ذكريات جانبية:
**********************
شاذل طاقة : شاعر قليل الاحتفاء بشعره
بقلم :الاستاذ سامي مهدي
وهذا الشاعر هو الصديق الراحل شاذل طاقة . عرفته من شعره قبل أن أعرفه بشخصه . كان ذلك عام 1955 حين عثرت في سوق السراي على نسخة قديمة من مجموعته الشعرية الأولى " المساء الأخير " . اشتريتها بأربعين فلساً من بسطة بائع للكتب القديمة ، ربما هو عزيز القديفي أوغيره ، فقد لفت نظري إليها ما كان فيها من قصائد " الشعر الحر " .
كان شعره رومانسياً شأنه شأن شعراء جيله ، وكان في مجموعته هذه تسع قصائد من " الشعر الحر " وصفها في مقدمة المجموعة بأنها " شعر منطلق " " لا يتقيد بقافية موحدة ، ولا يلتزم عدداً معيناً من تفعيلات البحور " ونفى عن هذا الشعر كونه " شعراً مبتكراً " ورأى أن " جذوره ممتدة في الشعر الأندلسي ، وكان شعراء الأندلس موحين به إلى شعراء المهجر فنظموا فيه ، وأبدعوا وأجادوا أيما إجادة وإبداع " وهو رأي ناقشته معه في ما بعد ، واختلفنا فيه ، وظل مصراً عليه .
صدرت هذه المجموعة عام 1950 ، عام صدور " أساطير " مجموعة بدر شاكر السياب ، وفي قصائدها الحرة تجارب عروضية جديرة بالانتباه . وكان أول من انتبه إلى هذه التجارب ، كما أزعم ، أنا والدكتور مالك المطلبي ، فاتفقنا ، نحن الإثنين ، على أن يقوم ( مالك ) بكتابة دراسة عنها ، فكتبها ، ونشرت الدراسة في مجلة " ألف باء " عام 1974 أيام كان المطلبي مشرفاً على تحرير صفحات المجلة الثقافية ، وكنت أنا رئيس تحريرها . وبذلك يعدّ طاقة من المبكرين في كتابة " الشعر الحر " والمجتهدين في صياغة عروضه ، وربما بدأت تجربته فيه عام 1949 ، أو قبله بقليل ، أيام كان ما يزال طالباً في دار المعلمين العالية .
رأيت شاذل طاقة أول مرة عام 1963 حين عين مديراً عاماً لوكالة الأنباء العراقية التي كانت في بدء تأسيسها ونشوئها . كنت يومها أعمل في الصحافة فالتقينا بعد مدة وجيزة لقاء مهنياً واحداً ، ولكنه كان لقاء عابراً افترقنا بانتهائه .
بدأت صداقتي معه عام 1964 . فقد فصل كلانا من عمله ، فقرر هو إنشاء دار للنشر والإعلان أطلق عليها اسم " دار الكلمة " واتخذ مقراً لها في عمارة في شارع الرشيد في مقابل بريد " السنك " ، وكان الوسيط في نشوء هذه العلاقة صديقنا المشترك الأديب والصحفي والمحقق " الدكتور جليل العطية " . كنا نزوره معاً في مكتبه في هذه الدار ونقضي وإياه أوقاتاً طويلة ، ونقتسم ، نحن الثلاثة ، أحياناً ما في جيوبنا من نقود قليلة لنشتري وجبة طعام خفيفة ونأكلها ونحن قانعون مستمتعون . فقد كانت " دار الكلمة " بلا عمل تقريباً ، وكان هو الموظف الوحيد فيها ، يساعده أخوه " حسن " إن صحت ذاكرتي . وهكذا جمعتنا البطالة والإفلاس والقهر على صعيد واحد ، وصرنا صديقين .
لم تعمر " دار الكلمة " طويلاً فقد اعتقل " أبو نواف " واضطر إلى طي صفحتها . وأذكر أنني رأيته بنفسي يوم اعتقاله ، رأيته مكبل اليدين بصحبة اثنين من رجال الأمن عند مدخل مديرية الأمن العامة . كنت يومها قد وجدت فرصة عمل وكان علي أن أراجع هذه المديرية لاستحصال الموافقة الأمنية . رآني هو الآخر ، فأشار لي بيديه المكبلتين إشارة فهمت منها أنه لا يريد أن أقترب منه أو أكلمه حرصاً علي ، وفعلت بما فهمته ، فمضى يومي بسلام ، ولكنني لم أحصل على الموافقة المطلوبة .
بعد الإفراج عنه عمل أبو نواف مديراً للإدارة في شركة خاصة من شركات إعادة التأمين ، وزرناه ، أنا وجليل ، مرات فيها . كانت زيارات سريعة ، عرفنا في إحداها عن طريقه ، الناقد والمترجم " نجيب المانع " الذي كان معاوناً للمدير العام في هذه الشركة . ولكننا صرنا نلتقي لقاءات طويلة في مقر " جمعية الكتاب والمؤلفين " أحياناً وفي بيته الجديد قريب الجامعة المستنصرية في أحيان أخرى . أنا وجليل كنا نقضي أماسينا يومياً في مقر تلك الجمعية ، وكان يشاركنا في هذه الأماسي أدباء آخرون قليلون في مقدمتهم الشاعر خالد الشواف ، والقاص إبراهيم السعيد والناقد عبد الجبار داود البصري والدكتور يوسف عزالدين وآخرون كانوا يأتون في أيام متباعدة منهم الشاعر خالد علي مصطفى والشاعر الراحل شفيق الكمالي والشاعرة آمال الزهاوي وعبد الجبار الحكيم وغيرهم .
كانت الجمعية يومئذ خاملة ، لا نشاط لها تقريباً ، فقررنا أن نبعث فيها روحاً جديدة ، وهذا ما كان . فتداعينا إلى تنظيم برنامج أماسيٍّ أسبوعية ، وحين حان موعد انتخاب هيئة إدارية جديدة دفعنا طاقة والكمالي إلى ترشيح نفسيهما لعضوية الهيئة الإدارية ففازا في الانتخابات ، وانتظمت أماسي الجمعية وتمكنت من إصدار عدد جديد من مجلتها " الكتاب " وشاركت في مؤتمر الأدباء العرب المنعقد في بيروت في آذار عام 1967 بوفد يضم بضعة أدباء منهم طاقة نفسه وعبد الله الجبوري وأنا ، وكان الوفد برئاسة الدكتور عبد الرزاق محيي الدين رئيس الهيئة الإدارية .
كانت تلك أول سفرة لي إلى لبنان . أنزلنا المضيفون اللبنانيون ، أنا وطاقة ، في غرفة واحدة من غرف فندق كارلتون ، فكان نعم رفيق السفر . كان يعرف بيروت التي أقام فيها قبل ذلك ردحاً من الزمن لإكمال دراسته العليا ، فأخذ على عاتقه تعريفنا ، أنا وعبد الله ، على معالمها وجال بنا فيها أكثر من جولة منها جولة في " شارع الحمراء " الشهير . وكان أهم ما في هذا المؤتمر المهرجان الشعري الذي رافقه ، وكان هذا المهرجان مناسبة ، لي شخصياً ، للتعرف على ثلاثة من أهم من حضره من الشعراء ، وهم كل من : الشاعر السوري أدونيس والشاعر اللبناني خليل حاوي والشاعر الروسي يفغيني إيفتشنكو الذي أدهش كثيرين ، وأنا منهم ، بطريقة إلقائه المميزة .
لم يحدث ما يخدش علاقة الصداقة التي جمعتني بأبي نواف إلا مرة واحدة . كان ذلك أواخر عام 1968 . فقد كتبت نبذة قصيرة في مجلة " ألف باء " اقترحت فيها على الحكومة دعوة الشعراء المغتربين للعودة إلى البلاد . كنت يومئذ ، ومنذ تأسيس هذه المجلة في مايس 1967 مسؤولاً عن تحرير صفحاتها الثقافية ، وكانت لي حرية كاملة في ما أكتبه ، وكان أبو نواف يوم نشرت النبذة وكيل وزارة الثقافة والإعلام ، فلامني بشدة على ما جاء فيها واتهمني بـ "المزايدة " أمام المحررين الرئيسيين في المجلة فقررت بعدها ألا أكلمه أبداً . وهذا ما حصل ، حتى جاء يوم رشحت فيه مع الدكتور " مكرم الطالباني " لزيارة موسكو وحضور احتفالات الإتحاد السوفييتي بالذكرى المئوية لميلاد لينين ، وكان طاقة يومها سفيراً للعراق هناك ، فزارنا في فندق " راسيّا " الشهير وصالحني واحتفى بي خلال مدة الزيارة ، فعدنا أصدقاء .
ولكن لقاءنا في موسكو كان آخر لقاء لنا ، فلم أره حتى بعد نقله إلى بغداد ، بسبب انشغال كل منا بشؤونه ، وخاصة بعد أن اختير هو وزيراً للخارجية . وكانت وفاته حدثاً مفاجئاً لي ولكل من عرفه ، فحزنت عليه كثيراً ، ورثيته رثاء غير تقليدي بقصيدة عنوانها " شاذل طاقة " والقصيدة منشورة في مجموعتي الشعرية الثالثة " أسفار جديدة " الصادرة عام 1976 .
ولد الشاعر شاذل طاقة في الموصل عام 1929 ، وتخرج في دار المعلمين العالية عام 1950 . وتسنم مناصب عدة في وزارتي الثقافة والإعلام والخارجية ، وتوفي عام 1974 قبل أن يتم عامه الخامس والأربعين .
كان أبو نواف قليل الاحتفاء بشعره ، مقلاً في كتابته ونشره ، وكثيراً ما كنا نحثه أنا وجليل على الكتابة فيتعلل بالتعب والكسل .
صدرت له ثلاث مجموعات شعرية هي : المساء الأخير عام 1950 ، ثم مات الليل عام 1963 ، الأعور الدجال والغرباء عام 1969 . وترك بعد وفاته أربع قصائد نشرت مع مجموعاته الثلاث في كتاب شامل عنوانه " شاذل طاقة _ المجموعات الشعرية الكاملة " .
وكان قد نشر كتاباً عنوانه " تاريخ الأدب العباسي " عام 1953 ، واشترك مع ثلاثة من شعراء الموصل في إصدار مجموعة شعرية مشتركة عام 1956 بعنوان " قصائد غير صالحة للنشر " والشعراء الثلاثة هم : يوسف الصائغ ، وعبد الحليم اللاوند ، وهاشم الطعان .
**********************
شاذل طاقة : شاعر قليل الاحتفاء بشعره
بقلم :الاستاذ سامي مهدي
وهذا الشاعر هو الصديق الراحل شاذل طاقة . عرفته من شعره قبل أن أعرفه بشخصه . كان ذلك عام 1955 حين عثرت في سوق السراي على نسخة قديمة من مجموعته الشعرية الأولى " المساء الأخير " . اشتريتها بأربعين فلساً من بسطة بائع للكتب القديمة ، ربما هو عزيز القديفي أوغيره ، فقد لفت نظري إليها ما كان فيها من قصائد " الشعر الحر " .
كان شعره رومانسياً شأنه شأن شعراء جيله ، وكان في مجموعته هذه تسع قصائد من " الشعر الحر " وصفها في مقدمة المجموعة بأنها " شعر منطلق " " لا يتقيد بقافية موحدة ، ولا يلتزم عدداً معيناً من تفعيلات البحور " ونفى عن هذا الشعر كونه " شعراً مبتكراً " ورأى أن " جذوره ممتدة في الشعر الأندلسي ، وكان شعراء الأندلس موحين به إلى شعراء المهجر فنظموا فيه ، وأبدعوا وأجادوا أيما إجادة وإبداع " وهو رأي ناقشته معه في ما بعد ، واختلفنا فيه ، وظل مصراً عليه .
صدرت هذه المجموعة عام 1950 ، عام صدور " أساطير " مجموعة بدر شاكر السياب ، وفي قصائدها الحرة تجارب عروضية جديرة بالانتباه . وكان أول من انتبه إلى هذه التجارب ، كما أزعم ، أنا والدكتور مالك المطلبي ، فاتفقنا ، نحن الإثنين ، على أن يقوم ( مالك ) بكتابة دراسة عنها ، فكتبها ، ونشرت الدراسة في مجلة " ألف باء " عام 1974 أيام كان المطلبي مشرفاً على تحرير صفحات المجلة الثقافية ، وكنت أنا رئيس تحريرها . وبذلك يعدّ طاقة من المبكرين في كتابة " الشعر الحر " والمجتهدين في صياغة عروضه ، وربما بدأت تجربته فيه عام 1949 ، أو قبله بقليل ، أيام كان ما يزال طالباً في دار المعلمين العالية .
رأيت شاذل طاقة أول مرة عام 1963 حين عين مديراً عاماً لوكالة الأنباء العراقية التي كانت في بدء تأسيسها ونشوئها . كنت يومها أعمل في الصحافة فالتقينا بعد مدة وجيزة لقاء مهنياً واحداً ، ولكنه كان لقاء عابراً افترقنا بانتهائه .
بدأت صداقتي معه عام 1964 . فقد فصل كلانا من عمله ، فقرر هو إنشاء دار للنشر والإعلان أطلق عليها اسم " دار الكلمة " واتخذ مقراً لها في عمارة في شارع الرشيد في مقابل بريد " السنك " ، وكان الوسيط في نشوء هذه العلاقة صديقنا المشترك الأديب والصحفي والمحقق " الدكتور جليل العطية " . كنا نزوره معاً في مكتبه في هذه الدار ونقضي وإياه أوقاتاً طويلة ، ونقتسم ، نحن الثلاثة ، أحياناً ما في جيوبنا من نقود قليلة لنشتري وجبة طعام خفيفة ونأكلها ونحن قانعون مستمتعون . فقد كانت " دار الكلمة " بلا عمل تقريباً ، وكان هو الموظف الوحيد فيها ، يساعده أخوه " حسن " إن صحت ذاكرتي . وهكذا جمعتنا البطالة والإفلاس والقهر على صعيد واحد ، وصرنا صديقين .
لم تعمر " دار الكلمة " طويلاً فقد اعتقل " أبو نواف " واضطر إلى طي صفحتها . وأذكر أنني رأيته بنفسي يوم اعتقاله ، رأيته مكبل اليدين بصحبة اثنين من رجال الأمن عند مدخل مديرية الأمن العامة . كنت يومها قد وجدت فرصة عمل وكان علي أن أراجع هذه المديرية لاستحصال الموافقة الأمنية . رآني هو الآخر ، فأشار لي بيديه المكبلتين إشارة فهمت منها أنه لا يريد أن أقترب منه أو أكلمه حرصاً علي ، وفعلت بما فهمته ، فمضى يومي بسلام ، ولكنني لم أحصل على الموافقة المطلوبة .
بعد الإفراج عنه عمل أبو نواف مديراً للإدارة في شركة خاصة من شركات إعادة التأمين ، وزرناه ، أنا وجليل ، مرات فيها . كانت زيارات سريعة ، عرفنا في إحداها عن طريقه ، الناقد والمترجم " نجيب المانع " الذي كان معاوناً للمدير العام في هذه الشركة . ولكننا صرنا نلتقي لقاءات طويلة في مقر " جمعية الكتاب والمؤلفين " أحياناً وفي بيته الجديد قريب الجامعة المستنصرية في أحيان أخرى . أنا وجليل كنا نقضي أماسينا يومياً في مقر تلك الجمعية ، وكان يشاركنا في هذه الأماسي أدباء آخرون قليلون في مقدمتهم الشاعر خالد الشواف ، والقاص إبراهيم السعيد والناقد عبد الجبار داود البصري والدكتور يوسف عزالدين وآخرون كانوا يأتون في أيام متباعدة منهم الشاعر خالد علي مصطفى والشاعر الراحل شفيق الكمالي والشاعرة آمال الزهاوي وعبد الجبار الحكيم وغيرهم .
كانت الجمعية يومئذ خاملة ، لا نشاط لها تقريباً ، فقررنا أن نبعث فيها روحاً جديدة ، وهذا ما كان . فتداعينا إلى تنظيم برنامج أماسيٍّ أسبوعية ، وحين حان موعد انتخاب هيئة إدارية جديدة دفعنا طاقة والكمالي إلى ترشيح نفسيهما لعضوية الهيئة الإدارية ففازا في الانتخابات ، وانتظمت أماسي الجمعية وتمكنت من إصدار عدد جديد من مجلتها " الكتاب " وشاركت في مؤتمر الأدباء العرب المنعقد في بيروت في آذار عام 1967 بوفد يضم بضعة أدباء منهم طاقة نفسه وعبد الله الجبوري وأنا ، وكان الوفد برئاسة الدكتور عبد الرزاق محيي الدين رئيس الهيئة الإدارية .
كانت تلك أول سفرة لي إلى لبنان . أنزلنا المضيفون اللبنانيون ، أنا وطاقة ، في غرفة واحدة من غرف فندق كارلتون ، فكان نعم رفيق السفر . كان يعرف بيروت التي أقام فيها قبل ذلك ردحاً من الزمن لإكمال دراسته العليا ، فأخذ على عاتقه تعريفنا ، أنا وعبد الله ، على معالمها وجال بنا فيها أكثر من جولة منها جولة في " شارع الحمراء " الشهير . وكان أهم ما في هذا المؤتمر المهرجان الشعري الذي رافقه ، وكان هذا المهرجان مناسبة ، لي شخصياً ، للتعرف على ثلاثة من أهم من حضره من الشعراء ، وهم كل من : الشاعر السوري أدونيس والشاعر اللبناني خليل حاوي والشاعر الروسي يفغيني إيفتشنكو الذي أدهش كثيرين ، وأنا منهم ، بطريقة إلقائه المميزة .
لم يحدث ما يخدش علاقة الصداقة التي جمعتني بأبي نواف إلا مرة واحدة . كان ذلك أواخر عام 1968 . فقد كتبت نبذة قصيرة في مجلة " ألف باء " اقترحت فيها على الحكومة دعوة الشعراء المغتربين للعودة إلى البلاد . كنت يومئذ ، ومنذ تأسيس هذه المجلة في مايس 1967 مسؤولاً عن تحرير صفحاتها الثقافية ، وكانت لي حرية كاملة في ما أكتبه ، وكان أبو نواف يوم نشرت النبذة وكيل وزارة الثقافة والإعلام ، فلامني بشدة على ما جاء فيها واتهمني بـ "المزايدة " أمام المحررين الرئيسيين في المجلة فقررت بعدها ألا أكلمه أبداً . وهذا ما حصل ، حتى جاء يوم رشحت فيه مع الدكتور " مكرم الطالباني " لزيارة موسكو وحضور احتفالات الإتحاد السوفييتي بالذكرى المئوية لميلاد لينين ، وكان طاقة يومها سفيراً للعراق هناك ، فزارنا في فندق " راسيّا " الشهير وصالحني واحتفى بي خلال مدة الزيارة ، فعدنا أصدقاء .
ولكن لقاءنا في موسكو كان آخر لقاء لنا ، فلم أره حتى بعد نقله إلى بغداد ، بسبب انشغال كل منا بشؤونه ، وخاصة بعد أن اختير هو وزيراً للخارجية . وكانت وفاته حدثاً مفاجئاً لي ولكل من عرفه ، فحزنت عليه كثيراً ، ورثيته رثاء غير تقليدي بقصيدة عنوانها " شاذل طاقة " والقصيدة منشورة في مجموعتي الشعرية الثالثة " أسفار جديدة " الصادرة عام 1976 .
ولد الشاعر شاذل طاقة في الموصل عام 1929 ، وتخرج في دار المعلمين العالية عام 1950 . وتسنم مناصب عدة في وزارتي الثقافة والإعلام والخارجية ، وتوفي عام 1974 قبل أن يتم عامه الخامس والأربعين .
كان أبو نواف قليل الاحتفاء بشعره ، مقلاً في كتابته ونشره ، وكثيراً ما كنا نحثه أنا وجليل على الكتابة فيتعلل بالتعب والكسل .
صدرت له ثلاث مجموعات شعرية هي : المساء الأخير عام 1950 ، ثم مات الليل عام 1963 ، الأعور الدجال والغرباء عام 1969 . وترك بعد وفاته أربع قصائد نشرت مع مجموعاته الثلاث في كتاب شامل عنوانه " شاذل طاقة _ المجموعات الشعرية الكاملة " .
وكان قد نشر كتاباً عنوانه " تاريخ الأدب العباسي " عام 1953 ، واشترك مع ثلاثة من شعراء الموصل في إصدار مجموعة شعرية مشتركة عام 1956 بعنوان " قصائد غير صالحة للنشر " والشعراء الثلاثة هم : يوسف الصائغ ، وعبد الحليم اللاوند ، وهاشم الطعان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق