السبت، 27 نوفمبر 2021

آق سُنقُر البُرسُقي صاحب الموصل


 


آق سُنقُر البُرسُقي صاحب الموصل
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
من القادة العظام الذين ناضلوا من اجل الامة ، ووحدتها والارتفاع بمقدراتها . وكانت الموصل ، وهو صاحبها ، وحاكمها وأميرها ايام عهد السلاجقة ، مرتكزا له ، ولنشاطاته العسكرية في مواجهة حروب الفرنجة (الحروب الصليبية ) في بلاد الشام .
وآق سنقر البرسقي ، ضابط تركي في الجيش السلجوقي من عشيرة ( برسق )التركمانية المعروفة بالأصالة والشجاعة والرفعة ،
عمل مع السلطان السلجوقي ملكشاه بن ارسلان ، وهو السلطان الذي توسعت ادارته بحيث امتدت من الصين شرقًا إلى آسيا الصغرى غربًا ، وكان معروفا بحسن السيرة ، والعدل ، كتب عنه كثيرون منهم البروفيسور ستيفن رونسيمان ، والاستاذ الدكتور سهيل زكار ، والاستاذ الدكتور راغب السرجاني ، والاستاذ مصطفى سلام وغيرهم ممن كتب عن فترة السلاجقة . وكان يحرص على ان تكون حاشيته من الرجالات الاقوياء والصالحين والنزيهين ، وذوي الشرف ، وكان نظام الملك من وزراءه ، وكان آق سنقر البرسقي واحدا من اقرب الرجال اليه ، واكثرهم شجاعة وآق سنقر البرسقي رحمة الله عليه والد المجاهد البطل عماد الدين زنكي صاحب الموصل فيما بعد وجد المجاهد الشهيد نور الدين زنكي وهو من بنى الجامع النوري الكبير في الموصل قبل 850 سنة .
كان آق سنقر يلقب ب(قسيم الدولة ) ، وهو لقب اطلقه عليه السلطان السلجوقي ملكشاه ويذكر المؤرخون انه اراد من هذا اللقب ان يُشعر الناس أنه يقتسم ادارة الدولة مع السلطان ، وتلك – بحق – منزلة رفيعة .
الموصل وحلب كانتا ضمن سلطة السلطان ملكشاه بن الب ارسلان ، ويقينا انهما أي الموصل وحلب ، تحملتا في بداية القرن الحادي عشر ، وعند بدء ما سمي بالحروب الصليبية او حروب الفرنجة الاستعمارية السياسية المتقنعة بقناع الدين والدين منها براء ، تحملتا واجب تهيئة الحملات الاولى لتحرير كثير من المدن والقصبات التي وقعت تحت سيطرة الفرنجة .
كان الاجراء الاول الذي اتخذه السلطان ملكشاه بن الب ارسلان هو توليته حلب الى قسيم الدولة آق سنقر البرسقي ، وكانت فكرته في هذا التعيين ان الاوضاع المرتبكة التي كانت بلاد الشام تتعرض له من جراء بدء اطماع الغرب ، هو تعيين هذا الرجل القوي ، فهو يعرفه معرفة مباشرة ، ويثق بأخلاقه واسلامه ، واخلاصه للدولة العباسية ، وهكذا تسلم آق سنقر السلطة في حلب ، وكثير من المدن الشامية ، ومنها منبج وحماة واللاذقية.
الدكتور علي محمد الصلابي كتب مقالة جميلة بعنوان ( جهاد امير الموصل آق سنقر البرسقي لانقاذ حلب ) في الموقع التالي ورابطه : https://alsallabi.com ، واشار الى ان اهل حلب واعيانها استنجدوا بقسيم الدولة آق سنقر ، لانقاذ حلب وكان مريضا لكنه وعدهم ما ان يشفى ، الا ويبدأ حملته ويقول :" ولم تمض ثلاثة أيام على مقابلته تلك حتى فارقته الحمَّى ، وتماثل للشفاء ، وسرعان ما ضرب خيمته بظاهر الموصل ، ونادى قواته لأن تتأهب لقتال الصليبيين ، وإنقاذ حلب ، وفي غضون أيام معدودات ، غدا جيشه على أهبة الاستعداد ، فغادر الموصل متجهاً إلى الرَّحبة ، وأرسل من هناك إلى طغتكين أمير دمشق ، و«خيرخان» أمير حمص يطلب منهما مساعدته في إنجاز مهمته ، فلبَّى هذان الأميران دعوته ، وبعثا عساكرهما للانضمام إلى جيش البرسقي الذي كان قد تحرَّك آنذاك صوب بالس القريبة من حلب ، وأرسل من هناك إلى مسؤوليها ، وشرط عليهم ـ مسبقاً ـ تسليم قلعة حلب لنوَّابه لكي يحتمي بها في حالة انهزامه أمام الصليبيين ، فأجابوه إلى طلبه ، وما أن استتب الأمر لهؤلاء النواب ، واطمأنَّ الرَّجل إلى وجود حماية أمينة في حالة تراجعه؛ حتى بدأ زحفه صوب مواقع القوات الصَّليبية التي تطوِّقُ حلب.
وصلت قوات طلائع البرسقي حلب، يوم الخميس الثاني والعشرين من ذي الحجة من سنة 518هجرية - 1125 ميلادية ـ وما أن اقترب البرسقي بقواته المنظمة؛ حتى أسرع الصليبيون في التحوُّل إلى منطقة أفضل من الناحية الدفاعية ، فعسكروا في جبل جوشن على الطريق إلى أنطاكية ، وهكذا غدوا في حالة الدِّفاع بعد أن كانوا مهاجمين ، وخرج الحلبيون لاستقبال البرسقي ، والاحتفاء به لدى وصوله ، وقد أدرك الرَّجل ما يرمي إليه الصَّليبيون بانسحابهم ، واتخاذهم موقفاً دفاعياً ، فلم يتسرع بمهاجمتهم قبل أن يعيد تنظيم قواته من جديد خوفاً من نزول هزيمة فادحة بعساكره ، قد تُعَرِّض حلب للسقوط ، وأرسل طلائعه الكشفية لردِّ القوات المتقدِّمة إلى معسكراتها في حلب ، وقال موضحاً خطَّته هذه: ما يؤمننا أن يرجعوا علينا ، ويهلك المسلمون، ولكن قد كفى الله شرَّهم ، فلندخل إلى البلد ، ونقويه ، وننظر إلى مصالحه ، ونجمع لهم إن شاء الله، ثم نخرج بعد ذلك إليهم. ومن ثم دخل البرسقي ، حلب ، وبدأ بحلِّ مشاكلها ، ورفع مستواها الاقتصادي ، والاجتماعي ، فنشر العدل ، واصدر مرسوماً برفع المكوس ، والمظالم المالية ، وإلغاء المصادرات ، وعمَّت عدالته الحلبيين جميعاً بعدما مُنوا به من الظلم ، والمصادرات ، وتحكم المتسلِّطين طيلة فترة الحصار الصَّليبي.
ولم يكتف البرسقي بذلك ، بل قام بنشاطٍ واسعٍ لجلب المؤن ، والغلال إلى المدينة؛ كي يخفِّف من حدَّة الغلاء ، ويقضي على الضائقة؛ التي كان يعانيها الحلبيُّون ، وما لبث النشاط الزراعي في منطقة حلب ، أن عاد إلى حالته الطبيعية ، حيث استأنف المزارعون العمل في الأراضي التي شُرِّدوا عنها ، كما عاد النشاط التجاري إلى سابق عهده اعتماداً على ما تمتَّعت به المنطقة من أمنٍ ، واستقرار. وهكذا استطاع البرسقي أن يُحْكِمَ الطوق الذي أحاط به الصليبيون حلب ، وأن يخلِّص هذا الموقع الستراتيجي من أخطر محنة جابهته طيلة الحروب الصليبية ، ويوحِّده مع الموصل لأوَّل مَّرة منذ بدء هذه الحروب ، الأمر الذي أتاح لهذا القائد ، ولعماد زنكي من بعده أن يفيد من هذه الوحدة لتحقيق انتصارات عديدة ضدَّ الغزاة.
يقول المؤرخ الكبير ر ستيفن رونسيمان: " سرعان ما غدت الإمارة التي شكَّلها البرسقي نواةً لما قام بعدئذ بالشام من دولة إسلامية متَّحدة زمن الزنكيين ، والأيوبيين والمماليك ، ولم يكن الصَّليبيون؛ الذين وحَّد بينهم نظام الملكية في بيت المقدس يواجهون قبل ذلك سوى بلاد تنازعتها في الشام قوى عديدة ، وإقطاعات متفرقة زادت من ضعفها ، وما حدث إذاً من توحيد حلب مع الموصل يعتبر بدء توحيد الجبهة الإسلامية " .
فيما يتعلق بالموصل ، فان السلاجقة تطلعوا اليها منذ زمن ووضعوا في سنة 1095 ميلادية ( 489 هجرية ) نهاية لحكم الامراء العرب من بني عقيل في الموصل واقليم الجزيرة وبعض مدن الشام ، واصبحت هذه المنطقة ضمن نفوذ السلاجقة . ومما قوى سلطتهم ، هو تحملهم عبء حركة الجهاد ضد الغزاة الصليبيين الذين اجتاحوا بلاد الشام اواخر القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي (491 هجرية -1097 ميلادية ) .ويشير الاستاذ الدكتور رشيد عبد الله الجميلي في مبحثه (الموصل في عهد السيطرة السلجوقية 1095-1127 ميلادية ) في الجزء الثاني من (موسوعة الموصل الحضارية ) التي اصدرتها جامعة الموصل سنة 1992 ، الى ان صاحب الموصل السلجوقي ابو سعيد كربوغا ، هو من أنهى حكم بني عقيل الذي استمر اكثر من مئة عام ،واصبحت الموصل خاضعة خضوعا مباشرا للسلاجقة وتوالى على حكمها عدد من الولاة السلاجقة حتى سنة 521 هجرية حيث انتقل الحكم الى عماد الدين زنكي بن قسيم الدولة آق سنقر مؤسس دولة الاتابكة في الموصل التي حكمها خلفاؤها من بعده حتى سنة 631 هجرية-1234 ميلادية )
تولى آق سنقر ولاية الموصل مرتين الاولى سنة من 1113–1114 والمرة الثانية من 1124 إلى 1126ميلادية .
كان لقسيم الدولة آق سنقر ، دور كبير في اصلاح اوضاع الموصل خاصة ، ومن ذلك انه اعتمد مبدأ اقامة الحدود ، وتعاون ابناء القرى والمدن والقصبات ، مع السلطة على كشف المجرمين، وقد امتدحه المؤرخ ابن الاثير في كتابه (الكامل في التاريخ ) ، بقوله انه اقام العدل واهتم بالعمران ، فعم الاستقرار والامن في كل المناطق التي ادارها ومنها الموصل وحلب ، وقد اقام بها مدة وقد عهد لقسيم الدولة مهمة الجهاد ضد القوى الصليبية في اقليم الجزيرة وبلاد الشام وابلى بلاء حسنا في هذا الجانب ،ونجح في انقاذ حلب ، واعلن عن دمجها مع امارة الموصل وكان لوحدة الموصل وحلب دور كبير وخطير على مستقبل المنطقة وبعد استشهاده تولى ولده عماد الدين زنكي الحكم .
يقول الاستاذ سعيد الديوه جي المؤرخ الموصلي الكبير في الجزء الاول من كتابه (تاريخ الموصل) طبعة سنة 1982، ان قسيم الدولة آق سنقر البرسقي "كان من أجل الامراء السلاجقة ،واول من فكر في جمع البلاد لتكون قوة في وجه الصليبيين ،زحف الى بلاد الشام وفك الحصار عن حلب ، وحرر (كفر طاب) ، واضاف اليه السلطان السلجوقي حلب وكفر طاب وفتك بمناؤئيه من الباطنية ونكل بهم وقتل جماعة منهم وفي سنة 508 هجرية سيره السلطان الى حرب الصليبيين وكتب الى الامراء بوجوب طاعته . عني آق سنقر بالجيش ونشر العدل في البلاد وكان سياسيا وقائدا عسكريا محنكا وقد شن غارة مدمرة على كونتية الرها في نيسان وايار سنة 1115 ميلادية . وجاء في انسكلوبيديا ويكيبيديا الالكترونية ورابطها التالي : https://ar.wikipedia.org/wiki
انه أعيد تعيين البرسقي في منصب أتابك الموصل سنة 1124 بسبب عصيان جيوش بك. وفي تلك السنة جاء، بلدوين الثاني من القدس ، وجوسلين الأول من الرها و دبيس بن صدقة، حصار حلب في تشرين الاول - اكتوبر سنة 1124 عندها أرسل قاضي حلب أبو الفضل بن الخشاب من البرسقي طالبًا مساعدته في سنة 1125، أجبر البرسقي قوات العدو المتحالفة على التخلي عن الحصار في كانون الثاني سنة 1125 وبذلك استعاد حلب. كما دعم ظاهر الدين طغتكين في معركة أعزاز سنة 1125، لكن الصليبيون انتصروا في تلك المعركة باستخدام الغنائم التي نالها انتصاره في أعزاز، تمكن بلدوين الثاني من فدية ابنته يوفيتا و جوسلين الثاني من الرها.
بعد قسيم الدولة آق سنقر تولى الحكم ولده عماد الدين زنكي الملقب بالشهيد والملك المنصور 521-541 هجرية - 1127- 1147 ميلادية ، وقد سبق ان كتبت عنه .
يقول الاستاذ الدكتور عبد المنعم رشاد في مبحثه الموسوم ( الموصل في عهد الادارة الاتابكية ) والمنشور في الجزء الثاني من (موسوعة الموصل الحضارية ) ان تأسيس اتابكية الموصل يعود الى عماد الدين زنكي الذي ولاه السلطان السلجوقي محمود الموصل سنة 521 هجرية – 1127 ميلادية وسلمه ولديه الب ارسلان والخفاجي ليكون مؤدبا لهما أي اتابكا وفقا للتقاليد السلجوقية ومنذ ذلك الوقت سمي عماد الدين زنكي اتابكا وكان والده آق سنقر الحاجب من امراء ملكشاه ولدوره البارز في السلطنة ولاه ولاية حلب فأحسن السيرة في اهلها وجعلهم يحبونه .لكن الباطنية ولموقفه السابق منهم في حلب اغتالوا والي الموصل اق سنقر البرسقي في جامع الموصل سنة 520 هجرية -1126 ميلادية .
المهم ان ولده عماد الدين زنكي اكمل مسيرة والده من خلال تكوين جبهة إسلامية متَّحدة ضدَّ الصليبيين وهذا ما تحدثت عنه في مقالي السابق عن عماد الدين زنكي وهو متوفر في الانترنت .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق