الأربعاء، 17 يوليو 2013

الدكتور يحيى الخشاب وريادة الدراسات الشرقية العربية



الدكتور يحيى الخشاب وريادة الدراسات الشرقية العربية
ا.د.إبراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث-العراق *
     منذ أن كنت طالبا  في قسم التاريخ بكلية التربية –جامعة بغداد أواسط الستينات من القرن الماضي، وأنا أسمع  بالأستاذ الدكتور يحيى الخشاب .ففضلا عن مؤلفاته التي كنت ارجع إليها عند تكليفي بكتابة البحوث والدراسات ،فان مما عرفته عن الرجل، انه كان يكتب المقالات وينشرها في الصحف والمجلات .كما انه تولى  عمادة معهد البحوث والدراسات العربية العالية في عهد ازدهاره العلمي .وعندما اتجهت إلى الحياة العملية بدأت أتابع  منجزات الأستاذ الدكتور الخشاب ،وأخذت أقرأ عنه وعن سيرته وتوجهاته القومية العربية ومؤلفاته التي كانت تؤكد التلاحم العربي والإسلامي في شتى مجالات الحياة .
     يحيى محمد عمر الخشاب، يعد رائدا من رواد الدراسات الشرقية في العالم العربي، وكان متأثرا بأستاذه الدكتور عبد الوهاب عزام أول أمين عام لجامعة الدول العربية ،وأحد المفكرين القوميين العرب .وينتمي الدكتور الخشاب إلى أسرة مصرية عريقة برز منها عدد كبير من الشيوخ وعلماء الدين والقضاة . وهو رجل صعيدي ولد في حي الدرب الأحمر بمدينة القاهرة  في الثاني من تشرين الثاني-نوفمبر سنة 1909 .وكان جده لامه الشيخ عبد الرحمن قطب الذواوي  مفتيا للديار المصرية. كما كان قاضيا مشهورا .درس الخشاب في مدرسة العقادين ثم المدرسة الإلهامية الابتدائية ،ونال شهادة البكالوريا (الإعدادية ) سنة 1927 والتحق بكليتي  الآداب والحقوق في آن واحد وقد حصل على الليسانس آداب سنة 1931 وليسانس الحقوق سنة 1933  .
     والخشاب يعد أول معيد يعين في كلية الآداب –جامعة القاهرة . وسرعان ما التحق  بالدراسات العليا ،ونال شهادة الماجستير في الدراسات الشرقية عن رسالته الموسومة : " ناصر خسرو ورحلته إلى مصر " .مارس المحاماة فترة  قصيرة من الزمن 1933-1935 وجاء ذلك قبل تعيينه معيدا في كلية الآداب .وبعد حصوله على منحة من الجامعة للدراسة في تركيا سافر إلى اسطنبول ،وقضى صيف سنة 1930 هناك ثم رشح للبعثة العلمية إلى فرنسا وسافر إلى باريس ليلتحق بجامعة السوربون ،وحصل على شهادة دكتوراه دولة سنة 1940 .وفي جامعة السوربون تعلم الكثير من قضايا وإشكالات الدراسات الشرقية .فضلا عن تعرفه بأساتذة ومستشرقين كبارا إلى درجة أن الحكومة الفرنسية ساعدته  من خلال منحة مادية على حضور مؤتمر المستشرقين في بروكسل ببلجيكا سنة 1938 جنبا إلى جنب مع عدد من أساتذته أمثال الأستاذ الدكتور عبد الرحمن عزام والأستاذ الدكتور أحمد أمين .
      استمر الدكتور الخشاب بعمله مدرسا في قسم الدراسات الشرقية وللمدة من 1940وحتى 1947  ،ثم رقي إلى أستاذ مساعد وبقي كذلك حتى ترقيته إلى  مرتبة الأستاذية في اللغات الشرقية وآدابها  سنة 1950 .
     عرف عنه حبه لتخصصه ،ورعايته لطلبته ،وتنمية لقابلياتهم ، ونشر ثقافة الاهتمام بالدراسات الشرقية، لغة، وتاريخا، وتراثا .وكان مما يؤكد عليه ضرورة دراسة اللغات الشرقية وخاصة اللغتان الفارسية والتركية .وكان للدكتور الخشاب دور مهم في تأسيس قسم للغة الفارسية في جامعة القاهرة سنة 1950 .وبعد تأسيسه أصبح الدكتور الخشاب  محاضرا فيه .
     ترجم الأستاذ الدكتور يحيى الخشاب كتاب "كريستنسن " الموسوم : "إيران في عهد الساسانيين " وهو من الكتب الكلاسيكية المهمة في هذا التخصص ولايزال الكتاب يدرس في معظم أقسام التاريخ في الجامعات العربية ومنها جامعة الموصل ومن الطريف أن الدكتور الخشاب حرص على أن يقوم أستاذه الدكتور عبد الرحمن عزام بكتابة مقدمة للكتاب .
     تحدث الدكتور صادق  كريم يحيى خورشا وهو احد تلامذة الدكتور الخشاب  ويعمل في جامعة الملك سعود بالرياض –المملكة العربية السعودية عن أستاذه وقال  انه لم يبخل عن أن يقدم العون لطلبته وكان أستاذا فذا في اللغة الفارسية وقد عشق هذه اللغة وترجم عنها . وكان على صلة حميمة مع الأساتذة الإيرانيين حتى أن جامعة طهران منحته شهادة الدكتوراه الفخرية سنة 1973 وكان دائم التواصل مع إيران فقد زارها أكثر من مرة وكان يحرص على حضور المؤتمرات العلمية التي تعقد هناك . ومن أصدقاءه الدكتور صادق نشأت الذي ترجم كتاب تاريخ البيهقي سنة 1956 وهو أستاذ إيراني عمل في جامعة القاهرة أكثر من اثنتي عشرة سنة ،وخدم المكتبة التاريخية والأدبية ،وله مؤلفات وترجمات عديدة ومنها كتاب عن الشاعر الفارسي سعدي، والذي قدمه الدكتور الخشاب .كما أن من أصدقائه الدكتور علي دشتي وقد عمل سفيرا لإيران في القاهرة أيام الوحدة مع سوريا 1958 -1960 .
     من أعمال الأستاذ الدكتور الخشاب المنشورة : "حكاية فارسية " ونشر سنة 1940 عن دار الكتاب المصري، وكتاب" تنسر" وهو "أقدم نص عن النظم الفارسية قبل الإسلام " ،ونشرته جماعة الازهر للتأليف والترجمة والنشر سنة 1954  و" جهار مقالة " أي المقالات الاربع لمؤلفه النظامي العروضي السمرقندي المتوفى سنة 1157 م بالاشتراك مع الدكتور عبد الرحمن عزام وطبعته لجنة التأليف والنشر والترجمة في القاهرة سنة 1949 ،
-
و"إسلام الفرس :مدخل في تراث فارس..تاريخ الأدب الفارسي في القرن التاسع عشر" – القاهرة، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1948م.
-
و"تاريخ الكرد وكردستان "، القاهرة: مكتبة – عيسى الحلبي، 1958م.
-
و"إلتقاء الحضارتين العربية والفارسية" – القاهرة، جامعة الدول العربية معهد الدراسات العربية، 1969و.
-
الشاهنامة – للفردوسي –

ومن الكتب المترجمة (عن الفرنسية ) كتاب ارثر  كريستنسن عن" إيران في عهد الساسانيين" ، والذي صدرت طبعته الاولى سنة 1950 وصدرت له طبعات عديدة فيما بعد في القاهرة وبيروت .كما ترجم كتاب "ابو الفضل البيهقي الذي صدر لأول مرة سنة 1956 ،وكتاب"ناصر خسرو " الذي صدر سنة 1959 و"بيان الأديان لابو  المعالي " وصدر سنة 1959 و "خوان الإخوان ناصر خسرو " ونشره المعهد الفرنسي سنة 1940 و"اداب المتعلمين "وصدر في مجلة معهد المخطوطات سنة 1980 و"المصطلحات الفارسية والعربية " ونشر في مجلة الجمعية التاريخية سنة 1960 و"أصحاب المذاهب والفرق..الخوارزمي" ونشر في المجلة ذاتها سنة 1960 . كما ترجم وحقق مع الأستاذ محمد علي عوني كتاب "شرفنامه :في تاريخ الدول والأمارات الكردية " الجزء الأول وقد طبع لأكثر من مرة . والكتاب من تأليف   شرف خان شمس الدين البدليسي كتبه بين عامي 1597-        1599 والبدليسي معروف  بالأمير شرف الدين حاكم إمارة بدليس الكردية  الواقعة غرب بحيرة وان، وكان له اهتمام كبير بالتاريخ الكردي فألف هذا الكتاب باللغة الفارسية ويبحث في تاريخ الدول والإمارات الكردية في العصور الوسطى والحديثة إلى نهاية القرن السادس عشر الميلادي وفيه تراجم الملوك والسلاطين والأمراء والحكام وسرد لنشأة اللهجات الكردية ونشوء المدن وأسباب زوالها ويعد من ابرز المصادر في التاريخ الكردي .

    كما ترجم كتاب "سفر نامه " لناصر خسر علوي وقدم للكتاب الدكتور عبد الوهاب عزام وقد اطلعت على طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1993 ..
ومن بحوثه المنشورة :
  
"نظام الملك وكتاب السياسة" ، وقد ألقى هذا البحث في مؤتمر المستشرقين بمدينة ميونيخ، في عام 1957 باللغة الإنجليزية، وطبعته لجنة التأليف والترجمة والنشر بمجلة معهد الدراسات الإسلامية،و"السلاجقة والغزنويون"  – مقدمة الترجمة العربية للبيهقي 1956،و"الطوسي وموقفه من المغول" وقد ألقاه بالفرنسية والإنجليزية في مؤتمر المستشرقين – بنيودلهي1964.
و آداب المتعلمين للطوسي، مجلة معهد المخطوطات العربية، القاهرة 1958.وزرادشت – فصل في كتاب هداة الإنسانية – 1956.
وضبط وتحقيق بالألفاظ الاصطلاحية التاريخية الواردة في كتاب مفاتيح العلوم للخوارزمي، المجلة التاريخية المصرية (1958).
والإجماع والسنة في الحضارة الإسلامية بالعربيـة والإنجليزية، بحث ألقي في مؤتمر المستشرقين – آن آربر – 1967 وقد قرأه نيابة عن سيادته الأستاذ الدكتور جورج فاضلو حوراني.
وسفر نامه  ونشر في مجلة(تراث الإنسانية) 1965.
و الشاهنامة ونشر في مجلة (تراث الإنسانية) 1966.
ومحمد إقبال، ألقي في مؤتمر محمد إقبال – كراتشي – 1966.

وقد قام الدكتور الخشاب بإجراء مراجعات لكتب ودراسات منها:

"
شرف نامه" – البدليسي – عن الفارسية – 1958و
"
تراث فارس" – عن الإنجليزية – 1960.
و"العرب والملاحة في المحيط الهندي " لجورج فاضلو حوراني وصدر عن مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر في القاهرة سنة 1959 وترجمه عن اللغة الانكليزية ،و" أسرار التوحيد في مقامات أبي سعيد " ، عن الفارسية 1967.و" تاريخ بخارى منذ أقدم العصور حتى الوقت الحاضر " لارمينوس فامبري الذي ترجمه الدكتور احمد محمود الساداتي  – عن الإنجليزية – 1967.ورشيد الدين (جامع التواريخ) – ظهر جزءان 1963، 1965.و"تراث العالم القديم" – بالاشتراك – 1966.
و"موسى بن نصير" – عن التركية – عبد الخالق حامد – 1964.
و"تاريخ إيران القديمة "– ترجمة الدكتور محمد نور الدين والدكتور محمد السباعي  1978.

    تقاعد سنة 1969 وأصبح أستاذا متمرسا (أستاذ متفرغ ) حتى وفاته رحمه الله .ومن المناصب التي تبؤاها منصب عميد كلية الآداب –جامعة القاهرة سنة 1954 .كما تسنم منصب مدير الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية من 1960 وحتى 1965 ،وصار عميدا لمعهد البحوث والدراسات العربية العالية  بين سنتي 1964-1965 .وقد زار جامعات عربية وعالمية كثيرة وألقى على طلبتها محاضرات في مجالات اللغة العربية واللغات الشرقية ومن الجامعات التي زارها جامعة لوس انجلوس 1965 وجامعتي بغداد والبصرة 1967 .كما اختير مديرا للإنتاج العلمي في مجال الدراسات الشرقية في الجامعات المصرية وعضوا في لجنة فحص نتاج التدريسيين في جامعة كراتشي بالباكستان .وقد شارك في معظم المؤتمرات التي عقدت حول الاستشراف في العالم ومنها مؤتمرات ميونيخ 1957 ،وطهران 1957 ،ونيودلهي 1960.كما حضر مؤتمرات التعريب في الرباط بالمغرب 1962-1963 والمؤتمر العام لليونسكو في باريس 1960 و1962 و1964 ومؤتمرات وزراء التربية  في  أديس أبابا 1962وبغداد 1964 .وقد اختير لذلك ليكون عضوا في اللجنة الدولية لدراسة قانون مؤتمر المستشرقين وتنظيمه .
     رحم الله الدكتور الخشاب وجزاه خيرا على ماقدم لوطنه ولامته . ويقينا أن ما  تركه من اعتمام –مؤلفة ومترجمة -  في حقل الدراسات الشرقية تجعلنا نقف لنذكره  بأستمرار على انه يعد – بحق – شيخا للدارسين المهتمين باللغات الشرقية والتاريخ والتراث الشرقيين وهو تخصص لازال بحاجة إلى المزيد من الاهتمام في عالمنا العربي والإسلامي .
*نشرت في موقع ميدل ايست اونلاين اليوم 25 اب –اغسطس 2011 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...