الجمعة، 19 نوفمبر 2021

الدكتور مرتضى حسن النقيب والدراسات الاستشراقية الامريكية



 


الدكتور مرتضى حسن النقيب والدراسات الاستشراقية الامريكية
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
ومنذ غياب الاستاذ الدكتور مرتضى حسن النقيب رئيس قسم التاريخ السابق في كلية الاداب بجامعة بغداد يوم الخميس السابع والعشرين من شهر كانون الاول - ديسمبر سنة 2018 اي قبل حوالي سنتين وانا اريد ان اكتب مقالة عنه لما اكنه له من تقدير واحترام وجاءت الفرصة اليوم عندما طلب مني احد الطلبة وهو يكتب رسالة ماجستير ان اقول كلمة بحقه رحمة الله وبركاته ، فاخترت ان اتحدث عنه واركز على احد الجوانب التي كان يهتم بها وهو ماقدمه الاستشراق الامريكي للدراسات العربية والاسلامية وقبل هذا اقول ان المؤرخ الكبير الاستاذ الدكتور مرتضى النقيب كان مهتما بما اسميه انا وانا الذي ترأست قسم التاريخ بكلية التربية - جامعة الموصل 1980-1995 " أخطر مادة في قسم التاريخ وأهم مادة واكثر المواد اهمية وفائدة لطالب التاريخ وهي مادة منهج البحث التاريخي " .
كان الاستاذ الدكتور مرتضى النقيب وهو رئيس القسم يدرس هذه المادة في قسم التاريخ بكلية الاداب - جامعة بغداد ويشهد له طلبته ومنهم الاستاذ الدكتور عادل محمد العليان انه كان بارعا في التدريس .كان يهتم بالنقد والتحليل والاستنتاج وكان يؤكد لهم اهمية العودة الى الاصول والجذور والاساسيات والابتعاد عن الفروع .. ويقول عنه طلبته انه كان ابا ومعلما واستاذا قديرا ويشهد بحقه ايضا زميله في الدراسة الاخ الاستاذ الدكتور مؤيد سعيد دميرجي مدير الاثار العام السابق فيقول :" كان زميلي منذ ايام الدراسة ..كان صديقا طيب القلب وذوو ابتسامة رائعة ودائمة " .
كان عندما يلقي محاضرته يحرص على تقديم خبرته البحثية بكل صدق واخلاص لذلك الف عدة كتب في هذا الاطار وابرزها :
1.أُصول النقد والتحليل في الكتابة التاريخية
2. المؤرخ المبتدئ ومنهج البحث التاريخي
اعود الى ارائه بخصوص الاستشراق الامريكي فأقول انه كان مهتما بهذا الموضوع وشارك في ندوة اقيمت في بيت الحكمة وبالتهاون مع كلية الاداب بجامعة بغداد وكان هو يعمل استاذا ورئيسا لقسم التاريخ عقدت يوم 24 من تشرين الاول - اكتوبر سنة 2016 بعنوان ( الدراسات العربية والاسلامية في كتابات المستشرقين ..قراءات في التطورات المستقبلية ) ومما قاله بهذا الخصوص وهو يقدم ورقته البحثية الموسومة : (الاستشراق الأمريكي.. ودلالاته الفكرية). أنَّ الامريكان كانوا في طليعة الذين قصدوا الشرق كموضوعٍ للمعرفة، وكميدانٍ للنشاط العلمي، ولاسيَّما في القرن التاسع عشر، شخصيات غربية من الخاصة (رحَّالة ومغامرون ومُبشِّرون وجامعيون ورجال أعمال وعسكريون ولغويون وإنثروبولوجيون ومؤرخو الحضارات وأركيولوجيون وموظَّفو الدوائر الحكومية...)، وقد أسهم بعض هؤلاء في التعرف على المواقع المُحتواة، أو المُرشحة للاحتواء، وأضيف إليهم منذ أوائل القرن العشرين: التربويون ورجال المخابرات والمؤرخون الاقتصاديون ومتدربو الشركات وخبراء الأسواق التجارية والسياسية وذوو النوايا الطيبة من المهتمين بحوار الشرق والغرب، وعلاقة المسيحية بالإسلام.
وقد حرص الدكتور مرتضى النقيب ان يقدم رؤيته للاستشراق فقال " انه حقل من حقول المعرفة التاريخية ينتمي للفكر الأوربي الغربي”.
وقد عد الاستشراق الأمريكي امتداداً واستمراراً للاستشراق الأوربي، فضلا عن انه ورث مُجمل تصوراتهِ الجاهزة عن العالمين العربي والإسلامي، وترجع أولى إلتفاتات أمريكا إلى الشرق إلى سنة 1810م عِبرَ إرساليات التبشير التي تُعد “الجمعية التبشيرية الأمريكية” أهم مؤسَّساتها. إلاَّ أنَّ الاستشراق الأمريكي بدأ عملياً بعد الحرب العالمية الثانية، عندما وجدت أمريكا نفسها مضطرةً لتحلَّ محل بريطانيا في المشرق العربي. وقد وجدت أمريكا رصيدها من معرفة الشرق الإسلامي ضئيلاً جداً، فحاولت الحكومة الفيدرالية استدراك هذا العجز، حيث أصدر مجلس الشيوخ مرسوماً سنة 1958م بأسم (مرسوم مجلس الدفاع القومي للتعليم) ، كان له أثر كبير في تشجيع الاهتمام بالدراسات العربية والإسلامية، وفي سنة 1965 أصبحت اللغة العربية تُدرس في خمسةِ عشر مركزاً، أنشئت بأموال قدمتها الحكومة الفيدرالية، وتأسَّست سنة 1959 (الرابطة الأمريكية لدراسة الشرق الأوسط) .
وحاول الدكتور التقيب ان يجد صلة بين الاستشراق الامريكي والاستشراق الامريكي فقال انهما كانا على اتصال وثيق ،لكن الاستشراق الأمريكي تميز بمجموعةٍ من الخصائص التي حددت طبيعته، والتي قد تأتي في مقدمتها استقطاب الطاقات البشرية لخدمة الأمن القومي عِبرَ الاستشراق، حيث استقدمت الجامعات الأمريكية كثيراً من المستشرقين الإنكليز لدعم الدراسات العربية والإسلامية لديها، وكان من هؤلاء ( السير هاملتون كَب) الذي استقدمته جامعة هارفارد ليؤسِّس قسم دراسات الشرق الأوسط، كما استقدمت جامعة كاليفورنيا المُستشرق النمساوي (جوستاف فون كرونباوم) ، وقدمت دعوات لأساتذة زائرين كان من أبرزهم البروفيسور (برنارد لويس) . كما توسع الاستشراق الأمريكي في الاستعانة بالباحثين العرب، ليس في مجال تدريس اللغة العربية فحسب، بل في مختلف المجالات العلمية، ولعلَّ من أقدمهم: الدكتور فيليب حتِّي، صاحب كتاب (تاريخ العرب) و مؤسِّس قسم دراسات الشرق الأدنى بجامعةِ برنستونPrinceton University ورئيس هذا القسم، وقد جاء إلى برنستون بتأثير من الرئيس وودرو ويلسونThomas Woodrow Wilson (December 28, 1856–February 3, 1924) وصديقه بايارد دودج Bayard Dodge (1888-1972) رئيس (الجامعة الأمريكية في بيروت) ، وكذلك بتأثير جمعياتٍ تبشيرية . ومن هؤلاء أيضاً: جورج حوراني، وشارل عيساوي، وجورج مقدسي، وفوزي متري نجار، وفضل الرحمن، وكان رئيساً لقسم الدراسات الإسلامية بجامعةِ شيكاغو، وعبد الله حمودي المغربي، وحسن مُدرِّسي (الإيراني الجنسية).
وقال الدكتور النقيب :" ان ثاني أهم خصائص الاستشراق الأمريكي التي امتاز بها، ما أطلق عليه الباحث بـ( العناية الفائقة بالظاهرة الإسلامية) ، إذ لم يكتفِ الاستشراق الأمريكي بدراسةِ الإسلام ، وصلتهِ بالتصوف كما فعل الاستشراق التقليدي، بل انتقل إلى دراسةِ المجتمعات الإسلامية ذاتها دينياً وسياسياً وإجتماعياً وثقافياً... كما دَرَس العلاقة بين الشعوب والمجتمعات الإسلامية والخِلافات القائمة والكامنة فيها، ومدى صلاحية الشريعة الإسلامية للتطبيق ، كما ركَّز المستشرقون على ما أسموه ب(الإسلام السياسي والحركات الإسلامية ) ، ومناقشة برامجها وطموحاتها.
كذلك تُعد العناية بالدراسات الإقليمية / دراسة المناطق، واحدة من مميزات الاستشراق الأمريكي، التي تُمثل تطوراً ومنحىً جديداً في الدراسات الإستراتيجية الأمريكية، فقد أصبح لهذهِ الدراسات أقسام خاصة بها في كثيرٍ من الجامعات الأمريكية، وقد كتب مورو بيرجر Morroe Berger دراسةً قدمها لرابطة دراسات الشرق الأوسط، نُشرت سنة 1967م حدد فيها أهداف الاستشراق الأمريكي المعاصر، كما حدد مجالات الدراسات الإقليمية، فمن ناحية الأهداف، ذكر أنَّها تتلخص في معرفةِ المنطقة ، وفهمها كما هي الآن، بما في ذلك اختلافاتها الداخلية والمظاهر المشتركة للمؤسَّسات الإجتماعية والأوضاع الإقتصادية والكيان السياسي، والحياة الروحية والفكرية، وتأثير صناعة النفط والسكَّان والتعليم، وعلاقات الجماعات والقوميات... والتأكيد على الوضع الحالي لإعطاء الشعب الأمريكي نقطة البدء في تقرير ما يحتاج إلى معرفتهِ.
وهكذا نجد ان الاستاذ الدكتور مرتضى حسن النقيب من المؤرخين الوطنيين الثقاة خدم بلده وقدم الكثير للمدرسة التاريخية العراقية المعاصرة سواء في الجانب الاكاديمي النظري أو في الجانب العملي من حيث تقديمه البحوث واشرافه على طلبة الماجستير والدكتوراه وحضوره الندوات والمؤتمرات العلمية .
رحمه الله وطيب ثراه .

هناك تعليق واحد: