الجمعة، 27 ديسمبر 2013

بواكير العلاقات التجارية بين العراق وتركيا في العشرينيات من القرن العشرين بقلم الدكتور علي حمزة عباس الصوفي

            

 بواكير العلاقات التجارية بين العراق وتركيا في العشرينيات من القرن العشرين 
د.  علي حمزة عباس الصوفي
أخذت  العلاقات العراقية التركية بعد معاهدة لوزان، تدخل تدريجيا في طور ودي  وطبيعي ، اثر زوال الخلاف حول الموصل بعد قرار عصية الأمم عام 1925م،  بعائدية الموصل للعراق ، وقبلت تركيا القرار بعد عام من صدوره.وإرضاء لها  لم يرد ذكرما لاستقلال الأكراد أو حكمهم الذاتي ،

 وكذاك عدم السماح للاثوريين المبعدين منها أثناء الحرب العالمية الأولى بالعودة إلى مواطنهم في تركيا  .
 وكانت تركيا من أوائل الدول الاقليمية التي أعلنت اعترافها الرسمي بالعراق في عام 1927م ،بعد زوال الخلافات الحدودية بينهما وتوقيع معاهدة الحدود الثلاثية وحسن الحوار بين العراق وتركيا وبريطانيا عام 1926م وكانت الحدود المشتركة بين العراق وتركيا البالغة نحو ( 389) كيلو مترا ،قد تحددت بموجب معاهدة 5 حزيران 1926م في أنقرة) وثبتت من عصبة الأمم عام 1927م بلجنة مؤلفة من العراقيين والأتراك والبريطانيين، وهي تبدأ من مصب رافد الخابور بنهر دجلة شمال قرية فيشخابور امتدادا من وسط الخابور إلى ملتقاه برافد الهيزل غرب زاخو، تاركة الضفة الشمالية لتركيا والضفة الجنوبية للعراق .
جرت مناقشات بعد تثبيت الحدود بين الجانبين حول الأمن الحدودي وقضايا التجارة وتنظيم الترانسيت وتجـارة الحـدود ومكافحة التهريب، فضـلا عن استخدام الميـاه المشتركة ومن الثـابت أن العلاقات العراقية ـ التركية كانت هي الأفضل بين تركيا وجارتها الأخرى ، وفي الواقع فان الأتراك يكنون احترما خاصا للعراق ويعدونه الجسر أو البوابة الرئيسة لمد علاقاتهم مع الأقطار العربية الأخرى  .
شهدت تجارة العراق بشكل عام تقدما ملحوظا ، وغدت العاصمة بغداد تشكل القلب التجاري للعراق ، حيث تستورد احتياجات العراق الرئيسية من السلع والبضائع الأجنبية وتصدر عن طريقها معظم صادرات الألوية العراقية .فيما اختصت الموصل بتصدير الحبوب والمواشي والحيوانات الأخرى التي تلقى روجا في البلاد المجاورة ،أما المنتجات الحيوانية من الأصواف والجلود والمصارين فكان لها أسواقا خارجية ثابتة في أنحاء أوربا والولايات المتحدة الأمريكية بينما اختصت البصرة بتمورها ومينائها الذي يربط العراق بالتجارة الدولية ( ما وراء البحار ) ، وكان تجار الموصل يتزودون عبر اتصالاتهم مع تجار البصرة بالمعلومات التفصيلية عن حركة الأسواق العالمية فيما وراء البحار ،ولاسيما حول أسعار الأصواف والجلود .
ولم يكن انطلاق النشاط التجاري بين العراق وتركيا ، سمة هذه الحقبة ، فالعراق وتركيا دولتان فتيتان ، فالأول ما يزال تحت سلطة الانتداب البريطـاني ، والثـانية تتخبط في هاجس الدول الشرقية والغربية ومحكومة في ظل توجهات اتاتورك . ولكن يمكن القول أن انفراج مشكلة الموصل بين البلدين اسهم في بناء اللبنة الأولى لانطلاق النشاط التجاري مجددا .دخلت العلاقات العراقية ـ التركية طورا جديدا من الود والولاء منذ معاهدة عام 1926م ، فقد صدرت الإرادة الملكية بتعيين ( صبيح بك نشأت ) مندوب الحكومة العراقية لدى شركة النفط ، ممثلا سياسيا للعراق في أنقرة ، وسبقت الحكومة التركية هذه الإرادة ، حيث أوفدت إلى بغداد (طلعت بك قايا) بصفته قنصلاً عاماً لها ، وباشر مهام أعماله في 22 تشرين الثاني 1927م  .
شرع المسؤولون العراقيون في بحث الحالة التجارية مع تركيا وسبل تطويرها ، لاسيما غرفة تجارة الموصل في جلستها المنعقدة في 20/12 /1926م ، فقد نظمت الغرفة تقريراً رفعته إلى وزارة المالية مرفقاً بجدولين يضمان اقيام الصادرات والواردات المختلفة من تركيا واليها قبل الحرب العالمية الأولى وما بعدها ، مبنية وموضحة بالأدلة والأرقام النقص الكبير والتراجع الذي طرأ على الحركة التجارية مع تركيا ، وقد نوه عن هذا التقرير المندوب السامي البريطاني في العراق ، عند تقديمه التقرير المرفوع إلى عصبة الأمم عن أحوال الإدارة في العراق لعام 1927م .
وطلبت الفرقة من وزارة المالية اتخاذ التدابير التالية لتحسين وتنشيط العلاقات التجارية بين العراق وتركيا ،وإعادتها إلى سابق عهدها ومنها :
1.تأسيس مواصلات برقية وبريدية بين البلدين
2.إيصال السكك الحديدية انطلاقا من كركوك إلى نهاية الحدود العراقية التركية ، وربط خط بغداد الكبير بخط نصيبين مع الشرقاط ، وهذه المسالة معلقة لحين حسم ملكية السكك الحديدية بين الحكومة العراقية وبريطانيا .
3.إصلاح طرق السيارات ريثما يتم تسوية مشكلة الخطوط الحديدية .
4.فتح معاملات الترانسيت للصادرات والواردات حرة أمام التجار ، لما ينجم من الفوائد الجمة بمرور السلع والأموال من العراق .
5.فتح تجارة الترانسيت مع تركيا وبقية الدول المجاورة ، وتأسيس قسم في الموصل مع وجوب التأشير على البيانات عند آخر نقطة من الحدود العراقية التركية ، لتسهيل استيفاء الرسوم واستخلاص الكفالات .
6.الكشف عن الأموال الواردة بالرزم البريدية إلى العراق ، وإجراء ترسيمها في الموصل ، وقد أجابت دائرة الكمارك على هذا الطلب وقامت بتطبيقه منذ 12 آب 1928م.
7.ضرورة الإسراع بعقد اتفاقية كمركية مع تركيا مع وضع أسس ثابته للرسوم التي يتقاضاها الجانبان .
8.استردا د الرسوم الكمركية عن المواد الخام التي ترد من تركيا وغيرها من الدول ، بعد صنعها وتحضيرها في الموصل عند تصديرها إلى تركيا وسواها .
9.استرجاع رسوم الكمارك المفروضة على السلع المستوردة من أوربا والهند وأمريكا عند تصديرها إلى البلاد الأجنبية .
10.إصدار القرارات الفاعلة لدوائر الكمارك بوجوب التساهل مع التجار بالقدر المستطاع.
تـرك انقطاع الصلات السياسية بين العراق وتركيا قبل معاهدة عام 1926م الحدودية ، آثاراً اقتصادية سلبية على شمال العراق وشرق وجنوب شرق بلاد الأناضول (شرق تركيا) ، فقد كانت الأخيرة تصدر بضائعها من أصواف وجلود وأثمار وبقول يابسة وكثيراء وعفص وغير ذلك إلى أوربا والهند واليابان ، عن طريق العراق الذي كانت أسواقه حافلة بالحاصلات والبضائع التركية ، وكذاك البصرة كانت ميناء طبيعيا لولايات الأناضول الشرقية ،تستورد عن طريقه أهم ما تحتاج  إليه من الأقمشة والأدوات والالآت ، بينما كانت الموصل ملتقى الطرق ومحط القوافل التجارية بين البلدين.
ولاحتدام التوتر بين العراق وتركيا حول مشكلة الموصل أقيمت الحواجز المانعة من الطرفين التي حالت دون عودة العلاقات إلى طبيعتها ، وكادت الأناضول تختنق بحاصلاتها ، وقد أثبتت هذه القطيعة أن الأتراك مهما بالغوا في مد السكك الحديدية ومهما حالوا في تحويل وجهة تجارة الأناضول من الموصل والبصرة إلى ميناء طرابزون ( شمال تركيا على ساحل البحر الأسود )، فلم يتمكنوا من بلوغ أهدافهم الاقتصادية ، فان الطبيعية لم تقاوم اتجاه التجارة التركية إلى الهند واليابان وأوربا مباشرةً ، إلا إذا كان بطريق البصرة التي هو اقصر الطرق المؤدية بين الشرقين الأدنى والأقصى ، لذلك ما كادت لجنة الحدود أن تنجز تخطيط التخوم بين البلدين ، حتى تدفقت على أسواق الموصل الحاصلات التركية ، واندفع التجار العراقيون إلى الأناضول ببضائعهم التي لا يستغني عنها سكان شرقي الأناضول .
كما اسهم تدهور النقل والمواصلات بين البلدين في جفاء التبادل التجاري ، حيث كان لانعزال الموصل عن الأوساط التجارية العالمية والبلاد المجاورة وحتى المدن العراقية دور كبيـر في ذلك ، فقد أشـارت تقارير غرفة تجارة الموصل لهذه المسالة مرات عديدة ، وقدمت المقترحات لمعالجتها ، وقد نوه فريق من تجار الموصل ذوي العلاقة بتركية من الصعوبات التي يلاقونها من عدم وجود مستودع للكمرك في (( شريعة القلعة)) ، لوضع أموالهم التجارية المستوردة من تركية ، مما كان يلحق تلك الأموال بالأضرار من جراء الرطوبة والأمطار لحين نقلها إلى دوائر الكمارك والمكوس المركزية ، فضلاً عن مصاريف النقل الباهضة لهذه الأموال ، كما أن إسهام الحكومة العراقية في وضع عدد من العراقيل والموانع أمام التجار العراقيين، لتحول دون دخولهم إلى بلادها الشرقية ، مما حدا بفرقة تجـارة الموصل التدخـل في الامر والاتصال بالجانب التركي لتسهيل مرور التجار العراقيين .
على الرغم من ذلك فان الاعتبارات كثيرة في رغبة البلدين لإنعاش النشاط التجاري بينهما ، فلم يقتصر نشاط الحكومتان على إنشاء الطرق المعبدة ، وإزالة معوقات التجارة ، بل اتخذت مناحي أخرى ، فالعراق اتصل بريدياً لأول مرة عبر المراسلات البرقية مع تركية ، بينما المفاوضات جارية مع المسؤولين العراقيين والأتراك من جهة ، وإحدى الشركات البريطانية من جهة أخرى، لإنشاء خط جوي بين استانبول وبغداد ، بما يحقق ازدهار حركة السياحة والتجارة بينهما ، فضلاً عن مشروع آخر لتوسيع شبكة سكك الحديد ، يخدم تلك الحركة في إيصال خط بغداد الموصل الحديدي بخط نصيبين ,
سارت السياسة الخارجية لتركيا ، وفق مبادئ وخطط غربية ترمي إلى التفاهم مع دول المشرق والمغرب ، وحل المشاكل والخلافات ، وتوطيد العلاقات معها ، لتتفرغ للإصلاح الداخلي وتثبيت أركان تركيا الحديثة ، والمستوحاة من شعار اتاتورك ((سلام في الوطن سلام في العالم )).
وكان من المضامين والأهداف الإصلاحية، تثبيت كيان تركيا الاقتصادي ، وجعلها بلداً صناعياً ، وخلق روح العمل والابتكار في النفوس ، لذا كانت النهضة الإصلاحية شاملة ، لكل مرافق الحياة وبأقل وقت ممكن ، ولتحقيق ذلك وضعت أسس لخطط تعاونية من قبل الوزارات المختلفة ، وقررت الحكومة التركية اتباعها وهي :
1.الاحتفاظ بتوازن الميزانية العامة للدولة.
2.الحصول على وفر في الميزان التجاري .
3.إنجاز التزامات الحكومة ووعودها بلا قيد أو شـرط ، ودفعها لتعهداتها والتزاماتها.
4.إزالة كل العوامل التي تضعف الثقة في الاعتماد على العملة التركية .
5.المحافظة على المواثيق وتثبيت المشاريع التجارية التركية .
6.تحويل الدوائر الحكومية إلى مؤسسات تجارية تساعد المشاريع الفردية وتراعي المصلحة العامة.
يُعَّد عام 1927م ، بداية التنمية الاقتصادية الحقيقية في تركيا ، فقد شكل قانون تشجيع الصناعة الصادر في 28 آبار عام 1927م بؤرة التشريع الصناعي ، فضلاً عن الاهتمام الكبير في مجال زراعة الحبوب ، ومع حلول عام 1930م ، اصبح بمقدور تركيا أن تستغني عن استيراد القمح ، وغدت مصدرة للحبوب لمعظم الأعوام المقبلة ، وذلك بفضل التحسينات التي ادخلها الاحتكار الحكومي في قطاعي الزراعة والصناعة ، فقد وصل إنتاج التبغ في عام 1927م إلى (70) ألف طن.
أما في قطاع التجارة ، فقد شكلت الحكومة التركية مجلساً خاصاً للشؤون الاقتصادية سمي بـ ( المجلس الاقتصادي الأعلى ) ، وضمت إليه كبار الاقتصاديين ومهمته البحث في كل ما يختص في هذه الشؤون، وافتتح المجلس نشاطه برئاسة رئيس الوزراء عصمت اينونو ، وبدا أعماله وشكلت لجانه ، فقد وضعت لجان الشؤون الكمركية المبادئ التي تقوم عليها التعريفة الكمركية الجديدة التي قررت الحكومة تطبيقها بعد انتهاء القيود الكمركية ، التي وضعتها معاهدة لوزان على تركيا ، وهي ترمي إلى حماية الإنتاج الزراعي والصناعي من المزاحمة الأجنبية ، وتوجيه السياسة الكمركية في إنعاش الاقتصاد التركي ، وفي عام 1929م انتهت تلك القيود ، لذا أصدرت الحكومة التركية تشريعات جديدة بشأن الضرائب الكمركية والباهضة على السلع المستوردة لضمان أهدافها الاقتصادية ، فأخضعت تجارتها الخارجية لمبدأ التعامل بالمثل ، وذلك يمنح الدول المتاجرة معها ذات التسهيلات التي تمنحها لبضائعها المصدرة ، وقد سجلت التجارة الخارجية لتركيا تحسناً ملحوظاً بعد عام 1929م، إذ سيطرت على تدفق البضائع والمواد المستوردة من الخارج أسهمت التشريعات الكمركية في فتور العلاقات التجارية بين العراق وتركيا ، إذ منعت تركيا دخول التمور العراقية إلى أراضيها ، وذلك لحماية منتجاتها الزراعية ، اثر التشابه الكبير بين السلع والمنتجات الزراعية بين البلدين ، وخاصة الفواكه المجففة التي تنتجها تركيا ولا سيما التين  ، فقد كان العراق يصدر إلى تركيا كميات كبيرة من التمور ، لكنها بدأت بالهبوط بعد عام 1928-1929م تدهورت تجارة التمور العراقية كثيراً ، جراء فرض الحكومة التركية في عام 1929م رسماً كمركياً باهضاً قدره (24) ليرة تركية عن كل (100) كيلو من التمور ، أي : ما يساوي (40 فلسـاً عن كل كيلو غرام ) على ما يرد إلى بلادها من هذا المنتوج ، وقد فاوضت الحكومة العـراقية الحكومة التركية حول تخفيض الرسم الكمركي على أهم صادرات العراق  .
حرصت الحكومة العراقيـة على تنشيط العلاقات التجارية مع تركيـا ، ففي افتتاح البرلمان العراقي في 16تموز 1925م ، أشار الملك فيصـل الأول في خطابـه عن علاقات العراق مع الدول المجـاورة قائلا : ((  لم تأل حكومتنـا جهدا في توسيـع نطـاق التمثيل الخارجي ، لما في ذلك تعزيز مركزنا السياسي ، وتوثيق الروابط الودية مـع الدول الأجنبية وحفظ مصالح العراقيين في بلادنا … وأشار إلى تركيا بعد تبادل الممثليين الدبلوسبين … فازدادت العلاقـات بيـن الدولتين  تحسناً أوجب المسرة والاغتباط )) .
 ولم تقف جهود الحكومة العراقية عن دراسة ومعالجة جوانب التنمية في السياسة التجارية وتشجيع الإنتاج الوطني ، إن حمـاية الزراعـة والصناعة لـم توضع موضع التنفيذ  ، إلا عند تطبيق قانون تعريفه الرسوم الكمركية رقم (30) لعـام 1927م ، وتعديـلاته في عام 1930م ، كما مثل هذا القانون نقطة تحول في السياسـة التجاريـة العراقية ، والتي ارتكزت على تشجيع المستوردات من البضائع الإنتاجية عن طريـق خفض رسوم الاستيراد المفروضة عليها ، وعلى تقليـص المستوردات غير الضروريـة للبضائع الاستهلاكية عن طريق رفع رسوم الاستيراد عليهـا  . أما رسوم الصادرات فقد خضعت لفئة رسوم مقدارها ( 1%) مع استثناء الصادرات الرئيسية التالية :
1.التمور : فقد لحقتها فئة (3%) ، إذ استغل تصدير التمور لتحقيق مورد مالي كبير للدولة
2.الحنطة والشعير والرز : أعفيت من رسوم التصدير إطلاقا ، استنادا لتصدير هذه     المحاصيل أثناء الأزمة الاقتصادية العالمية 1929ـ1933م .
3.الخيول والمصارين : أخضعت لرسوم مركبة ، لصعوبة تثمين الأولى ، وإخضاع الثانية لرسوم الإنتاج  .
إن ميـل الميـزان التجاري ضـد مصلحة العـراق يبـدو واضحـا مع معظـم دول العـالم منها تركيـا ( ينظر ملحق رقم 4) ، بينما ميله مع مصلحة العـراق كـان مع دول معينة ، ويبدو أن عناصر العجز في الميزان التجاري للعراق قد نشأ نتيجة المتاجرة مع بعض الدول الصناعية المتقدمة ، يقابلها تاخر الصناعة المحلية العراقيـة ، وكـذلك المتاجرة مع الدول الزراعية ويقابلها أيضا العجز في بعض فـروع الإنتاج الزراعي للعـراق .أما بقية الميـزان التجاري فقاصرة على عـدد يسـير من الدول الزراعية ، وعلى الولايات المتحدة الأمـريكية ،وبسبب رئيسي هو انفـراد العراق بأكبر قسط من إنتاج التمور في العـالم.
رغم السلبية الواضحة في العلاقات التجارية بين العراق وتركيا ، إلا أنها افضل مما كانت عليه قبل تسوية مشكلة الموصل ، إذ اصبح بإمكان تجار العراق بموجب الوضع الجديد ممارسـة نشـاطاتهم التجاريـة بكامل الحريـة مـع الجانب التركـي ، بشروط قيـام الحكومـة العراقيـة تقـديـم التسهيلات اللازمة لتجار المدن التركية الواقعة قرب الحدود الفاصلة  بين العراق وتركيا ، فضلا عن الاستفادة من طريق الموصل التجاري في تصدير حاصلاتهم وبضائعهم إلى الخارج ، واستيراد احتياجاتهم الضرورية من السلع والبضائع المحلية المستوردة عبر الأسواق العراقية  .
بقيت أهمية الموصل مميزة في العلاقات التجارية بين العراق وتركيا ، ومرتبطة بعدم التكافؤ في النهضة الاقتصادية لتركيا ، فعلى الرغم من أن تركيا بلد مساحته نحو (450) كيلو متر مربع تقريبا ومتنوع جغرافياً وإقليميا ، إلا أن التباين الاقتصادي والاجتماعي يسود هذا البلد ، إذ أن منطقة بحر ايجة إلى الغرب والمنطقة المحيطة باستانبول إلى الشمال الغربي تَّعد اكثر المناطق رخاء وتأثراً بالغرب ، في حين أن الشرق والجنوب الشرقي اكثر فقرا واقل تأثرا بالغرب ، فضلا عن قلة خصوبة الأرض ، والصناعة حرفية ، والأمية منتشرة على نطاق واسع ، إضافة إلى التباين الاجتماعي وعدم المساواة في المدخولات وتركيز ملكية الأرض بيد الإقطاعيين بخلاف مناطق الغرب حيث تسودها الملكيات الصغيرة والرقي والتقدم . لذلك بقيت هذه المناطق بحاجة إلى منفذ تجاري يوازي مستواها المعاشي والاجتماعي ،فكان شمال العراق (الموصل ) المنفذ الوحيد لها .
إن تدشين التجار العراقيين أبواب التجارة في الأسواق التركية ، واجه صعوبات ناجمة عن الضرورات التي فرضتها تطبيقات أحكام الإدارة العـرفية في المقـاطعات التركية الواقعة جنوب شرق تركيا ، حول المنطقة الممتدة من ديار بكـر وماردين إلى الحدود الإيرانية ، ونظرا للأوضاع السابقة الذكر لهذه المناطق فقد شهدت  اضطرابات وحركات مسلحة ،حيث شهدت المنطقة انـدلاع حركة كردية مسلحة اثر فشل حركة الشيخ (سعيد بيران ) عام 1925م ، وتجدد الاضطرابات للفترة  1927-1932م ، وحدثت مواجهات عنيفة بين الأكراد والحكومة التركية التي طبقت سياسة تضييق الخناق على مدينة ماردين وديار بكر وغيرها ،علاوة على تخريب معظم القرى في مديات وجزيرة ابن عمر  .
تسببت هذه الاضطرابات في عرقلة النشاطات التجارية بين العراق وتركيا ، وقد واجه تجار شمال العراق ولاسيما تجار الموصل صعوبات ومشكلات خلال عمليات تصديرهم البضائع ، والأموال التجارية التي كانت تضم الأقمشة وبعض السلع الأوربية المستوردة والخيول والتمور والمنسوجات والغزول المحلية إلى المدن الواقعة شمال الجزيرة الفراتية كديار بكر وماردين وسيواس ، وادى ذلك إلى عدم مواصلة نشاطاتهم التجارية ،وقد انسحبت هذا على بقية تجار الموصل المتعاملين مع الأكراد القاطنين قرب الحدود الفاصلة بين العراق وتركيا  ، اثر اضطراب الأحوال الأمنية على الحدود هنالك ، وأسهمت كذلك الضرائب المتعددة التي كان الأتراك يستوفونها بصورة عشوائية في عزوف عدد كبير من تجار الموصل لاجتياز الحدود باتجاه المدن التركية  .
بينما أدى سماح الحكومة العراقية من جانبها للتجار الأتراك والعراقيين معاً، بجلب المحاصيل والمنتجات والسلع المختلفة من تركيا ، وأهمها البقوليات والفواكه والأثمار المجففة والكشمش والزبيب والأصواف احياناً والمواد الغذائية ، المتنوعة وغيرها من المواد الأولية الضرورية ، فضلا عما كان يدخل العراق من الأغنام والمواشي ، إلى انتعاش تجار الموصل والحركة التجارية في الموصل من خلال هذا السماح ، لبيع مختلف السلع الأوربية ، وتصـريف الفائض التجاري من السلع ، وأجراء عمليات المقايضة التجارية مع التجار الأتراك.
وفي غضون ذلك تطورت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين كما أشرنا ، وفي عام 1929م جرى ترحيب رسمي وشعبي للوفد التركي الذي زار الموصل ، من اجل الإسهام في تمتين الأواصر والعلاقات السياسة والاقتصادية بين العراق وتركيا  . كما شهدت الموصل في أيلول 1930م افتتاح أول قنصلية تركية كان من بين مهامها الإسهام في تطوير العلاقات التجارية بين العراق وتركيا.
إن الرغبة في تذليل العقبات بين البلدين تعد حقيقة وهمية ، فالعراق لم يزل تحت سلطة الانتداب البريطاني ، وتركيا مستسلمة لتوجهات اتاتورك نحو العلمانية والتوجه نحو الغرب ، وإزالة كل ما هو شرقي . ومن متابعة سير العلاقات التجارية بين البلدين في هذه الفترة يظهر ميل الجانب العراقي اكثر من التركي في تذليل المعوقات التجارية، على الرغم من تداخل هذه العلاقات بالترابط التاريخي والجغرافي والأمني ، ومن ثم ميل تركيا نحو العراق اثر تنامي أهمية النفط للاقتصاد التركي .

*المصدر : http://almadasupplements.com/news.php?action=view&id=9173

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بين عكاب سالم الطاهر وابراهيم خليل العلاف

                                            عكاب سالم الطاهر وابراهيم خليل العلاف   بين عكاب سالم الطاهر وابراهيم خليل العلاف كتب الاخ والصد...