الاثنين، 9 فبراير 2015

ذكريات الاستاذ سامي مهدي عن الشاعر الكبير محمود درويش

ذكريات الاستاذ سامي مهدي عن الشاعر الكبير محمود درويش :
************************************************
يدأت أتابعه منذ صدور ديوانه الأول ( عاشق من فلسطين / 1966 ) وكنت ألحظ لشعر عبد الوهاب البياتي تأثيراً في بداياته الشعرية . ولم أرتح حين علمت أنه عضو في الحزب الشيوعي الإسرائيلي شأنه شان سميح القاسم وتوفيق زياد . كان ذلك عام 1967 أيام لم أكن أفهم طبيعة الظروف التي يعيشها عرب الأرض المحتلة وإمكانيات نشاطهم السياسي . ولمته في مقال قصير حين شارك في تظاهرة من تظاهرات الشبيبة في العاصمة البلغارية بتلك الصفة الحزبية .
غير أنني بقيت أتابعه ، وخاصة حين استقر في بيروت في أوائل السبعينيات ، ولاحظت أن شعره تطور خلال هذه الحقبة ، وأن لشعر أدونيس تأثيراً في هذا التطور . غير أن شخصيته الشعرية لم تلبث أن استقلت وشقت طريقها الخاص ، وصار له صوته المميز عن سواه من أصوات شعراء فلسطين وسائر الشعراء العرب ، وأصبح له جمهور واسع لا ينافسه في سعته سوى جمهور نزار قباني ، ولعبت الحماسة للقضية الفلسطينية دوراً في بناء جمهوره دون ريب . وكان هو يتنازل عن بعض الشروط الفنية تجاوباً مع هذا الجمهور ، وخاصة جمهور الصالات والمهرجانات ، وذلك باحتفاظه بنبرته الخطابية العالية وانثيالاته الغنائية العاطفية .
ولكن شعره بلغ ذروت تطوره حين تحرر من التزاماته السياسية المباشرة ، واطمأن إلى جمهوره ، فصار الفن الشعري هاجسه الأول ، وتخلص من العيوب التي لازمت شعره مدة طويلة ، وتجلى ذلك في دواوينه المتأخرة ، ولاسيما ( سرير الغريبة ) و ( جدارية محمود درويش ) و ( لا تعتذر عما فعلت ) . وكان في أعوامه الأخيرة من كبار الشعراء العرب ، وأهم شاعر أنجبته فلسطين في العصر الحديث . 
زار درويش بغداد عدة مرات لحضور مهرجان المربد الشعري ، ولكنني لم ألتق به ، ولم أسع للقائه لأكثر من سبب ، ولكنني التقيت به مرة واحدة في طائرة نقلتنا من القاهرة إلى عمان بعد انتهاء مهرجان القاهرة للإبداع الشعري الذي كنا مدعوّينِ لحضوره عام 1996 ، جلسنا مصادفة على كرسيين متجاورين ، فتعرف كل منا على صاحبه بعد أن كان يسمع به ولا يراه . وجدت فيه شخصية مهذبة ورقيقة وذكية ، تآلفنا بسرعة ، وتحدثنا عن أشياء كثيرة ، ولم نتحدث عن الشعر ! وكان ذلك أول لقاء لي به وآخر لقاء . وحين بلغني نبأ وفاته حزنت كثيراً .
وساءني كثيراً أن ينظم بعض الشعراء الفلسطينيين الثانويين حملة عليه بعد وفاته عام 2008 بأربع سنوات . فقد كانت حملة جاحدة ، تسقيطية في جوهرها ، هدفها إسقاط شاعر كبير سياسياً وشعرياً وثقافياً وأخلاقياً ، مع أنه أفنى عمره في خدمة القضية الفلسطينية وبلغ مكانة شعرية عالية لم يبلغها قبله شاعر فلسطيني . إذ وجهوا إليه ثلاث تهم هي :
1- أن موقفه السياسي قد تغير ، فلم يعد شاعر مقاومة بل أصبح شاعر تسوية . وذهب أحد الكتاب الفلسطينيين إلى تأليف كتاب بهذا المعنى .
2- أن ثقافته توراتية ، وأن الأدب العبري ، ولا سيما التوراة ، قد استلبه .
3- أن شعره يعج بالسرقات الشعرية .
وقد شنت هذه الحملة بذريعة أن درويش ليس مقدساً ، وأن من حق النقد أن يخضع شعره للمراجعة ، وهذا حق أريد به باطل . فلو اقتصر الأمر على نقد شعره لكان ذلك أمراً مشروعاً ، ولكن ما كتب تجاوز هذا الحد . ولهذا تصديت لها وفندت هذه التهم . فكتبت ثلاثة مقالات في الرد على متهميه ، نشرت كلها في الملحق الثقافي لجريدة ( الدستور ) الأردنية ، وأعدت نشرها في كتابي ( آفاق نقدية ) الصادر عام 2014 . وكتبت دراسة بعنوان ( السرقة والتناص في النصوص الشعرية – شعر محمود درويش بين السرقة والتناص ) ونشرت هذه الدراسة في جريدة ( القدس العربي ) وأعدت نشرها في كتابي ( ذاكرة الشعر ) الصادر عام ( 2013 ) .
نعم ، إن محمود درويش ليس مقدساً ، وكذلك شعره ، وهذا ينطبق عليه كما ينطبق على غيره ، ولكن ليس من العدل الطعن في شخصه واتهامه بما ليس فيه وهو في تربته عاجز عن الرد على متهميه . وفي ظني أن هذه الحملة لم تكن بريئة ، وأن الأغراض الشخصية تفوح منها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شيخ المحققين العرب الاستاذ عبد السلام محمد هارون 1908 -1988

الملك خالد بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية 1975-1982 يسلم جائزة الملك فيصل العالمية للعلامة المحقق الكبير الاستاذ عبد السلام هارو...