الخميس، 5 فبراير 2015

عبد الرزاق الهلالي وحديث الذكريات * ا.د.ابراهيم خليل العلاف

عبد الرزاق الهلالي وحديث الذكريات *
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
الاستاذ عبد الرزاق الهلالي (رحمه الله ) ، كاتب ، وباحث، ومؤلف موسوعي قبل ان يكون موظفا عاما في الدولة العراقية العتيدة .كتب عنه زميلنا العزيز الاستاذ حميد المطبعي في موسوعته الشهيرة عن علماء وادباء ومفكري العراق في القرن العشرين والتي ظهرت بعض اجزائها مختصرة قبل سنوات في جريدة الزوراء 3(البغدادية ) من ايار 2001 وقال عنه : أنه يكاد يكون (معجما ) في تاريخ العراق ، وجغرافيته ، وآثاره ، وأعلامه ، وحياته التعليمية ، والتربوية ، والثقافية ، والاجتماعية .
وفي حزيران 2002 أصدرت دار الشؤون الثقافية العامة –مشكورة –كتابه الذي ظل فوق الرفوف العالية لفترة منسيا والموسوم :" من حديث الذكريات :سبع سنوات في التشريفات الملكية في العراق " .وقد قرأت ُ الكتاب وخرجت بانطباع خاص وهو ان الهلالي لايزال حيا بيننا ومما قوى هذا الانطباع ان الكتاب لم يشر الى ان الهلالي قد توفي منذ يوم الجمعة 27 من ايلول سنة 1985 .
عبد الرزاق الهلالي ولد في البصرة سنة 1916 ، وبعد أن أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والاعدادية جاء الى بغداد ، ودخل دار المعلمين العالية .كما انتظم في كلية الحقوق ، وتيسرت له الفرصة لتحصيل بعض المعرفة في الجامعة الاميركية في بيروت ، وفي جامعة اكسفورد في انكلترا .
شغل الهلالي وظائف عديدة منها في التدريس ، ومنها في الاشراف التربوي، وفي وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ثم نقل الى البلاط الملكي سنة 1947 مساعدا لرئيس التشريفات الملكية ثم عين مديرا للاذاعة العراقية وبقي فيها اربعين يوما وبعدها أعيرت خدماته الى المصرف الزراعي حيث اصبح مديرا عاما له . وفي سنة 1970 أحيل على التقاعد وقد اصيب سنة 1977 بمرض عجز الكليتين العضال وقامت الحكومة العراقية سنة 1981 بمعالجته في لندن على نفقتها بناء على أمر من رئيس الجمهورية انذاك .. وراح يقاوم المرض بكل صلابة وعنفوان وقد تمكن خلالها بصبره وجلده وتحمله من الحفاظ على نشاطه وحيويته وتواضعه ودقته في المواعيد وفتح بابه للباحثين وطلبة الدراسات العليا وكنت أزوره في بيته فأجده في كامل اناقته وابتسامته على محياه .
ألف الاستاذ الهلالي ، وكتب في مجالات متعددة وقد توزعت كتاباته بين قضايا الادب ، والتعليم ، والتاريخ ، والاصلاح الزراعي ولعل من ابرز كتبه :"معجم العراق " وصدر الجزء الاول منه سنة 1953 والثاني سنة 1956 .كما ألف ثلاثة ثلاثة كتب عن "تاريخ التعليم في العراق " ابتداء من العهد العثماني وحتى اواخر عهد الانتداب البريطاني 1932 مرورا بمدة الاحتلال وتكوين الحكم الوطني .
وصدرت له كتب اخرى منها على سبيل المثال :"دراسات وتراجم عراقية " و"زكي مبارك في العراق " و" قصة الزراعة والاصلاح الزراعي في الوطن العربي " .
كان يقول عن منهجه في الكتابة :" إنه يكتب في ضوء منهج النقد الاجتماعي " ..وهو يعتقد " ان الكتابة تنفيس عما يجول في الخاطر والذهن من افكار " .
صدر للهلالي بعد وفاته كتابه :"قال لي هؤلاء " 1990 وفيه يتحدث عن أعلام وشخصيات عراقية كان لها دورها في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية العربية المعاصرة .وحينما عمل في البلاط بين سنتي 1947 و1954 سجل الاحداث السياسية .يقول الاستاذ حميد المطبعي ان مكتبه في البلاط الملكي كان أشبه بندوة عراقية فيها يلتقي شيوخ العشائر والسياسيين والوزراء وقادة الجيش وكل هؤلاء يمرون عليه وقبل ان يلتقوا بالملك فيصل الثاني 1953-1958 والوصي ثم ولي العهد الامير عبد الاله بن علي فيحادثهم ويحادثونه ويسألهم فيجيبون عليه واحيانا يعبرون عما في دواخل نفوسهم وهو يوثق كل ذلك ويؤرشف ويكتب وحينما يسأله بعضهم عن فائدة ما يقوم به يقول :"ذلك لعيني وطني وللتاريخ " .ويبدو ان الامير عبد الاله لم يكن مرتاحا لما يفعله الاستاذ عبد الرزاق الهلالي ، فأمر بإبعاده عن البلاط الملكي .
في كتاب :" من حديث الذكريات " الكثير من أسرار السياسة والسياسيين العراقيين لو اطلع عليها مخرج مصري كتب عنها مسلسلات تلفزيونية على غرار مانشاهده من مسلسلات عن تاريخ مصر كدنا نحن وابناؤنا نحفظ رموزها .ولكن ما العمل ومخرجونا لايزالون بعيدين عن تاريخنا المعاصر ومافيه من احداث متشابكة وعقد سياسية ومواقف متباينة تجاه القضايا الوطنية والقومية والدولية .
عمل الاستاذ الهلالي –كما قلنا- مساعدا لرئيس التشريفات الملكية الاستاذ تحسين قدري . وكان كما يقول الهلالي رجلا دمث الاخلاق صافي السريرة تغلب الطيبة على قلبه محبا للخي راغبا في مساعدة الناس بعيدا عن مزالق السياسة واحابيلها .
من الامور الطريفة التي يرويها الهلالي في كتابه ان الفرد العراقي في الشارع كان يعرف احيانا أسرار مايدور في البلاط اكثر بكثير مما يعرف رئيس التشريفات ومساعده .ولم ينس الهلالي ان يكشف اسباب الصراع الخفي بين الامير عبد الاله ونوري السعيد وخاصة في السنوات الاخيرة من الحكم الملكي .كما كتب الهلالي عن أسس اختيار الوزراء وما كان يحصل احيانا من اخطاء بروتوكولية ومشاكل اثناء احتفالات التتويج ومن كان يكتب خطب الملك والوصي وهل كان للوصي مذكرات ؟ ومن الذي ألف كتاب الملك فيصل الثاني عن الدفاع الذاتي؟ ولماذا طلق الوصي عبد الاله الاميرة فائزة الطرابلسي ؟ وكيف ؟ .
في الكتاب قصص رائعة ، وحكايات من وراء كواليس البلاط بل كل وقائع وحقائق ومعلومات يحتاج اليها المؤرخ والسياسي والمثقف والدبلوماسي عموما .
رحم الله الاستاذ عبد الرزاق الهلالي ، فقد كان رجلا امينا ، مخلصا ، صادقا ، خدم وطنه وامته بما كان يراه مناسبا ، فإستحق الذكر والخلود بعلمه الذي ننتفع منه نحن والاجيال القادمة .
*منشورة في جريدة الثورة (البغدادية) 18 تموز 2002 .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تقديم الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف* لكتاب الاستاذ جاسم عبد شلال النعيمي الموسوم ( رجال ونساء الخدمات المجتمعية في الموصل خلال العهد العثماني )

                          الاستاذ جاسم عبد شلال النعيمي يهدي الدكتور ابراهيم  خليل العلاف عددا من مؤلفاته المنشورة      تقديم  الاستاذ الدكت...