حركات العشائر العراقية في الثلاثينات 1934-1936
- ابراهيم العلاف
رحم الله اخي وصديقي ورفيق العمر والدرب الاستاذ الدكتور غانم محمد الحفو الاستاذ في كلية التربية للعلوم الانسانية - جامعة الموصل الذي كتب اطروحته للدكتوراه في جامعة بواتيه بفرنسا سنة 1979 عن حركات المعارضة العشائرية في العراق 1934-1936.
وفي مثل هذا اليوم 21-4-1936 ثارت الرميثة ثورتها الثانية كما سنرى بسبب معارضتها للتجنيد الاجباري ومطالبتها بالحرية في اقامة المناسبات الحسينية وقد استخدمت الحكومة الطائرات وقمعت الحرية بالقوة والعنف بعد اعلان الاحكام العرفية .وكانت ثورتها الاولى قد حدثت يوم 5 مايس ايار سنة 1935.
وكما هو معروف فان وفاة الملك فيصل الاول 1933 احدثت فراغا في القيادة وحاول الملك غازي كسب ود زعماء العشائر الجنوبية وقام بجولة في ل=الالوية الجنوبية يصحبه رئيس الوزراء جميل المدفعي في نيسان 1934 وزار كربلا والنجف الاشرف والناصرية والبصرة ةالحلةوالديوانية وفي عهد وزارة علي جودت الايوبي 1934-1935وجد بعض روساء العشائر انهم غير ممثلين في الانتخابات التي جرت في عهد هذه الوزارة فصاروا كما يقول السيد عبد الرزاق الحسني في كتابه (تاريخ الوزارات العراقية ) يوحدون صفوفهم ويدعون افرادهم الى حمل السلاح جهارا وينضمون الى المعارضة في بغداد وعقدت عدة مؤتمرات وطلبوا اسقاط الوزارة وسقطت وشكل جميل المدفعي وزارة جديدة وحدثت حركات عشائرية مسلحة ودعا كورنواليس المستشار البريطاني لوازارة الداخلية الى استخدام القوة لان تخاذل الحكومة امام الثوار سوف تكون له نتائج وخيمة على مستقبل الدولة بحسب وجهة نظره وكلف رئيس اركان الجيش بتهيئة القوة اللازمة لمواجهة عشائر المشخاب والشامية والدغارة والرميثة والعشائر المحيطة بمدينة الديوانية والحلة وكان رئيس اركان الجيش الفريق طه الهاشمي يقول دوما ان هذه الحركات تحظى بتأييد الاهالي وبعض رجال الدينووقفت بعض العشائر مع الحكومة والقصة معروفة واكد الشيخ عبد الواحد الحاج سكر انه لايزال متمسكا بالعرش لكن الحركة ضد اجراءات الحكومة واستقالت وزارة جميل المدفعي وتشكلت وزارة ياسين الهاشمي 1935-1936ودعت العشائر الى القاء السلاح لتشرع الحكومة باجراء الاصلاحات المطلوبة واستجابت بعض العشائر وحدثت ثورة الرميثة الاولى وقطعت طرق المواصلات واسقط الثوار طائرة بريطانية وكوق الجيش المناطق الثائرة وتقدمت نحو الرميثة تحت قصف المدفعية والقصف الجوي واصيب الشيخ خوام رئيس بني ازريج بطلق ناري مكن الجيش من القبض عليه وتشتيت جماعته ودخل الجيش الرميثة يوم 17 -5-1935 وثارت سوق الشيوخ واصطدم الجيش بالثوار وسرت الثورة الى العشائر المحيطة بالناصرية وطلب حجة الاسلام الشيخ محمد حسين ال كاشف الغطاء حقن الدماء ومعالجة مطالب الثوار واحتياجاتهم وفرض الجيش سيطرته على المنطقة وعلى كل اطراف متصرفية المنتفك (محافظة ذي قار حاليا).
وحدثت ثورة الرميثة الثانية في 21 من نيسان 1936 ومن اسبابها الاعتراض على التجنيد الاجباري وقضية المآتم الحسينية وعدم منعها واستخدم الجيش القوة في قمع الثورة وطالب رؤساء عشائر الفرات الاوسط من الملك غازي سحب الجيش وحل المجلس العرفي واصدار عفو عام وكان من الموقعين الحاج شعلان العطية رئيس عشيرة الاكرع وعقد السياسيون البارزون ومنهم ناجي السويدي ومحمد جعفر ابو التمن والسيد محمد الصدر وجميل المدفعي ومولود مخلص اجتماعا طالبوا فيه الحكومة وقف الحركات ويبدو ان بعض السياسيين ومنهم حكمت سليمان كانوا يحرضون بعض العشائر على التمرد ضد الدولة وقد توقفت الحركات والغيت الاحكام العرفية وانتهت الثورات وقامت حكومة ياسين الهاشمي بتشكيل لجنة لدراسة اسباب ماحدث ووضع الحلول بموجب الكتاب المرقم س 386 في 21 تموز 1936 ووجدت اللجنة ان هناك تحريضا ضد التجنيد وتهييجا للعواطف الدينية واشاعات مغرضة من قبيل ان الحكومة تنوي تعميم السفور سفور المرأة واجبار العراقيين على لبس القبعة وكانت خسائر الجيش استشهاد ضابطان و25 من المراتب وجرح خمسة ضباط و97 من المراتب وكانت خسائر الثوار 410 من القتلى و315 من الجرحى وجمعت من العشائر 1800 بندقية وكانت قوة العشائر الثائرة تتكون من 13500 مقاتل ونظر المجلس العرفي العسكري في (74) دعوى فحكم على 138 شخصا بأحكام مختلفة ونفذ حكم الاعدام في (19) رجلا .وقد اكد الفريق الركن جعفر العسكري وزير الدفاع في 21 تموز 1936 انتهاء حركات العشائر وعودة الهدوء الى العراق.
كانت وجهة نظر من قام بالحركات المسلحة تقوم على ان الحكومات العراقية المتعاقبة من 1934 الى 1936 خلفت الكثير من المشاكل التي انعكست على سوء الادارة والفساد والتفكك لذلك طالبوا بالاصلاح وقد واجهتهم الحكومة بكل انواع القسوة والعنف وطاردتهم وملئت السجون وضغطت على الحريات واعلنت الاحكام العرفية مرارا في شماي العراق وجنوبه وقال الحاج شعلان الهطية للمؤرخ السيد عبد الرزاق الحسني في رسالة مؤرخة يوم 13 كانون الاول سنة 1936 "نحن كنا نطالب الحكومة بالاصلاحونلح في الطلب وطابناها بالكف عن سفك دماء الابرياء وسوق الجيوش بدون مبرر فكان الرد مخاتلة وتمويها وكم حاولنا بشتى الطرق اقناعها بالعدول عن خطتها الخبيثة التي فككت عرى الوئام في العراق فكان دأبها سفك الدماء والعنف ولم نطق صبرا على ما حل بالعراق من الجور والذل والهوان والاستهتار بالحريات والحقوق ..." .
لابد ايضا ان اقول ان القوات البريطانية ساعدت الجيش العراقي في قمع حركات العشائر ولاشك ان لسوء الادارة في بعض الالوية دور في نشوت تلك الحركات فضلا عن استغلال بعض السياسيين هذه الحركات لمنافع خاصة كما ان الدعايات والاشاعات حول تنفيذ قانون الدفاع الوطني -التجنيد الاجباري كان لها دورها وقد اشيع ان التجنيد الاجباري يشبه النفير العام ايام العثمانيين ومما يفرح ان المرجعية الشريفة كان لها دورها في التنبيه الى اهمية عدم افساح المجال لتدخل الايدي والاصابع الاجنبية وان لاتكون للحركات اية صبغة طائفية وتأكيد مبدأ المطالبة بالاصلاحات السياسية والادارية والاقتصادية وعدم النهب والسلب والمحافظة على وحدة البلاد .
*كاتب ومؤرخ عراقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق