عزيز شريف ..أسرته ونشأته وبداياته الفكرية والوظي
بقلم : وسام هادي عكار التميمي
ينتمي عزيز شريف إلى أسرة معروفة في مدينة عنة ، كان والده الحاج شريف ، من الشخصيات الدينية المحترمة ، ولِدَ في عنة عام 1887 ، كرّس شبابه في دراسة العلوم الدينية في بغداد ، حتى أصبح إمام وخطيب جامع عنة الوحيد ، ورئيس المدرسة الدينية فيها ، بالإضافة إلى تدريسه مادة اللغة العربية في مدرسة التفيض في عنة
حظى الحاج شريف باحترام وثقة الكثير من الناس في لواء الدليم (الانبار) حتى دير الزور في سوريا ، وقـال عنه حسين جميل، عندما كان قاضياً في عنة عام 1936 ، لو كان الحاج شريف في بغداد لفاق كل علمائها، لما عرف به من تقوى وورع ونسبه للأشراف ، الذي يرجع إلى الإمام المبرقع بن الإمام محمد الجواد (ع) ، وكان الحاج شريف، مرجعاً دينياً ومفتياً في مدينته، فأطلق عليه لقب ) الشرع ( ، لأنه كان يساعد الناس على حل مشاكلهم دون اللجوء إلى الحكومة ، ومن فتاواه السماح للمسلمين بأكلِ لحم القصابين اليهود؛ لأنهم أصحاب كتاب سماوي، كما حظى بثقة الحكومة العثمانية، ففي أثناء الحرب العالمية الأولى (1914-1918) ،عهد إليه العثمانيون حفظ المواد الغذائية وتوزيعها على الناس ، في حالة حدوث أزمة غذائية في عنة ، لكن تعاطفه مع العثمانيين لم يتناقض مع الروح الإنسانيـة التي يمتلكها إذ قـام بمساعدة الأرمن، الذين هجرهم العثمانيون إلى عنة، وذلك بتوفير المكان والمواد الغذائية إليهم .
فضلاً عن ذلك ،عرف الحاج شريف بحبه للعلم بأنواعه ، ودلّ على ذلك، مكتبته التي ضمت عدداً من الكتب في المجالات الدينية والعلمية المختلفة ، بالإضافة إلى تطلعه للصناعات الميكانيكية ،فكان يصلح الساعات القديمة والمكائن العاطلة ، وقام ذات مرة بتفكيك سفينة بريطانية أغرقها مجاهدو ثورة العشرين في نهر الفرات قرب عنة ، فأفاد من موادها لصنعة مضخة ، تدور بواسطة دولاب لرفع الماء إلى الأراضي الزراعية المرتفعة، لأن أسرته كانت تمتهن الزراعة ، وهم من المزارعين الصغار ، إذ كانوا يمتلكون أرضاً زراعية عرفت (بطينة الحاج شريف) ، إضافة إلى ديوان ، عرف (بديوان الحاج شريف ) .
اقترن الحاج شريف ، للمرة الأولى من فهيمة بنت محمد ، وهي من أهالي عنـة، وتاريـخ ولادتها عـام 1883 ، وأنجـبت له أربعـة أولاد وهم عزيز، وحكيم، وحمـدي ، وعبد الرحيم ، كما أنجبت ثلاثة بنات وهن أسمة ، وآسيا ، وحمدية ، وتزوج للمرة الثانية من نجية فتحي الحاج موسى ، وأنجبت له بنتين هما بهيجة,ووجيهة، تركت أسرة الحاج شريف مدينة عنة عام 1959 ، لاتهامهم بالانتماء للحزب الشيوعي ، فذهبوا إلى بغداد إذ توفى الحاج شريف هناك عام 1964 .
هو عزيز شريف عبد الحميد بن حسين بن عبد السلام . ولِدَ في عنة في (السادس من تشرين الأول 1904) ، في" محلة الحوش"، ونشأ في ظل عائلة عرفت بطابع التدين والزراعة ، تأثر منذ نعومة أظفاره بالقيم والتقاليد التي ورثتها أسرته ، والتي كوّنت توجهاته العلمية والإنسانية ، وعن هذا قال " كنتُ أمرُّ بصراع متواصل بين ما ورثته من تقاليد الماضي ، وبين ما تلقيته من روح إنسانية، وظمأ لا ينطفئ ولم ينطفئ إلى معرفة الحقيقة".
بدأ تعليمه بدخوله أحد الكتاتيب في عنة ، وعمره ستة أعوام ، أكمل القراءة الأولى للقرآن الكريم في ستة أشهر ، فعرف عنه كما يقول ابنه عصام، قابليته للحفظ ، لاسيّما آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية ، وأقوال الإمام علي (ع) ، فكوّنت لديه ملكة لغوية قوية، وبعدها دخل المدارس الحكومية الحديثة فأكمل الابتدائية والرشدية في عنة ،وبسبب طموح عزيز شريف في أكمال دراسته ، ولعدم وجود دار للمعلمين في عنة أنتقل إلى بغداد، ودخل دار المعلمين الابتدائية ، وتخرّج منه عام 1924 .
بعد عامين من عمله كمعلم، سمحت وزارة المعارف لخريجي دار المعلمين الابتدائية إكمال دراستهم في الصفوف المنتهية من الدراسة الثانوية ، فقدّم عزيز شريف استقالته من التعليم ، ودخل إلى الثانوية المركزية في بغداد عام 1927, وتخرّج منها في (16 تشرين الأول 1928) ، بعد امتحانه الدروس كلها مع الطلبة المكملين ، بسبب مشاركته في تظاهرة ضد الصهيونية ، إضافة إلى إصابة عينه بالرمد أثناء تأدية الامتحانات وكانت رغبة عزيز شريف، الدخول إلى كلية الطب ، ولكن بسبب نفقات الدراسة المكلفة ، دخل كلية الحقوق التي التحق بها أغلب زملائه في الثانوية المركزية ، فتخرّج منها في ( 31 تموز 1930) ،مارس المحاماة مدة قليلة في بغداد ، ثم انتقل إلى البصرة ، فعمل في مكتب المحاماة التابع إلى السياسي المعروف سليمان فيضي, هناك اقترن بكريمته نورية سليمان فيضي عام 1933 ، فكان لها دور متميز في مسيرة حياة عزيز شريف ، حيث كانت سكرتيرته وصديقته وسيدة منزل مجتهدة ، وأنجبت ولدين هما إلهام، وعصام.
كان عزيز شريف أسمر الوجه ، نرجسي العينين ، ممتلئ الجسم ، قصير القامة طوله حوالي 160 سم ، عرف عنه النشاط والذكاء ، والحركة الدؤوبَ في العمل ، وورث هذه الصفات من والده الحاج شريف ، وكان صاحب ثقافة عالية وإطلاع واسع ، لإجادته اللغـة الإنكليزية بطلاقة واللغة الروسيـة والكرديـة بشكل جيد.
تأثر عزيز شريف منذ صغره بالوضع الشاذ الذي يعيشه العراق ، فشهد الحرب العالمية الأولى ، والثورة العربية الكبرى عام 1916 ، والاحتلال البريطاني للعراق للمدة (1914-1918) ، وصولاً إلى ثورة العشرين التي امتدت إلى أعالي الفرات ، هذه الأحداث كلها كان لها أثر بالغ في تكوينه الفكري والسياسي ، فتأثر في شبابه بالفكر الوطني والقومي، وأعجب ببعض الشخصيات الوطنية أمثال جعفر أبو التمن، وسيلمان فيضي ، كما نالت شخصية الزعيم الهندي جواهر لال نهرو، إعجابه وتقديره ، واعتقد أن الفكر القومي لم يلبِ طموح وتطلعات عزيز شريف، فاتجه نحو الفكر الماركسي ، الذي وضع أسسه الفيلسوف الألماني كـارل ماركس ، بعد ظهور هذه الأيديولوجية في العراق، ببداية العشرينيات من القرن الماضي ، ووصفه المؤرخ عبد الرزاق الحسني بالقول " إن عزيز شريف يؤمن بالأفكار الماركسية "، ورأى البعض أنه شيوعي يعمل من خلال التنظيم السري، مع إنه حظى بتقدير واحترام الأوساط الشيوعية العالمية.
وصف عزيز شريف نفسه بأنه ديمقراطي مستقل ، ولم يقلْ إنه شيوعي أو ماركسي ، مبيناً أن الماركسية وصف مشروط بالشيوعية ، مشيراً إلى وجود أحزاب تنتمي إلى الشيوعية ، ولا تصونها التسمية من الانزلاق في حفرة التعصب القومي الشوفيني ، واعتمد عزيز شريف على الفكر الاشتراكي الفابي ، في تحليل ودراسة المشاكل السياسية أو المهنية التي كانت تحيط به ؛ مع أنه يَعدُّ التعاليم الماركسية اللينينية ، هي الوسيلة الوحيدة لحل المشاكل السياسية كافة التي تسود الوطن العربي ، المتمثلة باستبداد الاستعمار الأجنبي وتسلطه في المجتمع ، وإعطاء الشعوب حق تقرير المصير في الانفصال، وتكوين دولة مستقلة عن طريق سيطرة طبقة البروليتارية في المجتمع .
اجمع بعض معاصري عزيز شريف، على وصفه بأنه وطني ديمقراطي تقدمي ، كان أنموذجاً للشخصيات اليسارية في العراق ، نزيه نظيف اليد والقلب واللسان، وفي وثيقة أمريكية كتبت في (29 تشرين الأول 1946) ، وصفت عزيز شريف، بأنه أحد القادة السياسيين الذين ينشدون التغيير في العراق ، وهو من الشخصيات المثيرة للجدل ، مارس دوراً فاعلاً في السياسة العراقية ، وعدَّه أصدقاؤه ومتابعوه مخلصاً وشريفاً ،وذكر التقرير أيضاً؛ بالتأكيد هناك ما يدل على شرفه ونزاهته الشخصية ، ومن الصعب الحديث معه في أي وقت من الأوقات من دون الخروج بالانطباع عن إخلاص هذا الرجل المشهور ، وأضاف التقرير أنه وطني يكره الوجود البريطاني في العراق بأشكاله كافة وهو ببساطة قال كما ذكر تشرشل ، مستعد أن أصافح الشيطان من أجل تحطيم عدو شعبي ، في إشارة هنا إلى بريطانيا، ولم تجزم الوثيقة بأن عزيز شريف كان شيوعياً أم لا . كما وصفه السوفييت بأنه واحد من الشخصيات البارزة في العراق والوطن العربي من خلال إسهاماته الفعّالة في دراسة وحل بعض المشاكل القومية ، ونالت شخصية عزيز شريف، إعجاب بعض الكتّاب والمؤرخين ، الذين وصفوه بالرجل الصلب العقيدة ، متمسكاً بمبدئه ، لايبالي في التضحية والجهاد في سبيل معتقده ، وكان سياسياً ديمقراطياً يساري النزعة ، يدعو إلى العدل الاجتماعي ورعاية حقوق الإنسان .
وما يدلُّ على مواقف عزيز شريف، الوطنية الحادثة التي رواها لي نصير الجادرجي ، عن لسان المحامي حسن عبد الرحمن ، إذ قال عندما كان عزيز شريف، محامياً في البصرة أصبح وكيلاً لأمراء الكويت في البصرة والفاو عام 1937 ، فأدعى أمراء الكويت بأراضي واسعة في البصرة والفاو بأنها ملكٌ لهم عن طريق موكلهم ، فطلب مني ( المقصود حسن عبد الرحمن )، وزير المالية جعفر أبو التمن ، أن أكون وكيلاً للوزارة في هذه القضية ؛ كون الأراضي المتنازع عليها ملكاً لوزارة المالية ، وبعدَ دراسة وتدقيق أوراق القضية وجدت بعض الثغرات القانونية التي تصب في مصلحة القضية ، فذكرتها لعزيز شريف ، فقال لي أن ما تفعله هو الصحيح فأكمل طريقك بالبحث ، وأخيراً كسبت القضية ، فكان عزيز شريف أول المهنئين ، علماً أنه لو كسبها لحصل على مردود مالي كبير من أمراء الكويت ، ولكنه فظّل مصلحة بلده على مصلحته الشخصية .
فضلاً عن ذلك عرف عزيز شريف بإنسانيته أيضاً ، فعندما كان قاضياً في لواء الحلة، جاءهُ شخص متهم بسرقة القليل من الحنطة ، فسأله عن سبب السرقة فأجاب المتهم أن عائلتي تعاني الجوع ومركبة الحنطة متوقفة على شاطئ النهر فذهبت وأخذت الحنطة وبعد خروجي أوقفني الشرطي وسجنت، فطلب القاضي عزيز شريف من كاتب الضبط أن يدوّن إفادة جديدة يذكر فيها : جئت بالحنطة لكي أغسلها في النهر ، ولما خرجت قبض عليَّ الشرطي فحصل المتهم على البراءة.
ويمكن القول أن من الصعوبة تحديد ملامح أفكار عزيز شريف خلال مدة البحث ، لأنها بلا شك قد تغيّرت بتغير الواقع السياسي في العراق، ولكن من المؤكد أن عزيز شريف كان تقدميا عراقيا عدّ الديمقراطية والبرلمانية حلاً لأزمة العراق السياسية، كان مفكراً قومياً وماركسياً في الوقت ذاته، فهو يؤمن بان العرب امة واحدة وأن التجزئة حدث طارئ في تاريخ الأمة، ويرى نهوض هذه الأمة لايتم الا باتباع الطريق الاشتراكي العلمي، ومن هنا كان خلافه مع القوى الديمقراطية الاخرى، مع انه مثل الفكر اليساري في العراق خير تمثيل في المحافل الدولية، فقاد حركة السلم العالمي مدة طويلة ، ولاسيما بعد حصوله على جائزة لينين للسلام في (21 نيسان 1960) .
عيّن عزيز شريف ، لأول مرة في دوائر الدولة معلماً في مدرسة عنة الابتدائية من (21 أيلول 1925) لغاية (17 أيلول 1927) ، وكان يدرّس مادة اللغة الإنكليزية ، فعرف عنه أنه معلم جيد ، ولكنه دخل بإشكالات عديدة ، منها مع مدير المدرسة مجيد الفارس ، بسبب مطالبة عزيز شريف، من الطلاب بأن يلبسوا الملابس الرسمية أثناء الدوام وهي البنطال والقميص ، أسوةً بطلاب المدارس في بغداد ، فوجهت مديرية معارف بغداد ، كتاباً إلى مدير مدرسة عنة الابتدائية، وإلى المعلم عزيز شريف ، يطلب منهما التعاون والتكاتف ، لكثرة الشكاوى بينهم ، التي برهنت على وجود أحقاد وضغائن بين الطرفين ، كما دخل بخلاف مع معاون شرطة عنة علي غالب ، الذي زار المدرسة التي يدرّس فيها عزيز شريف ، حيث وجدوا الطلاب يتكلمون بعض الكلمات الإنكليزية ، نتيجة التكرار أثناء الدرس، وبعدها أراد معاون الشرطة من عزيز شريف أن يعلمه اللغة الإنكليزية ، فأجابه عزيز شريف أن التعليم ليس حاجة عندي أعطيك إياها ، ولا هو شيء سهل لأنه يعتمد على الجهد والمثابرة ، فلم يرضيه هذا الجواب ، وبعدئذٍ قام علي غالب بملاحقة عزيز شريف ، عندما أصبح معاون شرطة بغداد ، لأنه لم ينسَ جواب عزيز شريف هذا .
بعد السماح له بإكمال دراسته الثانوية ، قدّم عزيز شريف استقالته من التعليم، فأكمل الدراسة الثانوية وكلية الحقوق في بغداد ، وبعدها مارس المحاماة متنقلاً بين بغداد والبصرة ،واصبح عضواً في نقابة المحامين للمدة بين (12 تشرين الأول 1931) ، لغاية (25 تشرين الأول 1933) بدأ عزيز شريف، مشواره المهني بالدفاع عن الحريات الصحفية والوطنية ، فكان من ضمن محامي الدفاع في قضية الصحفي إبراهيم صالح شكر، رئيس تحرير صحيفة الأماني القومية ، في (10تشرين الثاني 1931) ، الذي نشر مقالاً في العدد الأول من هذه الصحيفة بعنوان : ( حفنة تراب على مرقد الباجه جي مزاحم الأمين ) .
صدر أمر تعيين عزيز شريف في وزارة العدلية ، فعيّن قاضياً في المحكمة المدنية الكبرى في البصرة بتاريخ (26 تشرين الأول 1933) ، وأوكلت إليه مساعدة قاضي الجزاء والصلح عند الحاجة ، إضافة إلى وظيفته ، ومنحه سلطة حقوقية محدودة لدراسة القضايا الحقوقية التي تودع إليه من رئاسة المحكمة العدلية في البصرة ، ومتابعته القضايا البدائية في محكمة صلح أبي الخصيب، ثم نسب قاضياً في محكمة التحقيق في البصرة ،لكنه لم يستمر طويلاً ، إذ ارتأت وزارة العدلية إصدار أمر نقله إلى لواء المنتفك (الناصرية) في (أيلول 1934) ، بسبب رفضه إصدار أمر باعتقال أحد الأشخاص المتهمين بالشيوعية، دون توافر الأدلة الكافية ، ولكن عزيز شريف رفض أمر نقله ، وتطور الأمر بتدخل وزير العدلية جمال بابان ، الذي طلب من عزيز شريف الحضور إلى بغداد، وبقى فيها مدة قليلة ، حتى تم اعتقال هذا الشخص وبعض المتهمين بالشيوعية ، فشعر عزيز شريف بتحيز الوزارة ضده ، فقدّم استقالته في (27 أيلول 1934) ، وانضم إلى نقابة المحامين في (2 تشرين الأول 1934) .
بقى عزيز شريف يعمل في المحاماة ، حتى عندما أصبح عضواً في المجلس النيابي ، ممثلاً عن لواء البصرة عام 1937 ، في وزارة حكمت سليمان، وانتخب عضواً في مجلس نقابة المحامين عام 1941 ، وبعدها أعيد عزيز شريف للخدمة في وزارة العدلية ، إذ صدرت الإرادة الملكية (رقم 16) في (10 كانون الثاني 1942) ، بتعيينه قاضياً في المحاكم المدنية في الصنف الثاني، فباشر في وظيفته في محكمة بداءة الحلة في (22 كانون الثاني 1942) ، ولم يقتصر عمله على مدينة الحلة ؛ بل أسند إليه النظر في دعاوى محكمة صلح الهندية ، ولم يلبث طويلاً في الحلة ، إذ نقل إلى محكمة جزاء بغداد في (17 حزيران 1942) ، وبعدها إلى محكمة بداءة بغداد في (22 تموز 1942) .
أوكلت محكمة البداءة إلى عزيز شريف، النظر في دعاوى الشخصية للمسيحيين والمسلمين الأجانب ، ودعاوى الاستملاك ؛ علاوة على الدعاوى المنفردة، ومنح سلطة بدائية محدودة في النظر بالدعاوى الحقوقية البالغ قيمتها 500 دينار ، وشغل منصب نائب الرئيس الثاني في محكمة بداءة بغداد ، محل القاضي محمد حسين كبة المتمتع بالإجازة ، ثم أصبح عضواً في هيئة المحكمة بصورة دائمية ، وأوكلت إليه النظر في الدعاوى الشخصية للملّة الموسوية ، مدة غياب القاضي برهان الدين الكيلاني ، كما كلف بالإشراف على تصفية شركة ترامواي بغداد ـ الكاظمية ، فضلاً عن ذلك فقد أصدرت رئاسة محكمة بداءة بغداد ، أمراً إدارياً يقضي بتوكيل عزيز شريف، النظر في دعاوى الملّة الموسوية كافة ابتدءاً من (14 شباط 1944) ،ونظراً لسوء حالته الصحية ، إذ كان يعاني من الربو المزمن، فقد سافر إلى لبنان للعلاج ، وبناءاً على تقرير الطبيب منح إجازة لمدة شهر ، وباشر بعدها وظيفته ، في (17 تشرين الثاني 1944) ،يبدو أن عزيز شريف، أثناء سفره إلى لبنان اتصل ببعض القيادات السياسية والحزبية في سوريا ولبنان، ففضّل العمل السياسي على العمل الوظيفي وقدّم استقالته في (19 تشرين الثاني 1944) .
وأثناء مدة عمل عزيز شريف ، سواء أكان محامياً أم قاضياً عرف عنه النزاهة والاستقامة في أسرة القضاء ، إضافة إلى علاقته الواسعة مع بعض الحقوقيين الأجانب أمثال دان برث رئيس اتحاد الحقوقيين العالميين .
*المصدر : http://www.almadasupplements.com/news.php?action=view&id=9359
بقلم : وسام هادي عكار التميمي
ينتمي عزيز شريف إلى أسرة معروفة في مدينة عنة ، كان والده الحاج شريف ، من الشخصيات الدينية المحترمة ، ولِدَ في عنة عام 1887 ، كرّس شبابه في دراسة العلوم الدينية في بغداد ، حتى أصبح إمام وخطيب جامع عنة الوحيد ، ورئيس المدرسة الدينية فيها ، بالإضافة إلى تدريسه مادة اللغة العربية في مدرسة التفيض في عنة
حظى الحاج شريف باحترام وثقة الكثير من الناس في لواء الدليم (الانبار) حتى دير الزور في سوريا ، وقـال عنه حسين جميل، عندما كان قاضياً في عنة عام 1936 ، لو كان الحاج شريف في بغداد لفاق كل علمائها، لما عرف به من تقوى وورع ونسبه للأشراف ، الذي يرجع إلى الإمام المبرقع بن الإمام محمد الجواد (ع) ، وكان الحاج شريف، مرجعاً دينياً ومفتياً في مدينته، فأطلق عليه لقب ) الشرع ( ، لأنه كان يساعد الناس على حل مشاكلهم دون اللجوء إلى الحكومة ، ومن فتاواه السماح للمسلمين بأكلِ لحم القصابين اليهود؛ لأنهم أصحاب كتاب سماوي، كما حظى بثقة الحكومة العثمانية، ففي أثناء الحرب العالمية الأولى (1914-1918) ،عهد إليه العثمانيون حفظ المواد الغذائية وتوزيعها على الناس ، في حالة حدوث أزمة غذائية في عنة ، لكن تعاطفه مع العثمانيين لم يتناقض مع الروح الإنسانيـة التي يمتلكها إذ قـام بمساعدة الأرمن، الذين هجرهم العثمانيون إلى عنة، وذلك بتوفير المكان والمواد الغذائية إليهم .
فضلاً عن ذلك ،عرف الحاج شريف بحبه للعلم بأنواعه ، ودلّ على ذلك، مكتبته التي ضمت عدداً من الكتب في المجالات الدينية والعلمية المختلفة ، بالإضافة إلى تطلعه للصناعات الميكانيكية ،فكان يصلح الساعات القديمة والمكائن العاطلة ، وقام ذات مرة بتفكيك سفينة بريطانية أغرقها مجاهدو ثورة العشرين في نهر الفرات قرب عنة ، فأفاد من موادها لصنعة مضخة ، تدور بواسطة دولاب لرفع الماء إلى الأراضي الزراعية المرتفعة، لأن أسرته كانت تمتهن الزراعة ، وهم من المزارعين الصغار ، إذ كانوا يمتلكون أرضاً زراعية عرفت (بطينة الحاج شريف) ، إضافة إلى ديوان ، عرف (بديوان الحاج شريف ) .
اقترن الحاج شريف ، للمرة الأولى من فهيمة بنت محمد ، وهي من أهالي عنـة، وتاريـخ ولادتها عـام 1883 ، وأنجـبت له أربعـة أولاد وهم عزيز، وحكيم، وحمـدي ، وعبد الرحيم ، كما أنجبت ثلاثة بنات وهن أسمة ، وآسيا ، وحمدية ، وتزوج للمرة الثانية من نجية فتحي الحاج موسى ، وأنجبت له بنتين هما بهيجة,ووجيهة، تركت أسرة الحاج شريف مدينة عنة عام 1959 ، لاتهامهم بالانتماء للحزب الشيوعي ، فذهبوا إلى بغداد إذ توفى الحاج شريف هناك عام 1964 .
هو عزيز شريف عبد الحميد بن حسين بن عبد السلام . ولِدَ في عنة في (السادس من تشرين الأول 1904) ، في" محلة الحوش"، ونشأ في ظل عائلة عرفت بطابع التدين والزراعة ، تأثر منذ نعومة أظفاره بالقيم والتقاليد التي ورثتها أسرته ، والتي كوّنت توجهاته العلمية والإنسانية ، وعن هذا قال " كنتُ أمرُّ بصراع متواصل بين ما ورثته من تقاليد الماضي ، وبين ما تلقيته من روح إنسانية، وظمأ لا ينطفئ ولم ينطفئ إلى معرفة الحقيقة".
بدأ تعليمه بدخوله أحد الكتاتيب في عنة ، وعمره ستة أعوام ، أكمل القراءة الأولى للقرآن الكريم في ستة أشهر ، فعرف عنه كما يقول ابنه عصام، قابليته للحفظ ، لاسيّما آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية ، وأقوال الإمام علي (ع) ، فكوّنت لديه ملكة لغوية قوية، وبعدها دخل المدارس الحكومية الحديثة فأكمل الابتدائية والرشدية في عنة ،وبسبب طموح عزيز شريف في أكمال دراسته ، ولعدم وجود دار للمعلمين في عنة أنتقل إلى بغداد، ودخل دار المعلمين الابتدائية ، وتخرّج منه عام 1924 .
بعد عامين من عمله كمعلم، سمحت وزارة المعارف لخريجي دار المعلمين الابتدائية إكمال دراستهم في الصفوف المنتهية من الدراسة الثانوية ، فقدّم عزيز شريف استقالته من التعليم ، ودخل إلى الثانوية المركزية في بغداد عام 1927, وتخرّج منها في (16 تشرين الأول 1928) ، بعد امتحانه الدروس كلها مع الطلبة المكملين ، بسبب مشاركته في تظاهرة ضد الصهيونية ، إضافة إلى إصابة عينه بالرمد أثناء تأدية الامتحانات وكانت رغبة عزيز شريف، الدخول إلى كلية الطب ، ولكن بسبب نفقات الدراسة المكلفة ، دخل كلية الحقوق التي التحق بها أغلب زملائه في الثانوية المركزية ، فتخرّج منها في ( 31 تموز 1930) ،مارس المحاماة مدة قليلة في بغداد ، ثم انتقل إلى البصرة ، فعمل في مكتب المحاماة التابع إلى السياسي المعروف سليمان فيضي, هناك اقترن بكريمته نورية سليمان فيضي عام 1933 ، فكان لها دور متميز في مسيرة حياة عزيز شريف ، حيث كانت سكرتيرته وصديقته وسيدة منزل مجتهدة ، وأنجبت ولدين هما إلهام، وعصام.
كان عزيز شريف أسمر الوجه ، نرجسي العينين ، ممتلئ الجسم ، قصير القامة طوله حوالي 160 سم ، عرف عنه النشاط والذكاء ، والحركة الدؤوبَ في العمل ، وورث هذه الصفات من والده الحاج شريف ، وكان صاحب ثقافة عالية وإطلاع واسع ، لإجادته اللغـة الإنكليزية بطلاقة واللغة الروسيـة والكرديـة بشكل جيد.
تأثر عزيز شريف منذ صغره بالوضع الشاذ الذي يعيشه العراق ، فشهد الحرب العالمية الأولى ، والثورة العربية الكبرى عام 1916 ، والاحتلال البريطاني للعراق للمدة (1914-1918) ، وصولاً إلى ثورة العشرين التي امتدت إلى أعالي الفرات ، هذه الأحداث كلها كان لها أثر بالغ في تكوينه الفكري والسياسي ، فتأثر في شبابه بالفكر الوطني والقومي، وأعجب ببعض الشخصيات الوطنية أمثال جعفر أبو التمن، وسيلمان فيضي ، كما نالت شخصية الزعيم الهندي جواهر لال نهرو، إعجابه وتقديره ، واعتقد أن الفكر القومي لم يلبِ طموح وتطلعات عزيز شريف، فاتجه نحو الفكر الماركسي ، الذي وضع أسسه الفيلسوف الألماني كـارل ماركس ، بعد ظهور هذه الأيديولوجية في العراق، ببداية العشرينيات من القرن الماضي ، ووصفه المؤرخ عبد الرزاق الحسني بالقول " إن عزيز شريف يؤمن بالأفكار الماركسية "، ورأى البعض أنه شيوعي يعمل من خلال التنظيم السري، مع إنه حظى بتقدير واحترام الأوساط الشيوعية العالمية.
وصف عزيز شريف نفسه بأنه ديمقراطي مستقل ، ولم يقلْ إنه شيوعي أو ماركسي ، مبيناً أن الماركسية وصف مشروط بالشيوعية ، مشيراً إلى وجود أحزاب تنتمي إلى الشيوعية ، ولا تصونها التسمية من الانزلاق في حفرة التعصب القومي الشوفيني ، واعتمد عزيز شريف على الفكر الاشتراكي الفابي ، في تحليل ودراسة المشاكل السياسية أو المهنية التي كانت تحيط به ؛ مع أنه يَعدُّ التعاليم الماركسية اللينينية ، هي الوسيلة الوحيدة لحل المشاكل السياسية كافة التي تسود الوطن العربي ، المتمثلة باستبداد الاستعمار الأجنبي وتسلطه في المجتمع ، وإعطاء الشعوب حق تقرير المصير في الانفصال، وتكوين دولة مستقلة عن طريق سيطرة طبقة البروليتارية في المجتمع .
اجمع بعض معاصري عزيز شريف، على وصفه بأنه وطني ديمقراطي تقدمي ، كان أنموذجاً للشخصيات اليسارية في العراق ، نزيه نظيف اليد والقلب واللسان، وفي وثيقة أمريكية كتبت في (29 تشرين الأول 1946) ، وصفت عزيز شريف، بأنه أحد القادة السياسيين الذين ينشدون التغيير في العراق ، وهو من الشخصيات المثيرة للجدل ، مارس دوراً فاعلاً في السياسة العراقية ، وعدَّه أصدقاؤه ومتابعوه مخلصاً وشريفاً ،وذكر التقرير أيضاً؛ بالتأكيد هناك ما يدل على شرفه ونزاهته الشخصية ، ومن الصعب الحديث معه في أي وقت من الأوقات من دون الخروج بالانطباع عن إخلاص هذا الرجل المشهور ، وأضاف التقرير أنه وطني يكره الوجود البريطاني في العراق بأشكاله كافة وهو ببساطة قال كما ذكر تشرشل ، مستعد أن أصافح الشيطان من أجل تحطيم عدو شعبي ، في إشارة هنا إلى بريطانيا، ولم تجزم الوثيقة بأن عزيز شريف كان شيوعياً أم لا . كما وصفه السوفييت بأنه واحد من الشخصيات البارزة في العراق والوطن العربي من خلال إسهاماته الفعّالة في دراسة وحل بعض المشاكل القومية ، ونالت شخصية عزيز شريف، إعجاب بعض الكتّاب والمؤرخين ، الذين وصفوه بالرجل الصلب العقيدة ، متمسكاً بمبدئه ، لايبالي في التضحية والجهاد في سبيل معتقده ، وكان سياسياً ديمقراطياً يساري النزعة ، يدعو إلى العدل الاجتماعي ورعاية حقوق الإنسان .
وما يدلُّ على مواقف عزيز شريف، الوطنية الحادثة التي رواها لي نصير الجادرجي ، عن لسان المحامي حسن عبد الرحمن ، إذ قال عندما كان عزيز شريف، محامياً في البصرة أصبح وكيلاً لأمراء الكويت في البصرة والفاو عام 1937 ، فأدعى أمراء الكويت بأراضي واسعة في البصرة والفاو بأنها ملكٌ لهم عن طريق موكلهم ، فطلب مني ( المقصود حسن عبد الرحمن )، وزير المالية جعفر أبو التمن ، أن أكون وكيلاً للوزارة في هذه القضية ؛ كون الأراضي المتنازع عليها ملكاً لوزارة المالية ، وبعدَ دراسة وتدقيق أوراق القضية وجدت بعض الثغرات القانونية التي تصب في مصلحة القضية ، فذكرتها لعزيز شريف ، فقال لي أن ما تفعله هو الصحيح فأكمل طريقك بالبحث ، وأخيراً كسبت القضية ، فكان عزيز شريف أول المهنئين ، علماً أنه لو كسبها لحصل على مردود مالي كبير من أمراء الكويت ، ولكنه فظّل مصلحة بلده على مصلحته الشخصية .
فضلاً عن ذلك عرف عزيز شريف بإنسانيته أيضاً ، فعندما كان قاضياً في لواء الحلة، جاءهُ شخص متهم بسرقة القليل من الحنطة ، فسأله عن سبب السرقة فأجاب المتهم أن عائلتي تعاني الجوع ومركبة الحنطة متوقفة على شاطئ النهر فذهبت وأخذت الحنطة وبعد خروجي أوقفني الشرطي وسجنت، فطلب القاضي عزيز شريف من كاتب الضبط أن يدوّن إفادة جديدة يذكر فيها : جئت بالحنطة لكي أغسلها في النهر ، ولما خرجت قبض عليَّ الشرطي فحصل المتهم على البراءة.
ويمكن القول أن من الصعوبة تحديد ملامح أفكار عزيز شريف خلال مدة البحث ، لأنها بلا شك قد تغيّرت بتغير الواقع السياسي في العراق، ولكن من المؤكد أن عزيز شريف كان تقدميا عراقيا عدّ الديمقراطية والبرلمانية حلاً لأزمة العراق السياسية، كان مفكراً قومياً وماركسياً في الوقت ذاته، فهو يؤمن بان العرب امة واحدة وأن التجزئة حدث طارئ في تاريخ الأمة، ويرى نهوض هذه الأمة لايتم الا باتباع الطريق الاشتراكي العلمي، ومن هنا كان خلافه مع القوى الديمقراطية الاخرى، مع انه مثل الفكر اليساري في العراق خير تمثيل في المحافل الدولية، فقاد حركة السلم العالمي مدة طويلة ، ولاسيما بعد حصوله على جائزة لينين للسلام في (21 نيسان 1960) .
عيّن عزيز شريف ، لأول مرة في دوائر الدولة معلماً في مدرسة عنة الابتدائية من (21 أيلول 1925) لغاية (17 أيلول 1927) ، وكان يدرّس مادة اللغة الإنكليزية ، فعرف عنه أنه معلم جيد ، ولكنه دخل بإشكالات عديدة ، منها مع مدير المدرسة مجيد الفارس ، بسبب مطالبة عزيز شريف، من الطلاب بأن يلبسوا الملابس الرسمية أثناء الدوام وهي البنطال والقميص ، أسوةً بطلاب المدارس في بغداد ، فوجهت مديرية معارف بغداد ، كتاباً إلى مدير مدرسة عنة الابتدائية، وإلى المعلم عزيز شريف ، يطلب منهما التعاون والتكاتف ، لكثرة الشكاوى بينهم ، التي برهنت على وجود أحقاد وضغائن بين الطرفين ، كما دخل بخلاف مع معاون شرطة عنة علي غالب ، الذي زار المدرسة التي يدرّس فيها عزيز شريف ، حيث وجدوا الطلاب يتكلمون بعض الكلمات الإنكليزية ، نتيجة التكرار أثناء الدرس، وبعدها أراد معاون الشرطة من عزيز شريف أن يعلمه اللغة الإنكليزية ، فأجابه عزيز شريف أن التعليم ليس حاجة عندي أعطيك إياها ، ولا هو شيء سهل لأنه يعتمد على الجهد والمثابرة ، فلم يرضيه هذا الجواب ، وبعدئذٍ قام علي غالب بملاحقة عزيز شريف ، عندما أصبح معاون شرطة بغداد ، لأنه لم ينسَ جواب عزيز شريف هذا .
بعد السماح له بإكمال دراسته الثانوية ، قدّم عزيز شريف استقالته من التعليم، فأكمل الدراسة الثانوية وكلية الحقوق في بغداد ، وبعدها مارس المحاماة متنقلاً بين بغداد والبصرة ،واصبح عضواً في نقابة المحامين للمدة بين (12 تشرين الأول 1931) ، لغاية (25 تشرين الأول 1933) بدأ عزيز شريف، مشواره المهني بالدفاع عن الحريات الصحفية والوطنية ، فكان من ضمن محامي الدفاع في قضية الصحفي إبراهيم صالح شكر، رئيس تحرير صحيفة الأماني القومية ، في (10تشرين الثاني 1931) ، الذي نشر مقالاً في العدد الأول من هذه الصحيفة بعنوان : ( حفنة تراب على مرقد الباجه جي مزاحم الأمين ) .
صدر أمر تعيين عزيز شريف في وزارة العدلية ، فعيّن قاضياً في المحكمة المدنية الكبرى في البصرة بتاريخ (26 تشرين الأول 1933) ، وأوكلت إليه مساعدة قاضي الجزاء والصلح عند الحاجة ، إضافة إلى وظيفته ، ومنحه سلطة حقوقية محدودة لدراسة القضايا الحقوقية التي تودع إليه من رئاسة المحكمة العدلية في البصرة ، ومتابعته القضايا البدائية في محكمة صلح أبي الخصيب، ثم نسب قاضياً في محكمة التحقيق في البصرة ،لكنه لم يستمر طويلاً ، إذ ارتأت وزارة العدلية إصدار أمر نقله إلى لواء المنتفك (الناصرية) في (أيلول 1934) ، بسبب رفضه إصدار أمر باعتقال أحد الأشخاص المتهمين بالشيوعية، دون توافر الأدلة الكافية ، ولكن عزيز شريف رفض أمر نقله ، وتطور الأمر بتدخل وزير العدلية جمال بابان ، الذي طلب من عزيز شريف الحضور إلى بغداد، وبقى فيها مدة قليلة ، حتى تم اعتقال هذا الشخص وبعض المتهمين بالشيوعية ، فشعر عزيز شريف بتحيز الوزارة ضده ، فقدّم استقالته في (27 أيلول 1934) ، وانضم إلى نقابة المحامين في (2 تشرين الأول 1934) .
بقى عزيز شريف يعمل في المحاماة ، حتى عندما أصبح عضواً في المجلس النيابي ، ممثلاً عن لواء البصرة عام 1937 ، في وزارة حكمت سليمان، وانتخب عضواً في مجلس نقابة المحامين عام 1941 ، وبعدها أعيد عزيز شريف للخدمة في وزارة العدلية ، إذ صدرت الإرادة الملكية (رقم 16) في (10 كانون الثاني 1942) ، بتعيينه قاضياً في المحاكم المدنية في الصنف الثاني، فباشر في وظيفته في محكمة بداءة الحلة في (22 كانون الثاني 1942) ، ولم يقتصر عمله على مدينة الحلة ؛ بل أسند إليه النظر في دعاوى محكمة صلح الهندية ، ولم يلبث طويلاً في الحلة ، إذ نقل إلى محكمة جزاء بغداد في (17 حزيران 1942) ، وبعدها إلى محكمة بداءة بغداد في (22 تموز 1942) .
أوكلت محكمة البداءة إلى عزيز شريف، النظر في دعاوى الشخصية للمسيحيين والمسلمين الأجانب ، ودعاوى الاستملاك ؛ علاوة على الدعاوى المنفردة، ومنح سلطة بدائية محدودة في النظر بالدعاوى الحقوقية البالغ قيمتها 500 دينار ، وشغل منصب نائب الرئيس الثاني في محكمة بداءة بغداد ، محل القاضي محمد حسين كبة المتمتع بالإجازة ، ثم أصبح عضواً في هيئة المحكمة بصورة دائمية ، وأوكلت إليه النظر في الدعاوى الشخصية للملّة الموسوية ، مدة غياب القاضي برهان الدين الكيلاني ، كما كلف بالإشراف على تصفية شركة ترامواي بغداد ـ الكاظمية ، فضلاً عن ذلك فقد أصدرت رئاسة محكمة بداءة بغداد ، أمراً إدارياً يقضي بتوكيل عزيز شريف، النظر في دعاوى الملّة الموسوية كافة ابتدءاً من (14 شباط 1944) ،ونظراً لسوء حالته الصحية ، إذ كان يعاني من الربو المزمن، فقد سافر إلى لبنان للعلاج ، وبناءاً على تقرير الطبيب منح إجازة لمدة شهر ، وباشر بعدها وظيفته ، في (17 تشرين الثاني 1944) ،يبدو أن عزيز شريف، أثناء سفره إلى لبنان اتصل ببعض القيادات السياسية والحزبية في سوريا ولبنان، ففضّل العمل السياسي على العمل الوظيفي وقدّم استقالته في (19 تشرين الثاني 1944) .
وأثناء مدة عمل عزيز شريف ، سواء أكان محامياً أم قاضياً عرف عنه النزاهة والاستقامة في أسرة القضاء ، إضافة إلى علاقته الواسعة مع بعض الحقوقيين الأجانب أمثال دان برث رئيس اتحاد الحقوقيين العالميين .
*المصدر : http://www.almadasupplements.com/news.php?action=view&id=9359
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق