مؤرخو المدن العراقية :
*********************
*********************
محمد أمين زكي 1880-1948 والريادة في الاهتمام بالتأريخ الكردي |
أ.د.إبراهيم خليل العلاف |
الثلاثاء 15/05/2007 |
من المؤرخين العراقيين الكورد ، لم يتلق تدريبا على مهنة كتابة التاريخ والبحث فيه ، كان رجلا عسكريا ، لكنه اهتم بالتاريخ والدراسات التاريخية ، وألف ، وكتب ، وحاضر في عديد من موضوعات التاريخ . وخاصة المتعلقة منها بتاريخ الكورد وكوردستان .. لقد كان مؤرخا هاويا شأنه في ذلك شأن الكثيرين من المؤرخين العراقيين الرواد أمثال : عباس العزاوي ، وعبد الرزاق الحسني ، ومحمد أمين العمري ، وسليمان الصائغ ، واحمد علي الصوفي ، واحمد عزت الأعظمي والشيخ فريق مزهر الفرعون ، وحامد علي البازي . ولد محمد امين زكي بن عبد الرحمن بن محمود سنة 1880 في محلة (كويزة) التي تقع في مدينة السليمانية . وقد أدخله والده الكتاب ، حيث قرأ القرآن الكريم وحفظ ، آياته وسوره ، وفي سنة 1892 ، التحق بالمدرسة الابتدائية الرسمية التي كانت قد افتتحت في السليمانية آنذاك ، وأمضى فيها عاما وحدا ، انتقل بعدها إلى (المدرسة الرشدية العسكرية) التي تأسست في مدينة السليمانية لتخريج الضباط . وفي سنة 1896 ، دخل الاعدادية العسكرية في بغداد وبعد تخرجه فيها تم قبوله في المدرسة الحربية في استانبول ، وبعد تخرجه سنة 1902 ، انضم إلى واحدة من الفرق العسكرية للجيش العثماني السادس ( التنجي اوردو) . وكانت بغداد مقره آنذاك . ادخل مدرسة الاركان العثمانية وتخرج فيها برتبة رئيس ( رائد ركن) . كتب عنه صديقنا الأستاذ حميد المطبعي في جريدة الزوراء ( البغدادية) (العدد الصادر يوم 20 تموز /يوليو 2000) . كما كتب عنه الأستاذ عمر إبراهيم عزيز في جريدة العراق (العد الصادر في 20 تموز/يوليو 1995) لمناسبة مرور (47) سنة على وفاته . وكتب عنه الدكتور حسن كريم الجاف دراسة قيمة في مجلة المؤرخ العربي (العدد 56 الصادر سنة 1998) ، وركزت الكتابات على دوره كعسكري ، وكمؤرخ ، وكمفكر كردي كبير ، كانت له نشاطات متميزة على صعيد التاريخ للكورد عبر العصور . الذي يهمنا في مجال التعرف على سيرته الذاتية أن محمد أمين زكي عمل من خلال كونه ضابطا متخصصا بالهندسة العسكرية عضوا في لجنة تأسست في استانبول سنة 1907 ، تهتم بإعداد الخرائط ، لهذا تم اختياره بعد سنة عضوا في لجنة تحديد الحدود بين الدولة العثمانية وبلغارستان( بلغاريا) ، وكذلك في لجنة تحديد الحدود بين الدولة العثمانية وروسيا القيصرية ، . وعندما اندلعت حروب البلقان 1912 ـ 1913 ، أوفد إلى فرنسا مع عدد من الضباط في الجيش العثماني للتدريب . وقد رفع الى رتبة مقدم ركن ، وارسل في أيلول / سبتمبر من سنة 1915 ، ليلتحق بقيادة أركان الجيش العثماني المرابط في العراق ، وقد شارك في معارك الكوت المعروفة ، وبعد ذلك عين مديرا لشعبة الاستخبارات العسكرية ، وفي أعقاب الاحتلال البريطاني لبغداد في 11/آذار /مارس 1917 ، انسحب محمد أمين زكي مع قطعات الجيش العثماني إلى مدينة الموصل . ومنها عاد إلى استانبول ، ونظرا للصداقة التي كانت تربطه مع مصطفى كمال ، فقد اختاره ليكون معاونا لرئيس أركان الجيش السابع المرابط في استنبول . وقد اشترك في كل المعارك التي خاضها العثمانيون في جبهات فلسطين وقفقاسيا . وفي أواخر سنة 1918 نقل إلى شعبة هيئة تدوين التاريخ العسكري في وزارة الدفاع التركية ، وأتيحت له الفرصة لتدريس مادة تاريخ الحرب في كلية الأركان في استانبول . وبعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة سنة 1920 ، عاد إلى العراق فعين أستاذا في المدرسة العسكرية وآمرا للكلية العسكرية وبقى كذلك حتى سنة 1925 ، حين ترك الخدمة في الجيش ، وانخرط في العمل السياسي ، وانتخب نائبا عن مدينة السليمانية في مجلس النواب العراقي لأكثر من مرة ، وفي 14 تشرين الأول 1925 عين وزيرا للأشغال والمواصلات في وزارة السيد عبد المحسن السعدون الثانية ( 26 حزيران 1925 ـ 1 تشرين الثاني 1926) ثم وزيرا للأشغال والمواصلات في وزارة الفريق جعفر العسكري الثانية (21 تشرين الثاني 1926ـ 8 كانون الثاني 1928 ) وفي 28 نيسان / مايو 1929 أصبح وزيرا للدفاع في وزارة توفيق السويدي (28 نيسان 1929 ـ 25 آب 1929) وبين 1929 و1942 تسنم وزارات عديدة في بغداد ، وكسب سمعة طيبة لما كان يتمتع به من كفاءة ، ونزاهة ، وحب وإخلاص للوطن ، ودور متميز في تعزيز التلاحم الأخوي المصيري بين مكونات الشعب العراقي المختلفة . في 9 شباط /فبراير 1942 أحال نفسه على التقاعد لاعتلال صحته . وفي 10 تموز/يوليو 1948 توفي رحمه الله عن عمر ناهز أل (68) عاما ، وقد دفن في مقبرة (كردي سيوان) بمدينة السليمانية وبجوار قبر احد القادة العسكريين الكورد المعروفين . ترك محمد أمين زكي مؤلفات كثيرة باللغات التركية والكردية والعربية ، فضلا عن دراسات وبحوث متميزة ، ومما ساعده على ذلك إتقانه لغات عديدة منها الفرنسية والإنكليزية والفارسية إضافة إلى اللغات الثلاث التي اشرنا إليها آنفا . كان باحثا مدققا غايته الوصول إلى الحقيقة ولم يكن يبخل على نفسه عندما يريد أن يحوز وثيقة أو كتابا . كما كان يتردد باستمرار على المكتبات الخاصة والعامة . يقول في مقدمة كتابه (( مشاهير الكورد وكوردستان)) ((ولا اخفي على القاريء الكريم أن لي مزاجا يبدو غريبا في التأليف ، فاني أود أن يكون الموضوع الذي اكتبه صعبا معقدا بحيث يدفعني إكماله إلى زيارة المكتبات الخاصة والعامة لمراجعة مئات الوثائق والمستندات ....)) . من كتبه المنشورة (بغداد وصوك حادثة صنياعي) 1338هـ (1919) أي حادثة سقوط بغداد وباللغة التركية ، وكتاب (عراق سفري) 1336هـ (1917) أي حرب العراق باللغة التركية ، وتاريخ الدول والإمارات الكردية في العصر الإسلامي (باللغة الكردية) وهو الجزء الثاني من كتاب (خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان) ونقله إلى العربية محمد علي عوني (طبع في القاهرة سنة 1945) ، وكتاب (تاريخ السليمانية وأنحائها ) ونشر ببغداد سنة 1951 وكتاب ( مشاهير الكورد وكوردستان في الدور الإسلامي) جزءان ونقلتهما إلى العربية ابنته الدكتورة سانحة أمين زكي ، طبع الجزء الأول في القاهرة سنة 1945 والثاني بالقاهرة سنة 1947 . ليس من السهولة رصد كل نتاجات المؤرخ محمد زكي أمين لتنوعها ، واختلاف موضوعاتها وتعدد محاورها .. ألف في التاريخ العسكري ، وكتب عن السير والشخصيات ، وتناول التاريخ المحلي (البلداني) .. وقد كان شاعرا وأديبا .. نشر بعضا من قصائده وخاصة في مجلة (كه لاويز) الكوردية المعروفة . يقول الأستاذ عمر إبراهيم عزيز في المقالة التي اشرنا إليها آنفا : ((لولا تفرغ محمد أمين زكي للتاريخ والتاريخ الكوردي على الأخص لكان في مقدمة الأدباء لما اتصف به من لطف العاطفة ، ورقة التعبير ، وسمو الخيال)) . وفيما يتعلق بمنهجه التاريخي ، فلقد كان رحمه الله حريصا على الالتزام بالموضوعية ، والحياد ، والابتعاد عن المبالغة .. كان أمينا وصادقا وممحصا .. يحترم آراء غيره .. وقد أحبه الناس كافة لسجاياه النادرة وكثيرا ما استشاره زملائه من السياسيين والعسكريين والمثقفين عموما وكان مجلسه عامرا يغص بالفضلاء من العرب والكورد ممن يرغبون بنهل المعارف والعلوم وكان يمتاز بطيبته وبالابتسامة التي لاتفارقه . كان محمد امين زكي يعد من ابرز الباحثين العراقيين المعاصرين الذين اهتموا بالتاريخ الكوردي عبر عصوره المختلفة .. فهو أول من كتب بلغة الكورد عن اصل الشعب الكوردي ، وموطنه ، وكتابه (خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان) كان النواة الأولى التي اعتمد عليها المؤرخون في تدوين تاريخ الشعب الكوردي بعد كتاب الشرفنامة للأمير شرف خان البدليسي الذي كتبه بالفارسية عن تاريخ الكورد . أما كتابه ( مشاهير الكورد وكوردستان) فقد جمع فيه سيرة عدد كبير من العلماء والشعراء والأدباء الكورد الذين خدموا الحضارة العربية والإسلامية . ولمحمد أمين مؤلفات مخطوطة منها ذكرياته عن بعض تجاربه وسني حياته منها ( دفتري خاطراتم) وهي مذكرات تتألف من أربعة دفاتر .. نأمل في أن ترى النور قريبا لأهميتها .. كان محمد أمين زكي أديبا ، ومؤرخا ، وعسكريا ، وسياسيا ، وشاعرا ، والاهم من ذلك كله كان إنسانا ، أحب وطنه العراق وخدم بني جنسه الكورد بكل إخلاص ومحبة ، ولم يقعده المرض عن الدرس والتحصيل لذلك فهو يحتل في قلوب العراقيين عامة والكورد خاصة مكانة كبيرة ، وحين يتوارد اسمه على الخاطر ، أو يذكر اسمه في مجلس فأن أول ما يقال عنه انه كان بحق ( أبو التاريخ الكوردي ) .
سعيد الديوه جي 1912 ـ 2000 وجهوده في توثيق تاريخ الموصل
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
في يوم الجمعة 21 من كانون الثاني سنة 2000 م مات شيخ مؤرخي الموصل .. وحزنت الموصل كلها وتوافد الآلاف للتعزية .. وهم يستذكرون سعيد الديوه جي ، يوم كان مفتشاً في ( المعارف ) ويوم عمل في الآثار ، ويوم تسلم مديرية ( المتحف الحضاري ) ، ويوم أسهم في بناء جامع حي الثورة ، ويوم أرخ للموصل ولعلمائها ولصنائعها ولألعابها ولنسائها وجسورها ومدرائها .. لهذا أسف الناس كثيراً ، وعدّوا وفاة سعيد الديوه جي خسارة كبيرة لمدرسة الموصل التاريخية .. فكتاباته وبحوثه ومقالاته وتحقيقاته تقف شاهداً على عظمة هذه المدينة المعطاء .. لقد بقي حتى آخر لحظة من حياته يكتب ويقرأ .. يتصل بالمؤرخين ويراسل المستشرقين .. يدّون ويحقق ويدقق ويضع كل ما لديه من خبرات أمام من يريد الاستزادة من التراث ومن التاريخ ، لذلك فهو مصدر مهم لا غنى عنه لمن يبحث عن تاريخ الموصل وما فيها من علم وفن وآداب وصناعة وأثر تاريخي ومنشآت حضارية معمارية ومؤسسات ثقافية .
الديوه جي من المؤرخين الذين عدّوا التاريخ كمجرى الحياة حيث لا توجد فواصل بين عصر وآخر .. لاتوجد فواصل بين التاريخ السياسي والتاريخ الفكري والتاريخ الاقتصادي .. أنه شيخنا جميعاً .. شيخ المؤرخين الموصليين . . فقد سبق وأن اخترناه رئيساً فخرياً لجمعية المؤرخين والآثاريين فرع نينوى والتي كان لي فضر ترأسها لسنوات طويلة .. كما أنه أسس وأسهم في جمعيات عديدة خدمت التاريخ والتراث ومنها على سبيل المثال جمعية التراث العربي .. أسس المتحف الحضاري وعمل أول مدير له .. وكانت له اسهاماته في دفع الآثاريين والمنقبين لكشف أسرار حضارة العراق التليدة. كتب عنه حميد المطبعي في موسوعة أعـلام العراق في القرن العشرين وكتبتُ عنه في موسوعة الموصل الحضارية في مبحث ( التاريخ والمؤرخون الموصليون المعاصرون ) .. كما قمت بتكليف أحد طلبة السنة النهائية في قسم التاريخ بكلية التربية وهو ( رضوان عطية وردي ) سنة 1991 ليكتب عنه رسالة التخرج وكانت بعنوان ( سعيد الديوه جي وأثره في تطوير الكتابة التاريخية الحديثة في الموصل ) وزودني رحمه الله بسيرته مطبوعة على الآلة الكاتبة بعنوان ( سعيد الديوه جي يتحدث عن حياته ومؤلفاته ونشاطاته وجهوده العلمية ) مؤلفة من ( 15 ) صفحة وكتبت عنه مؤخراً رسالة ماجستير قدّمت إلى قسم التاريخ بكلية الاداب ، جامعة الموصل .. استفاد منه كل الذين كتبوا عن تاريخ الموصل .. زاره مستشرقون ومؤرخون عراقيون وعرب وأجانب . وأجمع كل من أطلع على كتاباته وتحقيقاته بأنه خير من ألّف عن الموصل . ولد سعيد الديوه جي في الموصل سنة 1912 وتلقى دراسته فيها ، ثم سافر إلى بغداد والتحق بدار المعلمين العالية سنة 1930 ، وبعد تخرجه اشتغل مدرساً ثم عيّن مفتشاً ( مشرفاً تربوياً ) . وفي سنة 1951 نقل إلى مديرية الآثار العامة ، وقد كلف بالتحضير لفتح المتحف الحضاري في الموصل ، وتم فتح المتحف سنة 1952 ، وتولى إدارة المتحف حتى 1968 عندما أحال نفسه على التقاعد ليتفرغ للبحث والتأليف . اهتم الديوه جي بالتاريخ منذ صغره .. وقد عاش في جو علمي ، فوالده الشيخ أحمد الديوه جي ( 1872 ـ 1944 ) وعمه الشيخ عثمان الديوه جي ( 1871 ـ 1941 ) كانا معروفين باهتماماتهما الفقهية واللغوية والرياضية ، وكذلك استفاد الديوه جي من دراسته ببغداد ، فمن الأساتذة الذين أثّروا فيه أحمد حسن الزيات وساطع الحصري ودرويش المقدادي وسليم النعيمي وطه الهاشمي ، هؤلاء الرواد كانوا يدرسون في دار المعلمين العالية . توجه الديوه جي نحو البحث والتأليف بعد فترة قصيرة من تخرجه ، وتعد مقالاته التي كتبها في ( مجلة المجلة ) الموصلية بعد صدورها سنة 1938 عن الموصل من أقدم ما كَتَبَ . أما كتابه ( الفتوة في الإسلام ) ، فيعد من بواكير انتاجه ، وقد نشره سنة 1940 وأصدر في سنة 1952 كتاباً عن الأمير خالد بن يزيد الأموي المعروف باهتمامه بعلوم الحكمة والترجمة ، وفي سنة 1955 نشر كتابه ( بيت الحكمة ) وخلال السنة ذاتها أصدر كتابين أولهما : ( الخدمات الاجتماعية لطلاب العلم في الإسلام ) ، وثانيهما : ( عقائل قريـش ) .. وبين سنة 1958 و 1982 أصدر كتباً عدة أبرزها : ( الموصل في العهد الأتابكي ) و ( جوامع الموصل ) و ( مدارس الموصل ) ، و ( تاريخ الموصل ) الذي نشر الجزء الأول منه سنة 1982 ، وفيه يتناول تاريخ وحضارة الموصل منذ نشأتها حتى سنة 600 هـ ، وبعد وفاته قام ولده الأستاذ الدكتور أبي ( رئيس جامعة الموصل الحالي ) بطبع الجزء الثاني الذي يتعرض للفترة من 601 هـ وحتى 1139 هـ ، وقد طبعه المجمع العلمي العراقي . وفضلاً عن الكتب التي ألفها الديوه جي عن جوامع الموصل ومدارسها وصنائعها ومساجدها وتراثها وتقاليد الزواج فيها فإنه كتب سلسلة طويلة من البحوث والمقالات عن خطط الموصل،وسور الموصل ، وجسور الموصل في مختلف العصور، وقلعة الموصل ، والزخارف الرخامية في الموصل ، وأهتم بتأليف دراسة موثقة عن ( اليزيدية ) ،قال عنها المؤرخ الاجتماعي الفرنسي الراحل جاك بيرك أنها خير ما ألّف في هذا الميدان . كما انصرف الديوه جي إلى تحقيق كتب تتناول تاريخ الموصل ، ولعل من أبرزها تحقيقه ونشره كتاب " منية الأدباء في تاريخ الموصل الحدباء " لياسين العمري ، وكتاب " منهل الأولياء ومشرب الأصفياء من سادات الموصل الحدباء " لمحمد أمين العمري ، وكتاب " ترجمة الأولياء في الموصل الحدباء " لأحمد بن الخياط الموصلي ، وكتاب " مجموع الكتابات المحررة في أبنية الموصل " لنيقولا سيوفي . كان الديوه جي باهتماماته بتاريخ الموصل يحرص باستمرار على التأكيد بأنه يسير على منهج المؤرخين الموصليين الذين عنوا بتاريخ مدينتهم وألّفوا فيها كتباً متعددة ومنهم أبو زكريا الأزدي صاحب ( تاريخ الموصل ) ، وعز الدين بن الأثير صاحب كتابي ( الكامل في التاريخ ) و ( الباهر في تاريخ الدولة الأتابكية ) ، وقد حاول أن يجعل التاريخ علماً شعبياً يتوجه إلى جمهور الناس وباسلوب سلس وواضح ، ومن هنا اكتسبت كتاباته سمعة طيبة بين القرّاء . وصف حميد المطبعي في كتابه " سعيد الديوه جي " الذي أصدره ضمن سلسلة موسوعة المفكرين والأدباء العراقيين ، الجزء التاسع ، سنة 1988 كتابات الديوه جي التاريخية ، وقال انها ، ذات أسلوب غير معقد فعباراته سهلة لا تزويق فيها المعلومة أكثر من مضمونها الفني واللغوي ، وجمله تنقاد إلى مضامين الأخبار بتلقائية ، وشيئاً فشيئاً تتحـول إلى أسلوب الرواية أو كـأن كلامه صار هو ذاتـه رواية مـن روايات التاريخ ، أما سر اهتمامه بتاريخ مدينة الموصل فيرجع إلى حبّه لها واعتزازه بدورها ، فهي كما يقول " قلعة العروبة والإسلام " وكان للموصل فضل جمع وتوحيد العرب والمسلمين تحت راية واحدة إبان الغزو الصليبي لفلسطين ، وقد صمدت أمام غزو الفرس مرات عديدة آخرها سنة 1743 م حينما حاصرها نادر شاه .. كما استعصت على العثمانيين وحكمت نفسها بنفسها طيلة قرن من الزمان ، حينما تولى الجليليون حكمها بين 1726 ـ 1834 ، ومن هنا فإن كتابات الديوه جي تعد مصدراً مهماً لمن يبحث في تاريخ الموصل وتراثها . كان الديوه جي شخصية اجتماعية كذلك ، إضافة إلى كونه شخصية علمية .. ومن الأعمال التي كان يعتز بها اسهامه في فتح ( كلية المحاسبة وادارة الأعمال ) في الموصل سنة 1968 والتي أشرفت عليها جمعية الاقتصاديين العراقيين ، وفي الأول من أيلول 1970 صدر قـرار نشر بجريـدة الوقائع العراقية يقضي بتغيير اسمها إلى ( كلية الادارة والاقتصاد) والحاقها بالجامعة المستنصرية ثم بجامعة الموصل بعد زمن. كما سعى مع جماعة من أهل حي الثورة بإنشاء جامع كبير ، وقد تولى شخصياً رئاسة لجنة جمع التبرعات ، وفي سنة 1968 أسهم في تأسيس جمعية التراث العربي وانتخب نائباً للرئيس فيها . وفي سنة 1978 اختارته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مع ثمانية علماء لدراسة إنشاء بيت الحكمة ببغداد ، وقد اقترح أن ينشأ البيت في بناية القصر العباسي على نهر دجلة ، ولا يمكن أن ننسى فضله في فتح المتحف الحضاري وادارته قبل ذلك لمديرية الأبحاث الاسلامية الفنية في مديرية الآثار العامة ، وإسهامه في إصدار مجلة ( سومر ) العتيدة وإكماله قاعات المتحف التي ضمّت آثار النمرود والحضر ، وذلك في 27 من نيسان سنة 1952 ، ويتحدث المرحوم الديوه جي عن ذلك في بعض أوراقه التي احتفظ بها قائلاً : " في سنة 1951 نُقِلْتُ إلى مديرية الآثار العامة بعنوان مدير الأبحاث الإسلامية الفنية على أن أقوم بتهيئة متحف في الموصل ، تسلمت بناية المتحف وهي خاوية من كل أثر ، وسعيت بمؤازرة متصرف اللـواء سعيد قزاز ورئاسة بلدية الموصل وأكملت القاعة الأولى وعرضت بها آثاراً من النمرود والحضر، وافتتح المتحف في27 من نيسان سنة 1952، وحضر الافتتاح طائفة من العلماء الذين حضروا المهرجان الألفي الذي أقيم في بغداد لابن سينا ، وكان من الأيام المشهودة في الموصل يزينه بهجة الربيع ، وطيب النسيم ، وجمال الحقول ، وبقيت في إدارة المتحف بعنوان اخصائي أثري إلى سنة 1968 عندما طلبت احالتي على التقاعد " . ثم يقول بعد ذلك أنه طوّر مكتبة المتحف وضمَّ إليها جزءاً من مكتبة انستاس الكرملي ، وفي سنة 1965 انتخب عضواً في المجمع العلمي العراقي وزار عدداً من البلدان العربية ، وحضر مؤتمرات علمية كثيرة في تونس وإيطاليا وتركيا وبريطانيا وسوريا وليبيا ومصر ، وفي سنة 1969 قصد زيارة بيت الله الحرام وأدى فريضة الحج ومكث هناك 32 يوماً زار المكتبات وأطّلع على ما فيها من مخطوطات .. وله معارف من المستشرقين منهم ( كرسول ) العالم الآثاري ، وجاك بيرك (العالم الاجتماعي) .. كما أنّ له صلات مع معظم الباحثين والمؤرخين العرب والعراقيين كناجي معروف ومصطفى جواد وفهمي المدرس وداؤد الجلبي، رحمهم الله جميعاً . يوسف كركوش الحلي 1906-1990 وكتابه تاريخ الحلة
الدكتور عماد عبد السلام رؤوف والتاريخ العثماني
ا.د.إبراهيم خليل العلاف
منذ الستينات من القرن الماضي، وأنا اعرف الصديق الأستاذ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف ،وذلك عندما كنت أقرأ له ، وعنه في" مجلة المكتبة" التي كان يصدرها الأستاذ قاسم محمد الرجب صاحب مكتبة المثنى العامرة .وكانت اغلب مقالاته، وأخباره في المجلة تتعلق بما كان ينجزه الكتاب والباحثون العراقيون المهتمون بالتاريخ العثماني، وبتراث العراق ومنجزات مؤرخيه في هذا العصر المزدحم بالأحداث والوقائع والأفكار والمؤلفات والمصادر .وبعد التحاقي بالدراسات العليا في كلية الآداب –جامعة بغداد مطلع السبعينات ، توثقت علاقتي معه، وبعدها عملنا سوية في مشاريع وزارة الثقافة العراقية ذات الطابع التاريخي ومنها : موسوعة" حضارة العراق "و"العراق في مواجهة التحديات" .كما اشتركنا سوية ولأكثر من مرة في الندوات والمؤتمرات التاريخية ومناقشات رسائل وأطروحات الماجستير والدكتوراه .وأكاد اجزم أن العلاقة بيني وبينه كانت قوية، وحميمة، وقائمة على الإعجاب والاحترام المتبادل . وقد فرحت كثيرا قبل مدة عندما قرأت له إطراءا على منهجي التاريخي الذي وصفه بالقول انه منهج يعتمد التوازن بين المبدأ والمنهج معا وقال : " تميز المؤرخ الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف بمزايا شخصية وعلمية كثيرة عرفها طلابه وزملاؤه وكل من كانت له فرصة اللقاء به، وفي تقديري فإن أهم تلك المزايا هو الجمع المبدع بين الإخلاص لمبادئه الوطنية والقومية والإسلامية، والإخلاص لقواعد المنهج العلمي في كتابة التاريخ" .
الأستاذ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف، مؤرخ من الموصل ينتمي إلى آل العطار ،وهي أسرة عباسية سكنت في محلة باب النبي جرجيس . ولد في سنة 1948 ..جده الأستاذ محمد رؤوف العطار(1878-1965 ) من رواد التربية والتعليم في العراق .. كان مديرا لأقدم وأبرز ثانوية موصلية هي "ثانوية الموصل" .كما عمل في سنة 1927 مديرا لمعارف (تربية ) البصرة .درس الدكتور عماد عبد السلام رؤوف في مدارس الموصل الابتدائية والمتوسطة والإعدادية .وبعد حصوله على الشهادة الثانوية سافر إلى بغداد حيث لم تكن في الموصل جامعة ودخل كلية الآداب –قسم التاريخ وتخرج سنة 1970. ولم يقف عند هذا الحد وإنما قرر إكمال دراسته العليا ، فالتحق بجامعة القاهرة ونال الماجستير سنة 1972 عن رسالته الموسومة : " ولاية الموصل في عهد آل ألجليلي 1726-1834 " . وقد نشرت في النجف الاشرف سنة 1975 بعنوان: "الموصل في العهد العثماني :فترة الحكم المحلي الحكم المحلي " .كما حصل على الدكتوراه سنة 1976 عن أطروحته الموسومة : " الحياة الاجتماعية في العراق أبان عهد المماليك 1749-1831" .عمل رئيسا لمركز إحياء التراث العلمي في جامعة بغداد.. ودرس في كلية التربية بجامعة بغداد .. ثم نقل خدماته إلى كلية الآداب بجامعة صلاح الدين بأربيل- ولايزال هناك حتى كتابة هذه السطور .
ألف عددا كبيرا من الكتب أبرزها كتبه : " "مدارس بغداد في العصر العباسي" 1966 ،و"الآثار الخطية في المكتبة القادرية "بخمسة أجزاء 1974-1980 و"التاريخ والمؤرخون في العصر العثماني" 1983و"فهرست مكاتب بغداد الموقوفة" 1985 و"كتابة العرب لتاريخهم في العصر العثماني " 1989و"الأصول التاريخية لأسماء محلات بغداد"1994 و"صفاء الدين عيسى البندنيجي : حياته وآثاره" و" مراكز ثقافية مغمورة في كردستان " و"ضياء جعفر.. سيرة وذكريات" و"العراق في وثائق محمد علي باشا " و"معالم بغداد في القرون المتأخرة " و "من رواد التربية والتعليم في العراق محمد رؤوف العطار" 1988 و"المدرسة العلية في بغداد "1988 ولمحات من تاريخ العراق الحديث " 1983 و"معالم بغداد في القرون المتأخرة "2000.كما حقق مجموعة طيبة من كتب المؤرخين الأوائل منها كتاب" زبدة الآثار الجلية في الحوادث الأرضية"لياسين العمري 1975، و"الدرر المنظومة والصور المختومة " لخليل بن علي البصير1974 ،و"تاريخ حوادث بغداد والبصرة من 1186-1192 هجرية" لعبد الرحمن السويدي والجواهر وصفاتها ليحيى بن ماسويه و" تذكرة الشعراء " لعبد القادر الشرباني و" التحفة المسكية في الرحلة المكية" لعبد الله السويدي و" تاريخ الزبير والبصرة" لعبد الله بن الغملاس و " مطالع السعود : تاريخ العراق من سنة 1188 إلى سنة 1242 هجرية -1774-1826 ميلادية تأليف عثمان بن سند " 1991 و " معركة عين جالوت / رمضان 655 هجرية –أيلول-سبتمبر 1260 ميلادية " 1986 و" المملكة العربية السعودية بين الحربين في ضوء تقارير المفوضية العراقية في جدة " و" العقد اللامع بآثار بغداد والمساجد والجوامع" لعبد الحميد بن عبادة .وقدم لكتبا كثير آخرها تقديمه لكتاب "الشيخ عبد القادر الكيلاني :رؤية تاريخية معاصرة" لمؤلفه السيد جمال الدين فالح الكيلاني 2011 .
وللدكتور رؤوف كم كبير من المقالات والدراسات والبحوث المنشورة في المجلات ليس من السهولة حصرا ويحتاج ذلك إلى وقت وجهد كبيرين . لكن مما لابد من الإشارة إليه أن معظمها يدور حول تاريخ وتراث العراق في العصر العثماني . فثمة دراسات عن مساجد بغداد ،وسجلات المحكمة الشرعية ،وتاريخ مشاريع مياه الشرب القديمة في بغداد، ونظم المدارس العثمانية ،ومؤرخي الكوفة ،وصفحات مجهولة من تاريخ النجف الاشرف في القرن الثالث عشر الهجري ، وصمود البصرة أثناء حصار نادرشاه، والعلاقات الزراعية في العراق إبان القرن الثامن عشر، وعبد الرحمن حلمي ومخطوطته في تاريخ بغداد في القرن التاسع عشر ،ومن تاريخ الخدمات النسوية العامة في الموصل ،وأضواء على انتفاضة الموصل المنسية سنة 1839 ،وعن العملات المستعملة في الموصل وأقيامها في العصر العثماني" ونشأة التنظيمات السياسية في أواخر العصر العثماني" و"الأصناف والتنظيمات المهنية " . وهنا لابد من الاشادة بما قدمه الزميل الدكتور احمد ناجي الغريري حينما ألف كتابا عن أستاذه الدكتور رؤوف مؤخرا بعنوان : "الدكتور عماد عبد السلام رؤوف ..أربعون سنة في دراسة التاريخ وكتابته "، وفيه ركز على سيرته ومنهجه ، ومؤلفاته واهتماماته بتوثيق البنية الاجتماعية للعراق وتطور العلاقات بين شرائح المجتمع وانعكاس ذلك على التحولات السياسية .
أجرى الأستاذ طارق كاريزي حوارا مع الأستاذ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف نشر في مجلة الصوت الآخر (الاربيلية ) وفي عددها 303 الصادر في 23 تموز 2007 جاء فيه :إن أهمية التاريخ تتأكد في حياة الشعوب من خلال تقديمه صورة الجذور التي ينتمي اليها ذلك الشعب فالتاريخ يمثل الهوية لكل شعب وليس بالضرورة ان يمثل التاريخ حافزا للأمة لكي تنهض بواقعها، ربما كان العكس صحيحاً ايضاً، فيكون التأريخ عبئاً على هذه الأمة، يعيق حركتها ويضيق عليها سبلها في التقدم.
لكن التأريخ إذا وظف توظيفاً جيداً فأنه يعد قوة دافعة وهوية ثابتة تدفع الأمة إلى الأمام..
وحول فيما إذا كانت الأمة العربية قد أسلمت حياتها ومستقبلها للتاريخ قال الأستاذ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف : هذا صحيح الى حد ما، وغير صحيح الى حد ما، كيف؟ لقد انبعثت النهضة العربية في القرن التاسع عشر من خلال محاولة النُخب المثقفة الاقتداء بالقمم البارزة من أعلام الأمة في العهود السابقة. ويمكننا القول أنه في القرن التاسع عشر كان التأريخ حافزاً، وتالياً تحول إلى محراب توقد فيه البخور، ففقد الإنسان القدرة على التفاعل مع الماضي .
وحول الفرق بين الإنسان الغربي والإنسان العربي في النظرة إلى التاريخ قال : أن الإنسان الغربي يرى
حلمه في أفق المستقبل، بينما الإنسان العربي لايرى الا الماضي ..ونحن نقول أن التأريخ هو ابن التفاعل، حيث لا تفاعل لا تأريخ .. والتفاعل لا يجري بين كيانات متشابهة، والتمايز ضروري لاستمرار ذلك كله. وهذا التنوع أساس لاستمرار التأريخ والحياة. وعن العلة في التأخر قال : "العلة في العمل، هم عملوا فصنعوا حاضرهم ومستقبلهم، أفادوا من ماضيهم وتفاعلوا معه وصنعوا حاضرهم، وهم الآن يبنون لمستقبلهم، ونحن لا نعمل، ولا فرق بيننا وبينهم سوى العمل، وحتى لا نندثر علينا أن نعمل، لأننا في حال اندثارنا سيخسر العالم نفسه، لأنه سيفقد عنصراً يمكن أن يؤدي دورا في استمرار التاريخ.
تمنياتنا للدكتور عماد عبد السلام رؤوف بالموفقية والاستمرارية في ترسيخ أسس المدرسة التاريخية العراقية والعربية التي تستند إلى المنهجية العلمية الصارمة ، وتقدم كل ماهو مفيد لإقالة الأمة من عثراتها ، وتوضيح طرق التقدم والتنمية اللازمة بالاستناد إلى الدرس التاريخي والاستفادة من تجارب الأمم في البناء والإسهام في منجزات الحضارة الإنسانية المعاصرة
.المؤرخ الحاج وداي العطية
شكرا للاخ ابو ضرغام الحميداوي الذي ذكرنا بالمؤرخ والكاتب والباحث والمجاهد الحاج وداي العطية ( 1889-1983) ..هذا المؤرخ الذي لو لم يؤلف الا كتاب "تاريخ الديوانية قديما وحديثا " لاعتبرناه من المؤرخين الافذاذ .مع انه تلقى تعليما دينيا في بداية حياته الاانه ثقف نفسه بنفسه وقرأ وحاور وناقش والتقى مع المؤرخين العراقيين المجايلين له ومنهم الاستاذ عباس العزاوي والدكتور مصطفى جواد والاب انستاس الكرملي ..كما انه سافر وزار دولا عديدة وعًلم اولاده ومنهم الاستاذ الدكتور عبد الحسين وداي العطية الاستاذ الجامعي ووزير الزراعة الاسبق 1968 تعليما حديثا وارسلهم في بعثات خارج العراق للحصول على الشهادات العليا ..كان يتقن الفارسية ويعرف التركية ..درس الاقتصاد وعلم الاجتماع والفقه والفلسفة ..كتب عنه صديقنا الاستاذ الدكتور صباح مهدي رميض بحثا ممتازا وقف عند سيرته ومؤلفاته ونهجه في كتابة التاريخ ، ووصفه بأنه كان صادق اللهجة ، حسن التعبير ، كريم النفس ، طيب الاخلاق ، كتاباته دقيقة وهو يحرص على الموضوعية والتحليل والنقد .الذي يهمنا ان لهذا المؤرخ مؤلفات غير منشورة منها كتبه عن تاريخ الحلة ، وتاريخ عشيرة بني حسن ، وتاريخ مدن الفرات الاوسط ، والمتصرفون في لواءي الحلة والديوانية ، وتاريخ عفك ، ووحرب الشعيبة ، وحوادث سنتي 1936-1937 .........................توفي رحمه الله وجزاه خيرا على ماقدم لوطنه في 18 اب سنة 1983 .ا.د.ابراهيم خليل العلاف |
شكرا استاذنا الفاضل
ردحذف