لعبة الفر في رمضان في الموصل *
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
وفي شهر رمضان المبارك إعتاد الموصليون على ممارسة بعض الالعاب ومنهم ما يسمونه (لعبة الفر) ، فما ان تنتهي صلاة التراويح حتى تبدأ السهرة إما من خلال الزيارات المتبادلة والسمر ، أو التحلق حول جهاز التلفزيون ، او ذهاب الاب الى المقهى القريب الذي كان موجودا في كل محلة .
وليس كل من يذهب الى المقهى في رمضان ليلا بعد صلاة التراويح ، كان يشارك في لعبة الفر وانما كان هناك من يسمع الراديو ومن قبل الغرامافون ، ويجلس مع اصدقاءه ليتسامروا ويلعبوا الدومينو والنرد والحالوسي والدامة والشطرنج . وثمة مقاه خاصة بالمثقفين من ادباء وشعراء وكتاب يتناقشون فيما صدر من كتب ودواوين شعر وما شاكل ذلك .
وفيما يتعلق ب ( لعبة الفر) ، فالشباب يحلو لهم بعد الإفطار أن يمارسوا لعبة الفر في المقاهي، ولعبة الفر لعبة شعبية موصلية . وتضم فريقين ، كل فريق يمثل محلة من محلات الموصل يتوزعان يميناً ويساراً، تتوسطهما صينية صغيرة تحتوي على حد عشر فنجاناً نحاسياً. وللعبة قواعد خاصة بها . وبعد الانتهاء من اللعبة توزع على الحاضرين صينية بقلاوة أو زلابيا على حساب الفريق الخاسر وسط ضحك ومرح الجميع .
وفيما يتعلق بالنساء فإنهن كما يقول الكاتب التراثي الاستاذ غانم الحيو كثيرا ما نراهم مشغولات بتهيئة وخياطة ملابس العيد عند الخياطة في المحلة التي يزداد الإقبال عليها في رمضان. وإدامة الفرش والستائر وبعض الأثاث فيما يلعب الأولاد والصبيان مع إقرائهم في المحلة في زقاق المحلة مختلف الألعاب الصبيانية.
وتقدم في بعض المقاهي الشعبية مثل (مقهى السويدية ومقهى المكاوي ومقهى المصبغة في شهر سوق وغيرها من المقاهي الشعبية (العنترية) وينقسمون إلى فريقين مؤيد لعنترة أو مؤيد لخصومة .
لعبة الفر وتسمى ايضا لعبة الصينية تقوم بأن يوضع خاتم او محبس او خرزة تحت واحد من عشرة فناجين معدنية داخل صينية ، ويحاول كل فريق كشف الفنجان المقصود فتسجل له نقاط بعدد الفناجين الباقية في الصينية . وقد يعثر اللاعب على الفنجان من اول محاولة وبذلك يصيح اللاعبون" تسعة " اي تسجل تسع نقاط وهي اعلى نتيجة وبعدها ينفذ شرط اللعب وهو تناول الفريقين صينية من البقلاة او الزلابية على حساب الفريق الخاسر .
وقد ادركت في صباي وفي مقهى حياوي في الكوازين اي محلة رأس الكور قراءة العنتريات حيث يجلس القارئ على اريكة عالية ليحكي قصة عنترة بن شداد وبطولاته طيلة ليلي رمضان ..
كما رأيت ان بعضا من مرتادي الجامع يقيمون نشاطات لرفع الاثقال او لصراع الديكة وما شاكل ذلك وكان لي عم اسمه غانم واحد ممن يرفع الاثقال في المقهى الذي يستمر في فتح ابوابه حتى السحور وغالبا ما يعود الرجل الى بيته عائدا من المقهى عند بدء فترة السحور .
كما كانت هناك دور للعرض السينمائي في الموصل صيفية وكانت تأتي بالافلام التي تتناسب وشهر رمضان ودون ان تثير عليها غضب المتدينيين
ويشير الاستاذ عمر عبد العزيزمنير في مقالة له عن تراث رمضان في الموصل الى ان المقاهي في رمضان تظل مفتوحة ليلا تضج بالرواد حتى وقت الإمساك، بعض هذه المقاهي يقتصر على السمر واللطائف الدينـــية والاجـــتماعية، والقـــصص والسوالف والتمثيل وروادها كان أكثرهم من الكهول والشيوخ وبعض الشبان الميالين لمثل هذه المجامع يعقدون اللقاءات الاجتماعية ويستمعون إلى رواة القصص الشعبية الذين يسلونهم في المقاهي كل ليلة في هذا الشهر.
أما بعضهم الآخر من المقاهي - وهي الأكثر - تمارس فيها لعبة الفر وهي من التقاليد التي لا يحاد عنها ومن الطريف ان هذه اللعبة لاتمارس الا في شهر رمضان وهي تمارس في الموصل وكركوك وفي بغداد هناك لعبة المحيبس.وتحتاج لعبة الفر الى الذكاء والصبر والفراسة وقوة الاعصاب وهدوئها . وقد روى لي الاستاذ مثري العاني جانبا من ذكرياته وهو الكاتب التراثي عن لعبة الفر وكيف كانت الصيحات ترتفع لتقول لمن يحزر اين كان المحبس (خوش لاعوب .. أشهد ما بالله خوش لاعوب ) أي لاعب جيد وتردد اغنية شعبية من قبيل (هذا المنسف مالمن ..نلعب على طاغو ..هذا مال ابو علي ...يعيشوا خطاغو ..هذا المنسف مال من ..نلعب على طاغو ..هذا المنسف مال يونس ...ياهلا بخطاغو ) والمنسف يعنون به صينية البقلاوة او صينية الزلابية وطاغو اي اطاره وخطارو اي خطاره وزواره وهذه من الاغاني الجميلة مجهولة المؤلف والملحن ذكرها الاستاذ زكي ابراهيم في كتابه ( الاغاني الشعبية الموصلية ) .
رمضانكم مبارك ...وصيامكم مقبول والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
*حلقة اليوم الاحد 27-5-2018 من برنامجي التلفزيوني اليومي ( رمضانيات موصلية ) من قناة (الموصلية ) كانت عن (لعبة الفر في رمضان )
** صورة لشباب يلعبون لعبة الفر في محلة النبي شيت بالموصل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق