الاثنين، 6 أبريل 2015

حريق القاهرة 26 يناير -كانون الثاني 1952 ا.د.ابراهيم خليل العلاف

حريق القاهرة 26 يناير -كانون الثاني 1952
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
سألني أحد طلبة الدراسات العليا في مجال تاريخ مصر المعاصر عن حريق القاهرة الذي وقع في 26 يناير -كانون الثاني سنة 1952 .. وأجيب بأن حريق القاهرة عجًل في قيام تنظيم الضباط الاحرار في مصر بقيادة البكباشي (المقدم ) أركان حرب جمال عبد الناصر بثورة 23 يوليو -تموز سنة 1952 .. وخير من كتب عن هذه الحادثة المؤرخ المصري الكبير المرحوم الاستاذ محمد أنيس في كتابه :"حريق القاهرة " والذي نشرته المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت سنة 1972 .
وفي الكتاب ، وثائق جديدة وخطيرة، نشرها الدكتور محمد انيس لاول مرة .. وحريق القاهرة كان حادثا بالغ الخطورة في مجال التآمر على الشعب المصري فقد كانت الحركة الوطنية المصرية قد وصلت الى أوج إشتعالها ضد القصر والاحتلال البريطاني .. وكان الفدائيون المصريون في جبهة القتال يحيلون معسكرات الانكليز هناك الى جحيم . وكانت حكومة مصطفى النحاس قد اعلنت الغاء معاهدة سنة 1936 ووقفت في وجه الاحتلال وقفة وطنية صريحة .. ومن هنا بدأت المؤامرة لتصفية حركة الفدائيين ولاشعال فتنة طائفية بين المسلمين والاقباط المسيحيين ، وانتهى الحريق الى جانب ما احدثه من خسائر اقتصادية فادحة وخسائر اخرى في الارواح الى اسقاط واقالة الحكومة الوطنية برئاسة مصطفى النحاس بعد يوم واحد من الحريق وقد تبع ذلك فرض الاحكام العرفية وتنفيذ خطط الانكليز والملك فاروق وانتهى الامر بتأجيج الروح الوطنية ونشوب ثورة 23 يوليو -تموز 1952.
لقد كشف الاستاذ الدكتور محمد انيس بالوثائق أن المخابرات البريطانية هي من كانت وراء الحريق وللمخابرات البريطانية تاريخ حافل في اللجوء الى مثل هذه الاساليب الخبيثة من حرق وقتل واغتيال .. واتخاذ كل ذلك ذريعة لاحداث ثورة مضادة واخماد الحركة الوطنية .
ومن المعروف ان مصر عاشت بين 26 يناير 1952 و23 يوليو 1952 فترة الثورة المضادة ويذكر الاستاذ الدكتور محمد انيس ان بيانات الضباط الاحرار عقب الحريق كانت تتضمن في تحليلها ان الانكليز والمخابرات البريطانية بصفة خاصة هي التي تقف وراء الحريق ومن الشائع في الاخبار ان الجنرال ارسكين كما جاء في كتاب ادجوبي عن "مصر المعاصرة " قد حذر كبار الانكليز من اصدقائه ونصحهم بمغادرة القاهرة قبل 26 يناير ببضعة ايام قليلة .
ولنتساءل هل كان للقوى الاخرى دور في حريق القاهرة قد تكون المخابرات البريطانية هي المخطط ولكن من المنفذ ونحن نعلم ان للانكليز منذ احتلالهم مصر سنة 1882 وحتى 1952 كانت لديهم شبكة قوية ومتينة من العملاء والجواسيس والمنتفعين ..وكانت لهم عيون داخل القصر الملكي وداخل الاحزاب كلها او بعضها وكل هؤلاء كان عليهم ان يقوموا بدورهم في انفاذ المؤامرة البريطانية وحرق القاهرة ..
إن هذا يذكرنا بالكثير مما يسمونه اليوم ب"العمليات القذرة " التي نفذها وينفذها الانكليز والاميركان ليس في مصر وانما في بلدان كثيرة ومنها العراق كما حدث بعد الاحتلال الاميركي للعراق سنة 2003 .
لقد اتضح من خلال الوثائق التي نشرها الاستاذ الدكتور محمد انيس واستغرقت الصفحات من 55 وحتى 165 ، أن الملك فاروق وعدد من ضباطه المرتبطين به وعدد من ضباط البوليس وعناصر من حزب مصر الفتاة وجماعات من كانوا ينتمون الى "جمعية اخوان الحرية " وهي جماعة أسستها الجاسوسة البريطانية ( فريا ستارك ) في مصر والعراق خلال الحرب العالمية الثانية في مصر والعراق وبلدان اخرى كلها كانت تعرف بالحريق وشاركت فيه .. وكان البعض من الجواسيس هم من يقودون الناس الى حرق بعض الاماكن يوم 26 يناير -كانون الثاني 1952 .
ومهما يكن فإن المسؤولية الاولى والعقل المفكر لسلسلة الاحداث ابتداءا من حادثة الفتنة في السويس بين المسلمين والاقباط ووساطة نوري السعيد رئيس وزراء العراق المريبة ومذبحة الاسكندرية وهي السلسلة التي توجت بحادثة حريق القاهرة هي المخابرات البريطانية في مصر .
ويقينا ان الدرس الذي يمكن الاستفادة منه -يقول الدكتور محمد انيس -ان الشعب اذا ما كان متماسكا وجبهته الداخلية قوية فمن الصعب على اية قوة اجنبية اختراقه لكن اذا ما كانت جبهة الشعب ضعيفة فمن السهل اختراقها من عناصر التآمر والعمالة والخيانة .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حركة الشواف المسلحة في الموصل 8 من آذار 1959 وتداعياتها

  حركة الشواف المسلحة  في الموصل  8 من آذار 1959 وتداعياتها  أ.د. إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل ليس القصد ...