بادية الإمارات في الكتابات العراقية المعاصرة
الأستاذ الدكتور إبراهيم العلاف المؤرخ العراقي المعروف وعضو أتحاد المؤرخين العرب
/جامعة الموصل /العراق
حظيت البادية
والبداوة باهتمام الباحثين العراقيين المعاصرين لعوامل عديدة لعل من أبرزها
، فضلاً عن ما تشكله البادية من حيز واسع في مساحة ارض العراق
والبلدان العربية الأخرى ، أن البادية لها دور مهم في المحافظة على الهوية
القومية والقيم الاجتماعية والثقافية التي يعتز بها العربي . والبداوة
بقدر ما هي أول نمط اجتماعي للحياة عاشه الإنسان ، فهي كذلك نظام تاريخي
ينزع ، كما هو الحال في دولة الإمارات العربية المتحدة ، إلى تحقيق غايته
بالتحضر والاستقرار؛ فعلى أنقاض البداوة نمت الدولة الحديثة في منطقة
الخليج العربي . والمدن الخليجية الرئيسة ليست إلا امتداد للبادية والتي هي
كما يقول ابن خلدون أصل العمران .
-2-
وأية مراجعة لأرشيف الكتابات العراقية المعاصرة ، تبين لنا وجود عدد كبير من الدراسات التي تناولت البادية والبدو ، فمنذ سنة 1949 صدرت دراسات وألقيت محاضرات وطبعت كتب وكلها أكدت مسألتين مهمتين أولاهما أن البداوة ، بنظمها الخاصة ، فرضت على البدوي أشكالا معينة من التنظيم السياسي والمكانة الاجتماعية . وثانيهما أن إسهام البدوي في الحياة الحديثة لا يمكن أن يتم بدون تبني سياسة التوطين التي هي ضرورة اجتماعية واقتصادية فضلاً عن أنها تقوي عند البدوي الشعور الوطني والولاء للدولة . والى شيء من هذا القبيل أشار الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رحمه الله حينما حدد فلسفة التوطين قائلاً أن : (( بإمكاننا أن نجمع البدو المنتشرين في البوادي ليقيموا في المدن حيث الراحة والخدمات والحضارة .. ولكن هذا سيؤدي إلى تفريغ الصحراء من سكانها .. وهذا خطأ سياسي واستراتيجي لا يمكن أن نقع فيه إذ لو حدث هذا لخلت الصحراء من سكانها ، ولم تجد من يرعاها ويدافع عنها )) . ويمكن أن نذكر في هذا الصدد أسماء عدد كبير من العراقيين الرواد الذين كتبوا عن البادية منهم عبد الجبار الراوي (1949) وعبد الجليل الطاهر (1954) وضياء شكارة (1956) ومكي الجميل (1962) وعلي الوردي ونوري خليل البرازي فيما بعد .
-3-
وجاء اهتمام الباحثين العراقيين بالبادية من خلال دراستهم للعراق وارتباطاته بالجزيرة العربية والخليج العربي. وتعد الكتابات والأخبار التي نشرت في مجلة لغة العرب التي أصدرها الأب انستاس الكر ملي ببغداد في الأول من تموز 1911 ، من ألبوا كير الأولى لهدا الاهتمام. ومع بدء تشكيل الدولة العراقية سنة 1921، والتوجه القومي العربي الذي رافق دلك، بدأنا نتلمس آثار كتابات ودراسات خليجية كثيرة في العراق منها ما كتبه كل من عبد الفتاح إبراهيم وزكي صالح ومحمود علي الداؤد وعبد الأمير محمد أمين ومصطفى عبد القادر النجار وصالح العابد وخليل علي مراد وإبراهيم خلف ألعبيدي وصبري فارس إلهيتي.
-4-
وفيما يتعلق بالإمارات العربية المتحدة وبباديتها ، فان العراقيين قدموا الكثير من الكتب والدراسات وفي هذا المجال يتناول البحث إنجازات محمود بهجت سنان ، وهو ضابط في الجيش العراقي ، تقاعد في الستينات من القرن الماضي ورحل إلى منطقة الخليج العربي واحب مدنها وقراها وسعى لتوثيق مختلف جوانب الحياة فيها ووثق ذلك عبر أربعة كتب وبضع دراسات عن البحرين وقطر والشارقة وإمارة أبو ظبي وقد تحدث في كتابه (( أبو ظبي واتحاد الإمارات العربية ومشكلة البر يمي)) الذي نشره سنة 1969 عن الوضع الجغرافي وامتداد الأراضي التابعة لأمارة أبو ظبي إلى حوالي 200 ميل لتشمل مناطق شاسعة متباعدة فيما بينها غير مسكون اغلبها وترتادها القبائل طلباُ للرعي والكلأ وطبيعة أرضها غير مستوية وأصلها رملية وعن المنطقة الصحراوية قال إنها واسعة ذات رمال صفراء وحمراء تتخللها كثبان رملية تبدأ بعد المنطقة الساحلية والسبخة ووقف عند الواحات ومنها الختم وألطف والحمرة وبينونة والجواء والبطانة والظفر وتحدث عن سكانها وطبائعهم وأساليب معيشتهم . وفي كتابه ((إمارة الشارقة)) الذي طبعه سنة 1967 وقف عن الذيد ووصفها بأنها واحة غنية وتعد ((من المراعي الجيدة)) . وفي سنة 1972 نشر الدكتور خالد ألعزي كتابه ببغداد والموسوم ((الخليج العربي في ماضيه وحاضره)) وقد ألفه بعد جولة طويلة في إمارات الخليج بدأت سنة 1959 وفيه تحدث عن البدو الرحل وسكان الواحات في منطقتي العين وليوا وأرخ للخطة الخمسية التي بدأت في الإمارات سنة 1968 وبموجبها تأسست المدينة الحديثة خارج حدود هضاب ليوا الرملية مباشرة لتكون مستقراً للبدو . وفي شباط 1977 قدم صبري فارس إلهيتي رسالته للدكتوراه عن الخليج العربي وتضمنت فصولاً طويلة عن (المنطقة الصحراوية) الرملية التي تمثل ، حسبما ذكر ، حوالي ثلثي مساحة دولة الإمارات العربية ، وقال أن هذه المنطقة تعظم في حجمها وارتفاعها كلما توغلنا نحو الداخل حتى تندمج أخيراً في رمال الربع الخالي . ويربط إلهيتي ، وهو أستاذ للجغرافية ، بين هذه التضاريس والانحدار القبلي للسكان في الإمارات والذين ينتمون إلى تجمعين قبليين كبيرين هما تجمع بنو ياس وتجمع القواسم .
-5-
وكلما تقدمنا نحو نهايات القرن الماضي ، رأينا بان الدراسات العراقية حول الخليج العربي عامة والإمارات العربية المتحدة خاصة تميل نحو التخصص الدقيق ؛ ففي سنة 1974 قدم صالح محمد العابد رسالته للدكتوراه عن القوا سم وفي سنة 1981 ناقش سعود محمد حبيب رسالته للماجستير عن دولة الإمارات العربية المتحدة وبعده بسنتين قدمت ابتسام عبد الأمير حسون رسالتها للماجستير بعنوان (( دولة الإمارات العربية المتحدة دراسة في الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية)) . وفي 1999 قدمت عفراء عطا عبد الكريم رسالتها للماجستير عن (( بنوياس ودورهم في ظهور إمارة أبو ظبي 1761-1914)).
لابد من تحليل تلك الكتابات ووضعها في إطارها الصحيح كمصادر موثقة عن بادية الإمارات والدور الذي قامت به في رسم مستقبل هذه الدولة الفتية الناهضة . وتتضح قيمة هذه الكتابات في أنها أبرزت التحولات التي شهدتها الإمارات العربية المتحدة عندما بدأت تضع قدمها على عتبة العصر الحديث .وكانت مسألة إقامة القرى الجديدة في قلب الصحراء بهدف توطين أبناء البادية وربطهم بمنجزات الحياة العصرية وإشراكهم في قطف ثمار الثروة التي انعم الله بها على شعب هذه الدولة المعطاء قد نالت الاهتمام من الباحثين العراقيين . وفي كل نتاجاتهم ، تنعكس الرؤية العلمية الموضوعية والرغبة في التوثيق والنظرة الشمولية، بالروح القومية الأخوية ، ومن هنا اكتسبت مصداقيتها وأصبح من الصعب على كل من يتناول هذه المنطقة الحيوية تجاهلها خاصة وأنها كانت تحرص على ربط الإنسان في الخليج العربي ببيئته العربية والإقليمية والدولية.
*http://www.waha4ar.com
/vb/showthread.php?t=35810
-2-
وأية مراجعة لأرشيف الكتابات العراقية المعاصرة ، تبين لنا وجود عدد كبير من الدراسات التي تناولت البادية والبدو ، فمنذ سنة 1949 صدرت دراسات وألقيت محاضرات وطبعت كتب وكلها أكدت مسألتين مهمتين أولاهما أن البداوة ، بنظمها الخاصة ، فرضت على البدوي أشكالا معينة من التنظيم السياسي والمكانة الاجتماعية . وثانيهما أن إسهام البدوي في الحياة الحديثة لا يمكن أن يتم بدون تبني سياسة التوطين التي هي ضرورة اجتماعية واقتصادية فضلاً عن أنها تقوي عند البدوي الشعور الوطني والولاء للدولة . والى شيء من هذا القبيل أشار الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رحمه الله حينما حدد فلسفة التوطين قائلاً أن : (( بإمكاننا أن نجمع البدو المنتشرين في البوادي ليقيموا في المدن حيث الراحة والخدمات والحضارة .. ولكن هذا سيؤدي إلى تفريغ الصحراء من سكانها .. وهذا خطأ سياسي واستراتيجي لا يمكن أن نقع فيه إذ لو حدث هذا لخلت الصحراء من سكانها ، ولم تجد من يرعاها ويدافع عنها )) . ويمكن أن نذكر في هذا الصدد أسماء عدد كبير من العراقيين الرواد الذين كتبوا عن البادية منهم عبد الجبار الراوي (1949) وعبد الجليل الطاهر (1954) وضياء شكارة (1956) ومكي الجميل (1962) وعلي الوردي ونوري خليل البرازي فيما بعد .
-3-
وجاء اهتمام الباحثين العراقيين بالبادية من خلال دراستهم للعراق وارتباطاته بالجزيرة العربية والخليج العربي. وتعد الكتابات والأخبار التي نشرت في مجلة لغة العرب التي أصدرها الأب انستاس الكر ملي ببغداد في الأول من تموز 1911 ، من ألبوا كير الأولى لهدا الاهتمام. ومع بدء تشكيل الدولة العراقية سنة 1921، والتوجه القومي العربي الذي رافق دلك، بدأنا نتلمس آثار كتابات ودراسات خليجية كثيرة في العراق منها ما كتبه كل من عبد الفتاح إبراهيم وزكي صالح ومحمود علي الداؤد وعبد الأمير محمد أمين ومصطفى عبد القادر النجار وصالح العابد وخليل علي مراد وإبراهيم خلف ألعبيدي وصبري فارس إلهيتي.
-4-
وفيما يتعلق بالإمارات العربية المتحدة وبباديتها ، فان العراقيين قدموا الكثير من الكتب والدراسات وفي هذا المجال يتناول البحث إنجازات محمود بهجت سنان ، وهو ضابط في الجيش العراقي ، تقاعد في الستينات من القرن الماضي ورحل إلى منطقة الخليج العربي واحب مدنها وقراها وسعى لتوثيق مختلف جوانب الحياة فيها ووثق ذلك عبر أربعة كتب وبضع دراسات عن البحرين وقطر والشارقة وإمارة أبو ظبي وقد تحدث في كتابه (( أبو ظبي واتحاد الإمارات العربية ومشكلة البر يمي)) الذي نشره سنة 1969 عن الوضع الجغرافي وامتداد الأراضي التابعة لأمارة أبو ظبي إلى حوالي 200 ميل لتشمل مناطق شاسعة متباعدة فيما بينها غير مسكون اغلبها وترتادها القبائل طلباُ للرعي والكلأ وطبيعة أرضها غير مستوية وأصلها رملية وعن المنطقة الصحراوية قال إنها واسعة ذات رمال صفراء وحمراء تتخللها كثبان رملية تبدأ بعد المنطقة الساحلية والسبخة ووقف عند الواحات ومنها الختم وألطف والحمرة وبينونة والجواء والبطانة والظفر وتحدث عن سكانها وطبائعهم وأساليب معيشتهم . وفي كتابه ((إمارة الشارقة)) الذي طبعه سنة 1967 وقف عن الذيد ووصفها بأنها واحة غنية وتعد ((من المراعي الجيدة)) . وفي سنة 1972 نشر الدكتور خالد ألعزي كتابه ببغداد والموسوم ((الخليج العربي في ماضيه وحاضره)) وقد ألفه بعد جولة طويلة في إمارات الخليج بدأت سنة 1959 وفيه تحدث عن البدو الرحل وسكان الواحات في منطقتي العين وليوا وأرخ للخطة الخمسية التي بدأت في الإمارات سنة 1968 وبموجبها تأسست المدينة الحديثة خارج حدود هضاب ليوا الرملية مباشرة لتكون مستقراً للبدو . وفي شباط 1977 قدم صبري فارس إلهيتي رسالته للدكتوراه عن الخليج العربي وتضمنت فصولاً طويلة عن (المنطقة الصحراوية) الرملية التي تمثل ، حسبما ذكر ، حوالي ثلثي مساحة دولة الإمارات العربية ، وقال أن هذه المنطقة تعظم في حجمها وارتفاعها كلما توغلنا نحو الداخل حتى تندمج أخيراً في رمال الربع الخالي . ويربط إلهيتي ، وهو أستاذ للجغرافية ، بين هذه التضاريس والانحدار القبلي للسكان في الإمارات والذين ينتمون إلى تجمعين قبليين كبيرين هما تجمع بنو ياس وتجمع القواسم .
-5-
وكلما تقدمنا نحو نهايات القرن الماضي ، رأينا بان الدراسات العراقية حول الخليج العربي عامة والإمارات العربية المتحدة خاصة تميل نحو التخصص الدقيق ؛ ففي سنة 1974 قدم صالح محمد العابد رسالته للدكتوراه عن القوا سم وفي سنة 1981 ناقش سعود محمد حبيب رسالته للماجستير عن دولة الإمارات العربية المتحدة وبعده بسنتين قدمت ابتسام عبد الأمير حسون رسالتها للماجستير بعنوان (( دولة الإمارات العربية المتحدة دراسة في الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية)) . وفي 1999 قدمت عفراء عطا عبد الكريم رسالتها للماجستير عن (( بنوياس ودورهم في ظهور إمارة أبو ظبي 1761-1914)).
لابد من تحليل تلك الكتابات ووضعها في إطارها الصحيح كمصادر موثقة عن بادية الإمارات والدور الذي قامت به في رسم مستقبل هذه الدولة الفتية الناهضة . وتتضح قيمة هذه الكتابات في أنها أبرزت التحولات التي شهدتها الإمارات العربية المتحدة عندما بدأت تضع قدمها على عتبة العصر الحديث .وكانت مسألة إقامة القرى الجديدة في قلب الصحراء بهدف توطين أبناء البادية وربطهم بمنجزات الحياة العصرية وإشراكهم في قطف ثمار الثروة التي انعم الله بها على شعب هذه الدولة المعطاء قد نالت الاهتمام من الباحثين العراقيين . وفي كل نتاجاتهم ، تنعكس الرؤية العلمية الموضوعية والرغبة في التوثيق والنظرة الشمولية، بالروح القومية الأخوية ، ومن هنا اكتسبت مصداقيتها وأصبح من الصعب على كل من يتناول هذه المنطقة الحيوية تجاهلها خاصة وأنها كانت تحرص على ربط الإنسان في الخليج العربي ببيئته العربية والإقليمية والدولية.
*http://www.waha4ar.com
/vb/showthread.php?t=35810
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق