الاثنين، 23 فبراير 2015

أم البزازين... بقلم: السيدة ميادة العسكري

أم البزازين...
بقلم: السيدة ميادة العسكري
بمناسبة عيد تأسيس جيشنا الاغر.. اهدي القراء جزء –قصير- من الفصل الاول من كتابي الجديد : (في حديقة الملك) الذي صدر مؤخرا باللغة العربية في بيروت.. وآمل ان يصل الكتاب الى العراق قريبا.. حيث ان حديقة الملك ما هي الا عراقنا .. اجمل حدائق الكون .. مهما طال بنا الزمن او تدهور بنا الحال.. العراق فينق ينهض من بعد كل ضيم ليصبح بمشيئة الرحمن الخالق الواحد اقوى واقوى.
بغداد والقداح و نوارس النهر وشارعنا المطل عليه.. أمور أكاد المسها بأطراف أصابعي كلما اشتد بي الحنين اليها.. هي التي لم تبارحني ولم ابارحها،وكأن فراقي عنها قبل ساعات!!.. هي الحاضرة في النفس دائما.. بغداد.. الهوية الاجمل.. والبيت الارحب..
اسير في درب الذكريات حتى أصل الى بيت ابي في العيواضية .. كانت حديقة الدار شاسعة، وكانت والدتي - التي لم تتعلم قط مهارة الطهي - تضيّف حفلات عشاء كبيرة كان يقام بعضها على مرج الحديقة الواسع، كانت تتمتع فطرياً بمهارات تنظيم الحفلات حيث كان العاملون في منزلها ،بدءًا من الطهاة وحتى الخدم الآخرين، يتلقون تعليماتها التي كانت تشبه الأوامر العسكرية بدقتها وصرامتها .. أما هم ،فقد دربتهم تلك السيدة الحديدية بمهارة فائقة تحسب لها،وان كانت طريقتها في التعامل معهم مختلفة عن الطريقة التي احب واحبذ
كان أعمامي وجدتي(ام والدي) يعيشون في منازل مجاورة لمنزلنا، سمّي الشارع الذي نسكن فيه باسم شارع العسكري على اسم جدي جعفر باشا العسكري. بالنسبة لي كانت حديقتنا في العيواضية تمثل الأمان وحضن العائلة الدافيء التي جعلت ذكريات طفولتي محفورة بعمق على جدران الذاكرة .. ولعل قصص تلك الطفولة لا تشبه شيئاً في هذا الكون غير النجوم الملتمعة في سماء الصحارى الشاسعة..
لم يكن العراق بلدًا مستقرا أبدا،دائمًا ما كان منزلنا يحفل بالضيوف ووجبات الغداء وحفلات العشاء وغيرها، مثل هذه المناسبات السعيدة كانت تتخللها الكثير من المناقشات السياسية .
انجبت عائلتي من جهة والدي رجلين تميزا في تاريخ العراق الحديث هما جدي جعفر العسكري الذي اسس الجيش العراقي وصار رئيسا للوزراء ،ونوري السعيد .. خال والدي الذي تولى منصب رئيس وزراء العراق طيلة 40 عامًا حتى استشهاده عام 1958.
جدي جعفر العسكري كان هو من اقترح أن يسمى الفوج العسكري العراقي الأول بأسم الامام موسى الكاظم عليه السلام، أحد أحفاد النبي محمد (صلى الله عليه واله سلم) والذي دفن في بغداد ويزور حضرته في مدينة الكاظمية في بغداد ملايين الزوار سنويا،وقد لاقت الفكرة إستحسان جرترود بيل، مستشارة المندوب السامي البريطاني آنذاك ووافقت عليها.
توفيق وهبي الذي كان ضابطًا في الجيش قد حكى لوالدي قصة عن الطريقة التي شرع بها جعفر العسكري في تشكيل الجيش،قال إنه قابل جعفر في منزل محمد فاضل باشا الداغستاني، وهو الجنرال العثماني الذي جمعت بين ابنه داوود وجعفر صداقة قوية.
يبدو أن جعفر كان مصرّا على أهمية بناء أساس جديد لجيش قوي عن طريق إرساء البنية الأساسية لإنشاء وحدة عسكرية للمشاة وسلاح للفرسان وسلاح للمدفعية يشمل وحدة مدفعية وقذائف هاون وصواريخ.
صورة تعود الى عام 1922 اي بعد عام واحد من تأسيس الجيش العراقي في 6 كانون ثاني 1921. الفريق ركن جعفر العسكري في الصف الاول ونراه جالسا بين ضابطين بريطانيين ربما من مستشاريه في الوزارة
تم عقد الاجتماع الرسمي الأول في السادس من كانون ثاني عام 1921 ولهذا السبب تم اعتبار هذا اليوم هو تاريخ تشكيل الجيش العراقي ويتم الاحتفال بهذا اليوم كل عام في العراق الى يومنا هذا.
عقد الاجتماع الذي ترأسه جعفر في قصر عبد القادر باشا الخضيري المطل على نهر دجلة من ناحية البوابة الشرقية،وما من حاجة لأن يُذكر أن المستشار البريطاني لوزارة الدفاع، الرائد إيدي، حضر الاجتماع بالإضافة إلى 12 مسؤولاً عسكريًا بارزاً ممن يتفاوتون في مراتبهم العسكرية، بدءًا من اللواء وحتى العقداء. كان جعفر جنرالاً في ذلك الوقت ولم يكن أكبر سنًا من الكثيرين ممن حضروا الاجتماع ذلك اليوم. ولكن رتبة جعفر العسكرية كانت أعلى من بقية زملائه بسبب خدمته في كل من الجيش العثماني والعربي، مما جعله يترقى إلى منصب الجنرال ويحظى بلقب الباشوية في الثلاثينيات من عمره وهو ليس بالامر المعتاد في البلاد العربية قاطبة..
كان جعفر يتمتع بروح الدعابة على نحو لا يصدق.ولذلك، كانت النكات التي يرويها عن ملابس الجيش والأسماء العربية للرتب العسكرية المختلفة سببا في الترويح عن الذين حضروا ذلك الاجتماع شديد الجدية، فضلا عن أن معظم الضباط كانوا معتادين على المصطلحات العسكرية التركية التي تعلموها في الجيش العثماني، إلا أن عددا منهم كانوا ضليعين باللغة العربية ، وهو الأمر الذي شكل حافزاً قوياً وفقا لما أشار إليه جعفر.
أشار وهبي الى الروح المعنوية العالية لجميع الحاضرين الذين كانوا حريصين على أن يمنحوا الدولة التي تم تأسيسها حديثا جيشاً قوياً بارعاً ليتولى مهام حماية شعبها والمحافظة على الأمن والاستقرار فيها.
استمرت وزارة الدفاع الجديدة في إتخاذ قصر الخضيري مقرا لها لفترة من الوقت، ثم إنتقلت لاحقا إلى مبنى جديد في القشلة يدعى دار المشيرية،وبعد تغيير عدة مبانٍ لوزارة الدفاع ، أطلق جعفر العديد من النكات، مقارناً موقفهم بموقف القطة الأم التي أنجبت حديثا حيث تبحث عن مكان جديد لصغارها كل أسبوع، وصار يطلق على حالهم تسمية "ام البزازين".
اما مبنى دار المشيرية فقد أصبح قصراً للملك فيصل الأول بعد تتويجه ملكاً فيما بعد قبل انتقاله الى قصر شعشوع..
بعد ذلك إنتقلت وزارة الدفاع إلى مبنى يدعى الرديف، وفي نيسان عام 1922 أنشأت الوزارة أخيرًا مقرًا لها في القلعة (الحصن) التي جرى تجديدها حيث ظلت هناك لسنوات عديدة لاحقة.
كان جعفر رجلاً محبوباً؛ كتبت جرترود بل التي أطلقت على أرض النهرين (بلاد الرافدين) الاسم الحالي للعراق أن جعفر "كان رجلاً يتصف بالذكاء والمرح والاستقامة". وأضافت أنه كان "جندياً بارعاً".
كان جعفر طاهياً بارعا أيضاً.. فقد أخبرني المرحوم محمد الطريحي وهو أحد رجال الجيش الذين كانوا يخدمون تحت قيادة جعفر العسكري الذي اصبح اول وزير مفوض الى بريطانيا وافتتح السفارة العراقية في لندن، أن جعفر كان يحب ان يحضّر "تشريب الباجلة"، او ما يعرف بثريد الباقلاء، في وجبة الإفطار ويدعو الجميع ليستهلوا يومهم بهذا الطعام.
أخبرني الطريحي ايضا أن جعفر كان يصر على أن ينضم العاملون في السفارة من الفراشين الى مستشاريه كافة الى طاولة الفطور تلك لانه كان يعتقد صادقا ان كثرة الايدي على القصعة تزيد في بركتها وان لا فرق بين زيد وعبيد في هذا الكون الا بالتقوى..
اما "تشريب اللحم"، فكان من الاطباق التي كان جعفر يعدها لطاقم السفارة بعناية كبيرة .. كان يحب تجميع الناس و"اللمة" على حد تعبير العراقيين ..ويتكون الطبق بصورة أساسية من الخبز المغمور في مرقة اللحم الخفيفة الحامضة نتيجة لاضافة (نومي البصرة) إليه.
سألت الطريحي عن كيفية حصول جدي على تنور الخبز بينما كان موجوداً في لندن فالناس في ثلاثينات القرن الماضي لم يكونوا قد تعارفوا على اطعمة البلدان الاخرى كما يحصل اليوم نتيجة للامتزاج الثقافي واللجوء السياسي والانساني ،قال الطريحي ان احد الطهاة في السفارة ،وكان عراقياً،وهو الذي قام بترتيب امر بناء تنور لاعداد الخبز العراقي..
معظم العرب يحبون تناول الخبز أثناء تناول طعامهم. وثمة إحدى القصص التي تدور حول الخبز ترجع إلى زمان جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والذي لقب بإسم هاشم. كان هذا الرجل الطيب فخوراً جدا بإمتلاكه قطيعاً من الجمال وأنواع أخر من الماشية، الأمر الذي جعله رجلاً ثرياً للغاية،وأثناء إحدى المجاعات التي ألمت بشبه الجزيرة العربية، كان الناس يتضورون جوعًا في الحجاز، قرر جد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يسد جوع الناس ويطعمهم أي شيء حتى يجدوا طريقة لحل مشكلتهم الاقتصادية.
ولذلك حصل على القمح وأمر بصنع الخبز منه ثم قام بتهشيم الخبز في أطباق كبيرة من حساء اللحم من أجل أن يتناولها الناس. ونتيجة لعملية تهشيم الخبز، سمي جد الرسول بالهاشم .. كدلالة على كرمه وطيبة نفسه..
اما خال والدي نوري السعيد، فكان أسطورة عراقية بحق..
كان جعفر ونوري صديقين حميمين ازدادت صداقتهما حميمية بعدما تزوج جعفر شقيقة نوري وتزوج نوري شقيقة جعفر،في العراق يطلق على هذه الزيجات اسم "كَصة بكَصة ".
كان كل من جعفر ونوري قد شاركا في الثورة العربية الكبرى التي طردت العثمانيين من منطقة شبه الجزيرة العربية والهلال الخصيب (سوريا الكبرى وفلسطين والأردن) والعراق. وفي الوقت الذي كان فيه جعفر الجنرال العسكري الذي قاد الجيش العربي برفقة لورنس العرب، كان نوري السعيد رئيس أركان هذا الجيش.
كلا الرجلين قد ذهبا إلى سوريا برفقة الملك فيصل الأول عندما تأسست الدولة العربية في سوريا وخدما كقائدين في الجيش، وكلاهما توجه إلى العراق لكي يجمعا أكبر عدد ممكن من توقيعات شيوخ العشائر العراقية لاختيار فيصل الاول ملكا على عرش العراق.
كلمة "بيبي" في العراق تعني جدة، وتتمثل هذه الكلمة بالنسبة لي بجدتي ام والدي التي توفيت عام 1973.
كانت (بيبي أم طارق) شخصية فريدة من نوعها.. لم تكن بالسيدة المستبدة وإنما كانت أرملة تقوم على تربية ورعاية أربعة أولاد بعد اغتيال جدي جعفر في انقلاب للإطاحة بالملك غازي الأول في عام 1936،وبعد ان فقدت زوجها .. فقدت شقيقها نوري السعيد في الثورة العراقية عام 1958،هذه الثورة التي حوّلت العراق من مملكة الى جمهورية.
في الرابع عشر من يوليو عام 1958 استدعت جدتي سائقها لكي يقلها في زيارة إلى منزل إحدى صديقاتها،لم تكن فخرية السعيد تعلم ان الدنيا خارج منزلها قد انقلبت راساً على عقب،لم تكن قد استمعت الى المذياع والبيانات التي كان يذيعها عبد السلام عارف .. ولم تكن تدري أن الشهيد الملك فيصل الثاني قتل هو وسائر العائلة المالكة الهاشمية في مذبحة رهيبة.
لم تكن تدري أيضًا أن شقيقها نوري كان مطلوب للقتل ايضا .. ولهذه الاسباب ذهلت فخرية السعيد حينما أوقف الحراس الموجودون خارج منزلها سيارتها وطلبوا من السائق أن يتبع سيارة الجيب العسكرية الخاصة بهم إلى مبنى وزارة الدفاع ذاته الذي أسسه زوجها الراحل منذ سنوات مضت.
كان عبد السلام عارف، وهو أحد ضباط الجيش الذين قادوا الثورة، هو من أصدر أمراً بالقبض على جدتي التي تم التحفظ عليها في إحدى غرف الوزارة التي كانت تجاور الغرفة التي كان يذيع منها عارف بيانات الثورة..
من وقت لآخر، كان عارف يدخل إلى الغرفة التي كانت جدتي فخرية قد احتجزت فيها ليسألها عن المكان الذي يختبىء فيه نوري .. لم تكن جدتي تعرف مكان اخيها .. والذي قتل في اليوم التالي .. وتم إطلاق سراح جدتي بعد ذلك بوقت قصير.
لقد كانت هذه السيدة العراقية جبلاً من الجلد والصبر فعلا..
كان جدي جعفر قد اشترى قطعة أرض في العيواضية مطلة على نهر دجلة في بداية الثلاثينات من القرن العشرين، وهناك بنى داراً له وسمي الشارع باسمه لمدة طويلة للغاية، ولا تزال ذكرياتي عن هذا الشارع نابضة بالحياة ولكنني لم أكن أبداً لأكتب وصفاً لهذا الشارع مثل ذلك الذي كتبته الدكتورة هالة فتاح في مقال لها جاء فيه:
("شارع العسكري" ذلك كان اسم الشارع الذي عشت فيه في بغداد خمسينيات القرن العشرين. وهو لا يزال اسمًا أربطه بنسيم النهر في بداية الشتاء. وأتذكر بغداد آنذاك وهي في خيالي لا تزال كما كانت مدينة شديدة الحرارة صيفا ذات جو ترابي مكتظة بالباصات حمراء اللون ذات الطابقين والحمالين الأكراد الذين يحملون أحمالاً ثقيلة للغاية فوق ظهورهم والصيادين الذين ينشرون شباكهم على صفحة نهر دجلة والعربات التي تجرها الخيول وهي تحمل نساء محجبات يجلسن بعباءاتهن السوداء في الوقت الذي يشق "العربنجي" فيه طريقه في أنحاء المدينة.
"وكان شارع العسكري قد سمي باسم بطل وطني عظيم يدعى جعفر باشا العسكري وهو أول وزير للدفاع لدولة العراق وصهر الرجل العراقي القوي نوري باشا السعيد. وكان اثنان من أبنائه يعيشان في منازل مجاورة لمنزل والدي ومنزل جدي، وكان أبناؤهما من أفضل أصدقائي. لقد كنا نشكل جماعة من راكبي الدراجات التي تطوف أرجاء الشارع ذهاباً وإياباً وتسبب الضوضاء للعمال الذين كانوا يجلسون القرفصاء أسفل أشجار النخيل محتمين بها من حرارة أشعة شمس الظهيرة.
كنا أطفالاً ذوي بشرة بيضاء وشعر اشقر نرتدي بنطلونات قصيرة في الوقت الذي كان فيه الجميع غيرنا يرتدون العباءة السوداء أو الثوب الرمادي. كان لدي أنا وشقيقتي سيوف خشبية صنعها لنا النجار في مصنع جدي، وكنا نشترك مع عمر ووليد وفيصل من الجيل الثالث من عائلة العسكري في معارك وهمية حيث كنا نجوب الشارع ذهابا وإيابا ونحن نتبارز بهذه السيوف..
يقع شارع العسكري على نهر ذي لون ازرق طيني ، وقد كان مورداً مائياً دائم التغير. ولما كان نهر دجلة يتصف عادةً بالهدوء فكانت مياهه تحمل العديد من المراكب والقوارب الشراعية من كل الأنواع والاصناف.. وكانت المراكب الأكثر انتشارًا هي (القفة) دائرية الشكل والمصنوعة من جلود الحيوانات والتي كانت تحمل كل شيء بدءاً من الماشية وحتى البطيخ.
وكانت هذه القوارب تشق طريقها في النهر بمسار متعرج متجهة بسرعة نحو أحد جسور بغداد، وكان حشد كامل من هذه القوارب ليبدو مثل أشكال دائرية كبيرة الحجم. وكنا نندفع أحيانًا في الصباح الباكر إلى شرفة حديقة جدي المطلة على النهر لنشاهد جاموساً مائياُ نافقاً يطفو فوق سطح النهر وأقدامه عالقة في الهواء. وكنا نصيح بأعلى صوت: فطيسة .. فطيسة .. ونحن نقفز وكأننا عثرنا على كنز. حسنا كنا نصيح ونحن نستخدم التعبير العراقي الذي يعني (جاموس مائي نافق) ".
الدكتورة هالة فتاح متخصصة بتاريخ الشرق الأوسط الحديث من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس. كما ألقت محاضرات في جامعة جورج تاون وجامعة الأردن.
كان لدينا طاهيان في المنزل وكان أحدهما يقسم وقته ما بين مطبخ جدتي ومطبخنا. كان جمال طاهياً من أصل مصري، وكانت عائلته قد هاجرت إلى العراق "منذ مليون سنة" حسبما كان يحب أن يخبرنا نحن الأطفال، ولذا تبددت الأصول التي تربطه ببلده الأصلي حيث كان يعتبر نفسه عراقيا من الدرجة الاولى..
البرياني الذي كان يجيده جمال الطباخ عبارة عن كلمة أوردية فارسية مأخوذة من الهند. وتم تعديل طريقة إعداد الرز الخاص بهذه الوصفة بالكامل،لذلك نجد ان الكثير من العراقيين يعتبرون هذا الطبق عراقي الأصل. وفيه يكون الرز حاراًولكن ليس على نحو لا يحتمل.
لدينا في العراق توابل جاهزة خاصة بطبق البرياني. ومع ذلك تعلمت من أحد تجار التوابل في البصرة في عام 1988 أن المرء يمكنه أن يضع كميات معينة من البهارات الخاصة بالبرياني حسب الذوق الشخصي وبالتالي يمكننا تقليل النكهة الحارة اللاذعة او زيادتها.
كان جمال يجيد عمل (البتيتة جاب) او كبة البطاطا.. وهي كبة عراقية اخترعتها الحاجة ومعرفة ان البطاطا لا تتوفر في كل المواسم ..
كانت تعينني في المنزل بعد زواجي سيدة عراقية اسمها ام عزيز.. وام عزيز رحمها الله كانت من العمارة (جنوبيّ العراق)، وكانت قد أخبرتني أن عائلتها لم تعرف البطاطا إلا بعد أن انتقلت إلى بغداد في عام 1958 بعد ثورة الرابع عشر من تموز. وقالت إنهم اعتادوا على أن يطلقوا عليها اسم (المدهربة) كناية على استدارة البطاطا وامكانية تدحرجها على الارض، وعن اول معرفتها بالبطاطا قالت أن زوجها ابو عزيز والذي كان يعمل شرطياً قد عاد إلى منزله في إحدى الليالي وهو يحمل كيساً ورقياً مصنوعاً من ورق الصحف وبداخله كمية من البطاطا المطهوة والتي اشتراها من أحد البائعين الجوالين. أكلت أم عزيز البطاطا المسلوقة المملحة وكذلك فعل ابناها. وحينما علمت أن ما تناولته لم يكن شيئًا سوى تلك الثمار المستديرة المثيرة للريبة، أصابها الذعر الشديد خشية أن يصيب المرض طفليها.. ولكن سرعان ما اصبحت البطاطا زائرا دائما في منزل هذه المرأة الجنوبية التي تعلمت منها الكثير عن جنوب وطني – العراق- بلهجته الدافئة وناسه الطيبين..
اما اكثر الاطباق التي كان جمال الطباخ يحب طهيها كلما جاء موسمها فهي (التمن باجلة) أو رز الباقلاء ..وهو يدندن
كوكوختي.. وين اختي
بالحلة..
تاكل باجلا
وتشرب ماي الله
وكلما استمعت الى هذه المقطوعة شعرت بشيء من الحيرة.. فكم هو محزن ان يسأل احدنا الحمامة عن مكان وجود شقيقته.. الا ان القصص الحزينة في وطني كثيرة
.......................................................................................
*شكرا للصديق الاستاذ فاروق احمد سعد الدين زيادة على ارساله المادة ورأيت المادة منشورة في http://iraqtdy.blogspot.com/2014/01/blog-post_8995.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 ...............أ.د إبراهيم خليل العلاف

                                                            الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 أ....