لست ياموصل الا دار عزة وكرامة ..قصة النشيد الوطني الموصلي
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث -العراق
الموصل ليست مدينة فحسب، إنها مركز حضاري، كما أنها
موطن للزراعة والصناعة، والتجارة، والأكثر من ذلك أنها مدينة الفكر
والثقافة . ولم يكن الملك فيصل الأول ملك العراق بين 1921_1933 على خطأ
عندما قال (إن الموصل هي رأس العراق) ففي الرأس العقل، ويقيناً أن الجسد
بدون عقل لايمكن ان يعتد به.. ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث -العراق
والموصل واجهت عبر التاريخ محناً كثيرة، فلقد شهدت أوبئة ومجاعات وحالات غزو واعتداء لكنها صمدت وخرجت من كل تلك المحن قوية متماسكة تجمع في جنباتها أطيافا عديدة عاشوا ويعيشون متحابين متآخين، يساند بعضهم بعضاً ولا يجمع بينهم سوى حب الموصل والعمل من اجلها.. وعندما طالبت تركيا بضم ولاية الموصل بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وكانت تضم آنذاك مدن الموصل واربيل ودهوك وكركوك والسليمانية وقصباتها، تشبثت أهالي الموصل عرباً وأكرادا وتركمانا، مسلمين ومسيحيين وشبك ويزيدية بحقهم في أن يكونوا ضمن دولة العراق، وحسمت عصبة الأمم المتحدة سنة 1926 الأمر عندما أصدرت قرارها بصيرورة الموصل جزءا من العراق.
خلال تلك الأزمة، والتي سميت في التاريخ الحديث بـ (مشكلة الموصل)، تشكلت أحزاب وصدرت صحف، كما انشد الشعراء، وكتب الكتاب، وكلهم قالوا أن الموصل عراقية ومن الذين انشدوا الشعر ودبجوا القصائد شاعر كبير هو إسماعيل احمد فرج السليمان ألباقري المشهور بـ (إسماعيل حقي فرج 1892_1948) الذي تفرغ حفيده (قصي حسين آل فرج) لتأليف كتاب عنه صدر بعنوان: (إسماعيل الكبير الأديب المؤرخ) وطبع في الموصل سنة 2002 وقد أهداني مشكوراً نسخة منه..
وقبل أيام كنت أتحدث مع الإخوة في (ملتقى أبناء الموصل)، جاء ذكر النشيد الوطني الموصلي الذي نظمه شاعرنا الفذ إسماعيل حقي فرج وها أنا أحاول إشراك قراءنا الأعزاء في معرفة قصته.. فأقول إن من الحقائق المعروفة عن هذا النشيد أن مدير معارف الموصل (محمد أمين زكي) وهو رجل عسكري من الذين وضعوا أسس كيان العراق الحديث، وهو كردي من السليمانية وله مؤلفات عديدة عن تاريخ الكرد وتاريخ السليمانية وقد كتبت عنه في ( موسوعة المؤرخين العراقيين المعاصرين) التي أعدها وتنشرها مجلة علوم إنسانية (الالكتروني) التي تصدر في هولندا، هو الذي اقترح وزن وقافية هذا النشيد كما قال صديقنا الأستاذ قصي حسين آل فرج، وان (القصيدة/النشيد) القيت لأول مرة على مسرح مدرسة الطاهرة في الموصل أثناء تمثيل رواية فتح مصر بتاريخ 5 كانون الثاني 1925 وكان من الذين حضروا الحفل رئيس الوزراء عبد المحسن السعد ون ووزير المعارف آنذاك تحسين علي.
وبعد الانتهاء من إلقاء القصيدة/النشيد لحنها بعد برهة الموسيقار البارع الأستاذ حنا بطرس الموصلي (1896-1958)، وبعد تلحينها قرأها نشيداً هو وتلاميذ مدرسة الطاهرة.. ولم تكن هذه القصيدة الوحيدة التي لحنها حنا بطرس الموصلي بل انه لحن قصائد أخرى، حيث وكان معلماً للنشيد في مدرسة دار النجاح الموصلية المعروفة.. ونقل الأستاذ قصي حسين آل فرج عن السيد جميل الجبوري أن نوري ثابت المعروف جبزبوز وصاحب الجزيرة الساخرة (جبزبوز) التي كانت تصدر ببغداد زار الموصل أيام أزمتها المشار إليها آنفا ونشط في حشد الشباب للمظاهرات التي أكدت عراقية الموصل وعلم بقصيدة شاعر الموصل إسماعيل حقي فرج مدرس اللغة العربية في ثانوية الموصل ومطلعها:
لست يا موصل إلا ........ دار عز وكرامة
فأخذها منه ولحنها واخذ المتظاهرين ومنهم الطلاب ينشدونها، ويتضح من هذا الكلام أن النشيد لحن مرتين من قبل الفنان حنا بطرس، والثانية من قبل نوري ثابت ويذكر الأستاذ باسم حنا بطرس في موقع ملتقى أبناء الموصل أن الملك فيصل الأول كرم والده بساعة ذهبية كما كرم الشاعر إسماعيل حقي فرج بـ (100) روبية ذهب، حسبما أشارت الى ذلك في حينه الصحف المحلية، ويقول كذلك أن النشيد الوطني الموصلي صدحت به حناجر تلاميذ مدارس الموصل ورددته جماهير الشعب في الساحة العامة قرب بناية القشلة.
ومهما يكن من أمر فان هذه القصيدة/النشيد تنتظر اليوم من يقوم بتلحينها لما تحمله من مضامين وطنية تؤكد قيمة الموصل وتبرز إرادة الموصليين في العيش بحرية وبحياة كريمة تليق بهم، حاضراً ومستقبلاً..
وفيما يلي نص القصيدة/النشيد (لست يا موصل إلا دار عز وكرامة) والذي عد بمثابة رأي الموصليين في انضمامهم إلى العراق بعد معاهدة لوزان الثانية 1926 ، التي أكدت عراقية الموصل ورفض تجزئة العراق والدعوة الى وحدته ووحدة شعبه وانهاء أطماع الغير به:
لست يا موصل إلا ............. دار عـز وكرامه
أنت فردوس العراق .......... حـبذا فيك الإقامه
أنت منه خير جزء ........ خاب من رام انقسامه
وعماد المجد أنت .......... فيه، بل أقوى دعامه
أنت روح، هو جسم ......... أنت تاج، هو هامه
أنت شمس، هو بدر ......... منك قد لاقى تمامه
إن من يدنو حماك ............. فلقد أدنى حِمامه
كيف يدنوك وأنت .......... غاب أبطال الشهامه
دونك شعب غيور ............ باذل فيك اهتمامه
اقعد الكون قديما ............... بالقنا، ثم أقامه
كم أبيّ فيك حبا ....... قد نضى العضب حسامه
يلتقي الموت ببشر .......... وسرور وابتسامه
نحن شوس الحرب قدما ..... ولنا فيها الزعامه
كيف نولى من أتاك ........ طامعا، غير الندامه
سوف نصليها ضراما ..... حرها يصلي عظامه
ويسح الدم منهم .......... مثل ماسحت غمامه
بلد الموصل دومي ........... في أمان وسلامه
لن ينال الغير منك ......... قط، من ظفر قلامه
التعريف مفيد جدا أعجبني كثيرا😄😄😍
ردحذف