الثلاثاء، 14 مايو 2013

سعد صالح ال جريو ومشروعه حول الهوية ..

سعد صالح ال جريو  ومشروعه حول الهوية ..
الكاتب: محمد قاسم الياسري   
الأربعاء, 13 نيسان/أبريل 2011 20:54
shaban
سعد صالح ال جريو مفكر عراقي رحل عام 1949 ولم يستكمل مشروعه حول الهوية والعدالة الاجتماعية
وزير نجفي في حكومة السويدي كان أوّل من أجاز الأحزاب وأغلق السجون
محمد قاسم الياسري
في كتاب (سعد صالح/ الضوء والظل) رصد المفكر عبد الحسين شعبان الأرشيف السري لحياة شخصية سياسية عراقية طالما اتّسمت بالوسطية وعرفت بالوطنية المرتبطة بالحس الشعبي التأريخي. إن سعد صالح جريو المحامي والناشط السياسي وأحد مؤسسي حزب الأحرار والوزير السابق والمعارض والبرلماني العروبي والعراقي والتقدمي، الخطيب المفوّه والشاعر الألمعي والثائر الحصيف، إبن لحظته التأريخية وإبن زمانه المستمر لحد هذه الساعة، في عراق متعدّد الأعراق والطوائف والقوميات، متعدّد الاستقطابات التي لا تتواني تؤكد مرجعيتها الي أجندات إقليمية ودولية عدّة.
لقد كان سعد صالح جريو (1899 - 1949) شجاعاً في طرحه لمفهوم الهوية وعلاقتها بالعدالة الاجتماعية، وجريئاً في تصدّيه لأبرز أمراض المجتمع العراقي، وتحليله للسياسة الدولية وعلاقتها بما يدور في الواقع العراقي المحتكر من قبل الكولونيالية الانكليزية الغالبة.
لقد رحل ولم يستكمل مشروعه السياسي - التفكّري، ولكنه كان لحظة مهمة مرّت في حياة العراق، فشكلت ذخيرة ثقافية هامة يحتاجها الآن كل من نشط في السلطة أو في المعارضة السلمية تحت قبة البرلمان، فأرشيفه الوظيفي والاداري كان مكتظّاً بالمواقف الجدّية والرصينة. وكان رائداً في إشاعة الحريات عندما أجاز عديد الصحف حالما تسلّم منصب وزير الداخلية في حكومة توفيق سويدي والتي لم تدم سوي (97) يوماً، وأجاز الأحزاب وأغلق السجون وأنصف أغلب معتقلي الرأي. وفي رئاسته لحزب الأحرار - الوسطي - خلفاً لتوفيق السويدي (1892 - 1968) إمتاز بمواقف معتدلة، وتدريجياً إنتقل ليصبح بعد رئاسة سعد صالح جريو" جزءًا من التيار الوسطي ? الليبرالي المستقل المعارض".
بلور توفيق السويدي وسعد صالح دستور ومنهاج حزب الأحرار الذي قيل أن نوري السعيد شجع علي تأسيسه، فأصبح السويدي رئيساً له وسعد صالح نائباً للرئيس، وبعد إستقالة أو إقالة السويدي أصبح سعد صالح رئيساً للحزب وقد أعطاه صبغته الوطنية المستقلة، فاستدار به من موقع السلطة الي موقع المعارضة، وظلّ متوازناً ومعتدلاً في جميع أطروحاته وتحليلاته بالرغم من نقده الشديد للسلطة، لاسيما قمع الحريات ومصادرة أشكال المجتمع المدني وكل ما يمس كرامة وحياة الطبقة الوسطي العراقية.
داعية للإصلاح
ما يهمّنا في هذا الكتاب المبدع هو تركيز المفكر عبد الحسين شعبان علي متابعة مفهوم الهوية لدي سعد صالح لما يمثله هذا المفهوم في حياته وفكره: إنه الجذر والمرجع الذي استندت اليه تلك الشجرة العملاقة وما طرحته من ثمار طيبة.
لقد ماهي سعد صالح بين مفهومي الهوية الوطنية والقضية العراقية عندما دعا الي الاصلاح عبوراً فوق المشكلة العراقية والمسألة الطائفية وما تثيره من إشكاليات صغري تطيح بالمشكلة الكبري. لقد كان رجلاً مدنياً يؤمن بفكرة المواطنة الحقة في الدولة الحديثة التي تقوم علي المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات والتمتع بالحريات والعدالة الاجتماعية، وكل ذلك يشكل أساساً للهوية الوطنية العراقية.
لقد أدرك سعد صالح مبكّراً المشكلة العراقية، وحذّر منها وحلّلها وربطها بالهوية العراقية كفمهوم وكقدر، وهذا ما نحتاج اليه اليوم، عندما قال: لا توجد قضية كردية أو قضية طائفية (المقصود شيعية) إنّما هناك قضية عراقية تحتاج الي علاج وإصلاح. أقول ذلك وأنا لا أنكر أن هناك أشخاصاً كثيرين متزعمين ما يسمونه القضايا العنصرية والطائفية، ولكن عنصرهم وطوائفهم وأهل البلاد قد إمتحنوهم وهم علي كراسي الحكم، وجدوهم لا يتصلون إلاّ بأنفسهم ولا يسمعون إلاّ لمنافعهم.. فحينما تلفظهم تلك الكراسي يعودون الي طوائفهم، يعود الشيعي يبكي علي طائفته فيظنّه البسطاء أنه الرجل المنقذ، ويعود السنّي يبكي علي طائفته، فيظن الضعفاء أنه رجل الساعة ويعود الكردي يندب حال جماعته فيظنه الجهلاء الثائر المنقذ ). ص 60.
هذا التخريج يوصل الي إبراز الهوية الوطنية الجامعة، دون إنكار لوجود قضية قومية كردية أو مسألة تمييز طائفي، لكن هذه المشكلات تبقي مشكلات فرعية - حسب وجهة نظره - في إطار الإشكالية الاساسية العامة التي تبقي بالمسألة الوطنية الكبري، والتي هي بحاجة الي علاج وإصلاح شاملين، لاسيما باعتمادها مبادئ المواطنة والمساواة، وهو ما تلمسه منذ وقت مبكر، وما نعاني منه الآن - هنا بعد الاجتياح الأمريكي للعراق منذ نيسان 2003 ولحد الآن، هو تأثير من يستغل هذه القضايا من الزعماء السياسيين الذين يريدون التشبث بمواقعهم والحصول علي امتيازات ومكاسب برفع الشعارات الأكثر رنيناً حين يكونون بعيدين عن مواقع المسؤولية.
الانتماء الوطني أولاً
أدرك سعد صالح أن الحلّ يكمن في ممارسة العدل بين جميع أفراد المجتمع العراقي وفي المساواة بينهم وفي تحقيق الاصلاح الجذري للحكم،ولعل من هذا المنطلق كان الداعين الي الاصلاح بمختلف جوانب، فبالرغم من سعد صالح لم يكن راديكالياً ثوروياً. بمعني الدعوة الي إلغاء النظام الملكي أو استبداله بنظام جمهوري أو تغيير الطبقة السائدة بأخري مضادة، الاّ أنه كان داعية للإصلاح مؤمناً بكل جوانبه ومع كونه وطنياً يري ضرورة التحرر من ربقة الكولونيالية الانكليزية وسيطرة مستشاريها غير المباشرة علي السلطة الملكية في العراق - إلاّ أنه كان داعية إصلاح عنيد وصلب علي كل المستويات، لأنه يعتقد أنه بالاصلاح وحده يتم تحقيق العدل، ولذا دعا الي الاصلاح السياسي. لقد نشأ سعد صالح في الأحياء الشعبية للنجف الأشرف، ودرس العلوم الدينية وكان قريباً من الهمّ الشعبي وظلّ إبناً باراً لعائلة مقاومة شاركت في الدفاع عن النجف إبان ثورة (1915) ضد العثمانيين وفي ثورة العام (1918) ضد الانكليز، كما شارك شخصياً وبصورة فعّالة في ثورة العشرين، وعاني ما عاناه الشعب العراقي من شظف العيش والعوز والظلام. وقد جاء موقفه إنطلاقاً من فهمه أن الهوية تقدّم الانتماء الوطني علي أي انتماء آخر، وإذا كان التركيز علي المواطنة ضرورياً فلأنها تعتبر أحد الأعمدة الأساسية للنظريات الدستورية والقانونية المعاصرة، خصوصاً بتحديد الحقوق والواجبات ضمن جدلية المواطنة والتنمية المستدامة والانسانية الشاملة، بحيث يتم ردّ الاعتبار لها في ضوء فضاء إنساني بعيداً عن التصوّرات الآيديولوجية التطبيقية أو النظريات المتعالية، سواء تلك التي تفرّق بين مكوّنات المجتمع القومية والدينية والإثنية أو بين مكوّنات البشرية التي تجمع الرجل والمرأة في خدمة الأمة وقضاياها. إذن، مفهوم الهوية متشابك مع مفهوم المواطنة، والمعروف أن المواطنة بوجود الهوّة العميقة بين الأغنياء والفقراء واتّساع الفوارق الاجتماعية والاقتصادية تصبح محل تساؤل كبير، وبهذا المعني فإن مهمة القضاء علي الفقر تتطلب تعزيز إحترام حقوق الانسان بما فيه حقوق الفئات الأكثر حرماناً أفراداً أو جماعات للتمتع بالقدر المعقول من الكرامة والحرية، وبمستوي مقبول من الرفاه المادي والروحي وفقاً لتوازن الحقوق والواجبات، وإذا كانت ثمة هموم مشتركة إنسانية في الأوطان، فإن الفقر يشكّل عموداً فقرياً ناظماً لتلك القضايا جميعها. إذ بدون مواجهته والقضاء عليه لا يمكن للأمم والشعوب أن تسير نحو المشترك الانساني القائم علي احترام حقوق الانسان، إذ أن الأضرار الناجمة عن عدم تحقيق العدالة ليست مادية فحسب بل تحمل أضراراً معنوية نفسية تتراكم وتتفاعل لتغذي التطرف والتعصب والشوفينية والديماغوجية والعنف والإرهاب، وهي التي تزيد ظاهرة الفقر وعدم التوزيع العادل للثروة وتوفير الفرص المتكافئة فداحة أكبر، إذ لا يمكن عند الحديث عن المواطنة العضوية القائمة علي العدالة وغضّ النظر عن السلم المجتمعي القائم علي مبادئ حقوق الانسان والمساواة والحرية.
إن هذا الطرح غير البعيد عن النظرية الماركسية هو الذي حدا بـ سعد صالح أن يبرز العلاقة العضوية بين الفقر والإقصاء في معظم خطاباته في البرلمان أو ما نشره في الصحف الصادرة آنذاك ومن مقالات نارية. إن الأوضاع التي يعيشها الفقراء المهمّشون الذين يعملون بدون حماية القانون هي التي تعرّضهم للمساءلة والمعاناة من جهة، ولسوء الاستغلال من جهة أخري، وإذا كان فقراء المجتمع العراقي أيام سعد صالح (أو حتي راهناً) يتعرّضون للاستغلال من قبل أصحاب الأراضي والاقطاعيات الكبيرة، من قبل رؤساء العشائر والقبائل أو من جهة النخب السياسية القابضة علي دست السلطة بسبب عدم التوزيع العادل للثروة، فإن الفقر حالة مركّبة وظاهرة متعددة الأوجه، لذلك ينبغي التعامل معه بجدية ويقظة شديدتين، خصوصاً وأن استمراره يعتبر انتقاصاً ونبذاً للمواطنة، وإن تفاقمه يؤدي الي نتائج كارثية، فكيف تستقيم مواطنة حيوية ومعنوية وعضوية كاملة في ظل شحة الدخول وضعف الموارد المنتجة الكافية لسبل العيش الطبيعي، فضلاً عن حياة هي دون خط الفقر، أي حياة منكوبة بامتياز!؟
وهذا ما يذكرنا بمقولة الإمام علي بن أبي طالب (ع): " الفقر في الوطن غربة، والغني في الغربة وطن" هذه المقولة التي ربطت بين المواطنة والفقر وبالتالي بين المواطنة والهوية، فهويتك ? حسبها - ستكون حيث يحبون العيش بكرامة أينما كانت وفي أية جغرافيا سياسية. إن الجوع وسوء التغذية وعدم توفّر فرص الحصول علي التعليم وتنمية المهارات واكتساب المعرفة والحصول علي سكن مناسب وخدمات الكهرباء والماء الصالح للاستهلاك البشري ومنظومة صرف صحي وبيئة مناسبة لتنمية المواهب والكفاءات، وضمان حقوق المرأة والطفل والتوعية الانجابية الفاعلة، كل هذه المشاكل ستنتقص من المواطنة وتجعلها عرضة للإهتزاز، ولا يمكن الحديث عن مواطنة دون توفرها، وحتي في التطبيب والضمان الصحي والاجتماعي والتمتع بوسائل الثقافة وثمارها، وقبل كل شيء الحق في التخلص من ربقة الفقر والحق في العدالة الاجتماعية، تلك العدالة التي واجه " سعد صالح" المستشارين البريطانيين والادارات المحلية الفاسدة والطبقة السياسية، وحتي الحكومة من أجل وصول العراقيين اليها، وجاءت كل خطاباته ومقالاته ورسائله بذلك الدفاع المستبسل عن قيم العدالة وروحها.
متصرف لواء العمارة
وليس بعيداً عن مفهوم الهوية الوطنية العراقية وعلاقتها بمفهوم المواطنة غير المثقفة لفت نظرنا ما جاء في الصفحة (90) من الكتاب الذي نحن بصدد قراءته، فقد ذكر المفكر عبد الحسين شعبان مفصلاً مهماً من حياة ذلك الرجل الفذ " سعد صالح" ضمن الفصل الثالث والمعنون "الفرصة الوطنية/ أهلك وطنك" وكان منطوقه: "وفي لواء العمارة عندما عمل كمتصرف (1943) فقد سعي لمعالجة مشاكل المعتقلين في معتقل العمارة والاهتمام بهم، وأصدر أوامره الي العشائر العراقية بالرد علي الاعتداءات الإيرانية بأنفسهم بعد فشل الاحتجاجات الرسمية في وقف اعتداءاتهم علي المخافر الحدودية مما أدي الي توقّف الاعتداءات، كما ساهم في السعي لحل مشاكل الأراضي الأميرية في اللواء". وبعد تقصّي صدقية (الرد علي الاعتداءات الايرانية) من قبل بعض الشيوخ ممن عاصروا هذه الحالة في مدينة العمارة والقري والقصبات الحدودية، بحكم سكني في المدينة منذ العام 1958 وعملي في الحقول النفطية الحدودية (البزركان والفكة الشمالية والجنوبية، أبو عرب، الطيب، أبو هديرية.. الخ) وهي مواقع نفطية حدودية في تماس مباشر مع الجانب الإيراني، تأكّد لي صدقية ما جاء في اقتباس الاستاذ عبد الحسين شعبان، فقد جمع المتصرف آنذاك " سعد صالح" كل رؤساء العشائر والأفخاذ المتاخمة مناطق سكناهم أو مراعيهم أو مزارعهم للحدود الإيرانية، ووضّح لهم جلية الأمر وما يتطلبه الواجب الوطني في الذود علي أرض الأجداد وحدود الوطن المقدسة والمحرّمة علي الأجنبي. وبالتعاون مع القائد العسكري لموقع العمارة آنذاك، فتح لهم مخازن الجيش وزوّدهم بالبنادق الثقيلة والخفيفة وبعض مدافع الهاون من العيار الخفيف والمتوسط، والقنابل اليدوية والحراب، ولم يضيّع وقتاً ثميناً في أبناء العشائر، فهم مدربون سلفاً لأن بيئة المجتمع العراقي كانت وما زالت بيئة عسكرية معتمدة، وكل عشيرة فيها أو أي تجمع قبلي يُعدّ وحدة عسكرية ثابتة في أرضها أو متنقلة طلباً للمراعي الخصبة، ووزّع عليهم المهام القتالية كل حسب أرضه ورقعته الجغرافية، وحالما اكتسبوا الجاهزية القتالية أعطاهم إشارة البدء ضد العدوان المحتل وإزاحة مكان صد الهجوم مقابل، تحت إشرافه، ومراقبة ضبّاط موقع العمارة (القلقون جداً)، وحصل علي ما أراد، فقد استبسل رجال (كتانة والسواعد والجيازنة والوبيات وبني عقبة وبني لام وكعب والسادة البخات والمتحالفون معهم) في ردع الغزاة الإيرانيين، وكنسهم بالكامل عن الأراضي العراقية ومطاردتهم في عمق أراضيهم. لقد كان الانتصار تاريخياً وكبيراً وكانت خسائر الإيرانيين جسيمة في الأرواح والمعدّات وخسائر الجانب العراقي صغيرة ومحدودة، ولم تدم المعركة لأكثر من نهار واحد، علي إثرها طلب الجانب الإيراني الاجتماع علي الحدود في منطقة الفكّه الشمالي تحديداً، وتمّ تسوية كل الأمور العالقة، وقد مثل الجانب العراقي المتصرف " سعد صالح جريو" وثلة من ضباط موقع العمارة، وأداروا الحوار من موقع القوة والاقتدار. لقد كان كتاب المفكر عبد الحسين شعبان عن سعد صالح كتاباً قيّماً وثميناً، لأنه منحنا عمقاً عراقياً أصيلاً نحتاج اليه في مرحلتنا الحاضرة، وأعاد لنا ذكريات تشرّفنا، ومشروعية فكرية وثقافية وسياسية، هي بحكم الضرورة مشروعية وطنية لطالما ناضل الشعب العراقي بكل أطيافه وفئاته وطبقاته كيما يحوزها عبر تأريخه الحديث.
الهوامش
1- سعد صالح - الضوء والظل/ الوسطية والفرصة الضائعة/ عبد الحسين شعبان/ الدار العربية للعلوم / ناشرون - بيروت/ ط1/ 2009 وكل المقبوسات الواردة في هذه المقالة أخذت من هذه الطبعة.
عن  جريدة الزمان http://www.sutuur.com/ma8alt01/167-muhmd.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقدمات العلاف

   مقدمات العلاف خلال سنوات طويلة، تشرفتُ بكتابة مقدمات لكتب ، اصدرها كتاب ومؤرخون واساتذة اجلاء .. ومراكز بحثية رصينة صدرت تتعلق بموضوع...