الاثنين، 9 فبراير 2015

عادل محمد البكري .. الطبيب والمؤرخ والباحث

عادل محمد البكري .. الطبيب والمؤرخ والباحث .. سيرة رائد ومبدع عراقي
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
لعل أبرز ما يميز صديقنا الأستاذ الدكتور عادل محمد البكري الطبيب ، والباحث ، والصحفي ، والأستاذ ، والشاعر ، أنه من الرواد الاوائل الذين اهتموا بالتراث ليس الموصلي وحسب بل والتراث العراقي والعربي والاسلامي وخاصة في مجال الطب والفلسفة . فضلا عن أنه من الباحثين الدؤوبين الذين لم يسقط القلم من بين أيديهم ، على الرغم من العقبات والعراقيل والمحن والمشكلات التي واجهوها .
ويقينا إنني أردت - منذ زمن بعيد - أن أكتب عن هذا الرجل الرائد ، لكن دأبه ، واستمراريته كانت تحول دون قدرتي على ملاحقة الكثير من محطات حياته ، وانتاجه العلمي ، والثقافي ، والفلسفي والطبي الغزير .. ومن واجب اولادنا واحفادنا ان نقوم بدورنا في توثيق سير وحياة واعمال الرجال والنساء من الذين قدموا ولايزالون ، الخدمات العلمية لبلدهم ، ومدينتهم ، وامتهم .
الاستاذ الدكتور عادل البكري مناضل عروبي ، وكان من مجاهدي الموصل إبان قيام ثورة الشواف في 8 اذار سنة 1959 وقد اعتقلته سلطات الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة بعد فشل الثورة هو وعدد من رموز المدينة ومنهم الاستاذ قاسم المفتي مسؤول حزب الاستقلال وتعرضا للسجن والتعذيب في المحكمة العسكرية العليا الخاصة –محكمة المهداوي وقد ذكر ذلك الاستاذ هلال ناجي في الصفحة 169 من كتابه الموسوم : "لكي لاننسى " والمطبوع في دار الكرنك بالقاهرة سنة 1962 ومما قاله على لسان شاهد عيان :"ان الاهانات المعنوية التي لحقتنا جاوزت بكثير الاذى المادي والمعنوي ،واذكر مرة انهم جاؤوا بالدكتور عادل البكري الى المعتقل منقولا من سجن العمارة وكان واضحا انه قد عذب بمافيه الكفاية .سأله احد المحققين :انت منين ؟اجابه من الموصل فعلق محقق اخر وكان سعيد مطر قائلا : بس منين راح يطلع ..اكو غير مثلث الخيانة لو الموصل لو سامراء لو الرمادي !وهكذا استحال مثلث الرجولة الى مثلث خيانة ! " .
لقد اجتذبت أعمال الاستاذ الدكتور عادل البكري ، وما قدمه، اهتمام بعض الباحثين والموثقين ومعدي موسوعات الاعلام والشخصيات نذكر منهم على سبيل المثال صديقنا الاستاذ حميد المطبعي ، ففي الجزء الاول من موسوعته: ( موسوعة اعلام العراق في القرن العشرين)، والتي اصدرتها دائرة الشؤون الثقافية العامة العائدة لوزارة الثقافة والاعلام العراقية سنة 1995 ، ورد إسم الدكتور عادل محمد البكري على انه طبيب ، وباحث ، ولد في مدينة الموصل سنة 1930 ،وتلقى علومه الاولى فيها .. ثم درس الفلسفة في كلية الاداب بجامعة بغداد ، لكن استاذنا الدكتور عمر محمد الطالب كتب في موسوعته التي صدرت سنة 2008 بعنوان : ( موسوعة اعلام الموصل في القرن العشرين)، والتي اضطلع مركز دراسات الموصل بجامعة الموصل بطبعها، قال انه تخرج من جامعة دمشق سنة 1956، كما درس ، فضلا عن الفلسفة ، الطب في كلية الطب بجامعة دمشق، والصحيح انه درس الطب في كلية الطب بجامعة دمشق وفي الوقت ذاته كان يدرس الفلسفة في كلية الاداب بالجامعة ذاتها مما يدل على قدراته المتميزة منذ وقت مبكر من حياته العملية. سافر الى انكلترا ليحصل على الدكتوراه في الصحة العامة .
شغل الدكتور عادل البكري ، بعد تخرجه مناصب عديدة لعل من ابرزها أنه عين رئيسا لصحة الموصل (محافظة نينوى حاليا) مرتين الاولى سنة 1963 والثانية سنة 1969 .كما عمل رئيسا لصحة الكوت (محافظة واسط حاليا) سنة 1965 .
واعرف ويعرف غيري انه نقل بعد انقلاب18 تشرين الثاني الذي قاده (ألرئيس الراحل) عبد السلام محمد عارف سنة 1963، الى الكوت منفيا مع عدد من المدرسين والمعلمين الذين لم تتطابق معتقداتهم السياسية مع السلطة انذاك .
المهم ان الدكتور البكري عاد ثانية الى الموصل وتسنم رئاسة صحتها سنة 1969 ، وبعدها اصبح نائبا لرئيس مؤسسة مدينة الطب ببغداد سنة ،1970 ثم مديرا للصحة المدرسية سنة 1976 . وخلال عمله في وزارة الصحة لم يكن الدكتور البكري بعيدا عن النشاط الاكاديمي فلقد دعي لتدريس مادة (آداب الطب) في الجامعة المستنصرية ببغداد في اواخر السبعينات من القرن الماضي .. هذا فضلا عن استمراريته في حضور الندوات والمؤتمرات العلمية والاكاديمية داخل العراق وخارجه ، وآخر هذه الندوات التي اسهم فيها تلك التي اقامها قسم اللغة العربية بكلية الاداب ـ جامعة الموصل في نيسان الجاري 2008 حول: ( الملا عثمان الموصلي .. عبقرية الابداع) ، وفي هذه الندوة كان البكري ، بحق ، نجم الندوة ومحورها الرئيس ، وكيف لايكون ذلك، وهو قد انجز منذ اكثر من 40 عاما كتابا عن الملا عثمان الموصلي بعنوان ((عثمان الموصلي الموسيقار ، الشاعر المتصوف )) وقد طبع لاكثر من مرة ، أولها كانت في بغداد سنة 1966 . وفي هذه الندوة القى الدكتور البكري بحثا قيما بعنوان : ((عثمان الموصلي وابو العلاء المعري : موازنة بينهما)) نال اعجاب الحاضرين وتقديرهم .
وانتاج الدكتور عادل البكري، لم يقف عند هذا الحد بل كان الرجل يغتنم أية فرصة لكي يكتب ويوثق لتراث العراق .. ولتراث العرب والمسلمين ، فاثناء عمله في الكوت أنجز تاريخه الشهير والموسوم: (تاريخ الكوت) وطبعه ببغداد سنة 1967 ويفخر اهل واسط اليوم بهذا التأريخ ويعدونه مصدرا مهما بل ورئيسا من مصادر تاريخ مدينتهم الكوت العامرة ان شاء الله .
وللدكتور البكري كتاب حول : ( صفي الدين الارموي: مجدد الموسيقى العباسية) أصدره سنة 1978 وكتاب ( المختار من النشوار) طبعه سنة 1985،وكتاب ( الفلسفة لكل الناس) 1985 وكتاب ( في هيكل الحكمة) 2004 وكتاب :" بغداد المدورة وتصحيح آراء المؤرخين "الذي طبعه المجمع العلمي العراقي .واذا اردت ان احدثكم عن كتابه (الكامل في التراث الطبي العربي) الذي أصدره المجمع العلمي العراقي سنة 2005 ويقع في 1155 صفحة فأنه بحق موسوعة شاملة لايعرف قيمتها الا من كابد مثل هذا الشوق الذي كابده صديقنا الدكتور عادل البكري حفظه الله وادامه ذخرا للتراث .
وقد لايعرف الكثيرون ان الاستاذ الدكتور عادل البكري كان له سبق اكتشاف آثار مدينة بابلية في بغداد قد ان تمتد اليها ايد خفية فتطمر ذلك الاكتشاف وتقيم جسرا عليه وقد دون كل ذلك في صحيفة بغداد احترز عليها وقد زودني هو بنسخة منها .والاستاذ الدكتور عادل البكري اديب وله في الادب مؤلفات منها فوق ماذكرنا " تحقيق مخطوطة "نصف العيش لابن الوحيد " و" مقالات وابحاث " و" قصص من الحياة " و" قياسات النغم عند الفارابي " وله رؤية في الفلسفة ضمنها كتبه :" الفلسفة لكل الناس " و" في هيكل الحكمة " و"الفكر الفلسفي عندالعرب " و"الفلسفة اللااخلاقية " .
كتب لي مرة بيتان من الشعر قال فيهما :
أرأيتني ياصاحبي في سيرتي
(علما ) وانت مؤرخ للموصل
علم ٌيشاد بذكره وفعاله
والحق يذكر في المقام الاول
واذا ما أردنا أن نعود الى دراسات ومقالات وتعليقات الدكتور البكري في الصحف والمجلات الموصلية والعراقية والعربية ، فانها كثيرة يصعب علينا في هذه ألعجالة رصدها وهي تحتاج الى جهد ووقت كبيرين ..
والدكتور البكري فوق هذا وذاك شاعر وله اكثر من ديوان ، طبع منه على حد علمنا ديوانه الذي صدر عن دار الفتى سنة 2005 بعنوان: ((الجمان المنضود)) وديوانه "عبق الازهار " . كما انه يعد من المحققين العراقيين الافذاذ فلقد حقق مخطوطة ( نصف العيش) لابم الوحيد سنة 1969 ومخطوطة (دعوة الاطباء) سنة 2002 .. والدكتور البكري منغمس في الحياة الثقافية والسياسية العراقية منذ قرابة نصف قرن ، فهو عضو جمعية المؤلفين والكتاب العراقيين (1968)، وعضو مؤسس للجمعية العراقية لتاريخ الطب وامينها العام 1989،وعضو في اتحاد المؤرخين العرب، وهو وراء الكثير من المهرجانات الادبية ، ولعل من ابرز هذه المهرجانات ، مهرجان المتنبي الذي اقيم سنة 1977 بعد ان عثر الدكتور البكري نفسه على قبره في منطقة النعمانية بالكوت ، ومهرجان اطباء الموصل سنة ،1990 ومهرجان عثمان الموصلي سنة 1973 . وللدكتور البكري جهود حثيثة وموثقة في مجال تفسير (النوتة) الموسيقية العباسية التي دونها الارموي وقام بتنفيذها موسيقيا في احدى محاضراته في جمعية الفنون والتراث سنة 1977 . وفي حقل جهوده المعرفية اثبت عروبة الارقام الاجنبية (الانكليزية) .
بارك الله بجهود الدكتور البكري ومتعه بالصحة والعافية وأدامه خدمة لحركة الفكر والثقافة والادب والطب والعلم والتاريخ والموسيقى والتراث والشعر في عراقنا العظيم .
........................................................................................................
*منشورة في موقع الحوار المتمدن-العدد: 2275 - 2008 / 5 / 8

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بيوت في ذلك الزقاق ...............فيلم عراقي مهم

  بيوت في ذلك الزقاق ...............فيلم عراقي مهم - ابراهيم العلاف وفي إطار التوثيق للسينما العراقية المعاصرة ، ثمة أفلام تنتمي الى الواقع...