في متوسطة فتح في الشورة 1969-1972...صفحة من مذكراتي
ا.د.إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل
في اليوم التاسع من آذار –مارس1969
صدر أمر تعييني مدرسا في متوسطة فتح في ناحية الشورة ، وهي مدرسة متوسطة استحدثت
وألحقت بمدرسة الشورة الابتدائية . وقد التحقت بالمدرسة وكان القائم بالإدارة
زميل من الجنوب اسمه الأستاذ علي نايف الكروي
وتخصصه علوم الحياة .وبعد فترة قصيرة نقل إلى مدرسة أخرى ، فتوليت إدارة المدرسة وكالة ثم
أصالة . وقد قدر لي بعد معاونة أهل الناحية من الخيرين إنشاء
بناية مستقلة للمتوسطة ضمن مشروع كان سائدا آنذاك بأسم "العمل الشعبي "
.وقد افتتحت المدرسة من قبل معاون محافظ نينوى وكان آنذاك الأستاذ علي قاسم الجمعة
والأستاذ عبد القادر عز الدين المدير العام للتربية في محافظة نينوى وقد جرى
احتفال وصور الاحتفال من قبل تلفزيون نينوى وعرض في النشرة المسائية .
كان من مدرسي متوسطة فتح الأساتذة فضلا عني والأستاذ علي نايف الكروي ..حازم
شاكر وهشام قاسم وعدنان القاضلي ،وربيع محمد القاسم (الدكتور فيما بعد والأستاذ في
قسم اللغة الانكليزية بكلية الآداب –جامعة الموصل ) ، وحازم إبراهيم (أبو شاهر ) معلم
منسب من مدرسة الشورة الابتدائية وكان يدرس اللغة الانكليزية ) ، وساجد طركي عباس،
ومؤيد عبد الله (الدكتور فيما بعد رئيس
قسم الفيزياء في كلية العلوم –جامعة الموصل ) . وكنا نعود إلى الموصل يوميا. ومن
الأحداث التي اذكرها أن المشرف التربوي الإداري عبد المحسن توحلة زارني بعد فترة شهرين من تعييني مديرا
للمتوسطة وسألني عن سجلات القيد العام والأثاث واللوازم الرياضية والإطعام وما شاكل فأنكرت معرفتي بها وقلت لااعلم بوجود
مثل هذه السجلات، ولم يحاسبني بل طلب مني الحضور إلى مخزن التربية بعد يومين وفي
ساعة محددة وفي الموعد جئت إلى المخزن وأطلعني على السجلات وعلمني كيف أقوم يملئها
وسوف يأتي إلى المدرسة ليطلع عليها ،وبالفعل جاء وأعجب بما فعلته وهنأني على جهودي
.
كما حضر السيد نجيب الخفاف المشرف التربوي
المتخصص بالاجتماعيات لمشاهدتي وقد أعجب بتدريسي وبوسائل الإيضاح التي كنت قد أعددتها
وكتب تقريرا عني جاء فيه : "انك
والله مدرس جيد ومتميز بالرغم من حداثة تعيينك " .وكان الأستاذ نجيب الخفاف
معرفا بصرامته، وبعدم رضاه عن أحد منذ كان مديرا للتربية في الموصل .
كانت أيام عملي في الشورة ،
لذيذة وممتعة ومفيدة ،فالجو السياسي
والأمني العام الذي كان سائدا في البلد
ساعد على ذلك ..فعندما يأتي الدوام بعد انتهاء العطلة الصيفية،كنا نسارع إلى
الاتفاق مع احد السواق لينقلنا إلى الشورة التي تبعد عن مدينة الموصل بقرابة 50
كيلومترا..وكنا نقضي في الذهاب ساعة
ومثلها في الإياب. ومن السواق الذين اذكرهم سائق من قرية الكوكجلي اسمه
إدريس وآخر من القرية نفسها اسمه محيي وكان السائق يبقى معنا لحين انتهاء الدوام
في الواحدة ظهرا أو قبل ذلك بقليل .وقد يستغرب القراء الاعزاء اليوم إذا عرفوا أن مجموع ما يدفعه المدرس طيلة الشهر
كاشتراك في السيارة لايتجاوز ال5 دنانير فقط حتى أن السائق إذا ما تعطلت سيارته في
يوم من الأيام فأنه كان ملزما بان يرسل
بدله سائقا . وفي طول الطريق كنا نتبادل الأحاديث والنكات. وكان معنا عدد من معلمي
مدرسة الشورة الابتدائية من أهل الموصل أبرزهم خالد العمري، وياسين البرهاوي ومحمود شكر ،وفاضل الليلة وأبو قتيبة وشقيقه
مدير المدرسة سعدي ومحمد هبالة ومحمد شفيق واحمد عبد الله ، وخالد ،وكثيرا ما كان
الإخوان يمازحون زميلهم احمد عبد الله طول الطريق مزاحا ثقيلا من قبيل الاحتفاظ
بسطلة ماء وصبه على رأسه على غفلة، ولم يبخل محمد شفيق بحركاته الغريبة داخل
السيارة والكل يتضاحك. وقد احتفظت بعلاقاتي الجيدة مع كل زملائي سواء أكانوا من
المعلمين أو المدرسين ..كانت أياما جميلة.ومما كنا نحرص عليه صباحا هو أن نقف في
الباب الجديد لنشتري( قيمرا )وخبزا أو كبابا نفطر عليه حال وصولنا الشورة .وكانت
المدرسة مشمولة ببرنامج الإطعام الدولي وقد رتبت
،بأعتباري مديرا للمتوسطة ،نظاما يقوم فيه التلاميذ بالدخول إلى الغرفة
المخصصة لذلك ويتناولون حصتهم من الجبن أو الحليب أو البيض أو الكباب ويخرجون بشكل
نظامي لاياخذ وقتا طويلا من اليوم الدراسي .
ومما اذكره أنني اضطررت لتدريس
مواد بعيدة عن اختصاصي كالرياضة وعلم الحياة
واللغة العربية وقد ذكرني احد طلابي بعد سنوات بأني
كلفتهم بكتابة مواضيع في الإنشاء بعد أن أخرجتهم من الصف إلى الفلاة وطلبت
منهم أن يتأملوا السماء والشمس ويكتبوا ما يعن لهم وهكذا كنت أدرب الطلاب على كتابة الموضوعات كما كنت أشجعهم على القراءة
.وعندما شعرت أن مكتبة المدرسة فقيرة بالمصادر جلبت لهم الكتب من مكتبتي ، وعملت
بالتعاون مع مديرية التربية على أغنائها بالكتب كما لجأت إلى طريقة عملية وهي إنني
كلفت كل طالب بأن يكتب عن قريته حيث أن في المدرسة طلاب من الشورة، ومن قرى شويرات وصفية، والرصيف ،وصف التوث وغيرها من
القرى المجاورة وقد أعطيتهم محاور للموضوع من قبيل اسم القرية وموقعها وبعدها عن
الموصل ومن هو مختارها ومن هم وجهاؤها
والى أي العشائر ينتسب أبناء القرية ، واهم حاصلاتها الزراعية وما الحيوانات المعروفة فيها .وقد كتب الطلاب
مواضيع ممتازة واعتقد أن مكتبة المدرسة لاتزال تحتفظ بنماذج من تلك الموضوعات. هذا
إلى جانب اهتمامي بان ينجز الطلاب نشرات جدارية أدبية ورياضية وعلمية ويتم ذلك من
خلال لجان أدبية وعلمية ورياضية شكلتها بإشراف أحد المدرسين وتضم عددا من الطلاب .
ارتبطت بصداقات واسعة مع أهل
الشورة ولازلت محتفظا بها ومن الذين عرفتهم عن كثب المرحوم صالح الملا منصور –والد
تلميذي الشيخ عذال والأستاذ ادهام الملا منصور والأستاذ الحاج فرمان والأستاذ حازم إبراهيم وكنت اعرف والده إبراهيم (الكصيد )وقد جالسته
مرات عديدة وتحاورت معه في شؤون تاريخية
وعشائرية وكنت اعرف فيصل الملا منصور وكثيرين ومما يسجل في هذا الصدد أنني حظيت من
الجميع بالمحبة والاهتمام بحيث ان هذه المحبة انتقلت إلى أولادهم الذين اعتز
بصداقتهم اليوم عبر صفحتي في الفيسبوك .كما بعضهم لايزال يزورني في مكتبي بمركز
الدراسات الإقليمية –جامعة الموصل ويقينا ان
أهل الشورة أناس وطنيون عروبيون لهم ثقة كبيرة بأنفسهم مخلصين لبلدهم
ويميلون إلى التصالح والتعاون ويظهرون محبتهم للآخرين وفوق هذا فأنهم أذكياء
لماحون مستقيمون متدينون يحترمون الكبير ويعطفون على الصغير.. ولهم ميل للثقافة
والعلم وقد نبغ منهم الكثيرون في مختلف مفاصل الدولة والمجتمع وأستطيع ان أجيئ بالعديد من الأمثلة على ذلك .
بقيت مديرا لمتوسطة فتح في الشورة
قرابة أربع سنوات ونصف .وقد قبلت في الدراسات العليا بقسم التاريخ –كلية الآداب –جامعة
بغداد سنة 1972 والتحقت بالدراسة مجازا بموجب الأمر الوزاري المرقم 55862 والمؤرخ 13
تشرين الثاني –نوفمبر 1972 . ومن الطريف ان اذكر أن الأمر الوزاري حمل توقيع الاستاذ
الدكتور احمد عبد الستار الجواري وزير التربية .
أكملت الدراسة وحصلت على شهادة
الماجستير وعدت الموصل ونسبت إلى ثانوية بعشيقة في15 شباط –فبراير 1975 وبقيت حتى 18 أيلول –سبتمبر 1975 وهو موعد نقل خدماتي من وزارة التربية إلى
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وبموجب الأمر الوزاري المرقم 55775 في 14
ايلول 1975 وقد عينت مدرسا مساعدا في قسم
التاريخ بكلية الآداب –جامعة الموصل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق