العمل والعمال في رمضان في الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس -جامعة الموصل
رمضان شهر الصوم ورمضان شهر الكرم شهر القرآن الكريم
والناس في الموصل تحتفل بقدوم شهر رمضان وتستعد له وابناء الموصل قوم متدينون
يصومون شهر رمضان كما يجب حتى انهم يلزمون اطفالهم بصوم رمضان وتتعاظم صعوبة الصوم
عندما يأتي في الصيف وتتزايد ساعات الصوم لتزيد عن 12 ساعة .
وفي رمضان هناك عمال يعملون في البناء او في مهن وحرف
شاقة ومنها الحدادة او النجارة والسباكة وفي تصليح السيارات وهناك عمال النظافة
والعمال الاجراء الذين يتجمعون في اماكن محددة من مدينة الموصل لينتظروا اصحاب
الاعمال ... وهناك الحمالون الذين يهرعون
لنقل السلع والبضائع وتحميلها في السيارات او العربات كل هؤلاء نراهم يتجمعون قرب الاسواق والمحلات
والدكاكين والخانات ... تراهم يتجمعون في الباب الجديد في الموصل القديمة
واراهم يتجمعون في مدخل سوق النبي يونس في الجانب الايسر من الموصل وتراهم عندما
تقف سيارة صاحب العمل لاختيار عامل واحد او عاملين تراهم يتجمعون على السيارة وكل
واحد يعرض نفسه للعمل مبينا قدراته وصبره .
وكثيرا ما كنت اذهب الى مدخل سوق النبي يونس لاختيار
العمال عندما كنت ابني داري فأجد انهم صائمون واسألهم لماذا يصومون وهم يقومون
بالاعمال الشاقة فأجدهم يجيبون انهم يخجلون من انفسهم ومن اولادهم الصغار ومن
امهاتهم وزوجاتهم عندما يرونهم صائمين وهم متدينون وان هناك شهر واحد للصوم في كل
سنة فلماذا لايصومون ؟ . ومرة قال لي احدهم انه يشعر بقوته وبحسن صحته اذا كان
صائما وانه عندما يأكل وخاصة وقت الظهر ، يشعر بالنعاس والكسل .
اناس فقراء يعيشون من كد تعبهم ان عملوا عاشوا وان
توقفوا عن العمل جاعوا وسوف لن يجدوا احدا يساعدهم لانهم غالبا ما يكونوا من
الشباب .
ومن الامور التي تلفت نظري انني اجد بين هؤلاء العمال رجالا
كبارا في السن فأحزن عليهم واقول المفروض ان يتقاعد هؤلاء ويجلسوا في بيوتهم
وينصرفون للعناية بأنفسهم واسألهم فأجد انهم يفتقدون المعيل لا ولد لهم ولامعين واحيانا لبعضهم اولاد لكن اولادهم
منصرفين عنهم ولا يلتفتون اليهم وارثي حقا لحالهم وادعو الدولة دوما الى ان تشملهم
برعايتها وتخصص لهم راتبا بعضهم من تجاوز في العمر ستين سنة او اكثر لكنه مضطر
للعمل لكي يعيش هو وزوجته او من يعيلهم .
هناك في تقاطعات
شوارع وساحات الموصل في جانبها الايمن وجانبها الايسر اجد عمالا متخصصين
بتسليك المجاري وآخرين يعملون في تنظيم الحدائق واخرين يعملون في صبغ الدور وهكذا
يتم الاتفاق بينهم وبين من يحتاج الى عملهم على الاجور .
في الموصل كانت هناك اشغال لكنها اليوم اصبحت نادرة كان
هناك من يسمى مبيض المواعين وكان هناك حداد السكاكين وكان هناك جغاش البرغل وكان
هناك السقاء وهو من يجلب الماء الى البيوت
من النهر بواسطة القرب التي تحملها الحمير كل هذه المهن والحرف انقرضت او كادت
تنقرض .
لكن ذكريات هذه الاعمال وصورها لاتزال منتشرة تذكرنا
بالزمن الجميل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق