الأربعاء، 28 يناير 2015

" العقل العربي " برؤية صهيونية ا.د.ابراهيم خليل العلاف

" العقل العربي " برؤية صهيونية
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
كتاب "العقل العربي" للمفكر وعالم الاجتماع الاسرائيلي الاميركي البروفيسور رافائيل باتاي (1910-1996 ) من الكتب المهمة التي ينبغي الاطلاع عليه، ودراسته، وفهم أغراضه ، وتحليل مضامينه .
ورافائيل باتاي ، يهودي من أصول هنغارية (مجرية ).. ولد في بودابست سنة 1910 درس اللغة العربية على يد المستشرق الالماني الشهير (كارل بروكلمان ) صاحب كتاب "الشعوب الاسلامية " ، والمترجم الى اللغة العربية قبل سنوات .
إهتم رافائيل باتاي في دراساته ومحاضراته ، بالتركيز على موضوعين هما :الفكر العربي ، والدراسات الفلسطينية .
ألف رافائيل باتاي كتبا عديدة أبرزها :
• نهر ذهبي الى طريق ذهبي :المجتمع والثقافة والتغيير في الشلرق الاوسط وقد نشر سنة 1962 .
• الجنس والعائلة في الشرق الاوسط .
• ثقافات في صراع .
• المملكة الاردنية الهاشمية .
• اسرائيل بين الشرق والغرب .
• الاتصال الثقافي وتأثيره في فلسطين الحديثة .
إلا أن أبرز مانشر خلال السنوات الماضية كتابه الموسوم :"العقل العربي" ، والذي ظهر باللغة الانكليزية في نيويورك سنة 1973 . وفي سنة 1989 قام اللواء الركن المتقاعد عبد الواحد جاسم حسين بترجمته الى اللغة العربية ببغداد بتكليف من وزارة الدفاع ، ونشره نشرا محدودا ليطلع عليه النخبة من المتخصصين بالدراسات الفلسطينية ، وقضايا الفكر العربي ، والتوجهات البحثية الاسرائيلية . ومن حسن الحظ كنت واحدا ممن تيسرت له الفرصة للاطلاع على الكتاب بطبعته محدودة التداول . وقد علمتُ، فيما بعد، ان الكتاب ترجم من قبل الاستاذ علي الحارس ونشر في بيروت .
يتألف كتاب "العقل العربي ARAB MIND من مقدمة ، وخاتمة و(16 ) فصلا . ويبدأ المؤلف رافائيل باتاي الكتاب بنقد المؤرخين العرب والمسلمين مشيرا الى انهم لم يهتموا إلا بالاحداث والروايات المشرقة ، ويقول على الصفحة ( 386 ) من كتابه : " أن إحدى الظاهر التي ميزت الحياة العربية ،إن الفكر العربي ظل منشغلا بأحداث الماضي " وفوق هذا فإن باتاي ينفي " ان يكون العقل العربي قد أنتج شيئا يذكر ...فالفكر العربي ليس فكرا مبدعا وانما فكرا ناقلا " "فالعرب ظلوا قانعين بحياتهم وغير ملتفتين الى ما يجري حولهم ...والانسان العربي يرى في أي تحليل دقيق للتاريخ على أنه محاولة لتقويض دعائم الامة العربية وأركانها " .
وقد يكون من المناسب أن نشير الى أن ماقاله رافائيل باتاي عن الفكر العربي يشبه الى حد كبير ماقالته الكاتبة اليهودية (سيليفيا حاييم ) في كتابها عن "القومية العربية " ، فهي كذلك تنكر على المفكرين العرب الذين ظهروا في عصر النهضة إبان القرن التاسع عشر ان يكونوا مبدعين .
يقول باتاي ، وهو يفسر ظاهرة الخمول أو الركود العربي ، كما يسميه، الى :" إن إغفال عنصر الزمن كان صفة مميزة للعرب ...فمثلا لم يكن للناس عند تسطيرهم للمآثر البطوليةالاسطورية لهارون الرشيد او لصلاح الدين الايوبي أية فكرة عن الزمن الذي عاش فيه هذان البطلان ؛ انهم لم يعرفوا عدد الاجيال الممتدة بينهما وبين الوقت الحاضر " .
ويتضح تحامل باتاي وعداءه للعرب ، وكرهه لعقلهم العام من خلال تناوله عدد من المباحث بالعناوين التالية : "الاسلام والشرق الاوسط والغرب " و "من هو العربي ؟ " و"الخصائص العقلية للعرب " .وقد بدا في هذه المباحث ناقدا او منتقدا وكارها للعرب فالعرب كما يقول :يميلون الى التكرار والمبالغة ...إنهم مزدوجوا الشخصية ...وبعضهم عدو لبعض " .
وفي الفصل الثالث كتب المباحث التالية :" مسألة القوة " و" التقويم المتفاوت للاولاد والبنات في المجتمع العربي " و" فترة الرضاعة وتأثيراتها " و"الجذور المبكرة لطبيعة العلاقة بين الذكر والانثى عند العرب .. الولد يدخل عالم الرجال والبنت تدخل عالم النساء " و"مكافآت الطفولة وانجازات مرحلة الرشد " .
وجاء الفصل الرابع مليئا بالتحليل غير الموضوعي لتأثير اللغة العربية ؛ فاللغة العربية – بنظره – تتسم بالمبالغة والاغراط في "التوكيد " .
ووقف في الفصل الخامس عند ما أسماه :" النموذج البدوي للشخصية العربية " ، لكنه لم يستطع ان ينفي عن العرب صفات الكرم، والشجاعة ، وحسن الضيافة " لكنه عاد وركز على كراهية العرب وإمتهانهم للعمل اليدوي .
وتفرغ في الفصل الثامن ليكتب عن عالم الجنس عند العرب ..فتحدث عن ما أسماه :" الشرف الجنسي " و" الكبت الجنسي " و"الحرية الجنسية عند العرب " وما اسماه "الانواع المختلفة للتنفيس عن الطاقات الجنسية الحبيسة " .
وفي الفصول التالية كتب عن :" العنصر الاسلامي للشخصية العربية " و"مسألة الخمول والتأثير النفسي للحضارة العربية " وفي هذا اشار الى المقاييس الغربية وما اطلق عليه :" الحقد على الغرب " وقال :"إن تأثير الاسلام على العرب اقتصر على تمسكهم بمبدأ القضاء والقدر " لذلك وصف العقل العربي ب"قلة الادراك " و"المزاجية " و"الازدواجية " المتمثلة بالجمع بين موقفين متضادين .
وقد عقب باتاي في أحد فصول كتابه على ماكتبه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر 1952-1970 بشأن الدوائر العربية ، والافريقية ، والاسلامية التي تقع ضمنها مصر فقال :" أن هناك دائرة رابعة تنتمي اليها الاقطار العربية وليس مصر وحدها انها دائرة الشرق الاوسط " ، وهي المنطقة المحددة ثقافيا بوضوح وتقع جغرافيا بين اوربا وافريفيا ، ووسط وجنوب آسيا . ونفى باتاي ان يكون (الاسلام ) لوحده كافيا لتحديد مكان شعب من الشعوب في محتوى الشرق الاوسط .
ومن الطبيعي ان نُذًكر القارئ الكريم إن باتاي يهدف من وراء فكرته هذه الى تأكيد مسألة دمج اليهود ضمن منظومة الشرق الاوسط .ويقول باتاي في هذا الصدد :" انه في الوقت الذي يستمد فيه العالم الاسلامي هويته من الدين الاسلامي فقط ؛فإن الشرق الاوسط ليس مصطلحا دينيا ..وانما هو مصطلح ثقافي –حضاري ..إنه كما يطلق عليه " قارة ثقافية " .
والغريب ان باتاي ينصح العرب بأن يأخذوا بأسباب وعناصر التقدم الغربي ..فماهي هذه العناصر ؟ ..إنها برأيه تتركز في :
• التقنية
• فصل الدين عن الدولة
• تحويل العقل العربي ليكون منظما وممنهجا وقادرا على اقناع الآخرين .
كتاب رافائيل باتاي ، مهم ، وخطير، وزاخر بالرؤى والتفسيرات عن اسباب تخلف العرب والمسلمين وهزائمهم المتكررة ....ذلك يتطلب من مفكري العرب ومثقفيهم مناقشة محتوياته ونقده وتوضيح أهدافه المعلنة والخفية ..فهل هم فاعلون ؟! .
.............................................................................
* المقال منشور في جريدة "الانقاذ " الموصلية ، العدد 12 حزيران 2004 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 ...............أ.د إبراهيم خليل العلاف

                                                            الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 أ....