الثلاثاء، 27 يناير 2015

نشأة الاصناف وتطورها في العصر العباسي

 

نشأة الاصناف  وتطورها في العصر العباسي
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
بقدر ما طرحت السنوات الماضية من تساؤلات عن الظروف التي كتب بها تاريخنا العربي الاسلامي ، فإن ثمة اسئلة اخرى دارت وتدور حول طبيعة المنهج الذي كتب فيه .
واذا كانت الرؤية الاستعمارية للتاريخ ، روجت لافكار ومفاهيم غريبة عن الواقع العربي وطموحاته ، والتي من أهدافها طمس تراث هذه الامة ونضالها من أجل الحق ، والعدل ، والحياة الكريمة ، واغفال حيويتها ، واصالة حضارتها ، ومساهمتها  في بناء الحضارة الانسانية ، فإن الرؤية البرجوازية تبنت نوعا من المنهج لايكاد يخرج عن إبراز دور الفرد في صنع التاريخ ، والاقتصار على دراسة الجوانب السياسية من العملية التاريخية دون ان تعطي اهتماما للجوانب المهمة في حياة الشعب واوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
من هنا تأتي التفاتة أقسام التاريخ في الجامعات العراقية ، ومنها قسم التاريخ في كلية الاداب بجامعة بغداد في توجيه طلبته نحو اختيار الموضوعات التي تلبي الطموحات العلمية،  والوطنية،  والقومية ، والانسانية ، في مجال الكتابات التاريخية وخاصة فيما يتعلق بالتركيز على دور الناس في سير حركة التاريخ وعدم اغفال القاعدة الاقتصادية –الاجتماعية في تراكيب المجتمع العربي الاسلامي ومن الرسائل والاطروحات  التي نشرت في النصف الثاني من سبعينات القرن العشرين رسالة الماجستير التي قدمتها  الاخت الدكتورة صباح ابراهيم سعيد الشيخلي بعنوان  : " الاصناف في العصر العباسي :نشأتها وتطورها " والتي اضطلعت وزارة الاعلام العراقية سنة 1977 بطبعها –مشكورة – ضمن سلسلة الكتب الحديثة .
وعلى الرغم من ان التنظيمات النقابية المعاصرة نالت من المؤرخين اهتماما كبيرا بسبب ارتباطها بحياة المجتمع وكونها دليلا على رقيه وتقدمه ،فإن الاصناف الاسلامية كتنظيم اجتماعي –اقتصادي لعبت دورا كبيرا في تاريخ المجتمعات الاسلامية في العصور الوسطى لم تنل من اهتمام الباحثين ما تستحقه لذا فإن تأليف كتاب مستقل شامل عنها أمر في غاية الاهمية .
يقع كتاب "الاصناف في العصر العباسي " في أربعة فصول ومقدمة وستة ملاحق . وفي الكتاب تعرضت المؤلفة في المقدمة الى دراسة النطاق الذي يضم الموضوع . كما تضمنت بحثا مقتضبا عن أهم المصادر فيها الحرف والاصناف الاسلامية . وقد انطوى هذا الفصل على امور عديدة منها التطورات الاقتصادية التي مر بها المجتمع العربي منذ نشأة الاسلام .وكذلك اتجاهات نمو المدينة العربية وانعكاس ذلك على التجمعات الحرفية ، وخاصة فيما يتعلق بتخطيط المدينة ، ومراكز التجمع فيها .كما تضمن هذا الجزء من الكتاب دراسة لآثر الحركة الفكرية في تعميق النظرة الاسلامية الى الفعالية الانتاجية التي عن طريقها يصنع الانسان تاريخه .
وقد أثارت الكاتبة اسئلة عديدة عكست من خلالها نظرة الفقهاء والادباء والمفكرين والحركات الاجتماعية (الاسماعيلية ، اخوان الصفا ، الصوفية ) الى العمل والطبقة العاملة العربية .
ولقد كرست الكاتبة الفصل الثاني لدراسة مسألتين أو ثلاثة مسائل اولها تتعلق بتحديد بعض المصطلحات كمصطلح (الصنف )والذي استعمل للدلالة على الجماعة الحرفية والمهنية في المجتمع الاسلامي .وثانيها دراسة الجذور التاريخية للاصناف الاسلامية  ومدى تأثرها بالتنظيمات البيزنطية والساسانية  المماثلة .
وبالرغم من الجهود التي بذلتها الكاتبة في هذا الصدد الا انها لم تخرج بنتيجة قطعية واضحة في إثبات اصالة التنظيمات الحرفية الاسلامية .وثالث المسائل التي اثارتها الكاتبة ما يتعلق بدراسة التكتل العمالي والتخصص الحرفي متطرقة الى الاسواق المتخصصة ، والدوافع التي ساعدت على التجمع في هذه الاسواق ، واحياء السكن المشتركة ، وتركيب الصناع ، واخلاقهم ، واساليب معيشتهم .
وفي الفصل الثالث ، تناولت الكاتبة تنظيم الاصناف ، ووظائف الصنف وواجباته واسرار المهنة والاهتمام بمصالح المنتمين الى الصنف والعناية بالمواد الاولية وعدم اهدارها والتنظيم الهرمي للصنف بدءا من الشيخ شيخ الصنف وانتهاءا بالمبتدئ –الصبي ومرورا بالاستاذ –الاسطة والخلفة والصانع .
كما درست الكاتبة علاقة الدولة بالاصناف ، ومحاولاتها المتنوعة للتدخل في شؤون الاصناف ، وتوجيه فعالياتها ، وفرضها الضرائب على أهل الاصناف وتدخلها لمراقبة الاسعار واحتكارها لبعض الصناعات ورأت بأن نظام  الحِسبة يعتبر أبرز الاجهزة الرسمية ذات العلاقة المباشرة بالتنظيم الحرفي .
وقد حاولت الكاتبة ان تعقد مقارنة تاريخية بين الاصناف الاسلامية والنقابات الاوربية في العصور الوسطى مبينة أن هناك اوجها للتشابه والاختلاف .وليس من شك في ان العصور الوسطى شهدت احتكاكا بين التنظيمين خلال الاندلس والحروب الصليبية .كل ذلك جعل الكاتبة تصل الى نتيجة مؤداها ان النقابات الاوربية تأثرت كثيرا في نشأتها وتطورها بالاصناف الاسلامية .
ولم يفت الكاتبة ان تشير كذلك الى الارتباط الوثيق الذي كان بين الاصناف والمعايير والقيم الاخلاقية التي سادت بينها ، وبين مراسيم تجمعات الفتيان التي عممتها الدولة العباسية في اواخر ايامها .وقد ظلت الاصناف على نشاطها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي في المجتمع العربي الاسلامي حتى اواخر القرن التاسع عشر حين اضمحلت وفقدت دورها الايجابي في تنظيم الصناع ورعاية شؤونهم لتخلي المكان لتنظيمات اكثر حركة وفعالية ومعاصرة منها .
ان كتاب الاخت الدكتورة صباح ابراهيم الشيخلي - ولو انه لم يخل من بعض الهنات منها ما يتعلق بترتيب المعلومات والافكار ومنها ما يتعلق بالاخطاء وخاصة المطبعية وخلوه من خاتمة او خلاصة - إلا أنه  يستحق ان تضمه مكتبة كل مثقف وقارئ ومتابع لمثل هذا الموضوع الحيوي .
·       المقال منشور في جريدة "الجمهورية " البغدادية 10 نيسان 1977 .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة

  عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة -ابراهيم العلاف ولا اكتمكم سرا ، في أنني احب القاص والروائي العراقي الراحل عبدالستار ناصر 1947-2013 ، واقرأ ...