأمن وفرص العمل، وإدخال درجة من اللامركزية في إدارة المحافظات مع مراعاة الوضع الراهن في كردستان العراق، وإقرار مبدأ السيطرة المدنية على الجيش، وقوى الأمن. ولقد قيل في حينه ان اللجنة التي أعدت القانون كانت برئاسة الدكتور عدنان الباجه جي. كما قيل ان اللجنة كثيرا ماكانت تستأنس بآراء الدكتور نوح فيلدمان وهو رجل متخصص بالقانون الدستوري، ونوح فيلدمان اميركي من أصل عراقي يهودي. ويتألف هذا القانون من (9) أبواب هي على التوالي: (المباديء الأساسية، الحقوق الأساسية، الحكومة العراقية الانتقالية، السلطة التشريعية الانتقالية، السلطة التنفيذية الانتقالية، السلطة القضائية الاتحادية، المحكمة المختصة والهيئات الوطنية، الأقاليم والمحافظات والبلديات والهيئات المحلية، المرحلة ما بعد الانتقالية. وقد تضمنت الديباجة ما يدل على ان القانون أقر: ((لإدارة شؤون العراق خلال المرحلة الانتقالية الى حين قيام حكومة منتخبة تعمل في ظل دستور شرعي دائم سعيا لتحقيق ديموقراطية كاملة)). وان القانون يعد: ((القانون الأعلى للبلاد، ويكون ملزما في أنحاء العراق كافة، وبدون استثناء))، واقر بان من اختصاصات الحكومة العراقية الانتقالية ما يلي:


أ. رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي، والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية والتوقيع عليها وإبرامها، ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية وسياسات الاقتراض السيادي.


ب. وضع وتنفيذ سياسة الأمن الوطني، بما في ذلك إنشاء قوات مسلحة وإدامتها لتأمين وحماية وضمان أمن حدود البلاد والدفاع عن العراق.


ج. رسم السياسة المالية، وإصدار العملة، وتنظيم الكمارك وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الأقاليم والمحافظات في العراق، ووضع الميزانية العامة للدولة، ورسم السياسة النقدية وإنشاء بنك مركزي وادراته.


د. تنظيم أمور المقاييس والأوزان ورسم السياسة العامة للاجور، وإدارة الثروات الطبيعية للعراق والتي تعود لجميع أبناء الأقاليم والمحافظات في العراق بالتشاور مع حكومات وإدارات هذه الأقاليم والمحافظات، وتوزع الواردات الناتجة عن هذه الثروات عن طريق الميزانية العامة وبشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، مع الأخذ بنظر الاعتبار المناطق المحرومة ومعالجة مشاكلها واحتياجاتها بشكل ايجابي.


و. تنظيم سياسة الاتصالات.


ونصت المادة (26) من الباب الثالث على ان القوانين النافذة في العراق في 20 حزيران 2004 ستبقى سارية المفعول إلا إذا نص القانون هذا على خلاف ذلك وعندئذ تقوم الحكومة العراقية الانتقالية بإلغائها وتعديلها وفقا لهذا القانون. كما ان القوانين والأنظمة والأوامر والتعليمات الصادرة من سلطة الائتلاف المؤقتة ستبقى نافذة المفعول الى حين إلغائها أو تعديلها بتشريع يصدر حسب الأصول ويكون لهذا التشريع قوة القانون.


نص القانون في بابه الرابع على (السلطة التشريعية) وقال في المادة (30) ان لدولة العراق خلال المرحلة الانتقالية، سلطة تشريعية تعرف باسم ( الجمعية الوطنية) ومهمتها الرئيسية هي تشريع القوانين والرقابة على عمل السلطة التنفيذية. أما (السلطة التنفيذية) فتتكون من مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء ورئيسه في حين يكون القضاء مستقلا ولا يدار بأي شكل من الأشكال من السلطة التنفيذية ويجري العمل لتشكيل محكمة في العراق باسم المحكمة الاتحادية العليا يكون اختصاصها الحصري والأصيل النظر في الدعاوي بين الحكومة العراقية الانتقالية وحكومات الأقاليم وإدارات المحافظات والبلديات والإدارات المحلية وتتكون المحكمة من تسعة قضاة ويكون الى جانب ذلك مجلس أعلى للقضاء يتولى دور (مجلس القضاة) ويشرف على القضاء في العراق. وتؤسس في العراق هيئات وطنية لحقوق الإنسان وللنزاهة العامة وهيئات أخرى منها الهيئة العليا لحل النزاعات الملكية العقارية والهيئة الوطنية لاجتثاث البعث. ويؤسس تصميم النظام الاتحادي في العراق بشكل يمنع تركيز السلطة في الحكومة الاتحادية ويعترف القانون بحكومة إقليم كردستان بصفتها الحكومة الرسمية للأراضي التي كانت تدار من قبل الحكومة المذكورة في 19 آذار 2002 الواقعة في محافظات دهوك واربيل والسليمانية وكركوك وديالى ونينوى على ان تبقى حدود المحافظات العراقية الثمانية عشر بدون تبديل خلال المرحلة الانتقالية.


الحكومة العراقية المؤقتة :


تعد الحكومة العراقية المؤقتة هي السلطة الرابعة التي تشكلت في العراق عقب الاحتلال. وقد حلت هذه الحكومة محل ( سلطة الائتلاف المؤقتة) و ( مجلس الحكم ). ومع ان الولايات المتحدة الأمريكية، اعترفت بالحكومة المؤقتة، كممثل شرعي للعراق إلا ان الإدارة الأمريكية، من خلال السفارة الأمريكية وقيادة القوات الأمريكية في العراق، احتفظت بصلاحيات واسعة وكانت هي صاحبة القرار أثناء فترة الحكومة المؤقتة. وقد تضمنت (الحكومة العراقية المؤقتة )، رئيسا للجمهورية هو غازي مشعل الياور ونائبان للرئيس هما الدكتور إبراهيم الاشيقر الجعفري وروز نوري شاويس والى جانبهم رئيس للوزراء هو الدكتور أياد هاشم علاوي الذي تم اختياره بعد تصويت داخلي قام به أعضاء مجلس الحكم وكان الاعتقاد السائد ان الاختيار تم حسب توصية مبعوث الأمم المتحدة الخاص في العراق آنذاك السيد الأخضر الإبراهيمي، إلا ان الإبراهيمي صرح فيما بعد لجريدة نيويورك تايمز بأنه تم الضغط عليه من قبل السفير بول بريمر لتزكية علاوي لهذا المنصب ولقد استقال الإبراهيمي من مهمته بعد اسبوعين من اختيار علاوي بسبب ما وصفه بـ (المصاعب الجمة والإحباط) الذي كان يعانيه. وكان للدكتور علاوي باعتباره رئيسا للوزراء نائب واحد هو الدكتور برهم صالح. وتألفت الحكومة المؤقتة من (30) وزيرا وست وزيرات وخمس وزراء للدولة. وواجهت هذه الحكومة مشاكل جمة، أمنية، واقتصادية، وسياسية.


ووصف الإبراهيمي بريمر بالديكتاتور وحين سأله الصحفيون عن الدور الذي قام به الاميركيون في تشكيل الحكومة الجديدة واختيار رئيس الحكومة الدكتور أياد علاوي قال بان السفير بريمر: ((يدير الأمور في العراق. بريمر هو ديكتاتور العراق. فهو يملك المال والتوقيع))!!.










الحكومة العراقية الانتقالية :


حلت الحكومة العراقية الانتقالية محل الحكومة العراقية المؤقتة في الثالث من مايس 2005، وتم التصديق على هذه الحكومة من قبل ما كان يسمى بـ ( الجمعية الوطنية العراقية المؤقتة) في 28 نيسان 2005. وقد بدأت هذه الفترة الانتقالية والتي يقصد بها الانتقال التدريجي بالعراق الى حكومة وبرلمان دائميين، بانتخابات ( الجمعية الوطنية العراقية المؤقتة) في 30 كانون الثاني 2005 حيث صوت العراقيون لاختيار(275) عضوا في الجمعية الوطنية الانتقالية. ولقد جرت مع هذه الانتخابات كذلك عملية الاقتراع على (مجالس المحافظات) الـ (18) العراقية، والاقتراع على ( المجلس الوطني الكردستاني) المعروف بـ ( برلمان إقليم كردستان) في شمال العراق. وقد تم اعتبار العراق في هذه الانتخابات دائرة انتخابية واحدة، وقدمت الأحزاب السياسية قوائم بأسماء مرشحيها، وثم توزيع المقاعد عن طريق التمثيل النسبي أي أن كل حزب أو جماعة سياسية ستحصل على مقاعد في الجمعية الوطنية تماثل نسبيا عدد الأصوات التي حصلت عليها.


كانت المهمة الرئيسة للجمعية الوطنية الانتقالية، هي اختيار( مجلس الرئاسة) مكونا من رئيس للجمهورية ونائبان. ويقوم مجلس الرئاسة باختيار( رئيس الوزراء). وقد تم اختيار السيد جلال حسام الدين الطالباني رئيسا للجمهورية والشيخ غازي مشعل الياور، والدكتور عادل عبد المهدي المنتفكي نائبين له وقام الثلاثة باختيار الدكتور إبراهيم الجعفري ليكون رئيسا للوزراء.


كان من المهام الرئيسية لهذه الحكومة ما يلي :


1. الإعداد لإجراء الانتخابات واختيار برلمان وحكومة دائمية في العراق مدتها 4 سنوات.


2. التصديق على مسودة الدستور الدائم.


تولى الدكتور إبراهيم الجعفري رئاسة الوزراء، وأصبح له نائبان هما الدكتور احمد عبد الهادي الجلبي، وعبد مطلك الجبوري. كما اختير حاجم الحسني رئيسا للجمعية الوطنية. وقد استغرق الاتفاق على تسمية رئيس الجمهورية السيد جلال الطالباني ونائبيه الشيخ غازي الياور والدكتور عادل عبد المهدي عدة أسابيع. وتغلب مبدأ التوافق والمحاصصة في توزيع المناصب والمهام والمسؤوليات. وقد قدم الدكتور الجعفري في الأول مايس 2005 برنامج حكومته الى الجمعية الوطنية والذي اتسم بالغموض وغلب عليه الطابع الإنشائي، وافتقد الالتزامات المحددة. ومع أن البرنامج حمل أهدافا واسعة وكبيرة، إلا أن موقف الحكومة من تصفية تركة الاحتلال لم يكن واضحا، ولم يتضمن البرنامج أية حلول للتدهور في خدمات الماء والكهرباء والمشتقات النفطية والنقل. كما افتقر البرنامج الى الفلسفة التربوية والاقتصادية والسياسية، والنظرة الجادة لتفعيل دور الفكر والثقافة.


قبل الانتخابات قدمت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق التقديرات التالية :


· عدد نفوس العراق هو بحدود 27 مليون نسمة.


· عدد العراقيين الذين يحق لهم التصويت هو 14,2 مليون ناخب.


· عدد الكيانات السياسية المشاركة في الانتخابات هو 223 كيانا.


· عدد الائتلافات السياسية المشاركة هو (35) ائتلافا.


· عدد المراكز الانتخابية في عموم العراق هو 5578 مركزا وفي خارج العراق 75 مركزا.


أما أبرز القوائم التي شاركت في الانتخابات فهي.


· قائمة الائتلاف العراقي الموحد وضمت (140) اسما في مقدمتهم السيد عبد العزيز الحكيم.


· قائمة التحالف الكردستاني وضمت (175) اسما في مقدمتهم السيد جلال حسام الدين الطالباني.


· قائمة عراقيون وضمت (5) أسماء في مقدمتهم الشيخ غازي مشعل الياور.


· القائمة العراقية وضمت (40) اسما في مقدمتهم الدكتور أياد هاشم علاوي.


حصلت قائمة الائتلاف العراقي الموحد على أغلبية الأصوات وبنسبة (48% تقريبا)، ولم تكن هذه الأغلبية كافية لتشكيل الحكومة مما حدا بالقائمة الى التحالف مع قائمة التحالف الكردستاني.


التصويت على الدستور:


في 15 تشرين الأول 2005 شهد العراق الاقتراع الثاني في الانتخابات بعد الاحتلال حيث صوت العراقيون على مشروع الدستور العراقي. وكان من المرجح حتى قبل بدء التصويت، أن تضمن المحافظات ذات الأغلبية الشيعية والكردية، التي تمثل قرابة ثلاثة أرباع عدد الناخبين البالغ عددهم نحو 15 مليونا، تحقيق الأغلبية المطلوبة للدستور، ولكن مجرد تصويت ثلثي الناخبين في ثلاث فقط من محافظات العراق الثماني عشرة بالرفض كانت تعني سقوط الدستور. وكان التصويت على الدستور بمثابة مقدمة لإجراء انتخابات برلمانية جديدة في كانون الأول 2005 لاختيار مؤسسات وحكومة دائمية مدتها 4 سنوات.


جرت عملية الاقتراع وسط إجراءات أمنية مشددة، وأغلقت الحدود، وعد السفير الأمريكي زلماي خليل زاد نجاح الاستفتاء عنصرا أساسيا لانسحاب القوات الأمريكية من العراق.


وفي 25 تشرين الأول 2005 أي بعد (10) أيام من الاقتراع أعلنت اللجنة العليا المستقلة للانتخابات في العراق ان نحو (78%) من الناخبين صوتوا بنعم للدستور فيما رفضه (21%) وقد رفضت معظم المحافظات ذات الأكثرية السنية الدستور فمحافظة صلاح الدين ومحافظة الانبار صوتتا بأغلبية تبلغ (81%) و (96%) على التوالي بـ(لا) للدستور، إلا ان قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية اشترط رفض ثلاث محافظات بأغلبية الثلثين لمشروع الدستور لكي يتم رفضه وكانت محافظة نينوى هي الفيصل في إقرار الدستور من عدمه، ولكن محافظة نينوى صوتت بـ (لا) للدستور بنسبة (55%) وهي أقل من نسبة الثلثين اللازمة لرفض الدستور. ومهما يكن من أمر فان المشروع قد أقر، وأصبحت الخطوة القادمة إجراء انتخابات برلمانية يوم 15 كانون الأول 2005 بهدف تكوين مجلس نواب له صلاحيات دستورية كاملة لدورة تستمر أربع سنوات.


مجلس النواب الجديد:


جرت الانتخابات يوم 15 كانون الثاني 2005 وهي ثالث اقتراع للعراقيين بعد الاحتلال وبعد إجراء انتخابات الجمعية الوطنية الانتقالية التي انبثقت عنها (الحكومة العراقية الانتقالية) وبعد التصويت على الدستور العراقي الدائم الذي تم في 15 تشرين الأول 2005. وتم فيه اختيار 275 عضوا في ( مجلس النواب العراقي) وهو التسمية الجديدة للجمعية الوطنية الانتقالية. وكان على مجلس النواب الجديد القيام بتشكيل حكومة دائمة تتولى السلطة لمدة أربع سنوات.


أعلنت نتائج الانتخابات في 20 كانون الثاني 2006، وجاء في تقرير المفوضية المستقلة للانتخابات أن قائمة الائتلاف في العراق الموحد حازت على (128) مقعدا من العدد الإجمالي لمقاعد مجلس النواب، وحلت قائمة التحالف الكردستاني بالمرتبة الثانية حيث حصلت على (53) مقعدا. أما جبهة التوافق فحصلت على (44) مقعدا وحلت بالمرتبة الثالثة، وقد بدأت الخطوات لتشكيل حكومة أطلق عليها حكومة وحدة وطنية.


الحكومة العراقية الدائمة أو المنتخبة :


بعد أزمة سياسية استمرت قرابة (4) اشهر، نتيجة تمسك الدكتور إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء المنتهية ولايته بمنصبه، واعتراض البعض على ترشحه لرئاسة الوزراء، كلف السيد جلال حسام الدين الطالباني رئيس الجمهورية يوم 22 نيسان السيد نوري كامل المالكي(عرف قبل ذلك بأبو إسراء جواد المالكي ) بتشكيل حكومة وصفها بأن تكون: ((قادرة على التعاطي مع مشاكل البلد الأمنية والاقتصادية، ومواجهة الفساد الإداري، ورفع الظلم عن كافة شرائح المجتمع العراقي )). وقال مسئولون في قائمة الائتلاف العراقي الموحد يوم 21 نيسان 2006، ان المالكي حصل داخل الائتلاف في مواجهة الدكتور إبراهيم الجعفري على تأييد (6) أصوات من بين (7) أصوات.


صادق مجلس النواب على ترشيح السيد نوري كامل المالكي في جلسة خاصة عقدت يوم 22 نيسان 2006. والمالكي من مواليد مدينة الحلة سنة 1950، وكان جده ( محمد حسن أبو المحاسن) وزيرا للمعارف في العراق أبان السنوات الأولى من الحكم الملكي (1921 ـ 1958). ويحمل شهادة الماجستير في اللغة العربية من كلية اصول الدين بجامعة صلاح الدين بأربيل وقد كتب رسالته حول ديوان شعر جده وبإشراف الأستاذ الدكتور فؤاد معصوم، وكان معروفا بمعارضته للنظام السابق، وقد عاش فترة لجوءه في دمشق بسوريا، وهو منتمي إلى حزب الدعوة الإسلامية. تألفت حكومة المالكي من (40) وزيرا ووزيرة.


خاتمة وملاحظات :


من الطبيعي ان ترتبط عملية صنع القرار السياسي في أية دولة من الدول بعدد من العوامل الداخلية والخارجية المرتبطة بالموقع الجغرافي، والظروف السياسية، والواقع الاقتصادي، والوضع الاجتماعي. ومن المفروض ان تؤمن عملية صنع القرار، الأهداف العليا للدولة، وطبيعة نظامها السياسي، وتوجهاتها العقائدية.


وفيما يتعلق بالعراق، فقد لاحظنا انه شهد منذ الاحتلال الاميركي، وإسقاط النظام السابق في التاسع من نيسان 2003، هياكل ومؤسسات وإدارات عديدة قامت بصنع القرار السياسي ليس على المستوى النظري وحسب بل وعلى المستوى العملي التطبيقي كذلك. ويمكننا القول انه بعد صدور الدستور، والاستفتاء عليه فان صنع القرار السياسي كان من خلال المؤسسات التالية:


1. مجلس النواب: وهو المؤسسة الدستورية التي تمارس السلطة التشريعية، ويتكون المجلس من (275) عضوا يمثلون الشعب العراقي بأكمله ويتم انتخابهم بطريق الاقتراع العام السري المباشر. ويختص مجلس النواب بما يأتي:


أولا : تشريع القوانين.


ثانيا : الرقابة على أداء السلطة التنفيذية.


ثالثا : انتخاب رئيس الجمهورية.


رابعا : المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية.


2. مجلس الاتحاد: و يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم. ولا وجود دستوري لهذا المجلس في العراق لحد الآن.


3. رئيس الجمهورية: وهو رئيس الدولة، ورمز وحدة الوطن يمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق وسيادته، ووحدته، وسلامة أراضيه وفقا لأحكام الدستور ولرئيس الجمهورية صلاحيات محددة مقتصرة وبروتوكولية على إصدار العفو الخاص بتوصية من رئيس مجلس الوزراء والمصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بعد موافقة مجلس النواب وإصدار القوانين التي يسنها مجلس النواب، ومنح الأوسمة والنياشين بتوصية من رئيس مجلس الوزراء. ويتضح من مراجعة صلاحيات رئيس الجمهورية أن السلطة الفعلية في العراق بيد مجلس الوزراء ورئيس الوزراء خاصة وان رئيس الوزراء هو القائد العام للقوات المسلحة.


4. مجلس الوزراء : ونص الدستور على ان رئيس الجمهورية يكلف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء، ويتولى( رئيس الوزراء) تسمية أعضاء وزارته، ويمارس مجلس الوزراء صلاحيات واسعة هي :


أولا : تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة.


ثانيا : اقتراح مشروعات القوانين.


ثالثا : إصدار الأنظمة والتعليمات والقرارات بهدف تنفيذ القوانين.


رابعا : إعداد مشروع الموازنة العامة والحساب الختامي وخطط التنمية.


خامسا : التوصية الى مجلس النواب بالموافقة على تعيين وكلاء الوزارات والسفراء وأصحاب الدرجات الخاصة ورئيس أركان الجيش ومعاونيه ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق ورئيس جهاز المخابرات الوطني ورؤساء الأجهزة الأمنية والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية والتوقيع عليها أو من يخوله وتكون مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء أمام مجلس النواب تضامنية.


6. مجلس القضاء الأعلى: وهو ضمن السلطة القضائية حسبما تشير الى ذلك نصوص الدستور، ويتولى إدارة شؤون الهيئات القضائية.


7. المحكمة الاتحادية العليا: وهي هيئة قضائية مستقلة ماليا وإداريا وتتكون من عدد من القضاة وخبراء في الفقه الإسلامي وفقهاء القانون وتختص بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة وتفسير نصوص الدستور والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والأنظمة والتعليمات والفصل في المنازعات التي تحصل بين حكومات الأقاليم والمحافظات وكذلك الفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء. ولم تشكل هذه المحكمة في العراق حتى كتابة هذه السطور.


والى جانب هذه التشكيلات فان هناك هيئات مستقلة ماليا وإداريا لها دور في صنع القرار السياسي منها: المفوضية العليا لحقوق الإنسان، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهيئة النزاهة، وهيئة اجتثاث البعث، والبنك المركزي، وديوان الرقابة المالية، وهيئة الإعلام والاتصالات، ودواوين الأوقاف، ومؤسسة الشهداء، وبيت الحكمة، ومجلس الخدمة العامة الاتحادية.


وقد نص الدستور على ان من مهام الحكومة الاتحادية، الحفاظ على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديموقراطي الاتحادي. وتختص السلطات الاتحادية برسم السياسة الخارجية، ووضع سياسة الأمن الوطني وتنفيذها، ورسم السياسة المالية، وتنظيم أمور الجنسية والتجنس، ووضع مشروع الموازنة العامة والاستثمارية، وتخطيط السياسات المتعلقة بالمياه وإدارة النفط والغاز، ورسم السياسات اللازمة لتطويرها بالتعاون مع حكومات الأقاليم والمحافظات.


وثمة اختصاصات مشتركة بين الحكومة الاتحادية وسلطات الأقاليم والمحافظات منها ما يتعلق بإدارة الكمارك، ومصادر الطاقة الكهربائية، ورسم السياسات البيئية والتنموية، والصحية، والتعليمية والتربوية، والموارد المائية.


وقد أقر الدستور بوجود إقليم كردستان وسلطاته القائمة إقليما اتحاديا، وأكد ان النظام السياسي في العراق، يتكون من عاصمة وأقاليم ومحافظات لامركزية وإدارات محلية، ويحق لكل محافظة أو أكثر تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء يقدم بإحدى طريقتين: اولهما طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم وطلب من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم ولسلطات الأقاليم والمحافظات حصة عادلة من الإيرادات المحصلة اتحاديا، ولها الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية باستثناء ما ورد في الدستور من اختصاصات حصرية للحكومة الاتحادية.


وقد أعطى الدستور الحق لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين، أو لخمس أعضاء مجلس النواب في اقتراح تعديل الدستور، ومنع المسئولين ابتداء من رئيس الجمهورية والوزراء وحتى أصحاب الدرجات الخاصة من استغلال نفوذهم في شراء أو استئجار أي شيء من أموال الدولة، واقر استمرار المحكمة الجنائية العراقية العليا بأعمالها بوصفها هيئة قضائية مستقلة. كما أكد على مواصلة الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث أعمالها. وقد وضع الدستور في أحكامه الانتقالية بعض التحديدات منها ان تعبير( مجلس الرئاسة) يتألف من رئيس الجمهورية ونائبيه، ويتخذ هذا المجلس قراراته بالإجماع، ولايجوز لأي عضو أن ينيب أحد العضوين الآخرين مكانه ومن صلاحياته الموافقة على القوانين والقرارات التي يسنها مجلس النواب.


ويمارس مجلس الرئاسة صلاحيات رئيس الجمهورية. وقد ألغى الدستور (قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية وملحقه).


فضلا عن الهيئات التي أشار إليها الدستور، فلا يمكن إغفال الدور الذي تقوم به بعض المؤسسات التي تعبر عن الرأي العام العراقي والمتمثلة بالصحافة والإعلام وجماعات الضغط بأنواعها المختلفة، والمنظمات غير الحكومية المعروفة بمنظمات المجتمع المدني في صنع القرار السياسي، ولكن ذلك لايزال في العراق محدودا وضيقا.


على المستوى العملي والتطبيقي، فان أي احد لايمكن ان يتغافل عن الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية من جهة والأمم المتحدة من جهة أخرى في صنع القرار السياسي في العراق. ففيما يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية فان تدخلاتها في صنع القرار السياسي العراقي معروفة، وتتم عبر قنوات عديدة منها قيادة الأركان للقوات المتعددة الجنسيات، والسفارة الأمريكية، وحتى الكونغرس الأمريكي فان له رأي في كثير مما يحدث في العراق والأمثلة على ذلك عديدة ومنها القرار الذي صدر عن مجلس النواب المتمثل بالدعوة الى تقسيم العراق الى ثلاث كيانات طائفية وعرقية. ومن الطريف الإشارة هنا إلى ان السناتور جون بايدن، الذي قدم قرار التقسيم اعترض غاضبا على منتقدي مشروعه من المسئولين العراقيين وفي مقدمتهم السيد نوري المالكي رئيس الوزراء قائلا: ((من يظنون أنفسهم بحق الجحيم ليقولوا لنا ليس من حقنا ان نبدي رأينا !!. .. لقد صرفنا من دمنا ومن مالنا لدعمهم بالالتزام بالدستور، هكذا كان العقد معهم)).


أما الأمم المتحدة ومجلس الأمن في المقدمة، فهي فضلا عن القرارات السابقة التي أصدرتها وخاصة التي أصدرها مجلس الأمن بخصوص إخضاع العراق للفصل السابع والقرارات المتعلقة بحظر الطيران في المناطق الشمالية والجنوبية، فإنها راحت تمارس بعد الاحتلال دورا بارزا في العملية السياسية خاصة بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 1483 الذي اعترف صراحة بالاحتلال الاميركي، ثم القرار (1546) الذي ينهي رسميا الاحتلال ويضع جدولا زمنيا لإجراء انتخاب الحكومة الانتقالية، وكلنا يعرف الدور الذي قام به مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، السيد الأخضر الإبراهيمي في عملية التشكيل النهائي للحكومة الانتقالية الجديدة وتحديد الملامح الأساسية فيها من خلال اللقاءات المتعددة التي أجراها مع سلطة الائتلاف وأعضاء مجلس الحكم وخرج بعد ذلك بأسماء معينة توضح التشكيلية الوزارية ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء حيث ان كل هذا تم اختياره وترشيحه بناء على اعتبارات معينة ذات طابع استراتيجي متوسط وبعيد المدى متمثلة بعدم تهميش دور الأمم المتحدة في حل القضايا الدولية وخاصة العراق وإنهاء حالة أللاستقرار للوضع فيه الذي يمر في العراق وما الى ذلك من أثار سلبية عربيا وإقليميا ودوليا وتوثيق الصلة بما يسمى الشرعية الدولية. ومن اجل إضفاء الشرعية على الحكم العراقي أخذت الأمم المتحدة على عاتقها ان تكون طرفا رسميا للتنسيق. كما ارتأت ان تقوم بدور استشاري في المهام الجسيمة التي على الحكومة العراقية القيام بها والتي يمكن تحديدها بما يلي:


1. ان تعم الديموقراطية الحقة بين فئات وأحزاب العراق المختلفة.


2. ان تضع أسسا ناجحة لتحديد صيغة العلاقة بين الجهات السياسية العراقية المستندة الى فتح


الحوار الايجابي بين الجميع.


3. حل المشاكل الممكن أو المحتمل ظهورها بأسلوب التفاهم الحريص مع ضرورة وضع أحكام عملية تحول دون اختراق الدولة العراقية الجديدة من قبل ما سمي بـ (العناصر الإرهابية) التي تحاول ان تعكر صفو الأمن الذي أصبح الضرورة الأساسية للشعب العراقي في الوقت الحاضر. وقد توج دور الأمم المتحدة بإصدار (وثيقة العهد الدولي) والتي أكدت دعم الحكومة العراقية في إعادة الاعمار، وتطوير الاقتصاد في مقابل تفعيل مشروع المصالحة الوطنية وتوسيع المشاركة السياسية. وقد تبنى المؤتمر الوزاري، لدول جوار العراق ومصر مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومجموعة الثمانية، في يوم 4 مايس 2007 هذا العهد. وقد شملت الوثيقة نصوصا دعت إلى: ((التعريف بأهداف ورؤية الحكومة العراقية والأطر السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية لتحقيق هذه الرؤية والالتزامات المتبادلة بين الحكومة والمجتمع الدولي )). وتركز الوثيقة بشكل مفصل على الجوانب الاقتصادية.


ووفقا للوثيقة تهدف الرؤية إلى: (جعل العراق دولة ديموقراطية فيدرالية موحدة تتمتع بالأمن والاستقرار ويتساوى مواطنوها، وإنشاء اقتصاد قوي بناء على قواعد السوق الحر، وتوفير معايير ملائمة من الخدمات الاجتماعية العامة للمواطنين ودمج العراق بفاعلية في المحيطين الإقليمي والدولي على أساس الاحترام المتبادل)). وتقدم وثيقة العهد: ((اولويات تحقيق التنمية في جملة من الإجراءات أبرزها تحقيق المصالحة الوطنية، وتحسين الأوضاع الأمنية، والحكم الرشيد، والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية)). ويتولى السيد ستافان دي ميستورا ممثل الأمم المتحدة الحالي (تشرين الثاني 2007 ) في العراق مهمة تفعيل دور الأمم المتحدة في تنفيذ العهد الدولي. وقد استقبله السيد نوري المالكي رئيس الوزراء يوم 22 تشرين الثاني 2007 في بغداد ودعاه الى التعاون من اجل إخراج العراق من الفصل السابع لان العراق، على حد قول المالكي، يسعى الى تحقيق السيادة الكاملة على أراضيه، ويحترم علاقاته مع دول الجوار وبقية العالم ويرفض نهج الحروب. وجدد ميستورا استمرار دعم الأمم المتحدة للعراق والوقوف بجانب الحكومة لتحقيق طموحات الشعب العراقي وتطلعاته.


والى جانب الأمم المتحدة فان لجامعة الدول العربية وجهة نظر متطابقة مع ما جاء في وثيقة العهد، فالجامعة أيدت الحكومة العراقية وهي تعد تشكيلها ودعمها خطوة نحو تحقيق الأمن والاستقرار ليس في العراق وحسب بل وفي المنطقة كلها. ولم يكن الاتحاد الأوربي بعيد عن ذلك، فلقد أكد ولايزال يؤكد على ضرورة جعل الحكومة العراقية تحت مظلة الأمم المتحدة وبمساعدة الدول الحليفة حتى إن المتحدث الرسمي باسم وزير الخارجية الهولندي وصف الحالة التي يمر بها العراق بقوله: ((إن نقل السلطة للعراقيين وتسلمهم لمقاليد الأمور، وإعطائهم حق في بقاء القوات الأجنبية أمر ايجابي بجانب وجود دور قيادي للأمم المتحدة، واستخدام الأخيرة الحق الشرعي في بقاء القوات الأجنبية بجانب دورها في الانتخابات كلها نقاط ايجابية )).وقد عقدت مؤتمرات عديدة منها مؤتمر شرم الشيخ الأول ومؤتمر شرم الشيخ الثاني لمساعدة الحكومة العراقية في مهامها.


نخلص من كل ما مر الى ان صنع القرار السياسي في العراق، لايزال يواجه الكثير من الارتباك والغموض. فضلا عن تعددية مصادره واضطرابها وتناقضها بين بعضها البعض. هذا فضلا عن ان الحكومة العراقية لاتزال تواجه انتقادا شديدا ليس من بعض القوى العراقية المعارضة وغير المعارضة وإنما من قبل عدد من المسئولين الاميركيين السابقين والحاليين، وتتركز هذه الانتقادات على أن الحكومة العراقية لم تتخذ لحد الآن قرارات حاسمة بشان( إجراء المصالحة الوطنية) و(تقديم الخدمات لمواطنيها) و(تبني دبلوماسية خارجية متوازنة ازاء دول الجوار). ويمكن ان نضرب أمثلة على التناقضات والتضارب في المواقف بين مصادر القرار السياسي العراقي، منها الموقف المتضارب بين مجلس الرئاسة ورئيس الوزراء حول الفيدرالية، وقانون النفط والغاز، وصلاحية التصديق على قرارات المحكمة الجنائية العليا، والموقف من قانون المساءلة والعدالة، والموقف من الشركات الأمنية الأجنبية الخاصة، والموقف من دستورية المحكمة العليا الاتحادية، والموقف من مجالس الصحوة، والموقف من تسليح العشائر، والموقف من دمج الميليشيات في أجهزة الدفاع والأمن.


أزاء التضارب في المواقف هذه واتهام المالكي من قبل بعض الأطراف السياسية المشتركة معه في الحكم، باحتكار صنع القرار، اتفق قادة الكتل السياسية على تشكيل (المجلس السياسي للأمن الوطني)، (آب 2007). وقد عقد هذا المجلس ولايزال، الكثير من الاجتماعات بهدف تسريع عمل مجلس الوزراء، وضرورة الاتفاق على نظام داخلي ينظم أعماله، والإسهام في مناقشات متصلة بالقوانين التي تحقق مصلحة وطنية عليا من قبيل مشروع قانون الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة ومشروع قانون المحافظات غير المنظمة في إقليم لما لهذه القوانين من آثار تنعكس على مجمل العملية السياسية في العراق. وقد اصدر القادة السياسيون بيانا ختاميا في 26 آب جاء فيه: ((بأن القادة السياسيين العراقيين عقدوا سلسلة من الاجتماعات في ظل الظروف الراهنة والحرجة التي يمر بها وطننا، والتي تقتضي العمل الجاد من كافة الأطراف من اجل وضع الحلول لتجاوز ألازمات السياسية والادراية والاقتصادية والأمنية على أساس مراجعة الفترة السابقة من عمل حكومة الوحدة الوطنية، والعمل من اجل مشاركة أوسع القوى في العملية السياسية، وعلى طريق استتباب الأمن، وبناء الاستقرار، وتعميق روحية المواطنة، والانتماء الوطني، ورص الصفوف، وقد قرر الاجتماع اتخاذ خطوات من شأنها تعزيز المشاركة في القرار والمسؤولية وتسهم في عملية تحسين الأداء الحكومي وتسهيل إقرار القوانين الضرورية، وحل المشاكل المعقدة وتوحيد وجهات النظر بخصوص التعديلات الدستورية وقوانين النفط والغاز والموارد المائية وتشكيل اللجان الضرورية لتحقيق التوازن الوطني في مؤسسات الدولة.


وقد أكد القادة على أهمية انعقاد الاجتماعات الدورية بين رئيس الجمهورية ونائبيه ورئيس الوزراء لتدارس القضايا الاستراتيجية المهمة والعامة والاتفاق عليها ومتابعة الشؤون التفصيلية والفنية واليومية من قبل رؤساء دواوين الرئاسات، ومدراء المكاتب، وتشكيل لجنة مشتركة داخل مجلس النواب من رؤساء الكتل النيابية تأخذ على عاتقها متابعة القضايا الأساسية والمهمة، واتخاذ المواقف الموحدة تجاه مشاريع القوانين المتفق عليها وتسهيل عملية إقرارها وفق القواعد والأنظمة البرلمانية.


وقد تطلع القادة الى أهمية ان يربط بين تجديد قرار مجلس الأمن (1723) لمدة سنة، مع إنهاء خضوع العراق لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، واستعادة العراق كامل وضعه الطبيعي كدولة كاملة السيادة والصلاحيات واسترجاعه لوضعه القانوني الدولي، أي الحالة التي كان عليها قبل صدور قرار مجلس الأمن رقم (661) في سنة 1990. وفي هذا السياق اكد القادة ضرورة الوصول مع الجانب الأمريكي إلى علاقة طويلة الأمد تستند إلى المصالح المشتركة، وتغطي مختلف المجالات بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الأمريكية وهو هدف يفترض تحقيقه خلال الفترة القصيرة الأمد.


ولا يمكن ان نتغافل عن الدور الذي تقوم به القوى المقاومة للاحتلال ودعوتها المستمرة الى انسحاب القوات الأمريكية أو جدولة انسحابها على اقل تقدير، واعتراف السفير الأمريكي الأسبق زلماي خليل زاد بوجود لقاءات مع عدد من قيادات المقاومة العراقية، وإصدار المكتب الصحفي لرئيس الجمهورية السيد جلال الطالباني يوم 11 نيسان 2006 بيانا جاء فيه ان الرئيس جلال الطالباني أكد بـ: (( إننا نحاول كسب العناصر المسلحة ونعمل على إقناعهم بأن ينضموا الى العملية السياسية)). كما ان الدكتور برهم صالح عضو التحالف الكردستاني ونائب رئيس الوزراء، صرح في 20 نيسان 2006:((ان الرئيس الطالباني مستمر في مباحثاته مع الجماعات المسلحة لضمها الى العملية السياسية)). وتأتي التصريحات العراقية والأمريكية تلك بعد تفاقم الأوضاع الأمنية، وتدهور الخدمات، وعجز قادة الأحزاب السياسية القائمة على إيجاد السبل للخروج من الأزمة.


إذا كان القرار الدولي رقم (1483) قد نص صراحة على دور الأمم المتحدة في مساعدة الشعب العراقي على تنظيم سلطته الوطنية، والقرار الدولي رقم (1546) ينهي رسميا الاحتلال الأمريكي بعد وضع جدول زمني لإجراء انتخابات الحكومة الانتقالية، فان على العراقيين اليوم صنع قراراتهم السياسية وفق مصلحة بلدهم الوطنية أولا ومستقبل أجيالهم القادمة ثانيا، وهذا لا يأتي إلا بوضع جدول زمني لانسحاب قوات الاحتلال، والاعتراف بشرعية المقاومة وضرورتها، والسعي المستمر لبناء الجيش الوطني، وإعادة صياغة الدستور، وحل الإشكالات المختلف عليها، ووضع فلسفة محددة للدولة تأخذ المصالح الوطنية العليا بنظر الاعتبار، ودعوة كل القوى العراقية الى مؤتمر للمصالحة، ووضع ميثاق شرف مشترك من جميع الأطراف يبنى على أساس مصلحة العراق وتقدمه أولا وأخيرا، وهذا بدون شك، يتطلب جملة من الاستحقاقات التي ينبغي ان يلتزم بها صانع القرار السياسي في العراق وفي مقدمة ذلك التأكيد على( فكرة المواطنة)، و(نبذ الطائفية)، و(الجرأة في مواجهة الفساد)، والاهم من كل ذلك ان يكون لها موقف واضح من( الوجود العسكري الأجنبي على ارض العراق وسمائه ومياهه) وحتى يشعر المواطن في العراق ان لديه فعلا حكومة وطنية، تشعر بشعوره، وتتحسس آلامه، وتسعى من اجل تحقيق آماله في الحياة الحرة الكريمة.


ونختم بحثنا هذا بالإشارة إلى موقف تاريخي للملك فيصل الأول (1921- 1933 ) باني كيان الدولة العراقية الحديثة التي هدمها المحتلون الأمريكيون اثر غزوهم للعراق وإسقاطهم النظام السابق في التاسع من نيسان 2003، وذلك عندما خاطب أول برلمان عراقي، وهو (المجلس التأسيسي العراقي) يوم 27 آذار 1924 موجها أنظار النواب ليس الى كيان العراق السياسي ومشاكله الداخلية والخارجية وإنما إلى الإسراع في اتخاذ قرار بإنهاء الاحتلال وكانت الوسلية آنذاك التصديق على المعاهدة العراقية البريطانية قائلا لهم: ((أنا لا أقول لكم اقبلوا المعاهدة أو ارفضوها إنما أقول لكم اعملوا ما ترونه الانفع لمصلحة البلاد..لا تتركوا فيصلا معلقا بين السماء والأرض بل أوجدوا لنا طريقا يحافظ على كيان بلدكم وكرامته وسيادته واستقلاله)). وهكذا كان على مجلس الحكم والحكومات التي جاءت بعده أو الجمعية الوطنية أو مجلس النواب أن يقدموا هدف التخلص من الاحتلال وانتقاص السيادة على كل هدف. فالاحتلال هو سبب المشاكل كلها، ولايمكن للعراق ان يعود الى ممارسة دوره العربي والإقليمي والدولي إلا بعد إنهاء الاحتلال. ويبدو ان الحكومة الحالية، ومجلس النواب، والقادة السياسيون المشاركون في العملية السياسية القائمة في العراق حاليا، قد انتبهوا الى ذلك مؤخرا، فقد بدأ الحديث عن إعادة السيادة للعراق، وإلغاء قرار مجلس الأمن (660) لعام 1990 الذي وضع العراق تحت البند السابع الذي يتيح التدخل الدولي عامة الاميركي خاصة بشؤون العراق الداخلية. وكذلك أخذت الدعوات تتصاعد في مجلس النواب بعدم التمديد للقوات متعددة الجنسيات، ودعوة الولايات المتحدة الاميركية للدخول في مفاوضات تنظم العلاقة مع العراق كدولة مستقلة تملك خياراتها بنفسها.


لقد وقع السيد نوري كامل المالكي، رئيس الوزراء الحالي مع الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش يوم 25 تشرين الثاني 2007 ما عرف بـ ((إعلان مبادئ حول علاقة الصداقة والتعاون طويلة الأمد بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الاميركية ))، ويتضمن هذا الإعلان (غير الملزم) مبادئ وتصورات حول مستقبل العلاقة بين الطرفين في العديد من القضايا السياسية والأمنية والعسكرية والدبلوماسية والثقافية والاقتصادية، وسيكون هذا الإعلان بمثابة إطار عام يمهد للمفاوضات مع الولايات المتحدة الاميركية التي ستبدأ مطلع سنة 2008 بهدف التوصل الى اتفاقية ثنائية تنظم العلاقة بين البلدين على ان يتم انجاز ذلك قبل 31 تموز 2008 حسب ماورد في الإعلان. وهنا لابد من التذكير بان سيادة العراق ستظل منقوصة، والتواجد العسكري الأجنبي سيبقى قائما مالم تعمل الحكومة والأطراف الوطنية والرأي العام العراقي على وضع حد لهذه العلاقة غير المتكافئة بين العراق والولايات المتحدة الاميركية، ويحتاج هذا السعي الى استحقاقات كثيرة لعل في مقدمتها إنهاء الوجود العسكري الأجنبي على أراضينا، واستكمال بناء القوات المسلحة وفق معايير وطنية ومهنية، وتحقيق المصالحة الوطنية، وإشراك الجميع في صنع القرارات ورسم التوجهات في القضايا الوطنية المهمة.






****


Structures of Making Political Decision In Iraq : Its Resources And Mechanism






By: Prof. Ibrahim khalil Al-Alaff


Prof .Dr. Head of Regional Studies Centre , Mosul University.


Abstract


Iraq has passed from 2003 till now through so many stages witnessing the emergence of structures and various adminstrative authorities.


The Study deals with these structures following up its role in making political decision and they


are : Coalition Provisional Authority, Governing Council ,Perminant Iraqi Government .


The study also talks about these structures after issuing the constitution and establishments representing Deputy council, Union council, presidency council , Ministers council , High Fedral court .


The study concludes with results and most important ones is that making political decision in Iraq is still facing confusion and mystery as well as multi sources and contradiction.
*الرجاء زيارة مدونة الدكتور ابراهيم العلاف ورابطها التالي :

http://wwwallafblogspotcom.blogspot.com/2010/02/1908-1995.html
**الصورة المرفقة تجمع عددا من سياسيي العراق وقادته 2003-2010

هناك تعليقان (2):

  1. حقا اتفائل عندما اجد مؤرخا منصفا ، يكتب عن العراق والعراقيين ، بأسلوب علمى وغير منحاز ومتطور ، فالدكتور العلاف ، ينطبق عليه كل مواصفات المؤرخ بكتاباته الشاملة ورؤياه الواقعية ، وفى الوقت الذى اتمنى ان يكثر امثاله ، ادعوا الله مخلصا ان يوفقه ويجعله ذخرا للعراق .

    ردحذف
  2. شكرا جزيلا للاستاذ الدكتور العلاف القامة العلمية التي نعتز بها

    ردحذف

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...