رسالة من القاص
الأستاذ أنور عبد العزيز إلى الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف مع أطيب
التمنيات
الموصل في: 12
تموز 2011
الأعز الأخ
والصديق :
الأستاذ الدكتور
إبراهيم خليل العلاف المحترم
تحية أخوية
..
أعترف أن كتابتي عن جهودكم الكبيرة
والاستثنائية في التاريخ الحديث والمعاصر، ربما جاءت متأخرة، ولكن لي من نبل المؤرخ الكبير، وطيبته ،وأصوله
الكريمة، وأخلاقياته العالية ما يجعلني مطمئنا لقبول العذر.. أخي أنت لك الفضل
الكبير على المدينة ..وعلينا جميعاً -نحن المهمومين المكتوين بشؤون وشجون ومسرات
القراءة والكتابة منذ خمسين عاما وأكثر- أنت كنت الباحث ، والمؤرخ ، والمحقق،
والمدقق ،والمنقب عن كل شوارد التاريخ رغم أن تخصصك التاريخ الحديث،فرغم هذا
الحديث ورغم وجود رواية الإحياء ووثائقه التي لم يشحب حبرها بعد، فأنت في سياحتك
التاريخية لم تطمئن لهذا التاريخ – رغم قربه وحداثته- فأمسكت بأدق أنواع الغرابيل
بل (المناخل) لتغربل وتنخل (بالموخل) أدق أسرار هذا التاريخ الحديث ومخفياته دون اعتماد الظاهر فقط ودون الركون
لقول واحد أو اثنين فقط من (الرواة) مهما كانت موثوقيتهما وصدقهما.. عالجت الظواهر
وتوغلت في حشد من أسماء ولاة الأمور والسياسيين والقادة (مدنيين وعسكريين) وأدباء
وفنانين وصحفيين ورسامين ومصورين وموسيقيين وحتى بهلوانات وشخصيات غريبة ليست
طبيعة ولكنها موجودة وعايشها المجتمع ، شخصيات رزينة جادة في تعاملها مع الناس
والحياة ..وشخصيات كاريكاتيرية مهزوزة ومضطربة .. لن تأنف من الكتابة عن (مغمور)
بائس لم يذكره أحد أو يكتب عنه كلمة .. أنت كتبت عن أمثال هؤلاء بقناعة مطلقة
وإنصاف لما قدموه من منجزات إرضاء لقناعاتك التاريخية ، وإحقاقا لحقوق من ضاعت حقوقهم في فوضى الأيام
والسنين مع تنكر الناس لهم ، وحتى من بعض المؤرخين الذين يفترض فيهم النزاهة ،
وروح العدل، وعدم محاولة إخفاء وتضييع جهد
الآخرين.. أنت أبدا لم تكن واحدا من هؤلاء بل كنت الإنساني الحريص على توثيق أي
جهد إبداعي مادام يصب في خدمة الموصل الحضارية والعراق العريق في مجده وتراثه..
ما ارسلته (للزمان) من مقالة عنك * ظهر في
(طبعتها الدولية) في 9 تموز 2011 وسأرسل لك بأذن الله نسخة (طبعة العراق) في حال
ورودها للموصل.. تعرف أخي الكريم – أن الزمان تصدر أو توزع بأربع طبعات : (الدولية
بلندن) و (الخليجية بالبحرين) و(العربية بدمشق) وأخيرا (طبعة العراق ببغداد) وقد
روى لي الصديق سعد الدين خضر انه في سفراته لسوريا كان يرى في مكتبات دمشق أكثر من
طبعة للزمان.
متمنيا لأخي
العزيز إن شاء الله وبأذن الله عافية الروح والجسد ، وفرحة التواصل من منجزاته التاريخية والفرحة
الأكبر حتما عند صدور كتاب جديد له يرسخ في عيون القراء وذاكرتهم إن إبراهيم
العلاف يحق له أن يستمتع - وبكل قدرة
وأحقيه وجدارة - بلقب : (البرفسيور) بل
أكثر من ذلك.
مع محبتي
أنور عبد العزيز
*نص مقال الأستاذ
أنور عبد العزيز والذي نشر بعنوان : (( إبراهيم خليل
العلاف.. موسوعية الثقافة ونبض التاريخ
العودة لنبض المدينة عبر مبدعيها))
وجاء فيه
العودة لنبض المدينة عبر مبدعيها))
وجاء فيه
الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف (1945) مؤرخ جليل وباحث قدير مثابر في
مجالات أبحاثه وأطروحاته في تاريخ الموصل والعراق الحديث والمعاصر... وكذا في
تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني وفي الزمن المعاصر مع معالجات أكاديمية
لقضايا عربية وإقليمية وفي عموم علاقات العراق مع الدول العربية والإسلامية... ومن
أراد التعرّف تفصيلياً على المسيرة العلمية للباحث وعن المسؤوليات العلمية التي
تقلّدها وعن إصداراته وجوائز التكريم التي نالها عن بحوثه ودراساته العديدة
المتنوّعة فليرجع لكتابه القيّم - وكل كتبه قيّمة أثيرة - (شخصيات موصلية الصادر
سنة 2007 إذ سيجد ما يحبّ التعرّف عليه...
إن ما يدفع أيّ كاتب أو قارئ أو متابع لأطروحات العلاّف هو هذه النزاهة وهذه الموضوعية في التعامل مع الحدث التاريخي أو الشخوص، ثمّ هذه (الموسوعية) في التصدّي لمعالجات كثير من الظواهر التاريخية والثقافية التي قد تبدو - في الظاهر - ألاّ علاقة لها بتخصّصه الدقيق وتحديداً عن (تاريخ التعليم) و (تاريخ الصحافة)، فرغم الآفاق الفسيحة لعالمي التعليم والصحافة، فان الأستاذ المؤرخ لم يكتفِ بما قدّمه من إبداع في هذين المجالين بل هو ساح - ثقافياً - لمديات أبعد وأبعد... هو لم يكن ذلك الأستاذ الذي ظلّ مشدوهاً ومعجباً باطروحته المعمّرة لخمسين سنة وأكثر ولم يزد عليها حرفاً لا بكتاب جديد وحتى عند البعض بالنزر اليسير من المقالات والبحوث...
إن ما يدفع أيّ كاتب أو قارئ أو متابع لأطروحات العلاّف هو هذه النزاهة وهذه الموضوعية في التعامل مع الحدث التاريخي أو الشخوص، ثمّ هذه (الموسوعية) في التصدّي لمعالجات كثير من الظواهر التاريخية والثقافية التي قد تبدو - في الظاهر - ألاّ علاقة لها بتخصّصه الدقيق وتحديداً عن (تاريخ التعليم) و (تاريخ الصحافة)، فرغم الآفاق الفسيحة لعالمي التعليم والصحافة، فان الأستاذ المؤرخ لم يكتفِ بما قدّمه من إبداع في هذين المجالين بل هو ساح - ثقافياً - لمديات أبعد وأبعد... هو لم يكن ذلك الأستاذ الذي ظلّ مشدوهاً ومعجباً باطروحته المعمّرة لخمسين سنة وأكثر ولم يزد عليها حرفاً لا بكتاب جديد وحتى عند البعض بالنزر اليسير من المقالات والبحوث...
إبراهيم خليل العلاف شي غير ذلك
وكل ما استفادة من (أطروحاته) الأولي انه جعلها ركيزة ومنطلقاً لتنوّع معرفي
وثقافي وعلمي ظلّ - رغم كل اختلاف التعريفات - متواصلاً متصلاً بالتاريخ وبحميمية
باهرة، ولأن الحياة كلها - أزماناً ومواقع وشخوصاً وبشراً وامبراطوريات وسياسات -
هي مسمّيات تنضوي تحت خيمة التاريخ ويحنو عليها هذا التاريخ بكل محبّة وحنان
وإشفاق وفي كل حالات الفرح أو الهمّ الإنساني... العلاف يكتب التاريخ - خاصّة
تاريخ الشخصيات - بكل تجرّد وموضوعية مدهشة، فهو عندما يكتب عن التاريخ الشخصي
والعلمي لأي طبيب او عالم او مهندس أو أديب أو فنان أو... أو... فهو يتعامل معها بمحبة
ونزاهة وموضوعية كتلك التي يكتب بها عن مؤرخ أو باحث تاريخي أو مدرس تاريخ إذ لا
نجد عنده أي تعصّب لمن هم من اختصاصاته.
هذه الموازنة الدقيقة وهذه (المبدأية) في البحث
والتقصّي والمعالجة باتت سمة من سمات هذا الباحث القدير... ثمة مسألة أخري انتبهت
لها بعد قراءاتي لعديد من كتبه : هذا الولع الشديد الحنون بالكتابة عن الشخصيات:
دينية وسياسية وعلمية وإدارية وأدبية وفنية وثقافية عموماً... المسألة الاخري -
وهي الأهم - هي روح الإنصاف والتنبيه علي حقوق مضيّعة، لذا فكثيراً ما كتب عن
مهمّشين من علماء وأدباء وسياسيين لهذا السبب أو ذاك... تهميش ربما كان مقرراً
ومقصوداً، وإذا اعتمدنا حسن النية فقد يكون سببه الإهمال، وحتى هذا الإهمال لماذا؟!
سواء كان عن غفلة أو سوء تقدير.
العلاف أضاء وعلي الواجهة أسماء
مشعّة كان لها دورها أو أدوارها في العلم والشعر والقصّة والتصوير والفنون
التشكيلية وحتى في مجالات الغناء والمقام والموسيقي والتواشيح والتنزيلات وفنون
الموالد وليالي الذكر ورمضان... هذا الميل القوي الواضح للكتابة عن الأشخاص
انطلاقاً من تأكيد أهمية الدور الحيوي لإنسان هذا العصر وفي كل العصور ففي كتابه:
(شخصيات موصلية) نستمع ونستأنس في معايشة حياة أو استعادة حياة لـ (88) شخصية
موصلية ومن مختلف الوان الناس من علماء دين لعسكريين لقادة إداريين.. لأطباء
..وعلماء ومهندسين وادباء وفنانين و... و.. و... وإذا كان هذا العدد قد جاء حصراً
لأبناء مدينته استذكاراً ووفاءً للراحلين منهم ولمن ما يزال مكافحاً من اجل ترسيخ
منجزه الثقافي احتراماً لسمعة اسمه وسمعة مدينته ووطنه، فإن آفاق العلاّف المنتبهة
قد تجاوزت الموصل - رغم اعتزازه بمدينته والمسألة المحلية - لتحتضن (40) اسماً
أغلبها لشخصيات وجمعيات علمية وأدبية وصحافة في كتاب حمل بكل اقتدار عنوان: (تاريخ
العراق الثقافي المعاصر 2009)...
لا أري ضرورة لاختيار أسماء لشخصيات عديدة ذكرها العلاف في أكثر من كتاب ومقالة وبحث - بالإضافة لما ورد من أسماء في الكتابين المذكورين - فكل الشخصيات - من رحلت ومن الباقين - عملوا جماعياً - وبحسب قناعاتهم وقدراتهم - علي رفع اسم الموصل والعراق بكل مدنه كحواضر أسهمت في تقدمه الحضاري.
الباحث العلاّف وبقدر اعتزازه بالدور القومي والوطني لمصر وسياسييها وادبائها وبناة حضارتها الحديثة: طه حسين والعقاد والرافعي وعلي عبد الرازق وشوقي ضيف وسهير القلماوي وأمين الخولي وطلعت حرب ومحمد حسنين هيكل وآخرون ومن مشهوري صحفييها : مصطفي وعلي أمين والتابعي ومحمد حسنين هيكل وشهرة صحفها ومجلاتها العتيدة الرائدة: الأهرام والأخبار والجمهورية ومجلة (الكاتب المصري) لطه حسين و (الرسالة) لأحمد حسن الزيّات و (الهلال) وغيرها... أمام كل هذا الفيض للنهضة العلمية المصرية المبكرة بسبب البعثات التي أرسلها محمد علي باشا للتحديث وكذا وصول أول مطبعة للقاهرة وتأسيس أول متحف..
لا أري ضرورة لاختيار أسماء لشخصيات عديدة ذكرها العلاف في أكثر من كتاب ومقالة وبحث - بالإضافة لما ورد من أسماء في الكتابين المذكورين - فكل الشخصيات - من رحلت ومن الباقين - عملوا جماعياً - وبحسب قناعاتهم وقدراتهم - علي رفع اسم الموصل والعراق بكل مدنه كحواضر أسهمت في تقدمه الحضاري.
الباحث العلاّف وبقدر اعتزازه بالدور القومي والوطني لمصر وسياسييها وادبائها وبناة حضارتها الحديثة: طه حسين والعقاد والرافعي وعلي عبد الرازق وشوقي ضيف وسهير القلماوي وأمين الخولي وطلعت حرب ومحمد حسنين هيكل وآخرون ومن مشهوري صحفييها : مصطفي وعلي أمين والتابعي ومحمد حسنين هيكل وشهرة صحفها ومجلاتها العتيدة الرائدة: الأهرام والأخبار والجمهورية ومجلة (الكاتب المصري) لطه حسين و (الرسالة) لأحمد حسن الزيّات و (الهلال) وغيرها... أمام كل هذا الفيض للنهضة العلمية المصرية المبكرة بسبب البعثات التي أرسلها محمد علي باشا للتحديث وكذا وصول أول مطبعة للقاهرة وتأسيس أول متحف..
العلاّف يبدي اعجابه بكل هذا ولكنه
يبدو مهموماً عندما يتحسّس (تغييب) جهود مدينته (الموصل) ووطنه (العراق) في مجالات
النشر والصحافة، فهو يستغرب هذا الاهمال من الباحثين والنقاد لجهود كبيرة في هذا
المجال يجب الاشادة بها وتذكير الاجيال بها، فكما ان (الآداب) البيروتية من شهيرات
المجلاّت بعمرها الطويل ودورها الثقافي فان عندنا (الأقلام) مجلّة أدبية ثقافية
رصينة تجاوز عمرها الأربعين عاماً وما زالت متواصلة وكذا مجلة (المورد) التراثية
الحضارية و (التراث الشعبي) الفولكلورية، ويزداد أسفه عندما لا يجد إلا كتابات ضئيلة
محدودة عن مجلة رصينة هي (الثقافة الجديدة) والتي بدأت مشوارها سنة 1953 و ما تزال
متواصلة هذا بالإضافة لمعالجاتها العلمية والسياسية والأدبية الباذخة وهو يري أنها
قد خدمت الفكر القومي عبر مقالات علمية متوازنة وقبل هذا بعقود كان للعراق مجلة
(لغة العرب) الرصينة الجامعة لآراء وكتابات الأدباء العرب وفي ألوان المعارف
التاريخية والفكرية والأدبية واللغوية.
وفي مجال ذكر الصحف المؤثرة
الجادّة الهادفة يذكر جماعة (الصحيفة 1924-1932) ثم جماعة مجلة (المجلة) وجماعة
(بغداد للفن الحديث) وجماعة (اصدقاء الفن في كركوك) وجماعة (روّاد الادب والحياة)
في الموصل (المصدر: تاريخ العراق الثقافي المعاصر / 2009)... وللباحث الأستاذ الدكتور إبراهيم العلاف فضل في نشر الثقافة وايصالها لكل بني البشر من عشّاق الكلمة والقصة والشعر والمقالة، وهو سعيد إذ استطاع بالاستعانة بتقنيات الاتصال الحديثة وبخصوصية الرقميات الالكترونية (شبكة الانترنت) والمواقع الالكترونية إن تم له بعض هذا الطموح الجميل، اذ أخذ ينشر علي موقعه الالكتروني ومواقع اخرى هذا الثراء المعرفي الذي يدل علي متابعات ثقافية نشيطة ومباركة... ولن أنسي ذلك البحث القيّم الذي نشره علي موقعه قبل سنوات عن مجلة (قصص 69)، ذلك المشروع الذي نهض به الناقد المسرحي حسب الله يحيي عندما كان عاطلاً ويعمل باجور زهيدة في صبغ الدور قبل أن يتخرج معلّماً ويعيّن في (مدرسة قرية كويلان) القريبة من عقرة... بامكانيات بسيطة وإعانات محدودة اصدر عددين أو ثلاثة أعداد (لا أتذكر) ساهم فيها العديد من القصاصين من الموصل ومن غالبية مدن العراق، وكان لذلك الإصدار - وما يزال- صدي طيباً في صحافة العراق ولبنان وفي الانطباعات الايجابية لعديد من النقاد والأدباء يومذاك...
مرحي للمؤرخ الجليل ولنا جميعاً كقرّاء ومتلقين لهذا الجهد بتنويعاته، ولكل عشّاق الحقيقة التاريخية كظاهرة أو مجسّدة عبر شخوص ايجابية فاعلة متفاعلة مع نبل الوجود الإنساني، عندها يمكن القول أن شيئاً من الأمل والهناء قد تحقّق لإنسان هذه الأرض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق