الاثنين، 26 أبريل 2021

جرزات الموصل ...................... ا.د. ابراهيم خليل العلاف




 


جرزات الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
ولازلت اتذكر ، ومنذ الاربعينات من القرن الماضي ، ان مما كانت ولازالت الموصل تشتهر به هو انها مدينة الجرزات أو الكرزات .. ومما كنت اعرفه واسمعه ايضا ان مدينة الموصل تشبه مدينة حلب في سوريا والموصل وحلب صنوان وانهما كانا ضمن دولة واحدة هي الدولة الحمدانية (905-991 ميلادية 293-381 هجرية ) ، وان هناك علاقات وثيقة بين الاسر الموصلية والاسر الحلبية ، وان هناك زواجات ومصاهرات وان هناك اسرا موصلية في حلب ، واسرا حلبية في الموصل وان من سكن الموصل من الاسر الحلبية معظمهم معروفون بصنع الجرزات والحلويات .
وما دمت الان احدثكم عن الجرزات وخاصة في رمضان المبارك ، واذكر لكم محلات مشهورة ببيع الجرزات من قبيل محلات الحاج سلطان في خزرج ، ومحلات الحاج حميد ابو مؤيد في شارع نينوى ، ومحلات الكرم في الزهور ومحلات تاج العروس في المجموعة الثقافية ومحلات الشكرجي في حي النور ؛ فلابد ان اقول ان صناعة الجرزات متوارثة أبا عن جد وان الجرزات او ما يسمى ايضا المكسرات انواع وانواع مختلفة فهناك منها الخشن وهناك منها الناعم وجرزات اليوم تختلف عن جرزات الامس اذ ان جرزات اليوم كثيرة ومتنوعة ولازلت اتذكر كيف ان جرزات الامس بالنسبة للاسر الفقيرة كانت مقتصرة على ما يسمى ( السسي) و(حب الشمزي ) و(القضامي ) و(حبة الخضراء ) و(البطم ) .. لكنها امس واليوم بالنسبة للأسر المتوسطة والغنية كثيرة ومنها ( البندق ) و(الفستق ) و(الكازو) و(الجوز) و(اللوز) و(فستق العبيد ) .
وفي سنوات الحصار في التسعينات ازدهر نوع من الجرزات وبكميات كبيرة وما اقصده هو حب الفقراء ( حب شمس) ، وهو رخيص الثمن ولذيذ وسهل تقشيره وتناوله واشيع في وقته ان كثرة تناوله تورث الخمول وتبلد الدماغ لكن لم يثبت صحيا شيء من هذا القبيل ولايزال الناس يتناولونه كنوع جيد ورخيص الثمن من الجرزات .
ان من الامور التي لابد ان اذكرها وانا اتحدث عن الجرزات ان الموصل وفي الثلاثينات والاربعينات وحتى الستينات كانت مليئة بأشجار الفستق ودائما اقول في احاديثي انك لو وقفت على تل النبي يونس عليه السلام لرأيت اشجار الفستق ممتدة من محلة النبي يونس الى يارمجة وبشكل مكثف أي ان اراضي احياء الوحدة والضباط والبعث والمالية ودوميز مغطاة بأشجار الفستق والتي للأسف اقتطعت ووزعت لتتحول الى احياء سكنية . هذا فضلا عن اشجار الفستق الممتدة عبر احياء الدواسة والدندان وقصر المطران وغير ذلك من مناطق الموصل .
وكثير من جرزات الموصل تجلب من مدن وقصبات شمال العراق في اقليم كردستان العراق فالعلاقة بين الموصل ومدن وقصبات كردستان كانت وثيقة ولازالت وهناك علاقات عمل وتجارة واسعة .
كما ان اواعا من الجرزات تستورد من تركيا الجارة الشمالية ومن سوريا ومن ايران .
ويقينا ان العلم الحديث اثبت ومن خلال الدراسات العلمية فائدة الجرزات واحتواءها على عناصر غذائية وانواع من الفيتامينات والبروتينات التي يحتاجها جسم الانسان في بنائه ومقاومته لكثير من الامراض فضلا عن ما توفره هذه الجرزات من اجواء جميلة اوقات الراحة والسمر وبعد الفطور مما يجمع العائلة على تناول الجرزات والتسلية والحديث والمناقشات والتي تستمر حتى وقت السحور .
والان نستطيع ان نحصل على الكثير من المعلومات من خلال الانترنت عن فوائد تناول أي نوع من انواع الجرزات على عقل الانسان وقلبه وبدنه ؛ فللفستق فوائد ، وللجوز فوائد وللحبة الخضراء فوائد وكلها تنعش القلب وتقلل من السمنة ، وتساعد الانسان على مقاومة الكثير من المخاطر الصحية التي يتعرض لها الانسان .
وهناك نقطة لابد ان اشير اليها وهي ان كثيرا من الجرزات تدخل في صناعة الحلويات فالجوز يدخل في صناعة البقلاوة كما ان الفستق بات اليوم ايضا يدخل في صناعة البقلاوة .كما ان الفستق اليوم يدخل في صناعة الدوندرمة أي الموطا كما تسمى ويدخل الفستق في صناعة من السماء وهكذا وهنا ايضا لابد ان انوه الى ان الجوز يدخل في صناعة كليجة العيد .كما ان هناك نوع من الحلويات يدخل اللوز فيها ونسميها في الموصل (اللوزينة ) .
ايضا هناك امر آخر لابد ان اذكره ان بعض مما يستخدمه الانسان كجرزات يدخل في صناعة الادوية ولازلت اتذكر جدتي قبل سبعين سنة وهي تصنع دواء يعالج سعال الاطفال من اوراق شجرة الفستق .كما ان هناك من يستخدم قشر الجوز الاخضر ويسمى الديرم كنوع من تجميل شفة المرأة .
وهكذا للجرزات فؤائد وفوائد كثيرة وترتبط الجرزات بذكريات جميلة فمنذ كنا اطفالا كنا نشاهد من يبيع الفستق الاخضر او يبيع حبة الخضراء أو يبيع البطم حتى ان تراثنا المكتوب يضم قصصا وامثالا عن الجرزات يتندر بها الناس وهم يتناولون انواعا مختلفة من هذه الجرزات .
الجرزات ترتبط بحياة الموصليين بتراثهم بذكرياتهم وان انسى لايمكن ان انسى كيف كان يتم التحضير لهذه الجرزات في بيت الحلبي بمحلة الامام عون الدين حسبما اتذكر ولاانسى ما كان يعرف ب(الجافوف ) الذي يقلى فيه السسي ، ولا انسى ان هناك اسرة تعرف ببيت عبو السسي في محلة الباب الجديد ، ولا انسى الحاج حميد ومحلات اولاده وهو والد صديقنا الاستاذ نجيب حميد مدير العلاقات والاعلام في جامعة الموصل في السبعينات ولا انسى محلات الحاج سلطان في خزرج وهو متخصص ببيع انواع من الجرزات ولاانسى ايضا كيف كان الموصلي وما يزال عندما يسافر يأخذ معه هدايا ابرزها الجرزات الموصلية والحلويات الموصلية ويقدمها هدية ثمينة لمن يزورهم ويتقبل الاخرون منه هذه الهدية المحببة التي تزيد من اواصر العلاقات والمحبة بين الناس ويسعدني انا كاتب هذه السطور انني افعل ذلك فالهدية الثمينة التي احملها للأصدقاء هي الجرزات الموصلية ذات التاريخ العريق .
كما ان من الضروري ان اذكر ان من ابرز لوازم الافراح ومنها افراح الزواج او ختان الاولاد – الطهور هو ان تكون الجرزات حاضرة فيها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...