تجربة في تعلم لغة أجنبية
بقلم :الاستاذ سامي مهدي
حين كنت أتعلم اللغة الفرنسية في معهد كافيلام CAVILAM في مدينة فيشي ، وهو معهد متخصص بتعليم الأجانب هذه اللغة ، كنت أشعر بأنني أمام تحد ينبغي لي مواجهته والتغلب عليه بأي ثمن ، ولذا كنت أحرص على تحضير دروسي وكتابة واجباتي بهمة ونشاط ورغبة ، وعملت بنصيحة معلمتي " كريستين بونفوا " ، فرحت أحاول قراءة الصحف والمجلات ، أياً كانت ، ومتابعة برامج التلفزيون الفرنسي بقنواته الثلاث ، وحفظ الأغاني ، لا سيما أغاني جاك بريل وإديث بياف وشارل أزنافور ومغنية جميلة صاعدة اسمها ميراي ماتيو ، وكان هذا كله يغني حصيلة مفرداتي المتواضعة ، ويعلمني نطق الكلمات ، وييسر لي قراءة النصوص وفهمها ، ويعوضني إلى حد ما عن الاختلاط المباشر بأهل اللغة من سواد الناس ، على ضرورته .
تذكرت في هذا الخضم بعد حين ، نصيحة مدرس اللغة الإنكليزية في ثانوية الكرخ الأستاذ " بديل حمّو " في تقوية معرفتي بهذه اللغة عن طريق قراءة مسرحيات شكسبير دون اكتراث للصعوبات التي تواجهني عند قراءتها ، فاشتريت من صاحبة محل قرب المعهد تبيع فيه الكتب القديمة والحديثة نسختين قديمتين من مسرحيتي ألبير كامو : كاليغولا ، وسوء تفاهم ، ومنها صرت أتردد على هذا المحل أسبوعياً لأشتري ما يهمني من الدواوين الشعرية والمسرحيات وغيرها . وكانت صاحبة المحل ، وهي سيدة جميلة ، تتعجب من إقبالي على شراء هذه الكتب وهي ترى أن حديثي الركيك المتعثر معها لا يكشف عن مقدرة على قراءة ما أشتريه منها . فلم تمنع نفسها ذات يوم من أن تسألني عن ذلك ( قل لي : هل تستطيع قراءة ما تشتريه ؟! ) فقلت لها ضاحكاً : إنني أشتريه للمستقبل ، فصارت تتعاطف معي وتبيعني بسعر مخفض ، وتنبهني إلى كتب تعتقد أنها تهمني ، ومنها دواوين شعرية زهيدة الثمن لشعراء فرنسيين شبان لم أسمع بهم .
بقيت أعاني من صعوبة في التكلم بالفرنسية . كنت أفهم ما يقال لي وما أسمعه بسهولة ، ولكنني كنت أتلكأ كلما هممت بالتكلم . كانت مفردات اللغة تهرب مني حتى لينتابني بعض الخجل أحياناً . غير أن أغلب الناس هم من اللياقة والتهذيب واللطف بحيث يحاول فهمك ويعيد عليك الجملة التي نطقتها بعد تصحيحها دون أن يخجلك أو يحرجك أو يضيق بك ذرعاً ، ربما لتعودهم على السياح الأجانب والمهاجرين الجدد ، وربما لسرورهم بأن هناك من يريد تعلم لغتهم .
لازمتني هذه الصعوبة مدة عام تقريباً ، فكنت أستعين في اللقاءات والمناسبات المهمة بمترجم من العاملين معي في المركز الثقافي ، ولكن هذه الصعوبة كانت تتضاءل بمرور الأيام ، بالاختلاط بالناس ، والاستمرار في متابعة الصحف اليومية والمجلات الأدبية وبرامج التلفزيون ، وقراءة الدواوين الشعرية والمسرحيات ، حتى صرت أعتمد على نفسي في كل شؤوني ، فاستغنيت عن أية مساعدة .
لم أنقطع عن القراءة بالفرنسية بعد نقلي إلى بغداد ، بل واصلتها بالهمة نفسها . فقد اصطحبت معي ما كنت اشتريته من الكتب والمجلات الأدبية في فيشي وباريس ، وهي تعد بالعشرات ، وكان صديقي وزميلي جليل العطية يزودني بالصحف والمجلات الأدبية مثل : مغازين ليترير ولير ، وببعض الكتب أحياناً ، مع بريده الإسبوعي بوصفه مراسلاً لجريدة الجمهورية في باريس . وكنت كلما أحظى بسفرة إلى باريس أعود بشيء من الإصدارات الجديدة . وكانت آخر سفرة لي إلى هناك عام 2000 ، كنت مدعواً للمشاركة في مهرجان شعري ، وكان سعدي يوسف مدعواً هو الآخر غير أنه لم يحضر . حتى إذا وثقت بنفسي وعدّتي رحت أترجم مختارات من شعر جاك بريفير وهنري ميشو وألان بوسكيه وباول تسيلان وغيرهم ، ولهذا حديث آخر .
بقلم :الاستاذ سامي مهدي
حين كنت أتعلم اللغة الفرنسية في معهد كافيلام CAVILAM في مدينة فيشي ، وهو معهد متخصص بتعليم الأجانب هذه اللغة ، كنت أشعر بأنني أمام تحد ينبغي لي مواجهته والتغلب عليه بأي ثمن ، ولذا كنت أحرص على تحضير دروسي وكتابة واجباتي بهمة ونشاط ورغبة ، وعملت بنصيحة معلمتي " كريستين بونفوا " ، فرحت أحاول قراءة الصحف والمجلات ، أياً كانت ، ومتابعة برامج التلفزيون الفرنسي بقنواته الثلاث ، وحفظ الأغاني ، لا سيما أغاني جاك بريل وإديث بياف وشارل أزنافور ومغنية جميلة صاعدة اسمها ميراي ماتيو ، وكان هذا كله يغني حصيلة مفرداتي المتواضعة ، ويعلمني نطق الكلمات ، وييسر لي قراءة النصوص وفهمها ، ويعوضني إلى حد ما عن الاختلاط المباشر بأهل اللغة من سواد الناس ، على ضرورته .
تذكرت في هذا الخضم بعد حين ، نصيحة مدرس اللغة الإنكليزية في ثانوية الكرخ الأستاذ " بديل حمّو " في تقوية معرفتي بهذه اللغة عن طريق قراءة مسرحيات شكسبير دون اكتراث للصعوبات التي تواجهني عند قراءتها ، فاشتريت من صاحبة محل قرب المعهد تبيع فيه الكتب القديمة والحديثة نسختين قديمتين من مسرحيتي ألبير كامو : كاليغولا ، وسوء تفاهم ، ومنها صرت أتردد على هذا المحل أسبوعياً لأشتري ما يهمني من الدواوين الشعرية والمسرحيات وغيرها . وكانت صاحبة المحل ، وهي سيدة جميلة ، تتعجب من إقبالي على شراء هذه الكتب وهي ترى أن حديثي الركيك المتعثر معها لا يكشف عن مقدرة على قراءة ما أشتريه منها . فلم تمنع نفسها ذات يوم من أن تسألني عن ذلك ( قل لي : هل تستطيع قراءة ما تشتريه ؟! ) فقلت لها ضاحكاً : إنني أشتريه للمستقبل ، فصارت تتعاطف معي وتبيعني بسعر مخفض ، وتنبهني إلى كتب تعتقد أنها تهمني ، ومنها دواوين شعرية زهيدة الثمن لشعراء فرنسيين شبان لم أسمع بهم .
بقيت أعاني من صعوبة في التكلم بالفرنسية . كنت أفهم ما يقال لي وما أسمعه بسهولة ، ولكنني كنت أتلكأ كلما هممت بالتكلم . كانت مفردات اللغة تهرب مني حتى لينتابني بعض الخجل أحياناً . غير أن أغلب الناس هم من اللياقة والتهذيب واللطف بحيث يحاول فهمك ويعيد عليك الجملة التي نطقتها بعد تصحيحها دون أن يخجلك أو يحرجك أو يضيق بك ذرعاً ، ربما لتعودهم على السياح الأجانب والمهاجرين الجدد ، وربما لسرورهم بأن هناك من يريد تعلم لغتهم .
لازمتني هذه الصعوبة مدة عام تقريباً ، فكنت أستعين في اللقاءات والمناسبات المهمة بمترجم من العاملين معي في المركز الثقافي ، ولكن هذه الصعوبة كانت تتضاءل بمرور الأيام ، بالاختلاط بالناس ، والاستمرار في متابعة الصحف اليومية والمجلات الأدبية وبرامج التلفزيون ، وقراءة الدواوين الشعرية والمسرحيات ، حتى صرت أعتمد على نفسي في كل شؤوني ، فاستغنيت عن أية مساعدة .
لم أنقطع عن القراءة بالفرنسية بعد نقلي إلى بغداد ، بل واصلتها بالهمة نفسها . فقد اصطحبت معي ما كنت اشتريته من الكتب والمجلات الأدبية في فيشي وباريس ، وهي تعد بالعشرات ، وكان صديقي وزميلي جليل العطية يزودني بالصحف والمجلات الأدبية مثل : مغازين ليترير ولير ، وببعض الكتب أحياناً ، مع بريده الإسبوعي بوصفه مراسلاً لجريدة الجمهورية في باريس . وكنت كلما أحظى بسفرة إلى باريس أعود بشيء من الإصدارات الجديدة . وكانت آخر سفرة لي إلى هناك عام 2000 ، كنت مدعواً للمشاركة في مهرجان شعري ، وكان سعدي يوسف مدعواً هو الآخر غير أنه لم يحضر . حتى إذا وثقت بنفسي وعدّتي رحت أترجم مختارات من شعر جاك بريفير وهنري ميشو وألان بوسكيه وباول تسيلان وغيرهم ، ولهذا حديث آخر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق