وضعية الدراسات العثمانية في العراق
أ.د. إبراهيم
خليل العلاف
أستاذ متمرس- جامعة الموصل
شهدت
السنوات الثلاثين الماضية، اهتماما ملحوظا بالدراسات العثمانية ليس في العراق حسب،
بل في إرجاء الوطن العربي كله، وذلك لما يمثله العصر العثماني الممتد من النصف
الأول من القرن السادس عشر حتى مطلع القرن العشرين، من أهمية كبيرة في فهم التكوين
السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي للمجتمع العربي المعاصر.
لقد تجسد الاهتمام
بالعصر العثماني، في ظهور بحوث ودراسات عديدة تناولت تاريخ العرب الحديث منذ بدء
التوسع العثماني في سنة 1516، حتى أواخر الحرب العالمية الأولى سنة 1918. كما عقدت
ندوات ومؤتمرات علمية على صعيدي الوطن العربي والعالم، لمعالجة جوانب مختلفة من
هذا التاريخ. وقد صدرت مجلات ودوريات تهتم بالدراسات العثمانية، وتأسست مراكز
اضطلعت بمهمة تشجيع البحث في العصر العثماني بعهوده الثلاثة . وبرز اهتمام كبير بالوثائق العثمانية والمحلية المنتشرة في أماكن
عديدة، وهي كما هو معروف، مهمة للمؤرخ الذي يروم ألقاء الضوء على بعض القضايا
السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتصلة بحياة الإنسان أبان ارتباط الوطن العربي
بالدولة العثمانية. وأخيرا فان العصر العثماني، وخاصة مايتعلق بتاريخ الوطن العربي
أبان هذا العصر ، كان موضوعا لكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه التي تقدم بها
طلبة عراقيون وعرب وأجانب . والمهم في كل هذا أن وعيا بأهمية العصر العثماني قد
نما ورغبة كبيرة لدى الباحثين والدارسين قد اتسعت ، لتناول هذه الحقبة الدقيقة من
التاريخ الإنساني ومن شأن هذه الحركة أن تسهم في تعميق فهمنا لتاريخنا المعاصر.
وبقدر مايتعلق الأمر بالعراق، تستطيع تلمس أثار نظرتين مختلفتين إلى الدولة
العثمانية في الكتابات المتوفرة عن العصر العثماني. فالنظرة الأولى ترى أن
العثمانيين مسؤولون عما لحق بالعرب من فقر وتخلف وظلم وجمود وعزلة. أما النظرة
الثانية، فتقوم على أساس أن تاريخ العثمانيين تعرض لأسباب مختلفة، منها سياسية
ومنها أيدلوجية، إلى كثير من حملات التشهير من مصادر متعددة ، ولا بد من أعادة
النظر في هذا التاريخ وأنصافه أو دراسته بموضوعية
ودقة والتمييز بين عهديه الأول والثاني ، والفترة الأخيرة من العهد الثالث، أي
فترة حكم الاتحاديين الممتدة من 1908 إلى 1918 والتي تميزت بسيادة نظرتهم المتعصبة
ضد العرب وغيرهم من العناصر غير التركية.
يمكن تصنيف الكتابات العراقية عن العصر العثماني إلى صنفين رئيسيين، هما:
كتابات الرواد من غير المتخصصين بعلم التاريخ ودراسات المؤرخين الاكاديمين. ففيما
يتصل بالصنف الأول يأتي الأب انستاس الكر ملي في مقدمة من ألف كتابا عن التاريخ العراقي
العام وفيه هاجم العصر العثماني وعده من العصور المظلمة في تاريخ العراق. ويبدو أن
قيام الكرملي سنة 1919 بتأليف كتابه : "خلاصة تاريخ العراق منذ نشوته إلى
يومنا هذا" ، كان بإيعاز من السلطات البريطانية المحتلة للعراق، والهدف هو
أظهار العثمانيين بمظهر المسؤول عن تخلف وفقر العراق، والإيحاء بان الانكليز هم
الذين سيقومون بتخليص العراق من الظلم والتخلف وفي سنة 1923 كرس المطران، سليمان
صائغ الموصلي جانبا من كتابه" تاريخ الموصل" ، وهو بثلاثة أجزاء طبعها
في القاهرة، لتتناول أحداث الموصل في
العصر العثماني،مع متابعة للحياة العلمية والفكرية فيها أبان هذا العصر، ولم يختلف
تقويم صائغ للدولة العثمانية وحكمها في
العراق، عن تقويم سلفه الكرملي.
وفي سنة 1926 أصدر درويش المقدادي، وهو مفكر وتربوي فلسطيني عاش في العراق
ودرس في المدارس العراقية منذ العشرينات من القرن الماضي ، كتابا مدرسيا بعنوان:
تاريخ الأمة العربية قسم فيه عصور الغزاة المظلمة التي عاشها العرب إلى ثلاثة
مراحل، ومن هذه المراحل ، المرحلة الثانية التي بدامع السيطرة العثمانية سنة 1516
وتنتهي بغزو فرنسا لمصر سنة 1798، وقد أطلق على هذه المرحلة مصطلح: " مرحلة
الغفلة" وهي تقع بين" مرحلة النكبة" وتبدأ مع سقوط بغداد سنة 1258
إلى سنة 1517، و"مرحلة اليقظة" التي تبدأ من غزو فرنسا لمصر وإثارتها
لمشاعر العرب القومية، حتى سنة 1918 حين استكمل الغرب تقسيم خارطة الوطن العربي
وبدأ بتحويله إلى مستعمرات تابعة له.
وكرس محمود شكري الالوسي(ت1924) جهده لترجمة جماعة من أدباء عصره وشعراته
ومعظمهم ينتمي إلى الأسر العلمية المعروفة ببغداد آنذاك، كال الالوسي وال السويدي
وال الطبقجلي وال الصواف وال الادهمي. وقد طبع القسم الأول من الكتاب بعنوان: "المسك
الاذفر في تراجم علماء القرنين الثاني عشر
والثالث عشر "ببغداد 1930.
وخلال السنوات 1938و1940 صدرت مجموعة من الكتب المدرسية التي تتناول"
تاريخ الشرق الأدنى الحديث "وهو المصطلح الذي كان يطلق على تاريخ الوطن
العربي في العهد العثماني .. ومن هذه الكتب: كتاب. خالد الهاشمي تاريخ الشرق
الأدنى الحديث( بغداد، 1938) وكتاب عبد المطلب الأمين بالعنوان ذاته( بغداد،
1940).
وحين صدر كتاب ستيفن همسلي لونكريك، وهو أحد الضباط السياسيين الذين رافقوا
الحملة البريطانية إلى العراق سنة 1914 في لندن بعنوان: أربعة قرون من تاريخ
العراق الحديث، أقدم الأستاذ جعفر خياط سنة 1941 على ترجمة الكتاب بعد أن اظهر
أسفه، لان ينبري لكتابة تاريخ العراق رجل أجنبي، وبلغة أجنبية، ومع أن الكتاب يعبر
عن وجهة نظر بريطانية في العصر العثماني، ألا انه بحق كتاب عام وشامل لتاريخ
العراق الحديث، اعتمد فيه مؤلفه على مجاميع كبيرة من المصادر والمخطوطات العربية
والتركية ، هذا فضلا عن كتب الرحلات المختلفة ، وليس غريبا القول أن عددا من
الباحثين العراقيين، أبرزهم يعقوب سركيس، ساعدوه في تأليف الكتاب وزودوه بالعديد
منا لمصادر وسهلوا عليه فهم كثير من غوامض تاريخ العراق وتعقيداته.
ولعوامل عديدة، يتعلق بعضها، بتنامي الوعي القومي العربي، وتطور الحركة
الوطنية، وظهور الأفكار الديمقراطية وبروز دور المثقفين العراقيين، فقد بدأت ملامح
حركة جديدة في كتابه التاريخ في العراق، تأخذ منحى وطنيا يقوم على تسجيل وقائع
التاريخ وعرضها بشكل مجرد تنقصه المنهجية التاريخية العلمية لكنه لايخلو من رؤية
متميزة ويمكن في هذا الصدد الإشارة بشكل واضح إلى ماكتبه المحامي والمؤرخ الهاوي الأستاذ
عباس العزاوي، وخاصة كتابه: "تاريخ
العراق بين احتلا لين"، الذي صدر يين سنتي 1939و 1956 بثمانية أجزاء ، ومع
انه اعتمد طريقة الحوليات، واقتصر على تناول البعد السياسي من العملية التاريخية
في أكثر الأحيان ، لكن الرجل سرعان مااقدم على سد بعض الثغرات في كتابه، فاصدر
مؤلفات عديدة من عشائر العراق في أربعة أجزاء(1937)-1956) وتاريخ النقود العراقية(
بغداد، 1958) وتاريخ الضرائب العراقية ( بغداد 1959). هذا فضلا عن كتب ودراسات
أخرى له عن طوائف العراق والأدب في العراق والعلماء والحركة العلمية والتاريخية في
العراق . وبصورة عامة ، فان مؤلفات الأستاذ الرائد عباس العزاوي تشكل مجموعة قيمة
من المعطيات المتعلقة بتاريخ العراق الحديث، آذ أنها هيأت مادة خام للباحثين وطلبة
الدراسات العليا ، الذين تناولوها بالبحث
والتحليل.
ومنذ أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات من القرن الماضي ، قام يعقوب
سركيس وهو باحث مختص " بكتابة سلسلة من المقالات والدراسات القيمة عن فترات
مختلفة من تاريخ العراق العثماني وجغرافيته وخططه وأثاره في مجالات عديدة ثم جمعت
في كتاب يحمل عنوان: مباحث عراقية في الجغرافية والتاريخ والآثار وخطط بغداد الخ.
وقد صدر الكتاب بثلاثة أجزاء في بغداد بين سنتي 1948و 1981.
أما الباحث احمد الصوفي 1897- 1982، فقد أرخ لجوانب أخرى من تاريخ العراق
والموصل في العهد العثماني، فأصدر كتبه : المماليك في العراق( الموصل، 1952)
والمحاكم والنظم الإدارية في الموصل بين سنتي 1524و 1918 وتاريخ بلدية الموصل ج1الموصل
1970)، وألف الباحث صديق الدملوجي 1880-1958 كتابا عن مدحت باشا ونشره ببغداد سنة
1952 في حين اهتم الأستاذ عبد الرزاق الهلالي بالتعليم فاصدر ببغداد سنة 1959
كتابه تاريخ التعليم في العراق في العهد العثماني وكتب محمد الخال عن الأمارة
الافراسيابية في البصرة، ونشر كتابه في بغداد سنة 1961. أما حامد البازي فأرخ
للبصرة في العصر العثماني من خلال كتابه: "البصرة في الفترة المظلمة "(ج1،
بغداد 1970) وفي سنة 1972 نشر لمحمد رؤؤف طه الشيخلي كتاب بجزئين يحمل عنوان،
مراحل الحياة في الفترة المظلمة وما بعدها. واسهم محمد بديع شريف في تأليف كتاب:"
دراسات تاريخية في النهضة العربية الحديثة"مع احمد عزت عبد الكريم وآخرين
وطبع الكتاب بالقاهرة سنة 1978.
واتصلت بحركة التأليف هذه ، حركة أخرى لتحقيق وترجمة ونشر بعض الأصول
الخطية التي تتناول تاريخ العراق العثماني. وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى قيام
خلف شوقي أمين الداوودي سنة 1924 بتحقيق ونشر كتاب فتح الله بن علوان ألكعبي( كوني
بعد سنة 1679م) الموسوم:" زاد المسافر ولهفة المقيم والحاضر فيما جرى لحسين
باشا بن افراسياب حاكم البصرة ". وترجمه محمد نجيب أرمنازي عن التركية. ونشر كتاب سليمان فائق ( توفي 1896)
الموسوم. "تاريخ المماليك الكولة مند "في بغداد سنة 1961، ولا يمكن
تجاهل جهود موسى كاظم نورس في تحقيق وترجمة ونشر بعض الكتب عن التركية منها كتاب:
تاريخ بغداد أو مرآة الزوراء في تاريخ الزوراء لسليمان فائق( بغداد، 1962) وكتاب
رسول حاوي الكركوكلي دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء( بيروت، 1963)
وكتاب مرتضى بن علي نظمي زاده( توفي سنة 1723 الموسوم كلشن خلفا( النجف، 1971)
ونشر علي البصري في بغداد سنة 1962 كتاب ابن الغملاس: ولاة البصرة ومتسلموها من
تأسيس البصرة حتى نهاية الحكم العثماني.
وحقق يوسف عز الدين كتاب احمد نور الأنصاري،"النصرة في أخبار البصرة "ونشره
ببغداد سنة 1969، كذلك قام صفاء خلوصي بتحقيق ونشر جزء من كتاب "حديقة
الزوراء في سيرة الوزراء "لعبد الرحمن السويدي(ت 1786) في حين تفرغ الأستاذ
محمد بهجت الأثري سنة 1981، لتحقيق ونشر مايتعلق بحملات نادر شاه على العراق في
الكتاب المذكور ونشر ذلك ضمن كتابه :" ذرائع العصبيات العنصرية في أثار
الحروب وحملات نادر شاه على العراق في رواية شاهد عيان" ( بغداد، 1981) .
ولسعيد الديوه جي ( 1912) فضل تحقيق
ونشر عدد من الكتب نذكر منها:" منية الأدباء في تاريخ الموصل الحدباء "لياسين
العمري ( توفي 1816) و"منهل الأولياء ومشرب الأصفياء من سادات الموصل الحدباء
"جزءان لمحمد أمين العمري ( توفي 1788) وقد نشر الكتاب الأول في الموصل سنة
1953 في حين نشر الكتاب الثاني في الموصل كذلك سنة 1967.
وقام د. محمد صديق ألجليلي( 1902-1980) بتحقيق كتب أخرى لبعض المؤرخين
الموصليين من العصر العثماني. فعلى سبيل المثال حقق كتاب ياسين العمري" غرائب
الأثر في حوادث ربع القرن الثالث عشر"ونشره في الموصل سنة 1940، وحقق ديوان
حسن عبد الباقي الموصلي ونشره مع دراسة تفصيلية عن حصار الموصل سنة 1743. وقد نشر
الكتاب في الموصل سنة 1966. وحقق د. عبد الله الجبوري وجمال الدين الالوسي مخطوطة
علي علاء الدين الالوسي (ت 1922) الموسومة:
" الدر المنتثر في رجال القرن الثاني عشر والثالث عشر" ،وقد طبع الكتاب
ببغداد سنة 1964. وهنا قد يكون من المناسب التنويه بجهود بعض المؤرخين الاكاديمين الآخرين
في تحقيق ونشر كتب مهمة في تاريخ العراق العثماني نذكر منهم د. عماد عبد السلام
رؤوف في تحقيقه لكتاب" زبدة الآثار
الجلية في الحوادث الأرضية"لياسين العمري تاريخ حوادث بغداد والبصرة 1772-
1778م لعبد الرحمن بن عبد الله السويدي و"مطالع السعود بطيب أخبار الوالي
داوود "لعثمان بن سند. كما أقدمد . سيار كوكب الجميل على تحقيق كتاب : "الدر المكنون في المآثر
الماضية من القرون "لياسين العمري وذلك في ثلاثة أجزاء دراسة نقدية حصل فيها
على الدكتوراه من جامعة سانت اندروز سنة 1983 وما يزال الكتاب مع الدراسة النقدية
مخطوطة .
وثمة حركة أخرى لابد من الإشارة أليها، وهي تتعلق بترجمة بعض كتب الرحلات إلى
اللغة العربية . ومن كتب الرحلات التي ترجمت وتعد مصدرا من مصادر تاريخ العراق
خلال العصر العثماني رحلة الرحالة الهولندي ليونهارت راوولف ببغداد سنة 1573 ،
ورحلة تكسيرا إلى العراق سنة 1604 ، ورحلة ديلافال الذي مر بالعراق مرتين
الأولى سنة 1616 و الثانية 1625 ، ورحلة
باتيست تافرنيية : العراق في القرن السابع عشر ، وكتاب جاكسون مشاهدات بريطاني عن
العراق سنة 1767 ، وكتاب دومنيكو لانزا الموصل
في الجيل الثامن عشر ، وكتاب كرستن نيبور رحلة نيبور إلى العراق ، ورحلة ريج
في العراق عام 1820 ، ورحلة جيمس بيلي فريزر إلى العراق سنة 1834 .
كما أقدم بعض الباحثين العراقيين على ترجمة ماتوفر من كتب ألفها قناصل
ودبلوماسيين أجانب عملوا في العراق أبان العصر العثماني . نذكر منها على سبيل
المثال كتاب بير دي فوصيل الحياة في العراق منذ قرن 1814- 1914 وترجمة عن الفرنسية
د. أكرم فاضل ونشر ببغداد سنة 1968 . وكتاب الكسندر اداموف: ولاية البصرة في
ماضيها وحاضرها وترجمه عن الروسية بجزئين د. هاشم صالح التكريتي وطبع الجزء الأول
في البصرة سنة 1982 في حين طبع الجزء الثاني في البصرة كذلك سنة 1989.
ولبعض الباحثين العراقيين أيضا جهود ملحوظة في ترجمة كتب أخرى متعلقة
بالعصر العثماني نذكر منها بهذا الصدد ترجمة علي حيدر ألركابي لكتاب يقظة العرب
لجورج انطونيوس عن الانكليزية ( دمشق 1946)، وقيام د. صالح احمد العلي بترجمة كتاب
ارنست رامزور الموسوم تركيا الفتاة وثورة 1908 ( بيروت1960) وقيام د. هاشم صالح
التكريتي بترجمة كتاب ياخيمو فتش عن الروسية الموسوم الحرب التركية الايطالية
1911- 1912، ( بنغازي 1970) وقيام د. عبد الجبار ناجي بترجمة كتاب صالح أوزبران عن
الانكليزية الموسوم : " الأتراك العثمانيون والبرتغاليون في الخليج العربي "(
البصرة، 1979) وقيام د. خليل علي مراد بترجمة كتاب إسماعيل حقي أوزون جار شلي عن
التركية أمراء مكة في العهد العثماني ( البصرة، 1989) وأخيرا قيام د. خليل علي
مراد ود. علي شاكر علي بترجمة كتاب منطقة الموصل كركوك في الأرشيف العثماني 1525-
1919 الذي صدر عن أرشيف الدولة التابع لرئاسة الوزراء في تركيا وطبع في أنقرة سنة
1993.
وخلال السنوات الواقعة بين 1964- 1967 عمل في قسم التاريخ بكلية التربية-
جامعة بغداد أستاذ ومؤرخ مصري متخصص بتاريخ العراق الحديث هو د. عبد العزيز سليمان
نوار وقد أسهم هذا الرجل في دفع حركة الدراسات التاريخية العثمانية سواء من خلال
تدريسه لمادة تاريخ الشرق الأدنى الحديث أو تشجيعه الطلبة للاهتمام بتاريخ العراق
الحديث، أو في إصداره مجموعة من الكتب والدراسات منها داوود باشا والي بغداد
وتاريخ العراق الحديث من نهاية حكم داوود باشا إلى نهاية حكم مدحت باشا والمصالح
البريطانية في إنهاء العراق 1600- 1914 والعلاقات العراقية الإيرانية: "دراسة
في دبلوماسية المؤتمرات، مؤتمر ارضروم 1843- 1844". وأهمية كتابات نوار ترجع
إلى استخدامها لمنهج العلمي الأكاديمي في تناوله لتاريخ العراق الحديث، وفي عدم
اقتصار كتاباته على الجانب السياسي ، وإنما تجاوزه ليشمل الجوانب الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية، وفي إبراز الصراعات الدولية والقوى السياسية التي كان لها
دور بارز في تاريخ العراق أبان تلك الفترة المهمة وقد تم ذلك كله دون التفريط في
دعم التوجه القومي العربي بالدراسة التاريخية الرصينة وهي مسألة ميزت الدراسات
التاريخية في الوطن العربي أبان الستينات من القرن الماضي .
أن الإضافات المتميزة لحركة التاريخ العثماني في العراق والتي شهدتها مرحلة
الستينات من القرن الماضي ، وما قبلها لم تأت من فراغ ، وإنما كانت لها بيئتها الصالحة التي نمت فيها. فكتابات المؤرخين
العراقيين الذين سبق لهم أن تلقوا تدريبا مبرمجا على المنهج التاريخي في الجامعات
الأجنبية وعادوا إلى وطنهم، قد عكست جدية
ورصانة المدرسة التاريخية العراقية المعاصرة. ويتضح هذا من الوقوف على مااسهم به المرخون
الأكاديميون العراقيون من دراسات وكتب تناولت جوانب مختلفة في تاريخ العراق والوطن
العربي الحديث. ومما يلحظ أن الباحثين العراقيين، لأسباب علمية ووطنية، اهتموا منذ
وقت مبكر بتاريخ التغلغل الاستعماري والصراع الدولي الذي شهده العراق والخليج
العربي، أكثر مما اهتموا بالجوانب الأخرى ، فعلى سبيل المثال يأتي د. زكي صالح في
مقدمة الباحثين الرواد الذين قدموا دراسات تاريخية مهمة ، فقد حصل على الدكتوراه
من جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1941 عن رسالته الموسومة: "منشأ
النفوذ البريطاني في بلاد مابين النهرين" ، وقد طبعت بلغتها الانكليزية في
بغداد سنة 1957 بعنوان:" بلاد مابين النهرين: العراق1600- 1914 دراسة في
الشؤون الخارجية البريطانية ". ثم أعيد نشر الكتاب بالعربية ببغداد سنة 1968
بعنوان : "بريطانيا والعراق حتى سنة
1914: دراسة في التاريخ الدولي للتوسع الاستعماري" . ثم اصدر في القاهرة سنة 1966
"المجمل في تاريخ العراق الدولي في العهد العثماني ".
ثم تبعه في هذا التوجه تلميذه د .محمود
علي الداؤود الذي حصل على الدكتوراه من
جامعة لندن سنة 1957 عن رسالته: "العلاقات البريطانية مع الخليج العربي
1890-1902 ونشرها في القاهرة بعد ترجمتها إلى العربية سنة 1961 بعنوان :"
تاريخ العلاقات الدولية في الخليج العربي 1890- 1914 " .
وفي سنة 1963 أنجز عبد الأمير محمد أمين
رسالته للدكتوراه في جامعة ميريلاند بالولايات المتحدة والموسومة المصالح
البريطانية في الخليج العربي 1747- 1778 وقد ترجمها إلى العربية هاشم كاظم لازم
وتولي مركز دراسات الخليج العربي بجامعة البصرة نشرها سنة 1977.
ثم توالت الدراسات الأكاديمية بعد ذلك في خارج العراق " فانجزز د.
طارق نافع الحمداني رسالته للدكتوراه في جامعة مانجستر ببريطانيا سنة 1980 عن "
الإدارة السياسية و التاريخ الاقتصادي لولاية البصرة 1534 _1638" . وفي سنة
1985 وقدم د.محمد العزاوي رسالته للدكتوراه في جامعة ( اكس اون بروفانس) بفرنسا عن
التنافس الفرنسي البريطاني حول الخليج العربي 1793-1862.
كما نال التاريخ الاجتماعي والفكري
كذلك اهتماما من لدن بعض العراقيين الذين درسوا في لجامعات الأوربية والأمريكية.
نذكر من هذه الرسائل على سبيل المثال ثلاثة. الأولى ل د . عبد القادر احمد اليوسف وقدمت إلى جامعة (ايوا)
بالولايات المتحدة سنة 1954 بعنوان : دراسة في الحركة الليبرالية( التحرر) في
العراق 1908-1924 . والثانية ل د . عبد الوهاب عباس القيسي التي قدمها لجامعة (
مشيفان) في الولايات المتحدة كذلك سنة1958 بعنوان : " تاثير التحديث على المجتمع العراقي
خلال العصر العثماني: دراسة للتطور الفكري في العراق 1869- 1917". والثالثة ل
د . عبد اللطيف ناصر الحميدان التي قدمها لجامعة ( مانجستر) في بريطانيا سنة 1975
بعنوان: "التاريخ السياسي والاجتماعي لإقليم بغداد والبصرة 1688-1749" .
ومن المؤسف أن هذه الرسائل لا تزال حتى
ألان بعيدة عن متناول أيدي القراء العرب ، لعدم ترجمتها.
وفي الجامعات المصرية قدمت رسائل عديدة في
مجال التاريخ العثماني من باحثين عراقيين فعلى سبيل المثال قدم د. مصطفى عبد
القادر النجار رسالتين للماجستير والدكتوراه إلى جامعة عين شمس ، الأولى سنة 1969
ونشرت في القاهرة سنة 1971 بعنوان: "التاريخ السياسي لإمارة عربستان 1897- "1925،
والثانية سنة 1973 بعنوان : " العلاقات السياسية للعراق مع القوى المجاورة في
شط العرب والخليج العربي 1913-1939" ، وقد نشرت في البصرة سنة 1975 بعنوان:"
التاريخ السياسي لعلاقات العراق الدولية بالخليج العربي".
وفي سنة 1973 أنجز د . عماد عبد السلام رؤوف رسالته للماجستير إلى كلية الآداب
بجامعة القاهرة عن "ولاية الموصل في عهد إل ألجليلي 1726- "1834، ثم
طبعت في النجف الاشرف سنة 1975 بعنوان" الموصل في العهد العثماني: فترة الحكم
المحلي 1726- "1834. وقدم إلى الجامعة ذاتها سنة 6/19 رسالته للدكتوراه
بعنوان: "الحياة الاجتماعية في العراق أبان عهد المماليك 1749- 1831" . وفي
سنة 1975 نشر فيصل الارحيم في الموصل رسالته للماجستير التي سبق له أن قدمها
لجامعة عين شمس سنة 1969 بعنوان تطور العراق تحت حكم الاتحاديين 1908- 1914. كما
قدم د. عبد ربه سكران الوائلي رسالة للماجستير في كلية الآداب، جامعة القاهرة سنة
1979 عن تاريخ الأمارة البابانية الكردية
1784- 1751 في السليمانية بالعراق ، أما رسالته للدكتوراه فقد قدمت جمعة ذاتها سنة
1987 بعنوان:" أكراد العراق "( 1885- 1914).
ولم يتفرغ سوى عدد قليل من الطلبة العراقيين للدراسة في تركيا، ومن الذين استفادوا
من الوثائق العثمانية استفادة مباشرة، د. مهدي جواد حبيب البستاني الذي حصل على
الدكتوراه من جامعة استانبول سنة 1979 عن رسالته الموسومة:" حكم المماليك في
بغداد مع ولاية على رضا باشا ". ولا تزال هذه الرسالة بلغتها التركية . وقد
أسهم البستاني في تأصيل الدراسات العثمانية وقدم سلسلة من البحوث الرصينة التي
اعتمدت الوثائق العثمانية المحفوظة في أرشيف رئاسة الوزراء باستانبول. ومن بحوثه : "الصراع العثماني الفارسي وأثره في
العراق حتى أواخر القرن التاسع عشر"، و"الوعي القومي العربي في العراق
خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر ".
ثم جاء تأسيس الدراسات العليا في جامعة بغداد سنة 1961 ، ليشكل حدثا مهما
في تطور الدراسات التاريخية في العراق. وقد نتج عن ذلك تخريج عدد كبير من
الباحثين، كانت وماتزال لهم، مساهمة في المسيرة الجامعية العربية. وكان للرسائل
التي قدموها لنيل الماجستير والدكتوراه، اثر كبير في تنشيط المدرسة التاريخية العراقية المعاصرة وإعطائها
ملامحها وقسماتها البارزة، وخاصة في مجال التشديد على المنهج التاريخي ،والعودة إلى
الأصول سواء كانت عراقية أو عربية أو أجنبية ، ومن ثم عرض المادة العلمية ونقدها
وتحليلها بما يساعد على وضع الحدث التاريخي في مكانه المناسب . وبالرغم من الجهود
التي بذلت لتشجيع الدراسات التاريخية، كانت بعض المشكلات من القوة، بحيث اضطرت
المسؤولين عن قسم التاريخ بكلية الآداب- جامعة بغداد إلى وقف دراسة الدكتوراه في التاريخ الحديث ،
بعد فترة وجيزة من فتحها ، على الرغم من توفر الملاك التدريسي المتخصص، ولعل في
مقدمة المشكلات: قلة المصادر ، وارتباك أسس القبول، وعدم توفر بعض الظروف المناسبة
للباحثين. لكن جهودا محمودة بذلت كان لها أثرها الطيب في أعادة فتح الدراسات
العليا في التاريخ الحديث في أوائل السبعينات، فكان أن بدأ جيل من الباحثين يقدمون
رسائلهم للماجستير والدكتوراه، ويتبوأ معظمهم اليوم المسؤولية العلمية والإدارية
في قيادة حركة كتابة التاريخ في العراق . وفي مقدمة الذين كتبوا عن العصر
العثماني: نياز محمد شكريج في رسالته للماجستير سنة1971 بعنوان: الفتح العثماني
وانتشار الإسلام ونشأة المؤسسات الإسلامية في البوسنة والهرسك بيوغسلافيا في
القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين. وحسين محمد القهواتي الذي أنجز رسالته
للماجستير سنة 1975 بعنوان : العراق بين الاحتلالين العثمانيين الأول والثاني
1534- 1638. وإبراهيم خليل احمد العلاف الذي قدم رسالته للماجستير سنة 1975 عن : "ولاية
الموصل: دراسة في تطوراتها السياسية 1908-"1922، وعلي شاكر على الذي كتب
رسالته للماجستير بعنوان: تاريخ العراق في العهد العثماني 1638- 1750. وخليل علي
مراد الذي كتب رسالته للماجستير عن تاريخ العراق الإداري والاقتصادي في العهد في
العهد العثماني الثاني 1638-1750-1975 وجاسم محمد حسن العدول الذي كتب رسالته
للماجستير 1976 بعنوان: العراق في العهد الحميدي 1876-1909 وصالح محمد العابد الذي
كتب رسالته للماجستير عن دور: القواسم في الخليج العربي في 1747-1820 ونشرت ببغداد
سنة 1976 ورسالته للدكتوراه حول موقف بريطانيا من النشاط الفرنسي في الخليج العربي
1798 1900 ونشرت ببغداد سنة 1979 واهتم محمد احمد محمود بتاريخ العشائر ليكتب
رسالته للماجستير سنة 1980 بعنوان:" أحوال العشائر العراقية العربية وعلاقتها
بالحكومة العثمانية 1871 –"1918. وقدم عبد المجيد العاني رسالته للماجستير
سنة 1984 حول السياسة البريطانية تجاه الكويت 1896- 1915 في حين قدم جاسم محمد
هادي رسالته للماجستير سنة 1985 عن : أحوال العراق الاقتصادية والاجتماعية 1831-1869. وكتب جبار يحيى عبيد رسالته عن :
التاريخ السياسي لأمارة حائل 1825-1921، سنة 1989. وقدم محمد سليمان رسالته
للماجستير سنة 1989 بعنوان: العراق في عهد مدحت باشا 1869-1872 . وقدم د. صباح
مهدي رميض القريشي رسالته للماجستير عن :
" أمارة عسير ( 1876-1932) سنة 1979.
وأنجز إبراهيم خليل احمد أول رسالة
للدكتوراه عن التعليم في العراق، ونشرت في كتاب بعنوان: تطور التعليم الوطني في
العراق 1869- 1932 سنة 1982. وكتب شكري محمود نديم رسالته للدكتوراه عن : أحوال
العراق في عهد المشروطية الثانية 1908- 1918 سنة 1988.
وسرعان مااتسعت الدراسات العليا في
التاريخ الحديث للعراق والوطن العربي في العهد العثماني لتشمل جامعات عراقية أخرى.
ففي الجامعة المستنصرية قدمت مثلا إلى معهد الدراسات القومية والاشتراكية رسائل
عديدة منها مثلا رسالة د. نمير طه ياسين الصائغ للماجستير عن : "بدايات التحديث في العراق
1869- 1914" سنة 1984. ورسالة د . احمد حسن العلي للماجستير عن" مفهوم
الاستقلال في فكر الأحزاب والجمعيات العربية 1908-1919 سنة 1988.
وفي قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة
الموصل قدمت رسائل عديدة عن العصر العثماني منها رسالة عصمت برهان الدين للماجستير
وبعنوان: دور النواب العرب في مجلس المبعوثان 1908-1914، سنة 1988 ورسالة غانم
محمد علي للماجستير كذلك عن النظام المالي العثماني 1839- 1914 سنة 1989 ورسالة
ذنون يونس الطائي للماجستير بعنوان : الحركة الإصلاحية في الموصل من أواخر العهد
العثماني حتى 1921سنة 1990. ورسالة علي شاكر علي للدكتوراه الموصل في القرن السادس
عشر: دراسة في أوضاعها السياسية والاقتصادية سنة 1993. ورسالة نمير طه ياسين
للدكتوراه عن الأصناف والتنظيمات المهنية في الموصل منذ أواخر القرن التاسع عشر
حتى 1958 سنة 1993 ورسالة ياسين شهاب للماجستير عن : ولاية بغداد ودراسة في أوضاعها
السياسية والاقتصادية ( 1994).
وفي قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة البصرة قدمت رسائل للماجستير عن
التاريخ الحديث وخاصة في عهوده العثمانية. ومن هذه الرسائل: رسالة حسن علي عبيد
القطراني عن : "الزبير في العهد العثماني 1571-1914"( 1988) ورسالة وداد
خضير الشتيوي عن موقف الدولة العثمانية من ال سعود 1891- 1914(1989) ورسالة مؤيد
عاصي سلمان عن : العلاقات القطرية- البريطانية 1868- 1916 ( 1989) ورسالة طاهر
يوسف عكاب عن: العلاقات العمانية-الإيرانية 1806- 1868 سنة (1989). ورسالة إبراهيم
محمد ساجت الزبيدي عن: طريق الفرات الصحراوي: البصرة – حلب في العصر الحديث سنة
1990 ورسالة عبد الحميد كاظم حمادي عن: البحرين 1820 1880 سنة 1990 ورسالة عبد
الحميد كاظم حمادي عن : البحرين 1820-1880
سنة ( 1990) ورسالة علي هادي عباس المسعودي عن : الحلة في العهد العثماني المتأخر
1869-1914 سنة 1990 ورسالة خولة اليوسف عن : البصرة في العهد الحميدي 1876-1908،
وكل هذه الرسائل قدمت للحصول على درجة الماجستير. كما قدمت بعض الرسائل إلى مركز
دراسات الخليج العربي بجامعة البصرة منها رسالة الماجستير التي أعدها عبد الحكيم
عجيل السعدون سنة 19989 بعنوان : " البصرة ي النصف الثاني من القرن الثامن
عشر 1750-1800".
وجاءت الحرب العراقية- الإيرانية (
1980-1988) لتسهم في دفع حركة الدراسات العثمانية
في العراق وذلك من خلال إلقائها على المؤرخين العراقيين . مسؤولية دراسة
دوافع تلك الحرب وصلتها بظروف ( الصراع العثماني – الفارسي ) . وقد نتج عن ذلك أن
قدمت دراسات وبحوث وكتب عديدة تذكر منها على سبيل المثال كتابي: "الصراع
العراقي- الفارسي" ، و"الحدود الشرقية للوطن العربي : دراسة تاريخية"
.
وكما شهدت السنوات الثلاثون الماضية صدور
كتب كثيرة عن العصر العثماني أصدرها مؤرخون عراقيون معروفون ، فأن حركة التأليف هذه
تسرعت أبان السنوات ال15 الأخيرة وبدأنا نرى في المكتبة العراقية أعمالا
اتسمت بالجدة والرصانة العلمية . ومن ابرز هذة الأعمال كتاب د. علاء كاظم نورس الأول
بعنوان : "حكم المماليك في العراق 1750- 1831"بغداد 1975 وكتابه الثاني
بعنوان :" العراق في العهد العثماني : دراسة في العلاقات السياسية 1700- 1800"(
بغداد 1979) . كما أصدر د . إبراهيم خليل العلاف كتابين : أولهما عن : "تاريخ
الوطن العربي في العهد العثماني 1516- 1916 "( الموصل، 1982). وثانيهما بعنوان
:" نشأة الصحافة العربية في الموصل 1885- 1926" ( الموصل، 1985)1926 (
الموصل ، 1985) . وصدر عن مركز دراسات الخليج العربي كتاب د .حسين محمد القهواتي
حول" دور البصرة التجاري في الخليج العربي 1869- 1914 ( 1980)" وأصدر د.
سيار كوكب الجميل كتابين هما : "تكوين
العرب الحديث" (الموصل، 1991). كما ألف د .عماد عبد السلام رؤؤف كتابه عن : "التاريخ
والمؤرخون العراقيون في العصر العثماني" ونشره ببغداد سنة 1983. ولم يقتصر
الأمر على الكتب ، بل نشر الباحثون العراقيون سلسلة واسعة من البحوث العلمية عن
العصر العثماني. ففي السنوات الماضية على سبيل المثال نشرت المجلات العراقية
والعربية بحوثا تناولت طبيعة الحكم العثماني وأساليب تغلغل الرأسمال الأجنبي في
الدولة العثمانية ، وحركة الإصلاح العثمانية .و ظاهرة الكيانات المحلية والجامعة الإسلامية،
ومشكلة الأراضي والمحاكم والقضاء في العصر العثماني والصراع الدولي حول العراق والخليج
العربي وموقف الدولة العثمانية ، ومن هؤلاء الأساتذة الدكاترة عبد الأمير محمد أمين، ومحمود علي الداوود ،
ومصطفى عبد القادر النجار .وعماد عبد
السلام رؤوف، وعلاء موسى كاظم نورس، وصالح العابد، وعبد الوهاب القيسي،
وإبراهيم خليل احمد العلاف ، وعماد احمد ألجواهري ، وحسين القهواني، ونوري عبد
الحميد العاني وسيار كوكب الجميل، وخليل
علي مراد، وجاسم محمد حسن العدول، وعلي شاكر علي ، ومهدي البستاني، وطارق نافع
الحمداني ،وصادق ياسين الحلو، ونمير طه ياسين .
ويتضح من متابعة ماانجزه الباحثون
العراقيون المتهمون بالعهود العثمانية. أن دراساتهم لم تقتصر على الجوانب السياسية
بل اتسعت لتشمل جوانب اقتصادية واجتماعية وثقافية. فثمة بحوث حول مصادر التاريخ العثماني
كالسالنامات ودفاتر الطابو والصحف وسجلات المحاكم الشرعية وبحوث أخرى عن العشائر
والتعليم وتاريخ المدن وسكك الحديد والبلديات و الملاحة النهرية والنفط والأراضي
والصحة.
وأسهم عدد من الباحثين المتخصصين بعلم الاقتصاد وعلم الاجتماع في أنجاز كتب
وبحوث تناولت أوضاع العراق الاقتصادية والاجتماعية أبان العصر العثماني. وهنا لابد
من الإشادة بجهود كل من د. محمد سلمان حسن ، ود. علي الوردي. فلقد اهتم الأول
بتقديم دراسات حول : التطور الاقتصادي للعراق، منذ أواخر العصر العثماني واسهم في
تحليله وانعكاساته على بنية السكان الاجتماعية . ومن ابرز كتبه: التطور الاقتصادي
في العراق1( بيروت،لا،ت). أما الباحث الثاني فقد كتب موسوعة مهمة بعنوان: "لمحات
اجتماعية من تاريخ العراق الحديث" صدرت بعدة أجزاء فالجزء الأول منها صدر
ببغداد سنة 1969، أما الجزء الرابع الذي يتوقف عند سنة 1918 ، فقد صدر سنة 1974.
لقد ظهرت الحاجة في العراق خلال السنوات الماضية إلى الاهتمام بالوثائق
العثمانية والمحلية لذلك تأسست بضعة مراكز للتوثيق في بغداد وبض مراكز المحافظات
مهمتها العناية بجمع الوثائق المتعلقة بتاريخ العراق وتسهيل وضعها بين أيدي
الباحثين. ومن أهم هذه المراكز: دار الكتب والوثائق التابع لوزارة الثقافة
والأعلام ( المركز الوطني لحفظ الوثائق سابقا) ، ومركز وثائق الموصل( مركز دراسات
الموصل ، جامعة الموصل) ومركز وثائق الكوفة( جامعة الكوفة) ، كما تأسس سنة 1985
مركز للدراسات التركية (الإقليمية حاليا ) في جامعة الموصل ومن مهامه الاهتمام بالوثائق
وتقديم دراسات وبحوث وإصدار كتب وعقد ندوات ومؤتمرات تعني بالعلاقات مع تركيا ودول
الجوار الأخرى، ماضيا وحاضرا ومستقبلا.
ويقتضي الواجب العلمي هنا أن نشير إلى العمل العلمي الذي أنجزه نخبة من
المؤرخين العراقيين ، وذلك بتكليف ودعم من جامعة الموصل، والمتمثل بإصدار موسوعة
الموصل الحضارية سنة 1992 بخمسة أجزاء، كرس الجزء الرابع منها لتناول تاريخ الموصل
الحديث بين سنتي 1516و 1918. ومن بحوث هذا الجزء " الموصل بين السيطرة
العثمانية وقيام الحكم ألجليلي" علاقة الموصل بالولايات العثمانية
الأخرى" و" الموصل خلال الحكم ألجليلي" " الموصل وولادة بغداد
من المماليك " الموصل في العهد ألحميدي" " الموصل في العهد
الاتحادي " الموصل والحركة العربية القومية في مطلع القرن العشرين". كما
ضم حوثا أخرى تناولت نظم الإدارة والجيش والحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
. فثمة بحوث عن التشكيلات العسكرية والمحاكم والقضاء والحياة الفكرية في الموصل
أبان العهد والنشر والصحافة في الموصل وتجارة الموصل في العصر العثماني.
أن الدراسات العراقية عن العصر العثماني، تتميز بجديتها، وحرصها على
الالتزام بالمنهج العلمي. كما أنها لا تقتصر على تناول التاريخ السياسي، بل تهتم
بالتاريخ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وهي –فوق هذا وذاك - دراسات حديثة وفنية بالقياس إلى الدراسات الأخرى
التي تناولت فترات سابقة عن العهد العثماني" لذلك فأنها أسهمت
في رفد المكتبة التاريخية العربية بأعمال عديدة وألقت أضوء كاشفة على هذا العصر
المهم وساعدت في تخليصه من تهمة الظلام
والركود التي روجت عنه ردحا من الزمن . والأمل كبير في أن يواصل ممثلوا
المدرسة التاريخية في العراق جهودهم في مجال سد الثغرات والنواقص التي تعتري بعض
جوانب حركة التاريخ العثماني ، وتقديم أفضل الدراسات التاريخية عنها ، وكذلك في
تخطي بعض العقبات من قبيل تبعثر الوثائق، وتناثرها ،وقلة المتخصصين باللغة
التركية، وأخيرا السعي لجمع المخطوطات المتعلقة
بالعصر العثماني ، والعمل على نشرها ووضعها في متناول الباحثين والقراء عموما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق