الأحد، 8 فبراير 2015

أعترف بأني:لا أعترف بالعشيرة والطائفة والأيديولوجيات بقلم : السيدة لطفية الدليمي

أعترف بأني:لا أعترف بالعشيرة والطائفة والأيديولوجيات
بقلم : السيدة لطفية الدليمي
لا أعترف بها جميعا ، لا أنتمي لطائفة ولا حزب ولا عشيرة ، عشيرتي الكلمات والزمن والمحبة، طائفتي العشاق و الموسيقى ،حزبي البساتين والأفق والمزن المباغتة ، كبّلني أبي بلقب أكرهه ، أمي ورطتني بالأنوثة وتعاليم النساء لاجترار الألم ، قيدوني بين المرايا والغيوم ودمغوني بالصمت :استأصلوا بعض حبال الصوت وأبقوا ما يكفي للبكاء وقول نعم ، صنعوا من الصبية هيئة مسخاً على شاكلة أهوائهم ، جاء جدّي فعلّمني المروق ، اختطفني منهم وألقى بي في قارب من كتب وأساطير وحكايات ، قالت لي الكتب : كوني أنت ولا تصدقي أحدا منهم ومنا ، انسي أمك وأباك وأسماءنا وامضي في طرق لا يستدلون فيها عليك ، فتعلمت ان أقيم في المخيلة فلا يسع أحد العثور علي ، انتشلتني قصصي من ورطتي بهم وبنفسي ، حررتني الحكايا من الأب والأم والعشيرة والصمت وألقت بي عند مفترق النجاة من خديعتي بالوصايا وبهجة الإفاقة منها ، و ها أنا أقف حرة على حطام قيودهم : بين قوس قزح النصوص ولسعة الحرية ..
لم أعترف بهم يوما : عشائر وطوائف وأحزابا ولطالما اعتبرني البعض من هؤلاء وأولئك من ضمن حشودهم ,حصروا اسمي بين قوسي الاستحواذ وحسبني مؤدلجون كثر على لائحة القطيع ،وكل ينسبني إلى هواه، وما كنت لأتحمل وطأة التلقين فكنت أحتكم للعقل والحدس و أتململ وجعا وأتساءل : ألا يمكن للمرء أن يكون حراً في هذه الدنيا الغاصبة المغتصبة ؟
كنت أتحايل على كل منظومة مفاهيمهم المحنطة وأنجو دوما من قسر الأدلجة وأفلت من أغلالها ، مستعذبة لذة غربتي واغترابي وعوزي وخروجي عن سراطهم الفولاذي ونصوص التكريس وتسييس الزمن وتطييف المعنى ..
لطالما أغرقوني باللوم والذم والهجاء لخروجي على تعاليم الجموع التي يفرضها مجتمع مرتبك بلا رؤية عقلانية و خاضع للقبيلة والطائفة والأيديولوجيا ولطالما واجهت العنت واختنقت خطواتي في حرير الفخاخ،غير أني مزقت الشرانق وحلقت طليقة في الأزمنة أقنص مايروق لي من الأفكار والحكايا وأكتب عن روح الإنسان المسروقة .
نقضت مألوف ما درج عليه الآخرون مما يعدونه سراطا للحياة وقشرت عن جسدي حراشف القبيلة و رمال الطائفة ونسيج العناكب السامة الذي يكبل الجميع بقانون المغالبة وانطلقت فرِحة أتعثر بالأعراف المتهاوية ونكساتي.
رسخت غربتي بين الغزاة وباعة الأكفان وثقافة الغلبة والتغالب ،منعتقة من كل ما حولي متشبثة بخلاص الروح التي تترحل في مدى عرفاني لا نهائي وأنا أحمل جعبة أخطائي وأحلامي وأهوائي وكلماتي وهي جل ما أملك من متاع الحياة.
ما ضَرّ الآخرين- لو كانوا قد مروا بحياتنا دون ان يقسرونا ويقولبوا حياتنا ؟ حينها كان لعالمنا أن يزدهر بملايين الحيوات الإنسانية الحرة الفاعلة .
يصف "لاوتسو" الأسلاف في إحدى قصائده الطاوية :
الأسلاف الذين عرفوا الحياة وفقا للطبيعة الحقة والكمال ، كانوا لطفاء ذوي مرونة، يصعب فهم غموضهم ... لم يتعجلوا لخوض جدول متجمد في بواكير الشتاء،
انزووا مترددين دون مباهاة إذ يغشاهم الخجل
كانوا مهذبين مع الجميع كأنهم في حضرة ضيوف الشرف
لم يفرضوا آراءهم على أحد، لم يتدخلوا في أمور العالم ، كانوا كالغرباء المسافرين..
بسطاء حميمين مثل شجرة بتولا ...متفهمين لا متحيزين،أضفوا الحنان على كل شيء، كنبع ماء منحدر من الأعالي .
فلماذا لا يشبه أسلافنا نبعاً أو ديمة مطر أو فيء شجرة نستظل به من وجع الزمان ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقدمات العلاف

   مقدمات العلاف خلال سنوات طويلة، تشرفتُ بكتابة مقدمات لكتب ، اصدرها كتاب ومؤرخون واساتذة اجلاء .. ومراكز بحثية رصينة صدرت تتعلق بموضوع...