الأحد، 15 فبراير 2015

الاستاذ وعد الله إبراهيم مربيا وشاعرا وناقدا ا.د.ابراهيم خليل العلاف

الاستاذ وعد الله إبراهيم مربيا وشاعرا وناقدا
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
كان من كتاب جريدة "فتى العراق " الموصلية في الستينات من القرن العشرين .. ينشر فيها قصائده . كما وجدت له قصائدا أخرى في مجلة "النبراس "التي كانت تصدرها المديرية العامة لتربية نينوى . ومرة قلت له - وكنا نصلي سوية في جامع ذو النورين بحي النور- يجب ان تجمع شعرك من الصحف والمجلات ، فوعدني خيرا ، وأنا أعلم انه متفرغ لتلاوة القرآن الكريم ، والاذان في الجامع .ومنذ سنوات وانا أجده على هذه الحالة، وأعرف بأنه ايضا يلقي دروسا خصوصية في داره وهو المعروف بتميزه في تدريس اللغة العربية .
كتب عنه استاذنا الدكتور عمر الطالب في موسوعته :"موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين " فقال بأنه :" وعد الله بن إبراهيم بن أحمد آل الشيخ ظاهر ولد في الموصل سنة 1940، قرأ القرآن الكريم في كتاب الجامع النوري الكبير ثم دخل المدرسة العدنانية الابتدائية ثم متوسطة الحدباء ثم الإعدادية المركزية ثم سافر الى بغداد ليدخل قسم اللغة العربية بكلية التربية –جامعة بغداد وتخرج سنة 1965وحصل على شهادة البكالوريوس باللغة العربية . وبعد تخرجه عين مدرساً للغة العربية والتربية الإسلامية في تلعفر ثم في ثانوية حمام العليل ثم نقل إلى الموصل ومارس تدريس كلتا المادتين في الإعدادية المركزية وفي تلك الأثناء كان يلازم الشيخ عبد الغني الحبار في الجامع النوري الكبير ويقرأ عليه طرقاً ملونة في الدين والأدب ثم لازم الشيخ صالح الجوادي وقرأ عليه القرآن برواية حفص عن عاصم بيد أن المرض عاجل الشيخ فلم يحظ بالإجازة . وفي سنة 1981 رشح للإشراف التربوي الاختصاصي وعمل مشرفاً اختصاصياً للغة العربية أربع عشرة سنة ثم طلب الإحالة على التقاعد.
زاول نظم الشعر وهو طالب في الإعدادية.. ونشر مجموعة من قصائد في جريدة "فتى العراق" وفي صحف " الحرية " و"الفيحاء " و " الحدباء " ومجلتي" النبراس" و" الكاتب " التي كانت تصدرها الإعدادية المركزية 1968 -1973 . كما كتب بعض المقالات فيها وفي بعض الصحف والمجلات ..
وكان الاستاذ وعد الله ابراهيم عضوا في هيئة تحرير مجلة "الكاتب " الى جانب كل من الاستاذ زهير صالح جليميران والاستاذ صلاح الدين عزيز .وقد وجدتُ له في العددالرابع الذي صدر في كانون الاول 1973 مقالا نقديا بعنوان :" قراءة في ديوان عيناكِواللحن القديم " للدكتور مصطفى جمال الدين استغرق الصفحات من 37 وحتى 41 . ومما قاله في هذا المقال النقدي :" المجهدون يسترخون من صراع الازل على عتبة التأمل ، يحتويهم ثوب الليل يتدلى مصباح النجم الاخضر يشدهم بخيوط من أشعته السحرية ، تهدهد اسماعهم لثغة جدول ،حفيف غصن ،وشوشة زهرة ترشف ذوب الفجر ،وتبقي أرواحهم في جدول الشعر ..هذا النزف اللاإرادي الراعف الذي ينساب نبعا حالما يروي ظمأ الحقيقة في هجير الضياع ،وعطاش الروح في صحاري الحس .واليوم أستروح نسائم هذا الجول الرخي ولكني لا اريد ان أون أنانيا في هذه الرحلة الممتعة الى اكتشاف المجهول واكتناه المطوي ،لذلك أود ان اصطحبك معي في متعتي هذه ،ولكن عليك الا تنتظر مني نقدا فلست الان بناقد ولكني كما اسلفت سائح لااطبق مقياسا واحدا من مقاييس النقد وانما سياحتي هذه انعكاس لقراءة وصورة لمنظور وتصزر محض عن شعر أقرأه فيمدني بأشعة أحاول ان اجمعها غي ذهني لاصنع منها الاضاميم اللائقة التي تؤطر صورة الديوان ذاك اقصد ديوان الدكتور مصطفى جمال الدين الجديد :" عيناكِ واللحن القديم " .
ثم يلتفت ليعرف بالاستاذ الدكتور مصطفى جمال الدين فيقول :" مصطفى جمال الدين شاعر عراقي ثقافته ثقافة تراثية اصيلة لكنها ليست بجامدة فلقد أمدها بثقافة معاصرة وتجد مصداق ذلك في شعره اسلوبا وصورة فقد جمع بين اصالة التراث وجدة المعاصرة ،فلم يكن بالمجد المكرر ولابالمتمرد السائب في معظمه .ومن يتصفح الديوان يلاحظ ان شاعرنا سلفي النزعة لم يخرج عن عمود الشعر في كل قصائده الاثنتي عشرة ، لكنه صوت شعري متميز يوقع بأوتار أصيلة يعيد الى الذاكرة نبرات الجزالة العباسية مع تلوين عصري طريف ." .
يقول الاستاذ وعد الله ابراهيم وهو يعرض ويحلل ديوان :"عيناك ِواللحن القديم " ان هذا الديوان حف بقصائد وجدانية ووطنية وقومية القاها الشاعر في مناسبات ومهرجانات شعرية تنفجر فيها لوعة تذكار الماضي ويصرخ فيها التاريخ نافخا في صور الزمن ليوقظ الاحفاد ويرسم بعد واقع الامة الاليم ويضيف انه يكاد يستشف من قصائد هذا اليوان :"معاناة متجذرة تعرق فتورق ذاك بمضاضة وأنين ...أجل ألمح فيه معاناة في روح تغني بشجو ولااكاد ارى فيه محاكاة رثة تردد نفحة صدئية ..." .
وهنا يقف الاستاذ وعد الله ابراهيم ليبين رأيه في الشعر وهو بشاعر فيقول :"ان الشعر الحق ليس انعكاسا لواقع وحسب وانما هو واقع جديد متجسم ومتجسد بكا ابعاده ..ليس اعادة رسم خطى على عينها في جادة واحدة وانما هو سير جديد بخطى جديدة تعاني مخاض التجربة لتلد في النهاية وليدا يحمل بعض سمات الاباء بيد انه لايكون مطلقا نسخة اصلية لهم او شديدة الشبه بهم .
ويعود الى الديوان فيقول ان الشاعر يصدر ديوانه بقصيدة وجدانية بعنوان :"اللحن القديم " وفيها يمثل نفسه بهذا اللحن يريد ان يصب بقيثارة جديدة في عالم الحب لات القيثارة القديمة غرفته فأفرغته لحنا سيئا ويريد ان يحيي هذا اللحن بعزفها وتوزيعها الجديد :
عزفته قيثارة لم تمازجه
هديرا فعاد اسوأ لحن
فأعيدي توزيعه واسكبي روحك
فيه ثم إعزفيه وغني
تجدي ميت المواويل يصحو
بين عينيك يا ضحاي وعيني
ثم تستمر القصيدة تطرق بصرخات عاطفية شابة يحاول فيها الشاعر أن يحتضن بروحه الآمه ثم يرمي بها وبحبه المهزوز بين ذراعي فيروزته محترقا محرقا .
إيه فيروزتي خذي جارة الوادي
خذيني ذودي رؤى الموت عني
جددي النار في دمي علميني
كيف أفنى على لظاها وأفني
قريبني لاتجعلي الموت يضرى
شوكة بين جانحيك وبيني
والسر الذي يبدو مستغلقا في القصيدة يقول الاستاذ الناقد وعد الله ابراهيم انه يود ان تكون فيروزته كل شيء الا ابنته كما يقول :
إبنتي أنتِ ؟؟ لاحاجر أوتاري
غصت بما تريدين مني
لست أقوى على ارتعاد فؤاد
حز في خصبه جفاف التبني
وهكذا ينساب شعر الدكتور مطصفى جمال الدين؛ فحب فيروزته التي ملكت شغاف قلبه لايداني حب إبنته التي نمت بوجودها حبا وشعر الدكتور مصطفى جمال الدين الوجداني يترقرق منسابا في روحه الغزلية الرقيقة تقرأه فتحس ان متيما ينفثه وهكذا الامر في قصائده :" خيوط النجوم " و"عيناكِ مرفأي " و" انتِ وأنا " .
مرفأي ياسفينتي ..ياشراع الحب
نشوان من دم القلبِصاح
انقذيني فالزورق الحالم النشوان
مازال عرضة للرياح
وهنا يمسك بخيوط الامل الرفيعة التي يعلقها في قلبها وهذا اقصى ما يستطيع عمله .
ولك الحمد ُياشواطئ عينيها
فليلي على رمالك شضاح
واعصفي يارياح لن تطفأي
المصباح مادام قبلها مصباحي
يقول الاستاذ وعدالله ابراهيم وهو في معرض نقد هذا الديوان :" اما القصيدة "أنتِ وأنا " فيس فيها جديدا الا بعض قفزات تصرعها نغمة رتيبة :
ألم تدخلي أذني كلمة
مموسقة كرفيف السنى
وأدخل من اذنيك بثوب
من الشعر قد حيك لي والغنا
ألم يتسلق شبابك عمري
فيقلب عوسجه سوسن
ان انسيابية شعر الدكتور مصطفى جمال الدين لاتتأتى من اسلوبه الصافي ولغته الشففة فحسب بل –يقول الاستاذ وعد الله ابراهيم – من اختياره للبحور السلسة التي تجري فيها عذوبة الجدول المتهادي .
وفي العدد الثاني من مجلة "الكاتب " الصادر في شباط 1972 يكتب الاستاذ وعد الله ابراهيم مقالا نقديا بعنوان :" يوميات نزار قباني ..الامرأة اللامبالية " ينتقد فيه ديوان نزار قباني الموسوم " يوميات إمرأة لامبالية " ويقول :" خلاصة رأيي في نزار قباني مقدما أنني احترم شعره من الناحية الفنية ولا أحترمه بل أرفضه فكرا ودعوة " ويقول في الاسطر الاولى من مقالته النقدية انه يمقت فكر نزار قباني "لانه يحمل الدعارة ، والتسيب ، والعهر ، والانحلال وخاصة نظرته الى المرأة " .
والمقال طويل يستغرق الصفحات 38-45 ، وفيه يلتمس الناقد من القارئ ان لايتهمه بالتجني والتحامل على الشاعر نزار قباني ؛ فهو يرى ان نزار الداعية المفكر يريد ان يصنع جيلا جديدا يتلمظ ثقافته التي طعمها من فتات موائد الغرب الاستعماري الفجة فهو يدعونا الى الحرية التي لا دين معها ولا اخلاق ولا مثل .في مقدمة ديوانه يقول الشاعر نزار قباني انه يهديه الى "كل امراة حكم عليها هذا الشرق الغبي الجاهل المعقد بالاعدام ونفذ حكمه فيها قبل ان تفتح فمها !!" .ويقول الاستاذ وعدالله ابراهيم ان نزارا شرقيا وحكم هو على نفسه بالغباء والشرق كان مهدا للحضارات لكن الغرب والصهيونية يريدان تدميره وافساد اخلاق شبابه ونزار يريد ان تخلع النساء في الشرق ثوب الحياء وجلباب الدين ويلح في طلب الحرية حرية الحب وكأن المرأة ثقافتها فكرها بيتها عفاقها شغلها مستقبلها الحب وما عدا ذلك فشيء هامشي في نظره .
ويمضي الاستاذ وعد الله ابراهيم في تبيان وجهة نظره في دعوات الشاعر نزار قباني ويضرب الامثلة من شعره ليقول انه يشيع الفاحشة ويشجع على التسيب والميوعة والتهتك والبيع الرخيص للمرأة في سوق النخاسة ويستهزئ نزار قباني ممن يثأر من شرف المرأة فيقول :
تظل بكارة الانثى
بهذا الشرق عقدتنا وهاجسنا
فعند جدارها الموهوم قدمنا ذبائنا
وأولمنا ولائمنا
نحرنا عند هيكلها شقائقنا
قرابيننا
وصحنا واكرامتنا
يقول الاستاذ وعد الله ابراهيم انه يريد بهذه المقالة ان ينبه الشباب الى عدم الارتكاس في حمأة الجنس الوبيئة التي يدعو اليها نزار قباني ..ويردد مع الشاعر العربي الذي قال :
مررت على المرؤءة وهي تبكي
فقلت علام تنتحب الفتاة
فقالت كيف لا ابكي وأهلي
جميعا دون خلق الله ماتوا
عرفنا الاستاذ وعد الله ابراهيم مربيا متميزا ، ومشرفا تربويا بارعا ، وشاعرا مجيدا ذو توجه عروبي –إسلامي وناقدا دقيقا حريصا على شرف الكلمة وصدقها وطيبتها . كما عرفناه إنسانا مستقيما ،هادئ الطبع ، بشوشا ، يحب زملاءه وطلبته وقد أحبه الجميع .
له ديوان شعر مخطوط بعنوان :" الوجه الآخر للقمر" . ومن شعره قصيدة بعنوان :" بين يدي سيدي" وهي من وحي الحج قال فيها :-
ودخلت من باب السلام فهالني
هذا محمدُ بالقبر طابا
فلثمته ولثمته ولثمته
شفتاي قلبي إذ أخم ترابا
وودت لو أني خلصت شفافه
وفرشته فوق الضريح نقابا
الله ما أحلى الجلالَ يلغهُ
الله ذاك جماله ما غابا
هذا الذي ما سطرت أقلامهُ
طرساً ولكن سطرت أصحابا
وله قصيدة بعنوان " سقراط أنت" مهداة الى المعلم قال فيها :
شويت الجراحَ بقدس اللهب
وأنطقت بالحرف صَمتَ الهدب
فكانت مواقدك المزدهاة
محاريب محتضنات الشهب
وأنبتَّ فوق رمال الخواء
أزاهير من خدها تختضب
حنوت على الأغصن الناعمات
كما ترضعُ الشمسُ ثغر العشب
فكنت ظلالاً لأرواحهم
حناناً لأم وعطفاً لاب
أبا شمعة أكلتها السنون
ومصّت سناها شفاه الحقب
تشع فتطعم من دمها
موائد غصت بدمع السغب
أيا نحلة عشقتها الرياح
تساقط منها جنيَّ الرطب
مداداً سيوزن عند الأله
بدمَّ الشهيد أذا ما أنسكب
وسقراط أنت أحتس سمها
ليغسل عنها غبارَ الريب
من قصائده قصيدة بعنوان الصمت يتكلم " يقول فيها :
وأشرب ظلمة الليل أناغي الهم والارقا
ويرمقني نجيم فيه صمت الشجو قد نطقا
سأكتب في ضمير الغيب بالدمع الذي احترقا
حكاية قلبي المضني
غدا في اثرها مزقا
سأكرع كؤوس الذكرى وامضغ جامها النزقا
ودائي سوف أكتمه واحمل وخزه حنقا
وجرحي بالجرح القلب اما التاع او اخفقا
ايا ليل الهوى الساجي سئمتك اهرق الالقا
شئمت البدر مزهوا ببحر الحسن قد غرقا
نزعت عواطفي سيان فجرا كان ام غسقا
وله قصيدة بعوان : "لحن الموت " جاء فيها :"
من نسمة النور من فيروزة الدرر
ومن تنفس صبح ضاق بالسحر
من كل سحر به الاحداق مترعة
وكل فاغمة تزهو على الزهر
اصوغ غارك يا رمز العلا القا
يلوح فوق جبين الطهر والظفر
ياشعلة في دروب التيه هادية
وغضبة تصعق الاوغاد في الغبر
ونغمة في فم الاجيال عارمة
يشدها دمك المواربالوتر
*** *** ***
أكبرت جرحك رعافا ينث دما
تحبو فتطعمه من تربك النضر
وانت في حشرجات الصمت تعصبه
يد عليه واخرى قبضة الصقر
وتزرع النصر اغراسا بكل ثرى
وانت تعزف لحن الموت في كبر
وانت تسطر للدنيا ،لامتنا
ملاحم المجد ابكارا مع القدر
وانت تزحف لايلويك معترك
ولست ان عصفت جلى بمنحسر
تطاول النجم عملاقا كروعته
وتصرع البغي هدارا الى سقر
ويشمخ الزند مسمرا بمدفعه
ونشوة النصر في عينيك كالشرر
تجز ناحية الرعديد تقصمه
وإن بدا خده التياه في صعر
*** *** ***
هذي ربوعك عطشى في تطلعها
بوركت فاغسل ضحاها بالدمع العطر
يغمغم الكرمل المرخاة مقلته
والقدس والمرجة الخضراء في ضجر
والكرم تهصره كف مدنسة
وتلك بيارة الليمون في سكر
اكبرت ارضك ان تسعى بها قدم
تمنى لغير بني قحطان أو مضر
يعانق البدر نشوانا خمائلها
وتلثم الشمس منها كل منحدر
ويعبق الفجر نديانا ببسمتها
ويرسم النصر الوانا على الاطر
جدد بطلعتك الغرا مفاتنها
واسكب على الرمل ذوب الانجم الزهر
واغرس بخطوك ازهارا بتربتها
واخطر بها يعربي الوجه والاثر
وته على عرصات النور مزدهيا
لتحتويك احتواء السحب للقمر
سيكتب الفخر في عينيك اسطره
مجبولة الحرف بالامجاد والعبر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تقديم الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف* لكتاب الاستاذ جاسم عبد شلال النعيمي الموسوم ( رجال ونساء الخدمات المجتمعية في الموصل خلال العهد العثماني )

                          الاستاذ جاسم عبد شلال النعيمي يهدي الدكتور ابراهيم  خليل العلاف عددا من مؤلفاته المنشورة      تقديم  الاستاذ الدكت...