رحيل رائد المدرسة القانونية العراقية الحديثة الاستاذ الدكتور حسن علي الذنون 1911-2013
أ.د.إبراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
أكثر من مرة ، وأثناء استذكارنا أنا والصديق الراحل الأستاذ احمد سامي الجلبي رئيس تحرير جريدة فتى العراق الغراء(رحمه الله ) ، للشخصيات التي أسهمت في بناء المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية العراقية خلال الـ (100) سنة الماضية ، كنا نتفق على أن ثمة أساتذة روادا لم ينالوا حظا وافرا من الاهتمام ، ولعل من هؤلاء الأستاذ الدكتور حسن علي الذنون الذي علمت قبل قليل بوفاته (7 كانون الثاني 2013 ) ، وقد أكد الأستاذ الجلبي أن الذنون كان من أوائل الذين كتبوا في جريدة فتى العراق ، وله مقالات أدبية وتاريخية ، ومن حسن الحظ أن الأستاذ رزاق ابراهيم حسن سبق له ان أجرى مع الأستاذ الدكتور الذنون حوارا نشر في مجلة الحكمة (البغدادية) ، العدد 30 (تشرين الاول 2002) لمناسبة تكريمه من قبل مؤسسة بيت الحكمة العراقية سنة 2001 مع نخبة من علماء العراق أشار فيه إلى ان الذنون بدأ حياته مهتما بالأدب والتاريخ ، ومن ثم تخصص بالقانون وسنحاول في هذا الحيز المقتضب ان نلقي بعض الأضواء على سيرة المرحوم الأستاذ الدكتور حسن علي الذنون ومؤلفاته ورؤاه .
ولد حسن علي الذنون في الموصل سنة 1911 وفيها أكمل دراسته الأولى ، وقد مارس التعليم فترة من الزمن وقد افرد له صديقنا الأستاذ حميد المطبعي قرابة (20) سطرا في الجزء الثالث من موسوعته الشهيرة (موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين) ومما قاله ان الأستاذ الدكتور الذنون تخرج في كلية القانون لكن الأستاذ رزاق إبراهيم حسن يقول نقلا عن الذنون نفسه انه خلال عمله معلما في المدارس الابتدائية في الموصل والبصرة وسوق الشيوخ كان يتطلع الى دراسة القانون ويطمح الى التخصص فيه ، وذلك ما فعله اذ التحق بكلية الحقوق عام 1936 وما ان أمضى السنة الأولى في الكلية حتى تم اختياره مع اخرين في بعثة دراسية للحصول على الليسانس والماجستير من مصر
والدكتوراه من فرنسا وقد حصل على الليسانس في الحقوق من الجامعة المصرية في الوقت الذي كانت فيه الحرب العالمية الثانية قائمة ، لذلك تعذر عليه الذهاب الى فرنسا وقد عاد إلى العراق ليؤدي خدمة الاحتياط ضابطا في الجيش . ومن الطريف انه استدعي لإكمال الدكتوراه عام 1941 في مصر ، وقد حصل عليها عام 1946 عن أطروحته الموسومة : ((الفسخ في القانون والفقه)) عاد الى العراق وعين مدرسا في كلية الحقوق وحصل على الأستاذية وشغل منصب عميد الكلية عدة مرات (1949 ، 1951، 1957،1958) وفي عام 1951 انتدب لاشغال منصب مدير عام الحقوق في مجلس الاعمار ، وبين سنتي 1964 - 1965 عين مستشارا لمجلس التخطيط وعاد بعدها استاذا في كلية الحقوق وظل كذلك حتى سنة 1971 حين احيل على التقاعد لمرضه لكن هذا لم يمنعه من إلقاء المحاضرات والإشراف على طلبة الدراسات العليا .
من مؤلفاته : ((النظرية العامة للفسخ المقارن)) و((مصادر الالتزام)) و((أحكام الالتزام)) 1947 و((النظرية العامة للالتزام)) 1949 و((الاشتراط لمصلحة الآخرين)) 1951 و((عقد البيع)) 1953 ، ((العقود الناقلة للملكية)) 1954 و((الحقوق العينية الأصلية)) 1954 و((اثر العوامل الاقتصادية في العقد)) 1964 و((فلسفة القانون)) 1975 و((المبسوط في مسؤولية المدينة)) بخمسة أجزاء 1990 . وله كتب مترجمة منها : (سياسة الحكم) تاليف أوستن رني بجزاين 1964 - 1966 . هذا فضلا عن دراسات وأبحاث ومقالات أكاديمية عديدة منشورة في مجالات عراقية وعربية .
وقال عنه الأستاذ حميد المطبعي أن الدكتور الذنون (حجة في القانون) . وقد أسهم في تأليف جمعية المؤلفين والكتاب العراقيين في مطلع الستينات من القرن الماضي، وكانت جمعية علمية ذات توجه وطني وقومي عربي كان الدكتور الذنون يعتقد بأن (من لا يخلص لوطنه لا يخلص في عمله، ومن لا يخلص في عمله لا يخلص لوطنه ، فالعلاقة بين العمل والوطن ديناميكية أساسية وتنطوي على منظومة من القيم السامية) والدكتور الذنون هو شقيق المربي الفاضل المرحوم الأستاذ يحيى نزهت علي والذي كان في الثلاثينات من القرن الماضي مديرا للمدرسة الخزرجية في الموصل .
وفيما يتعلق بإسهاماته في رفد المدرسة القانونية العراقية بالكثير من الرؤى والاجتهادات والتفسيرات نقول انه كان يعتقد بوجود ارتباط وثيق بين علمي القانون والأخلاق ، فالمختص بالقانون ينبغي أن يعزز ثقافته الخاصة بثقافة عامة وان على رجل القانون أن يمتلك آراء ومواقف خاصة في عمله ، وان الضرورة تقتضي دراسة الفقه الإسلامي إلى جانب القوانين الغربية ولكن لا بد من إعطاء القوانين العربية خصائصها، وان (قواعد القانون المدني العراقي) لا يمكن فهمها الا من خلال فهم فقه الشريعة الإسلامية وهذه ميزة أساسية له .
كان للأستاذ الدكتور الذنون رحمه الله صلات بعمالقة القانون المدني العربي وفي مقدمتهم الأستاذ المرحوم الدكتور عبد الرزاق السنهوري والذي كان يحب الذنون كأحد أولاده حتى انه اختاره ليعمل معه أستاذا في معهد الدراسات العربية العالية التابع لجامعة الدول العربية .
من حق الدكتور الذنون علينا أن نفخر به ونتذكر جهده القانوني وإسهاماته الفاعلة في مجال تعميق الثقافة الحقوقية في العراق . رحمه الله وجزاه خيرا على ما قدم لوطنه وامته .
أ.د.إبراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
أكثر من مرة ، وأثناء استذكارنا أنا والصديق الراحل الأستاذ احمد سامي الجلبي رئيس تحرير جريدة فتى العراق الغراء(رحمه الله ) ، للشخصيات التي أسهمت في بناء المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية العراقية خلال الـ (100) سنة الماضية ، كنا نتفق على أن ثمة أساتذة روادا لم ينالوا حظا وافرا من الاهتمام ، ولعل من هؤلاء الأستاذ الدكتور حسن علي الذنون الذي علمت قبل قليل بوفاته (7 كانون الثاني 2013 ) ، وقد أكد الأستاذ الجلبي أن الذنون كان من أوائل الذين كتبوا في جريدة فتى العراق ، وله مقالات أدبية وتاريخية ، ومن حسن الحظ أن الأستاذ رزاق ابراهيم حسن سبق له ان أجرى مع الأستاذ الدكتور الذنون حوارا نشر في مجلة الحكمة (البغدادية) ، العدد 30 (تشرين الاول 2002) لمناسبة تكريمه من قبل مؤسسة بيت الحكمة العراقية سنة 2001 مع نخبة من علماء العراق أشار فيه إلى ان الذنون بدأ حياته مهتما بالأدب والتاريخ ، ومن ثم تخصص بالقانون وسنحاول في هذا الحيز المقتضب ان نلقي بعض الأضواء على سيرة المرحوم الأستاذ الدكتور حسن علي الذنون ومؤلفاته ورؤاه .
ولد حسن علي الذنون في الموصل سنة 1911 وفيها أكمل دراسته الأولى ، وقد مارس التعليم فترة من الزمن وقد افرد له صديقنا الأستاذ حميد المطبعي قرابة (20) سطرا في الجزء الثالث من موسوعته الشهيرة (موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين) ومما قاله ان الأستاذ الدكتور الذنون تخرج في كلية القانون لكن الأستاذ رزاق إبراهيم حسن يقول نقلا عن الذنون نفسه انه خلال عمله معلما في المدارس الابتدائية في الموصل والبصرة وسوق الشيوخ كان يتطلع الى دراسة القانون ويطمح الى التخصص فيه ، وذلك ما فعله اذ التحق بكلية الحقوق عام 1936 وما ان أمضى السنة الأولى في الكلية حتى تم اختياره مع اخرين في بعثة دراسية للحصول على الليسانس والماجستير من مصر
والدكتوراه من فرنسا وقد حصل على الليسانس في الحقوق من الجامعة المصرية في الوقت الذي كانت فيه الحرب العالمية الثانية قائمة ، لذلك تعذر عليه الذهاب الى فرنسا وقد عاد إلى العراق ليؤدي خدمة الاحتياط ضابطا في الجيش . ومن الطريف انه استدعي لإكمال الدكتوراه عام 1941 في مصر ، وقد حصل عليها عام 1946 عن أطروحته الموسومة : ((الفسخ في القانون والفقه)) عاد الى العراق وعين مدرسا في كلية الحقوق وحصل على الأستاذية وشغل منصب عميد الكلية عدة مرات (1949 ، 1951، 1957،1958) وفي عام 1951 انتدب لاشغال منصب مدير عام الحقوق في مجلس الاعمار ، وبين سنتي 1964 - 1965 عين مستشارا لمجلس التخطيط وعاد بعدها استاذا في كلية الحقوق وظل كذلك حتى سنة 1971 حين احيل على التقاعد لمرضه لكن هذا لم يمنعه من إلقاء المحاضرات والإشراف على طلبة الدراسات العليا .
من مؤلفاته : ((النظرية العامة للفسخ المقارن)) و((مصادر الالتزام)) و((أحكام الالتزام)) 1947 و((النظرية العامة للالتزام)) 1949 و((الاشتراط لمصلحة الآخرين)) 1951 و((عقد البيع)) 1953 ، ((العقود الناقلة للملكية)) 1954 و((الحقوق العينية الأصلية)) 1954 و((اثر العوامل الاقتصادية في العقد)) 1964 و((فلسفة القانون)) 1975 و((المبسوط في مسؤولية المدينة)) بخمسة أجزاء 1990 . وله كتب مترجمة منها : (سياسة الحكم) تاليف أوستن رني بجزاين 1964 - 1966 . هذا فضلا عن دراسات وأبحاث ومقالات أكاديمية عديدة منشورة في مجالات عراقية وعربية .
وقال عنه الأستاذ حميد المطبعي أن الدكتور الذنون (حجة في القانون) . وقد أسهم في تأليف جمعية المؤلفين والكتاب العراقيين في مطلع الستينات من القرن الماضي، وكانت جمعية علمية ذات توجه وطني وقومي عربي كان الدكتور الذنون يعتقد بأن (من لا يخلص لوطنه لا يخلص في عمله، ومن لا يخلص في عمله لا يخلص لوطنه ، فالعلاقة بين العمل والوطن ديناميكية أساسية وتنطوي على منظومة من القيم السامية) والدكتور الذنون هو شقيق المربي الفاضل المرحوم الأستاذ يحيى نزهت علي والذي كان في الثلاثينات من القرن الماضي مديرا للمدرسة الخزرجية في الموصل .
وفيما يتعلق بإسهاماته في رفد المدرسة القانونية العراقية بالكثير من الرؤى والاجتهادات والتفسيرات نقول انه كان يعتقد بوجود ارتباط وثيق بين علمي القانون والأخلاق ، فالمختص بالقانون ينبغي أن يعزز ثقافته الخاصة بثقافة عامة وان على رجل القانون أن يمتلك آراء ومواقف خاصة في عمله ، وان الضرورة تقتضي دراسة الفقه الإسلامي إلى جانب القوانين الغربية ولكن لا بد من إعطاء القوانين العربية خصائصها، وان (قواعد القانون المدني العراقي) لا يمكن فهمها الا من خلال فهم فقه الشريعة الإسلامية وهذه ميزة أساسية له .
كان للأستاذ الدكتور الذنون رحمه الله صلات بعمالقة القانون المدني العربي وفي مقدمتهم الأستاذ المرحوم الدكتور عبد الرزاق السنهوري والذي كان يحب الذنون كأحد أولاده حتى انه اختاره ليعمل معه أستاذا في معهد الدراسات العربية العالية التابع لجامعة الدول العربية .
من حق الدكتور الذنون علينا أن نفخر به ونتذكر جهده القانوني وإسهاماته الفاعلة في مجال تعميق الثقافة الحقوقية في العراق . رحمه الله وجزاه خيرا على ما قدم لوطنه وامته .
رحمة الله تعالى وانار قبرة كما انار لنا طريقنا بالعلم .. لكن اسفي على امة لاتستذكر علمائها الا بعد رحيلهم
ردحذف