النخبة القانونية وتأسيس الدولة العراقية
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
كتاب الاستاذ عبد الحسين إبراهيم الرفيعي :" دور النخبة القانونية في تأسيس الدولة
العراقية 1908-1932 " ، هو بالاصل رسالة ماجستير في التاريخ الحديث تقدم بها الى مجلس كلية
التربية –إبن رشد بجامعة بغداد سنة 2003 بإشراف الزميل والصديق العزيز الاستاذ الدكتور كمال
مظهر أحمد تعد من الدراسات المتميزة .الكتاب صدر عن دار الرافدين ببيروت سنة 2005
.. وبإخراج جميل جدا .زع انه كان لدي منذ سنوات لكن لم تتيسر لي قراءته الا
قبل أيام .
من الامور الملفتة للنظر ان من قدم للكتاب
صديقي وزميلي المؤرخ اليمني الكبير الاستاذ الدكتور صالح علي باصرة رئيس جامعة
صنعاء ووزير التعليم العالي والبحث العلمي اليمني الاسبق .والذي اشار الى ان المؤلف
اوضح دور مدرسة (كلية ) الحقوق العراقية المؤسسة منذ سنة 1908 في تهيئة أجيال من
الحقوقيين الذين اصبح لهم دور بارز في تأسيس الدولة العراقية الحديثة سنة 1921
.كما انه وقف عند ما احدثته النخبة القانونية من تغييرات في جوانب الحياة السياسية
والفكرية في العراق منذ 1921 وحتى اعلان استقلال العراق دولة مستقلة ودخوله عصبة
الامم سنة 1932 .
ليس من شك في ان العراق أو بلاد مابين
النهرين هو بلد القانون فعلى أرضه ظهرت
قبل الاف السنين الشرائع الاولى :قانون لبت عشتار، وقانون اشنونا ،وقانون
اورنمو ، وقانون حمورابي . ويقينا ان ذلك جعل الجميع يدرك ان العراق بُني اداريا
وقانونيا على اسس قويمة تطورت فيها الحقوق واتسعت لتأخذ مدياتها في التقدم قبل
الاسلام وبعده ؛ ففي كل عصور التاريخ القديم والاسلامي والحديث كان للقضاء في
العراق القدح المعلى من الرسوخ والتقدم ويكاد العراق اليوم يرث كما هائلا من
القوانين والانظمة والمراسيم والاحكام
التي نظمت الحياة فيه على كافة الاصعدة السياسية والادارية والاقتصادية
والعسكرية والثقافية .
وفي العهد العثماني وفي اواخره كان ثمة
اهتمام بالقانون وكان ما حصل في العراق اواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن
العشرين من تجدد وتحديث ثمرة لعمل قام به عدد من خريجي مدرسة الحقوق في بغداد
والتي فتحت ابوابها سنة 1908 .كما كانت استنبول وباريس مكانين بارزين درس فيه
العشرات بل المئات من الشباب العراقيين مادة الحقوق فلقد تخرج على سبيل المثال
اواخر السنة 1895 من كلية الحقوق العثمانية في استنبول عدد من العراقيين منهم عبد
الرحمن ضياء وموسى كاظم الباجه وكيروب
ستيان ومحرم عمر وعبد الله عوني والياس رسام وهؤلاء من بغداد والموصل والسليمانية
وقد عد ذلك نقطة تحول مهمة في مسار القضاء الحديث في العراق .
ومما ركز عليه المؤلف ان بواكير الحركة
الطلابية في العراق ارتبطت بشكل او بآخر بكلية الحقوق ومنذ تأسيسها .وقد كان ذلك
بسبب تأثر الطلبة بالتيارات السياسية الشائعة انذاك والمتمثلة بتيار الاتحاد
والترقي وتيار الحرية والائتلاف وعندما اغلقت كلية الحقوق بسبب نشوب الحرب
العالمية الاولى كان عدد المتخرجين منها حوالي مائة وخمسون طالبا تيسر للكثيرين
منهم ان يكونوا من بناة العراق الحديث .
في عهدي الاحتلال والانتداب 1914-1932 واصلت
كلية الحقوق مسيرتها وتخرج منها عدد كبير من الشباب .كما اصبح عدد من خريجيها وغيرهم اساتذة فيها ويورد
المؤلف اسماء عدد من المدرسين الذين تولوا التدريس فيها سنة 1923 على سبيل المثال
لنجد اسماء الاساتذة عارف السويدي ونشأت السنوي وسليمان فيضي وحكمت سليمان ورشيد
عالي الكيلاني وعبد القادر السنوي وحسن افنان وعبد الله ثنيان وامجد الزهاوي .كما
تمت الاستعانة بعدد من الاساتذة المصريين منهم احمد حلمي بك الذي كان يلقي على
الطلبة محاضرات في مادة الاقتصاد وقانون العقوبات .
وقد اهتم الملك فيصل الاولى باني مجد العراق
ومؤسس دولته الحديثة بالنخبة القانونية وافسح لها المجال لكي تتبوأ المراكز التي
تستحقها في القضاء والادارة والاقتصاد وكثيرا ما شكل اللجان لتطوير كلية الحقوق
وتعميق مناهجها ومقارنة ذلك بما يدرس في الكليات المتناظرة لذلك مارست الكلية اداء
دورها المتميز فلقد تجاوز عدد خريجيها لغاية السنة الدراسية 1927-1928 المائتين .
درس المؤلف النشاط الفكري والسياسي للنخبة
القانونية العراقية بين سنتي 1908-1920 فوقف عند نشاط النخبة القانونية في عهد حكم
الاتحاديين وتعثر هذا النشاط خلال الحرب العالمية الاولى وموقف النخبة القانونية
من الاحتلال البريطاني وبيعة الملك فيصل ملكا على العراق ودور النخبة القانونية في
إرساء اسس الكيان العراقي ونشاط النخبة القانونية في المجال المهني وموقع النخبة
القانونية في الخارطة الحزبية العراقية في مرحلتي تأسيس الاحزاب السياسية الاولى
بعد الحرب العالمية الاولى والثانية بعد الحرب العالمية الثانية ثم دور النخبة
القانونية في حياة العراق السياسية والفكرية منذ عهد الانتداب البريطاني وحتى
انتهاءه بدخول العراق عصبة الامم دولة مستقلة .. واخيرا تناول المؤلف بالبحث مواقف
النخبة القانونية من قضايا المجتمع والاقتصاد والفكر والفلسفة والتاريخ والعلوم .
فضلا عن المواقف الوطنية والقومية .
جهد كبير ومتميز ومتابعة دقيقة قام بها الاستاذ عبد
الحسين ابراهيم الرفيعي مؤلف الكتاب لماقدمته النخبة القانونية في العراق من
مجهودات يشار اليها بالبنان .. وكان لها اثرها الفاعل في اقامة نظام قضائي متميز
في العراق .
ومن هنا ندعو أولي الامر ان يحافظوا على هذا
التراث القانوني والقضائي العراقي ، ويعملوا على ازالة ما لحق به من شوائب من جراء
الاحتلال الاميركي البغيض في 9 نيسان 2003 ، وما فعله من جاء بهم الاحتلال من
مفاسد وتخريب طال الحياة العراقية بمجموعها ومن ضمنها النظام القضائي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق