مشكلة الاراضي في العراق بين سنتي 1914-1932
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
للحركة التاريخية المعاصرة في العراق ، جوانبها
الاقتصادية ، والسياسية ، والاجتماعية .فحين أخذت الجوانب السياسية حقها من البحث
خلال السنوات القليلة الماضية ،واصبحنا نرى العديد من الدراسات والبحوث التي
تتناول تاريخ العراق السياسي الحديث والمعاصر ، لم نجد الا النزر اليسير من
الدراسات عن الاوضاع الاقتصادية الاجتماعية ..ولعل كتاب الاستاذ الدكتور عماد أحمد
عبد الصاحب الجواهري الذي صدر عن وزارة الثقافة والفنون في العراق محاولة موفقة
لتناول مظهر مهم من مظاهر الحياة الاقتصادية في
العراق ،تلك هي " مشكلة الاراضي " التي تعتبر –حتى وقت قريب – من
أعقد المشاكل التي واجهتها البلاد .
أدت ظاهرة تركز الملكيات الزراعية في العراق
في أيدي قلة من الملاكين دورا في التاريخ السياسي والاقتصادي ؛ فمنذ اواخر القرن
التاسع عشر تحول عدد من شيوخ العشائر الى ملاكين . كما ظهر نوع آخر من الملاكين
وهم تجار ووجهاء المدن والذين استحوذوا على مساحات شاسعة من أراضي العراق وبذلك شكلوا إحدى
الدعائم التي إرتكز عليها نظام الحكم الملكي والذي إستمر قرابة ال (40 ) عاما .
ولئن وُجد بعض الخلاف بين الباحثين حول
الفروق بين أسلوب الانتاج الذي كان سائدا في العراق قبل سنة 1958 ، وبين الاسوب
الاقطاعي الاوربي ، فإن الكاتب يحسم المسألة بالاستناد الى وجهة النظر الثورية
التي ورد ذكرها في قانون الاصلاح الزراعي رقم (117 ) لسنة 1970 وهي ان هدف الاصلاح
الزراعي في العراق ، هو القضاء على الاقطاع والعلاقات شبه الاقطاعية .
ومن خلال مراجعتنا للكتاب ، نجد انه ينصرف
لمعالجة نقطتين اساسيتين اولاهما : تطور
مشكلة حيازة الارض منذ العهد الملكي وحتى نهاية عهد الانتداب البريطاني في سنة
1932 . وثانيهما : المظاهر السياسية والاجتماعية لمشكلة الاراضي .ومع هذا فثمة
فصول ستة توزعت عليها أبحاث الكتاب ؛ فالفصول الاول والثاني والثالث شملت عرضا
مفصلا لتطور حيازة أرض منذ بداية الحكم العثماني سنة 1534 وحتى 1914 مع دراسة
للمظاهر العامة لهذه المشكلة .
أما الفصول الاخرى ، فقد كرست لدراسة التطوات
السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين 1914 -1932 ، وهي الظواهر التي قامت مشكلة
الاراضي بدور بارز في تفاقمها والتي أدت بالنتيجة الى خلق تناقضات اجتماعة على
مستويات أبرزها :
1. أسهمت الاجراءات العثمانية الخاصة بتفويض الاراضي الى طالبيها بموجب قانون
الاراضي لسنة 1858 في نقل التصرف بارض من شكله القديم المبني على الاساس الاسلامي
الذي يقول بملكية الدولة للارض الى شكل جديد يسمح لاصحاب رؤوس الاموال (ومنهم بعض
شيوخ العشائر ،اثرياء المدن ) بالحصول على الاراضي والتصرف بها على الاسس
الاقطاعية المعروفة .
2. وعند ذلك ظهرت تناقضات اجتماعية بين حائز الاراضي وبين المحرومين من حيازة
الارض .
3. كما ظهر تناقض اجتماعي آخر بين المجتمع الريفي أو القبلي .
4. وكان ذلك سببا في ظهور حالة التخلف الاجتماعي والاقتصادي في العراق .
وعن طريق التحليل العلمي الموضوعي لمشكلة
الارض ، يضع الكاتب أمام قارئه جملة استنتاجات ابرزها :
1.ان حيازة الاراضي في العراق حتى عام 1932
كانت إما غير مقرونة بموافقة اجتماعية ، أو أنها مقرونة بموافقة شبه اجتماعية ولكن
بلا وعي اجتماعي .
2.ان القوى السياسية المختلفة ( العثمانيين
،الانكليز ، الفئات المستغلة ) استخدمت حيازة الارض كوسيلة مادية في محاولتها
الابقاء على الوضع الراهن .
3.وفي عهدي الاحتلال والانتداب البريطانيين
استمرت عملية (نهب الاراضي ) من الفلاحين (لمتصرفين الفعليين بالارض ) وذلك بصدور
قوانين التسوية واللزمة ودعاوى العشائر لتكون بمثابة الصيغ النهائية للتحالف
المنشود بين رجال الاقطاع والبرجوازية الناشئة ليكونوا دعامة أكيدة للوجود الملكي
والاستعماري مما عجل في تفاقم الظواهر المرضية كتدهور الاوضاع المعاشية والثقافية
والعلمية للطبقات الكادحة .
عندئذ برزت الحاجة الى تغيير جوهري ،فكانت
ثورة 14 تموز 1958 التي أصدرت قانون
الاصلاح الزراعي في الثلاثين من أيلول سنة
1958 والذي حقق هدفه الاول في ضرب الاقطاع
كطبقة وأزال كثيرا من نفوذها السياسي ووضع الحل الجذري لمشكلة الارض في العراق .
إن الكتاب جهد قيم ،واضاءة جيدة لجانب مهم من
جوانب تاريخنا المعاصر .وجدير بكل مثقف ومتتبع ان يقرأه بإمعان وتفحص عميقين .
*المقالة منشورة في جريدة "الجمهورية
" البغدادية 12 مايس 1978 . ِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق