الأربعاء، 11 فبراير 2015

عجائب بغداد رواية للاستاذ وارد بدر السالم عرض ونقد : الاستاذ سامي مهدي


 
عجائب بغداد رواية  للاستاذ وارد بدر السالم 

عرض ونقد : الاستاذ سامي مهدي 

وأعني بها رواية القاص والروائي وارد بدر السالم التي تحمل هذا العنوان . ووارد بدر السالم كاتب جاد مجتهد ، مهموم بأن يكون مختلفاً في كتاباته . فهو يحاول أن يقدم في كل عمل جديد من أعماله شيئاً مختلفاً عما يكتبه الآخرون ، وهذا من فضائله ، أما عن مدى نجاح ما يقدمه أو إخفاقه فهذه مسألة نقدية .
مضى ما يقرب من عامين ورواية السالم ( عجائب بغداد ) على مكتبي ، أراها يومياً ، فأهم بقراءتها ، ولكن كلما قرأت عدداً من صفحاتها شعرت بعسر يصرفني عنها . ربما بسبب أجواء الرواية وعتمتها . حدث هذا ثلاث مرات في الأقل ، حتى ألزمت نفسي بقراءتها من البداية إلى النهاية في اليومين الماضيين ، احتراماً له وتقديراً لجهده .
صدرت الطبعة الأولى من هذه الرواية عام 2012 . وهي تتناول بحس وطني مرهف الحقبة التي انفجرت فيها الأحقاد الطائفية في ظل الإحتلال الأمريكي ، وتفشى القتل على الهوية بما يشبه الحرب الأهلية ، ولم يعد هناك من يأمن على نفسه وعلى أهله وممتلكاته ، وصار الناس يسمعون قصصاً غريبة عن أعمال الخطف والإبتزاز والتهجير والقتل والتمثيل ، وصارت جثث الضحايا تلقى في المزابل ، وفي نهر دجلة فتسرح بها مياهه ، فإما أن يصيدها صياد جثث ويجمع هوياتها ، كما في الرواية ، أو تنحدر إلى جزيرة صغيرة خالية إلا من كلاب شرسة تمزقها وتأكلها .
والسارد في هذه الرواية راو عليم ، يسرد ما يسمع ويرى ، فهو صحفي عراقي الأصل لم يسبق له أن رأى بغداد ، تكلفه مجلة تصدر في دبي بتغطية الأحداث ، فيلتحق بجيش المراسلين الأجانب المقيمين في فندق الشيراتون ، ثم ينتقل مع بعضهم إلى المنطقة الخضراء ، ويحصل مثل بعض المراسلين على تسهيلات من قوات الإحتلال ، فيروي ما يسمع وما يرى من أحداث وشخصيات غريبة وعجيبة ، وهي أحداث وشخصبات فنتازية ، ينتجها واقع فنتازي ، من أمثلتها : رأس جندي أمريكي مقطوع تتعاوره أقدام الصبية في الشوارع ، وجثة شاب مقطوع الرأس تقف على قدميها في الشيراتون والحياة ما تزال تنبض فيها ، إصبع بقيت من أشلاء شاب قتيل تتصرف تصرف البشر الأحياء ، رماد فتاة أحرقت فجمع في قارورة وظل يتحرك فيها ليعبر عن مشاعرها .
ثم يقود شاب الصحفي إلى قرية من صفيح نشأت عشوائياً على ضفة دجلة ، أنشأها الهاربون من حياة المدينة وحربها الطاحنة وجعلوها ملاذاً لهم ، وتعايشوا فيها في أمن وسلام على اختلاف أديانهم وطوائفهم . ومن سكان هذه القرية أستاذ جامعي حورب في جامعته وأهين وطرد منها واختطف بسبب موقفه من الحرب الطائفية فأصبح حكيم القرية ومرشدها ، وصار معروفاً بين سكانها بـ ( الأستاذ ) . وحين يتعرف الصحفي على هذا الأستاذ يقضي معه أياماً وليالي يحاوره ويستمع إليه . ثم يكتشف خلال وجوده في القرية صاحب زورق يصطاد الجثث الطافية في النهر ويجمع هوياتها ، فيأخذها منه ويطلب منه أن يواصل مهمته . وحين تعلق هذه الهويات على جدار في مقهى القرية يصبح المقهى مزاراً يومياً للباحثين عن أبنائهم المفقودين من سكان المدينة . وأخيراً يتفق الصحفي مع الأستاذ على تعريف أجهزة الإعلام المحلية والأجنبية بالقرية ورسالتها وبواقع الحياة فيها ، وعرض هذا الواقع كما لو كان مسرحية . ولكن صحف بغداد تظهر في اليوم التالي بعنوانات ساخرة وتحريضية تتهم القرية وأستاذها بشتى التهم ، ثم تنتهي الرواية بمهاجمة القرية من قبل جهة مجهولة فيئز الرصاص وتدوي الإنفجارات ، ويغيب الأستاذ في أثناء هذا الهجوم بين زخات الرصاص في ما يشبه الإنتحار ، يغيب وصدى صوته يوصي الصحفي بأن يأخذ منه حكمته ولا يتراجع ، ويبلغه وهو يبتعد بمقتل الصياد !
لا أدري إن كنت وفقت في عرض إطار هذه الرواية ، ولكنني أعترف بأنني شعرت عند الإنتهاء من قراءتها بالإحباط . فالنهاية بدت لي مرتبكة ، ومحيرة ، أضعفت رمزية القرية وأستاذها وصيادها وصحفيها . أراد الكاتب من اصطناع هذه القرية ، كما يبدو ، خلق عالم نظيف مواز لعالم المدينة الموبوء ، ويصلح بديلاً له ، أو مثالاً يقتدى به ، ولكنه بدا عالماً هشاً لا يقوى على الصمود ويتزعزع عند أول هزة يتعرض لها . أما الأستاذ فبدا أضعف من أن يصلح للقيادة ، لأن الحكمة بدون قوة منظمة تسندها كلام ضائع ، ولذا ينتهي هذه النهاية الغريبة . وأما الصحفي الذي يوصيه الأستاذ بأن يأخذ حكمته ولا يتراجع فطائر غريب لا يقوى على الطيران في الأجواء العاصفة ، بحكم غربته وجهله ببواطن الأمور ، فهو ليس أكثر من متفرج أولاً وأخيراً .
وقد حاول الكاتب في روايته هذه أن يخرج على الأسلوب السردي التقليدي عن طريق فواصل وهوامش ، رغم أنه أوكل مهمة السرد إلى راو عليم ، ولكن ذلك بدا مصطنعاً ، أربك السرد وهلهل نسيجه ، حتى صعبت لملمة أطرافه وقيادته إلى نهاية محكمة . ومع ذلك فإن ما يحسب للكاتب رؤيته الوطنية الخالصة ، ومغامرته في كتابة رواية هذه طبيعتها وطبيعة تقنيتها ، فمغامرات الكتاب المبدعين فضيلة في حد ذاتها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقدمات العلاف

  مقدمات  العلاف* خلال سنوات طويلة ، تشرفتُ بكتابة مقدمات لكتب ، اصدرها كتاب ومؤرخون واساتذة اجلاء .. ومراكز بحثية رصينة صدرت تتعلق بموضوعات...