الاجواء الروحانية في
الموصل خلال شهر رمضان
ا.د. ابراهيم خليل
العلاف
استاذ التاريخ الحديث
المتمرس –جامعة الموصل
شهور الله كلها مباركة
..... الا ان شهر رمضان المبارك له نكهة خاصة ، ليس في مدينة الموصل وحسب بل وفي
كل المدن الاسلامية ...فالناس يحتفون بقدوم رمضان ، ويهنئ بعضهم بعضا ، ويبدأون في
تهيئة المستلزمات استعدادا للصيام لذلك تزدهر الاسواق ، ويتزاحم الجميع على شراء
المأكولات ، والمشروبات ، والعصائر، والحلويات ..وغالبا ما يأتي رمضان في الصيف
الحار ومن هنا جاء اسمه فرمضان من الرمضاء والرمضاء الحر .
شهر رمضان الذي أنزل
فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) (البقرة) /185 .
ولشهر رمضان عند أهل
الموصل قدسية ومكانة مرموقة وسـمه إيمانية متميزة امتثالاً لأمر الله سبحانه تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على
الذين من قبلكم لعلكم تتقون) (البقرة /183) . وابتهاجاً بقوله صلى الله عليه وسلم
: ( إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين ) (رواه
أبو هريرة /رض)، والحديث القدسي (الصوم لي وأنا أجزى به) .هو شهر الصيام ، والقيام
، والتهليل ، والتكبير والتسبيح والتحميد، والاستغفار والتراويح والقرآن ، ونوال
الجنة والعتق من النار.
ولهذا الشهر الفضيل
طقوسه الموصلية من عادات وتقاليد اعتادوا على ممارستها والتمسك بها خلال هذا الشهر
الكريم وتعظيم شعائره (ذلك ومن يعظم شعائر الله فأنها من تقوى القلوب). وفي
المألوف الشعبي الموصلي طعما خاصا من تقديسه والاحتفال به سـواء من الشيوخ والشباب
وحتى الأطفال ، فقراء وأغنياء متوارثين ذلك الأبناء عن الآباء والأجداد .
يبدأ استقبال رمضان من
شهر رجب ، فقد أعتاد الكثير من أهل الموصل صيام أيام عديدة من شهري رجب وشعبان ،
خاصة يومي الاثنين والخميس منهما تطوعاً أو إيفاءَ لما أفطروه من رمضان السنة
الماضية بعذر شرعي.
في
رمضان يتبادل الناس التهنئة .. وفي وقتنا الحاضر أصبح الهاتف الجوال اي (الموبايل)
يرن بين الفينة والاخرى وعندما تفتحه تجد التهاني برمضان تترى من الاصدقاء
والاقرباء والمحبين .. ومما ينبغي هنا ان نلاحظه هو العبارات الجاهزة للتهنئة مما
ينبغي ان نذكر بضرورة ان تكون التهنئة بعبارات صادقة يكتبها المحب بنفسه لمحبه
وصديقه حتى تأخذ طريقها الى القلب هذا ما اشعر به انا نفسي فقد اتحمس للرد على
تهنئة صادقة بلغة من يرسلها وبأسلوبه اكثر مما أتحمس لتهنئة تعتمد "
الكليشهات" الجاهزة والتي غالبا ما ترسل بالصيغة نفسها لكل الاصدقاء والمحبين .
المهم يبدأ رمضان بعد
اقرار الهيئة الشرعية أو قاضي الموصل ثبوت رؤية دخول الشهر الفضيل ..كان الناس
ينتظرون ان يعلن القاضي ذلك من خلال المذياع او التلفزيون .. وغالبا ما يتم
الاختلاف فيصوم البعض اعتمادا على ما اعلنه مفتي السعودية في حين يلتزم الاخرون
بما يعلنه قاضي العراق .. وكان في الستينات وما بعدها السيد عبد الرزاق ابراهيم ..
ومنذ اكثر من الف واربعمائة سنة يختلف المسلمون هنا وهناك بشأن بدء الصوم ونهايته
وحجتهم ليست الحسابات الفلكية الدقيقة ، ونتائج الاجهزة العلمية وانما لابد ان
يروا الهلال بأعينهم المجردة أو أن يرى احدهم او بعضهم الهلال "فمن شهد منكم
الشهر فليصمه " .. وقد جاء في الاثر :" صوموا لرؤيته ..وأفطروا لرؤيته
" . ومن الواضح ان رؤيته المنصوص عليها في الاثر غير مشروطة بعدم استعمال
الاجهزة العلمية ومن البديهي ان صيامنا سوف لن يكون باطلا اذا رأينا هلال رمضان من
خلال التلسكوب.. ومهما يكن من امر فهي - كما قال احد الكتاب - معركة كل عام والحمد
لله فأن الجميع في هذه السنة قد اتفق على بدء الصوم وكان بالضبط يوم الثلاثاء
الاول من رمضان 1434 هجرية الموافق لليوم التاسع من شهر تموز سنة 2013 ميلادية ..
كما هو معروف ومن خلال
السجلات التاريخية فأن القاضي سواء الجلوس عليها عند استطلاع الهلال. وبعد رؤية
الهلال تقام الاحتفالات .. وثمة روايات كثيرة عن مراسيم هذه الاحتفالات في الموصل
وغيرها من المدن الاسلامية وغالبا ما يحضر تلك الاحتفالات الولاة والقضاة وفقهاء
المدن ومشايخ الاصناف والحرف والنقباء والاهالي وكان لسان حال الجميع يردد "
يا أمة خير الانام ..صيام ..صيام في بغداد أو الموصل او القاهرة او غيرها من المدن
الاسلامية كان هو من يخرج لرؤية الهلال او ان يجلس ليأتيه الشهود .. وفي مصر وخلال
العهد المملوكي اعدت للقضاة دكة بأسم "دكة القضاة " بجبل المقطم في
القاهرة وهذه الدكة كانت ترتفع عن المساجد من اجل " .
ولقد ادركت في صباي
جانبا من الاحتفالات بقدوم رمضان في الموصل حيث تطوف المسيرات في الشوارع ويشارك
الناس في احتفالات فولكلورية رافعين الفوانيس والمشاعل ويرافق هذه المواكب الاطفال
فرحين مبتهجين ويدورون على ابواب الميسورين مرددين "ماجينا ياماجينا حل الجيس
وانطينا " ويتم ذلك بعد ذكر اسماء الاعزاء من اطفال اولئك الناس "الله
يخلي احمد " "الله يخلي حسين " وهكذا ..
كنت اسمع بخروج اناس
الى البادية عصر اليوم السابق لرمضان او قبل ذلك حيث يصفو الجو خاصة لرؤية الهلال
الجديد هلال رمضان ..ويتوزع الناس على جوامع المدينة ليسمعوا (الوعظ) وخطب الجمع ..جامع الشيخ عبدال وجامع النبي
جرجيس وجامع النبي شيت وجامع النبي يونس وجامع الخضر وجامعة عبد الله بكر والجامع
النوري وجامع المصفي "هل هلالك شهر مبارك " يهنيئ الناس بعضهم بعضا
فرحين مستبشرين .
نعم
كان رمضان في الموصل وايامه الجميلة شهرا
للطاعات وتسود الاجواء الروحانية ايامه ولياليه فالرجال والنساء والاطفال يفرحون
برمضان المبارك ويستعدون له وتمتلأ الجوامع والمساجد وخاصة في احياء المدينة وفي
القرى والارياف بالمصلين ويبدأ الناس بقراءة القرآن الكريم ويحرصون على ختمه اكثر
من مرة سواء في الجامع او في البيت كما تقيم المساجد والجوامع دورات لتحفيظ القرآن
للاطفال وتقيم المسابقات فيما بينهم ضمانا
لاتقان قراءة القرآن الكريم وحفظ بعض من آياته وسوره وكثيرا ما نشاهد اطفال الموصل
وهم يرتدون الدشاديش البضاء وعلى رؤوسهم العرقجين ويذهبون الى المساجد والجوامع
ومن الطريف ان الشيوخ والرجال يفسحون لهم وحتى للنساء اماكن خاصة تشجيعا لهم
لارتياد الجوامع والمساجد ودراسة القرآن الكريم ويتحدثون امامهم عن ان شهر رمضان
المبارك هو شهر القرآن الشهر الذي نزل فيه القرآن على النبي الكريم محمد صلى الله
عليه وسلم .
الذي يهمنا هنا ان نؤكد
بأن شهر رمضان المبارك هو شهر الطاعات .. وشهر الغفران .. وشهر التوبة.. وشهر
البركة . وله قدسية في كل العالم الاسلامي وله قدسية في مدينتنا هذه مدينة الموصل
المدينة العريقة التي عرفت وعلى مدى قرون بتدينها وبنزعتها الايمانية وبمحافظتها
على العراقة والاصالة ..
في صغري وشبابي كنت
اشعر بأن من يفطر في رمضان ليس مسلما وهو نفسه كان يشعر بالخجل ويتواري من الناس
وغالبا ما كان الصائمون من الاطفال يسمعون المُفطرين عبارات قاسية من قبيل
"الصايم شيشي والمفطغ كديشي " و"الصايم عالبناغة والمفطغ يأكل فاغة " ...
الاطفال الصغار كانوا
يصومون رمضان وكان الاهالي يتحايلون على اطفالهم الصغار فيقولون لهم عبارة لاتزال
ترن في اذني وهي "شللوا " أي صوموا من الفجر حتى الظهر ثم افطروا أي
كلوا شيئا وبعدها واصلوا الصوم حتى اذان المغرب وهم بذلك يحسبون لتكوين الطفل
البدني والنفسي حسابا ...ومع هذا كان الاطفال يصرون على الصوم واليوم أرى احفادي
وقسم منهم من لم يتجاوز السابعة من العمر يصوم ويصر على الصوم مع انني اوجه بضرورة
مراعاة تكوينهم البدني وحفاظا على صحتهم فضلا انهم لايزالون خارج التكليف الشرعي
فيأتيني الرد من ابائهم وامهاتهم "خلي يتعودون على الصوم " . اذا
العائلة الموصلية تصوم بجميع افرادها الاب والام والجد والجدة والاولاد.
ولرمضان في الموصل طقوس
محببة يحرص الجميع على مراعاتها ومنها التزود قبل حلول الشهر الفضيل بما يحتاجه
الصائم من الطعام والمؤونة والعصائر ومنها شربت الزبيب الذي يحرص الصائم على
الوقوف بالطابور امام محلات بيع عصير الزبيب –الشربت ولايحلى شراء الشربت الا من
اولئك الذين اشتهروا بتحضيره من الطحلك وبطرق معروفة ويمكن ان يقال الشيئ نفسه على
محلات بيع الطرشي والمخلالات ...
وقبل سنوات اصبحت
العصائر الاخرى تصطف مع الشربت في مائدة رمضان ولكل عصير لون فهناك عصير البرتقال
وعصير التفاح هذا كله الى جانب اللبن الرائب الذي يسميه الموصليون "الشنينة
" ..وتزدحم مائدة رمضان بما لذ وطاب من المأكولات ..والمائدة غنية ...وعندما
تقول لاحدهم ما هذا الاسراف يقول لك "رمضان ابو الخير " رمضان كريم
" ومما كنت الحظه تبادل الجيران بما لديهم من المأكولات بعضهم مع البعض الاخر
.قرأت مرة لعالم ديني قوله ان الانسان في رمضان يجب ان يقتصد ومتى قل مصروفه متى
قبلت طاعاته فاذا كان يصرف في الشهر قبل رمضان 500 الف دينار فعليه ان يقلص مصروفه
الى ال250 الف دينار والحال هو غير ما قاله ذلك الرجل وهذه اظنها سلبية لابد ان
نتخلص منها فالله سبحانه وتعالى لا يحب المسرفين والتدبير نصف المعيشة والاعتدال
واجب .
ينتظر الصبية الاذان
الذي يترافق مع ضربات المدفع وكان المدفع ينصب في الجانب الايسر قرب حديقة الشعب
وعلى الحافة اليسرى لنهر دجلة الخالد ..يتهيئا الجندي لإطلاق الطلقة الاولى من
المدفع ما ان يسمع مؤذن جامع الاغوات يلهج بعبارة الله اكبر وغالبا ما كنا نٌسعد
برؤية المدفع وهو يعلن بدء الافطار ومما اتذكره انني بقيت مرة وانا طفل في
الابتدائية مع عدد من اصدقائي الى جانب المدفع لنسمعه وهو يدوي وسط أهازيجنا
وفرحنا برمضان وبطقوسه الجميلة ..
وعندما نكون في البيت
وكان بيتنا في رأس الكور في الخمسينات من القرن الماضي نصعد الى سطح الدار لنسمع
الاذان اذان المغرب ونصرخ لنسمع اهلنا في الداخل "دق الطوب .... أذن افطغوا
" وعندئذ ننزل لنشارك اهلنا الافطار الذي يبتدأ كما يقول الاستاذ ازهر سعد
الله العبيدي في كتابه "الموصل ايام زمان " بأن يتناول كل صائم تمرة
..وهذه سنة درج عليها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وتتألف مائدة رمضان
من التمن والمرق والشوربة ال "السوب " وغالبا ما تكون الشوربة اما من
العدس واما من "الجريش " ولاننسى الكباب والسنبوسك او السنبوسه الى جانب
الخضروات والحلويات والفواكه ..كانوا يضعون في الشوربة قطعا من اللحم تسمى
العصافير ولايزالون في الموصل يلتزمون بهذه العادة .
وقد دأبت العائلة
الموصلية ان تؤدي صلاة المغرب قبل الافطار الذي يبتدأ بتناول التمر وقليلا من
الماء او " الشنينة " وبعدها تتجه العائلة الى الصلاة ويؤمهم رب البيت
هذا اذا كان يصلي في البيت او ان البعض يذهب الى المسجد القريب او الجامع القريب
ليؤدي فريضة صلاة المغرب وبالمناسبة فقد كان من عادة الموصليين التبرع للجامع
بالتمر والشربت الذي يٌقدم للمصلين قبل ادائهم للصلاة . وما انت تنتهي الصلاة حتى
يتحلق افراد العائلة حول سفرة رمضان ويبدأون الافطار .
من طقوس رمضان ان يبدأ
الناس قبل الفطور بقراءة آيات من الذكر الحكيم فهم يحرصون على ختمة القران في
رمضان المبارك وهذا ما دأبت عليه محطات التلفزيون من قبل وبعض القنوات الفضائية من
انها تقدم تلاوات من القران الكريم قبل ساعة تقريبا من بدء الافطار .. وما ان
ينتهي الافطار الا وتبدأ العائلة بشرب الشاي وتناول الحلويات وغالبا ما كان الشاي
يٌخدر على الفحم الذي يظل متقدا بعد شواء الكباب ليوضع اناء الشاي الكتلي فيغلي
الماء ويخدر الشاي في القوري وغالبا ما يوضع الهيل او عطر النعناع وبقدر ما يتعلق
الامر بي فأنني احب الشاي من السماور الذي نخرجه لنستعمله في رمضان والعيد وشاي
السماور يٌخدر بشكل جيد وماألذ واطيب من رائحة الشاي الزكية وقد تخدر ...وقد ارتبط
تخدير الشاي بتلك الاغنية التراثية الشعبية المعروفة "خدري الجاي خدري
..عيوني المن اخدره " .
وتحين صلاة التراويح
فيذهب رب الاسرة وتذهب الجدة والام الى الجامع وغالبا ما يصطحبون معهم الابناء
والاحفاد والحفيدات ..وتنتهي صلاة التراويح لتبدأ السهرة اما من خلال الزيارات
المتبادلة والسمر او التحلق حول جهاز التلفزيون او ذهاب الاب الى المقهى القريب
الذي كان موجودا في كل محلة وفي المقهى او " القهوي " تبدأ فعاليات من
نوع اخر فهناك لعبة الصينية (الفر باللهجة الشعبية ) وتقوم بأن يوضع خاتم او محبس
او خرزة تحت واحد من عشرة فناجين معدنية داخل صينية ويحاول كل فريق كشف الفنجان
المقصود فتسجل له نقاط بعدد الفناجين الباقية في الصينية وقد يعثر اللاعب على
الفنجان من اول محاولة وبذلك يصيح اللاعبون تسع..............ا " اي تسجل تسع
نقاط وهي اعلى نتيجة وبعدها ينفذ شرط اللعب وهو تناول الفريقين صينية من البقلاة
او الزلابية على حساب الفريق الخاسر . وقد ادركت في صباي وفي مقهى حياوي في
الكوازين اي محلة رأس الكور قراءة العنتريات حيث يجلس القارئ ليحكي قصة عنترة بن
شداد وبطولاته طيلة ليلي رمضان ..كما رأيت ان بعضا من مرتادي الجامع يقيمون نشاطات
لرفع الاثقال او لصراع الديكة وما شاكل ذلك وكان لي عم اسمه غانم واحد ممن يرفع
الاثقال في المقهى الذي يستمر في فتح ابوابه حتى السحور وغالبا ما يعود الرجل الى
بيته عائدا من المقهى عند بدء فترة السحور .كما كانت هناك دور للعرض السينمائي في
الموصل صيفية وكانت تأتي بالافلام التي تتناسب وشهر رمضان ودون ان تثير عليها غضب
المتدينيين ومما اذكره ان الزواج يتوقف في رمضان ونادرا ما كنا نسمع بزواج احدهم
خلال شهر رمضان .
وفي الموصل اعتادت
الكثير من العوائل على السهر حتى موعد السحور وهم يحرصون على تنفيذ مقولة الرسول
الكريم محمد صلى الله عليه وسلم :" تسحروا ففي السحور بركة " . كان هناك
المسحر او المسحراتي كما كان يسمى في مصر وبعض البلدان الاسلامية ..مسحر الموصل
كان يجول في الطرقات والعوجات "اقعدوا على السحور " اي استيقظوا
لتتسحروا ومما ينبغي ان نلاحظه ان شخصية المسحراتي كانت شخصية فولكلورية يحتشد
حولها الاطفال والصبية ويلفون مع المسحراتي الدروب والازقة التي كانت تموج بالحركة
طوال الليل ..ويتسحر الجميع بما بقي لهم من طعام المغرب او يكتفوا بتناول اللبن او
اكل الجبن والاشياء الخفيفة ويبقون حتى اذان الفجر ليصلوا الفجر "ان قران
الفجر كان مشهودا " ..قبل الاذان يوجد الامساك وكان صوت مؤذن الجامع يصدح
بعبارة "احترام امة محمد احترام " وهنا لابد من الكف عن تناول اي شيئ
والبدء بالصيام ..في وقتنا كان الحال هكذا والان ثمة اذان اول واذان ثاني ..وتؤدي
العائلة صلاة الفجر وعادة ما يذهب رب العائلة الى الجامع ليؤدي الصلاة جماعة .
في الاربعينات
والخمسينات وانا اتحدث عن نفسي كان ثمة وعظ في الجامع عصرا وكنت احضر الوعظ اما في
جامع الشيخ عبدال او في جامع الباشا وكان ممن يعظ بيننا الشيخ عمر النعمة او الشيخ
بشير الصقال رحمهما الله ونعود الى البيت بعد انتهاء الوعظ ..كنت اتمتع بسماع
كلمات الوعظ تلك وكان الجامع يمتلئ بمرتاديه وكان الشيخ يجلس على كرسي خاص ونتحلق
حوله وغالبا ما كان موضوع الوعظ يدور حول قضية اجتماعية او تفسير لاية قرانية .
مما كانت الموصل تعرف
به المجالس او ما تسمى بالندوة ولعل من ابرز الندوات التي ادركتها الندوة الغلامية
والندوة العمرية ..كان مدير الندوة الاولى الاستاذ محمد رؤوف الغلامي ومدير الندوة
الثانية الاستاذ ناظم العمري وقبل الاحتلال كنت ارتاد الندوة الخالدية في دار
المرحوم الشيخ طلال الخالدي وكانت لدينا ندوة اسسناها سنة 1996 ولاتزال نسميها
الندوة الموفقية او ندوة مصابيح الهدى وكل هذه الندوات كانت تهتم برمضان وتضع
لنفسها منهاجا يقوم على القاء القصائد او الخطب وفي السنوات الاخيرة اصبحت بعض
المساجد والجوامع تنظم منهاجا خاصا لها في رمضان وانا عن نفسي اقول بأنني اسهمت في
بعض مناهج جامع ذو النورين فألقيت المحاضرات حول بعض الموضوعات التاريخية
والثقافية وصارت هناك مفردات للمسابقات الرمضانية واسئلة واجوبة في قضايا الفقه
وما شكاكل كما كانت مناسبة رمضان المبارك فرصة لمنح الاجازات العلمية او لاقمة
الموائد الجماعية ومما اتذكره ان الاستاذ المربي الكبير غام حمودات كان يحرص في
رمضان عندما كنا طلابا في الاعدادية الشرقية على اقامة موائد رمضانية جماعية
للافطار في قاعة الاعدادية ولدي صورا توثق لذلك .
ومما ادركته ان
الجمعيات والاصناف الحرفية كانت تقيم موائد للفقراء وللايتام كما كانت تتبرع
ب"صواني "البقلاوة والزلابية الى دور الايتام ودور المسنين ويجب ان اذكر
جهود المرحوم الصحفي الكبير احمد سامي الجلبي رئيس جمعية الشبان المسلمين واراه
وهو يوصي اصحاب الحلويات على كميات من الحلويات ليقدمها بنفسه خلال زيارة يقوم بها
هدية لدور الايتام والمسنين .
كان شهر رمضان شهر
الصبر وشهر الكلمة الطيبة وشهر الطاعات الا ان البعض من الاباء كان يعاني في رمضان
من العصبية المفرطة فيبدأ بإثارة المشاكل لزوجته ويسألها بين الفينة والاخرى عن
ماذا طبخت ؟ ويبدأ بالزعيق واثارة المشاكل وعندما تسأل عن السبب تراه كان يدخن قبل
رمضان وقد امتنع عن التدخين في رمضان لهذا فهو كما يقول اخوتنا اللبنانيين "
يفش خلقه " في زوجته واحيانا اولاده ...
ويجب ان نستذكر ما
يدفعه الصائم في رمضان من زكاة تسمى في الموصل "الفطرة " .. وغالبا ما
تحدد من احد العلماء المجتهدين وحسب الظرف الاقتصادي فيقولون ان زكاة الفطر لهذه
السنة كذا مبلغ لكل فرد بينما كانت في السنة الماضية كذا مبلغ وهكذا ..ويحرص عدد
من الموصليين على ان يرتبوا اداءهم للعمرة في رمضان تبركا واستقبالا لهذا الشهر
الفضيل وتأكيدا على التمسك بالفروض والمناسك .
ومما يجب ان نشير اليه
في مجال الموصل ورمضان انني قرأت في مذكرات الطبيب الموصلي الارمني الاصل الدكتور
كريكور استارجيان انه كان يصوم رمضان تضامنا مع المسلمين وغالبا ما يفطر على مائدة
الوجية الاستاذ أحمد ناظم العمري.. ويضيف انه كان يتمنى ان تكون كل ايام الله
رمضان لما لهذا الشهر من فوائد صحية ..وسمعت ان رجلا مسيحيا طلب من زوجته ان تكف
عن الطبخ ظهرا لان جيرانه المسلمين في محلة الاوس –الساعة صائمين والتمس منها ان
تطبخ مساءا حتى لاتظهر رائحة الاكل وجيرانه صائمين ..هكذا كانت الموصل تشهد الاجواء الروحانية في شهر
رمضان المبارك ، وهكذا كانت الموصل هذه
المدينة المؤمنة الصابرة ، وهكذا كان التعايش بين ابناءها وغالبا ماتبرز
هكذا حالات في الشهر الفضيل فلقد اعتاد المسيحيون في الموصل على تقديم التهنئة لإخوانهم
المسلمين لمناسبة مقدم رمضان كل رمضان وانتم بخير .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق