الأربعاء، 1 أبريل 2015

ترجمتي لاعمال فرويد :المحطة الرابعة في حياة المفكر العربي الاستاذ جورج طرابيشي *

ترجمتي لاعمال فرويد :المحطة الرابعة في حياة المفكر العربي الاستاذ جورج طرابيشي *
 الجمعة، 6 مارس/آذار، 2015
     
ست محطات في حياتي



في المحطّة الــرابعة من حياتي، وبعد مرحلة القوميـة العربية والبعثية واليسـارية والماركسية، جاء دور فرويد.
وقصتي مع فرويد بدأت بواقعة لا تخلو من طرافة. فبعد أن تزوجت وصار عندي بنتان كنت، كلّما جلست إلى المائدة لآكل الطعام، أمسك برغيف الخبز- عندنا فـــي سوريا الخبز العربـي، وهو غير دارج في  معظم  البلدان العربية الأخرى- فلا أجد نفسي إلا وأنا  أقطّعه من أطرافه لاشعورياً وزوجتي وابنتي قاعدتان أمامـــي على المائدة تأكلان، وكنت لا أستطيع منع نفسي من تفتيت الخبز حتى عندما يكون معنا على المائدة  ضيف.
كانت زوجتي تقول لي بلهجتها الحلبية: عيب يــا جورج، النّاس بشوفوك، وبناتك يتعلموا هالعادة ، وحتى عندما يكون عندنا ضيوف علــى المائدة يرونك تفتِّت  الخبز قدّامهم هكذا! وكنت أقول لها: معك حقّ.ولكن كلّ مرّة أنسى نفسي وأعود  إلى تمزيق الرغيف بدون قصد ولا انتباه مني. وهكذا إلـى أن صادف ذات مرة أن  قرأت مقالاً- لا أعتقد أنه كان لفرويد وإنما لأحد تلاميذه - يحكي عن هذه الظاهرة النّفسية ويعتبرها عرضاً عصابياً بصفتها فعل تمزيق لاإرادي ولاشعوري للأب. وأنا عندما قرأت هذا المقال أصبت برجفة: فأنا إذن أمزّق أبي! وبالفعل كنت على صدام  في مراهقتي مع أبي. ومنذ أن قرأت ذلك المقال انفتحت على التحليل النفسي، وعكفت على قراءة فرويد ثم شرعت أترجم له. ووجدتني أتصالح مع أبي - وكانت قد مضت سنوات على وفاته -  وأصفّي حسابي مع نفسي تجاه أبي وأستعيد نسبة كبيرة من الهدوء النفسي وأنظر إلى الحياة نظرة جديدة إلى حدّ ما. ولقد ترجمت لفرويد نحواً من ثلاثين كتاباً، ولكني بطبيعة الحال لم أترجمها عن لغتها الأصلية الألمانية، بل عن اللغة الفرنسية. وأنتم تعلمون المثل الايطـــــــــــــــالي الّذي يقــول: المترجم خائن  Traduttore, traditore .  وأنا إذ كنت أترجم عن لغة عن لغة فهي خيانة مزدوجة، ولكن كان هذا خيارأً لا بدّ منه لأنّه لا يوجد في الثقافة العربية، التي تهيمن عليها نتيجة الاستعمار السابق اللغتان الفرنسية والإنجليزية، من يتقن الترجمة عن الألمانية سوى قلة قليلة للغاية. ولو لم أترجم فرويد أو لم يترجمه غيري سواء عن الفرنسية أو الإنكليزية لبقيت الثقافة العربيّة بدون فرويد وبدون تحليل نفسي، وهذا شيء غير مقبول. وطبعاً أنا خنت خيـــانة مزدوجة بالترجمة عن لغة عن لغة، ولكن أعتقد أني أديت للثقافة العربية خدمة  ضرورية. وأنا منصرف اليوم ، ومنذ عام تقريباً، إلى إعادة النظر في ترجماتي الفرويــدية مستفيداً من صدور ترجمات جديدة لفرويد باللغة الفرنسية - ترجمتـــين أو ثلاث للكتاب الواحد – استعداداً لإعادة طبعها منقحة وأكثر مطابَقة للنص الأصلي، متمنياً أن يأتي ذات يوم يكون عندنا مترجمون يترجمون عن الألمانية مباشرة.

*بتصرف عن جريدة الدستور http://addustour.com/sn/985173/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

هويتي في مكتبة المتحف البريطاني 1979 ...............ابراهيم العلاف

  هويتي في مكتبة المتحف البريطاني 1979 ومما اعتز به هويتي هذه الهوية التي منحت لي قبل (45) سنة أي في سنة 1979 ، وانا ارتاد مكتبة المتحف الب...