الاثنين، 9 فبراير 2015

قضية زواج جنفييف آرنولت بالملك فيصل الثاني في 22 حزيران 1957 ا.د.ابراهيم خليل العلاف

قضية زواج جنفييف آرنولت بالملك فيصل الثاني في 22 حزيران 1957
ا.د.ابراهيم خليل العلاف 
استاذ متمرس –جامعة الموصل 
في تاريخ الاسرة الملكية الهاشمية في العراق ، قصص وحكايا منها قصة الاميرة عزة التي تزوجت جرسونا يونانيا سنة 1936 ، وقصة زواج الملك فيصل الثاني من فتاة اميركية إسمها (جنفييف آرنولت ) في 22 حزيران سنة 1957 .
وقد ظهرت قصة الزواج هذه عندما قضت محكمة اميركية في نيويورك بأن الزواج قد حصل ، وأن جنفيف ارنولت ، هي أرملة الملك فيصل الثاني ، وانها وريثة له ، وانها تستحق ما كان له في المصارف الاميركية من مبالغ قدرت ب (91 ) الف دولار .وقد اغرى الحكم الذي اصدره القاضي الاميركي بيلي ان تتقدم "الملكة جنفيف ارنولت ملكة العراق السابقة " كما كان يحلو لها ان تسمي نفسها بشكوى مماثلة الى محكمة لندن (برويكس هاوس ) في 25 اذار 1962 لكن محكمة لندن ردت الدعوى وقالت ان جنفيف ارنولت عجزت عن ان تبرز أي دليل مكتوب او شهود يؤكدون الزواج .كما ان رئيس المحكمة قضى بأن المعلومات الموثقة تفيد بأن الملك فيصل الثاني توفي وهو غير متزوج وعليه ابلغت المدعية جنفيف آرنولت علنا وكتابة انها ليست ارملة الملك فيصل الثاني وليس لها الحق فيما يملكه هذا الملك من ثروة في المملكة المتحدة ومنها البيت الذي كان مسجلا بإسمه في ضواحي لندن .
طبيب الاسرة المالكة الهاشمية الدكتور كمال السامرائي كتب مقالا عن هذه القصة في مجلة "آفاق عربية " البغدادية في عددها الصادر في كانون الثاني 1988 معتمدا على اضبارة تتألف من قرابة (100 ) صفحة تعود الى مرافق الملك فيصل الثاني عبيد الله عبد الله المضايفي نصفها تقريبا محاضر جلسات محكمة نيويورك بالولايات المتحدة الاميركية التي نظرت في إدعاء جنفييف ارنولت بكونها ارملة الملك فيصل الثاني . وملخص القضية أن الملك فيصل الثاني تعرف على جنفيف آرنولت اثناء سفرة مدرسية سنة 1948 بمدينة فيلارد بسويسرا وكان يمارس رياضة التزلج على الجليد بضواحي المدينة، وقد انكسرت ساقه اليمنى وقال مرافق الملك عبيد الله عبد الله المضايفي ان سيدة استوقفته ذات يوم ومعها ابنتها في باب شقته والتمست منه ان تقابل الملك وكانت أمه الملكة عالية معه فعرض الامر على الملكة الوالدة والملك فوافقا ، ودخلت السيدة وابنتها وحظيا بمقابلة الملك فيصل ولمدة ساعة تناولوا معا الشاي وتداولوا فيما تحدثت به السيدة ارنولت من انها زارت بغداد في العام الماضي وانها مهتمة بدراسة عادات الشعوب وانها تعرف شخصيات عربية وتعرف التاريخ العربي ولها اطلاع على بعض البلدان العربية .
وفي سنة 1952 زار الملك فيصل الولايات المتحدة ، ودعته مدام آرنولت وابنتها لزيارتهما في بيتها فوافق وذهب الملك فيصل برفقة 65 من حاشيته .. ومن الطريف ان احد السفراء العرب حذر السفارة العراقية -هاتفيا - من هذه الامرأة وقال انها محتالة وحذر من ان تعلم الصحف الاميركية بالامر ويكون ذلك مادة دسمة لها ونصح رجال السفارة ان يرفضوا مقابلتها مستقبلا وقد كتم السفير العراقي هذه المكالمة عن الملك وأعضاء حاشيته لان السفارة حينذاك سوف تتحمل مسؤولية ماحدث عن دعوة مدام آرنولت للملك فيصل الثاني .
ومن الغريب ان مدام آرنولت وابنتها جنفيف زارت بغداد اواخر سنة 1956 .. وقد سهل لها الامر العقيد درسكول الملحق العسكري الاميركي لان زوجته كانت صديقة للمدام ارنولت خاصة وأن المفوضية العراقية تلكأت في منحها وابنتها التأشيرة .
ومهما يكن من أمر فإن المدام آرنولت صار لها ولابنتها جنفيف أصدقاء ومعارف في بغداد وصارت تحضر الحفلات الرسمية . كما اخذت تستقبل الضيوف في بيتها بالوزيرية وتقيم لمعارفها واصدقاءها الحفلات التي تحضرها شخصيات ذوات مراكز مرموقة في اجهزة الدولة والسوق التجارية وكانت جنفيف جريئة وغير متحفظة ولاتعود من السهرات الا في ساعات متأخرة من الليل ولاتعير إهتماما للجيران حين تصل بيتها ليلا فتغني بصوت عال يمتعض منه سكان المحلة .وقد بذلت جهودا كبيرة من أجل مقابلة الملك فيصل الثاني الا ان الملك اجاب من حمل رغبتها :" لا اريد ان ارى هذه المرأة ،فقد وصلتني اخبارها المشينة في بغداد ،وهي ايضا تحاول ان تستغل تعرفي عليها في سويسرا ولقائي معها في امريكا ..لااريد ان اراها " .
في 8 اذار 1958 طردت وزارة الداخلية العراقية بناء على أوامر عليا مدام ارنولت واجبرتها على ركوب الطائرة وابنتها الى استانبول وتبين فيما بعد انها لم تدفع ايجار البيت ولمدة سنة ، فقام صاحب البيت ببيع آثاثها .
وقد اقامت ابنتها جنفيف بعد قيام ثورة 14 تموز 1958 ومقتل الملك فيصل الثاني امام محكمة نيويورك دعوى إدعت أن قرآنها عقد على الملك فيصل الثاني منذ 22 مايس 1957 طبقا للشرع الاسلامي وقد بقي الزواج سرا لاعتبارات سياسية واجتماعية وانها تعرفت على الملك في احد ايام شباط 1948 بمدينة فيلارد بسويسرا وكان يومئذ في الحادية عشرة من عمره وكان عمرها ثلاثة عشرة ، وقالت انها من مواليد باريس في 22 حزيران 1937 وتعلمت في فرنسا وسويسرا وامريكا وكان لامها مدام لوني آرنولت مكتبا للعقارات في اميركا ..كما انها شاركت في اعمال الصليب الاحمر السويسري ، وانها كانت على صلة بالملك وتتبادل معه الرسائل والهدايا الرمزية والطوابع البريدية التي كانا يهويانها سوية .. ولما سافرت مع امها الى اميركا صار الملك يراسلها ويبعث اليها بالهدايا التي يعرف أنها تحبها . 
وفي سنة 1952 وصلتها رسالة من الملك بواسطة القنصلية العامة بنيويورك يطلب منها ان تستقبله في بيت أمها في غرين وج بنيويورك وفي بيت امها إختلى الملك والامير عبد الاله بأبيها وأمها واخبراهما برغبة فيصل في الزواج منها بعد ان يتولى السلطة الملكية في العراق عند بلوغه السن القانونية لهذا المنصب .
وفي سنة 1956 قالت بأنها تسلمت رسالة من الملك فيصل عن طريق السفارة العراقية يطلب منها زيارة بغداد لوضع منهاج الزواج والذي حدد له يوم 22 حزيران 1957 .. وهو اليوم الذي يوافق عيد ميلادها الثاني والعشرين .وفي هذا اليوم تم عقد زواجها بالملك في بيت أمها في بغداد وقد حضر مراسيم عقد الزواج الملك فيصل وولي العهد الامير عبد الاله ووزير الداخلية سعيد قزاز ومتصرف بغداد عبد الجبار فهمي وعدد من الضباط الشباب من أصدقاء الملك وقام بمراسم عقد الزواج رجل دين (ملا ) وقد اعطاني بعد ان سألني عن موافقتي بالزواج نسخة من عقد الزواج ووقع الشهود في السجل والبسني الملك حلقة الزواج وفي ختام هذه المراسيم أخذني الملك بسيارته الى قصر (عكركوف ) الذي تم إعداده مؤقتا لهذه المناسبة وكانت ايامنا بعد الزواج هانئة كثرت فيها الحفلات وكنت ادعى من قبل افراد العائلة المالكة .كما ان الملك أهداها أرضا مساحتها 165 إيكر وقد اهديتها الى جامعة الجزويت تقصد جامعة الحكمة فيما بعد لتبنى عليها جامعة تكون اول أثر علمي اميركي في العراق .
وفي اليوم الثامن من اذار سنة 1958 اقتادنا انا وامي شرطيان الى المطار في بغداد وهناك اخذوا منا جميع ما كنا نحمله من أوراق وحلي ومن جملة ما اخذ مني نسختي من وثيقة الزواج وارغمنا على الصعود الى الطائرة (بان اميركان ) المتجهة الى استانبول ولم أر زوجي الملك فيصل بعد ذلك وقالت لمحكمة نيويورك انها لذلك تطالب بحقوقها كأرملة للمغفور له الملك فيصل الثاني من الاملاك المنقولة وغير المنقولة والاحتفاظ رسميا بلقب :"الملكة جنفيف " . 
طبعا القصة .. أقصد قصة زواج الملك فيصل بالفتاة الاميركية اللعوب جنفيف كانت غير صحيحة كما يقول الدكتور كمال السامرائي ، وان مرافقه المقرب اليه عبيد الله عبد الله المضايفي نفى له ان تكون علاقة الملك بجنفيف بمثل هذا الذي ادعته وأمها .. والملك كان رجلا متزنا ، مؤدبا بعيدا عن مثل هذه المغامرات العاطفية غير المحسوبة كما انه كان قد خطب لنفسه رسميا آنسة إسمها (الاميرة فاضلة ) سليلة والي مصر محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة ، وانه كان على أهبة الزواج بها قبيل قيام ثورة 14 تموز 1958 .
لكن يمكننا ان نقول مع هذا كله ، ان الملك فيصل الثاني من خلال علاقته بهذه الفتاة اللعوب الجريئة قد يكون قد إنساق الى بعض رغباتها وأنها قد تكون نجحت في لحظة معينة من ايقاعه في حبها ، فجعلها هذا تدعي بأنه قد تزوجها لكن الحكومة وبالاخص الجهات الامنية والاستخبارية وخاصة مدير التحقيقات الجنائية بهجت العطية قد إنتبهت للامر وخشيت على سمعة الملك فقامت بالتدخل وأجبرت الفتاة على السفر .
وقد نستطيع ان نتوسع في التخمينات فنقول لعل المخابرات الاميركية كان لها يد في ماحصل بدليل ان مدام ارنولت كانت صديقة لزوجة الملحق العسكري الاميركي الذي يسر لها زيارة بغداد والسكن فيها لفترة في منطقة الوزيرية .. وقد يأتي يوم تظهر فيه وثائق تغير من قناعتنا وقناعة غيرنا بهذه القصة الغريبة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقدمات العلاف

   مقدمات العلاف خلال سنوات طويلة، تشرفتُ بكتابة مقدمات لكتب ، اصدرها كتاب ومؤرخون واساتذة اجلاء .. ومراكز بحثية رصينة صدرت تتعلق بموضوع...