الثورة العراقية الكبرى 1920
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
سأتحدث اليوم عن ثورة 1920 التي يفخر العراقيون بتسميتها ب(الثورة العراقية الكبرى ) ...نعم كانت
ثورة عراقية وكانت ثورة كبرى مع ان العسكريين والمؤرخين الانكليز يسمونها (عصيانا
وتمردا ) ، حتى ان الجنرال البريطاني الذي شارك في قمع الثورة وهو الجنرال ايلمر هالدن القائد العام للقوات البريطانية في العراق ألف كتابا سماه "The
Insurrection in Mesopotamia 1920 ,1922
أي "عصيان سنة 1920 في العراق " .
الثورة العراقية الكبرى سنة 1920 ، حظيت بأهتمام عدد كبير
من المؤرخين العراقيين والعرب والاجانب ..ولدينا كم كبير من الكتب والدراسات
والمقالات عنها ..ومع انني اعرف - مثلما انتم تعرفون - بأن هناك من فسرها وفق وجهات
نظره التي تعكس توجهه الفكري ..الا ان ذلك لم يمنع من ان يتفق جميع من كتب عنها
انها كانت ثورة شعبية جامعة ، شاركت فيها كل فئات المجتمع من عمال وفلاحين وكسبة وتجار
ومثقفين ..شارك فيها ابناء العراق من الشمال الى الوسط والى الجنوب ولم يتخلف أحد
عن المشاركة سواء بالكلمة ، ومن خلال الصحافة ، واصدار المنشورات أو بحمل السلاح او
بتقديم المؤونة والاسناد اللوجستي كما يقال في لغة اليوم .
من أبرز المؤرخين العراقيين الذين كتبوا عن ثورة 1920
المرحوم الدكتور محمد مهدي البصير في كتابه :"تاريخ القضية العراقية "
والاستاذ عبد الرزاق الحسني في كتابه "الثورة العراقية الكبرى "
والاستاذ الدكتور عبد الله الفياض في كتابه عن "ثورة 1920 في العراق "
.وقد سبق ان كتب عنها كل من الشيخ فريق
مزهر الفرعون في كتابه :" الحقائق الناصعة في الثورة العراقية 1920 "
والاستاذ علي البازركان في كتابه : "الوقائع الحقيقية في الثورة العراقية ومحمد
امين العمري في كتابه "تاريخ مقدرات العراق السياسية "كما كتبتُ أنا عنها في اكثر
من مكان وخاصة في كتاب "المفصل في تاريخ العراق المعاصر " الذي صدر عن
بيت الحكمة ببغداد سنة 2002 ..
ومن الاجانب كتب عنها المؤرخ الاميركي فيليب ويلارد
ايرلند في كتابه :"العراق :دراسة في تطوره السياسي " ، وكتب عنها كما قلنا
الجنرال هالدن والجنرال ارنولد ولسن والمس بل . ومن الروس كتب عنها كتلوف .. ولكن
كل من هؤلاء فسر الثورة وفق رؤيته وتوجهه الفكري
فالدكتور كاتلوف فسرها على انها ثورة الفلاحين ضد الاقطاعيين منطلقا من
توجهه الماركسي الذي يأخذ بنظرية ان التاريخ كله تاريخ صراع بين الطبقات بينما
فسرها الكتاب الانكليز على انها تمرد وعصيان وان من وراء الحدود هم من حفز على
الثورة ويقصدون الضباط العراقيين الذين بقوا في سوريا بعد انهيار الجيش العثماني ..
نعم في حزيران من كل سنة، يحرص العراقيون أشد
الحرص ، على أن يستذكروا ثورتهم الكبرى.. الثورة الرائدة.. ثورة 1920 ضد
المستعمرين البريطانيين.. أنهم لازالوا يحسون بطعم تلك الثورة، ويتغنون بأهازيجها
الشعبية ومن أبرزها المقولة الخالدة :(( الطوب أحسن لو مكواري)) في هذه الثورة
أدرك العراقيون أهمية مقاومة المحتلين والغزاة.. وعرفوا بان استقلالهم، لايمكن أن
يتحقق ألا بتكاتفهم وتلاحمهم ووحدتهم.. لقد أسسوا أحزابا وجمعيات كان لها دورها
الفاعل منها جمعيتي العهد وحرس الاستقلال.
أشترك العراقيون جميعا
في الثورة .. ولم يتخلف أحدا.. والسبب معروف وهو أن نار المحتلين طالت الجميع،
فالمدافع والطائرات والبنادق التي وجهها المحتلون لم تفرق بين مواطن في الشمال
وأخر في الوسط أو الجنوب .
ولا أكاد اعرف ثورة كتب
عنها أهلها.. مثل ( ثورة العشرين) كما يحلو للعراقيين أن يسموها.. كانت لها أسباب
مباشرة وأخرى غير مباشرة.. ومن الأسباب عبر المباشرة خيبة آمل العراقيين بوعود
بريطانيا وحلفائها .. قبل الحرب العالمية الأولى توقع العراقيون أن ينالوا
استقلالهم بعد هزيمة العثمانيين، ولكن ماتوقعوه لم يكن صحيحا.. أعلن الشريف حسين
ثورته الكبرى في حزيران 1916 متحالفا مع الانكليز.. لكن الانكليز أسرعوا لاحتلال
العراق.. وبين سنتي 1914و1918 أكملوا احتلال العراق، وكانت أدارتهم له سيئة وانطوت
خططهم على خطر جسيم إذ اتبعوا( سياسة فرق تسد) سيئة الصيت، فتعاظم الوعي الوطني
واشتد طلب الاستقلال.
بدأت المقاومة منذ أول
يوم وطأت فيه إقدام المستعمرين الانكليز أرض العراق باحتلال الفاو في اليوم السابع
من تشرين الثاني 1914، فأفتى معظم علماء الدين بالقتال ضد الغزاة، انتفضت النجف في
آذار 1918 وقامت في شمال العراق بين سنتي 1919و 1920 حركات مقاومة في السليمانية
ونواحي السليفاني والكلي والسندي وقرى فيشخابور والزيبار وبرزان وعقره واربيل
والعمادية وفي الموصل وتلعفر انفجرت الانتفاضة منذ 4 حزيران 1920 ورفع العراقيون (
العلم العربي ) ذو الألوان الأربعة التي ترمز لعهود الدولة الإسلامية المختلفة .
وتعاظمت الثورة حتى بلغت أوجها في الرميثة عندما قام الثوار باقتحام سراي الحاكم
البريطاني ( هيات) وأطلقوا سراح شعلان أبو الجون شيخ الظوالم من عشيرة بني حجيم.
اتسعت ميادين الثورة
وكبر نطاقها. وفي 12 أب قتل الشيخ ضاري
الزوبعي وولده خميس الكولونيل ليجمن الحاكم السياسي لمنطقة الدليم واصدر الجنرال
هالدن، قائد القوات البريطانية، بإقامة تحصينات دفاعية حول بغداد .. واصطدم الثوار
المحتلين واستمرت الثورة (5) أشهر ولكن عدم التكافؤ في النواحي العسكرية والفنية
والتنظيمية بين الطرفين كان سببا في توقف الثورة، وشعور البريطانيين أن لابد من
مفاوضة الثوار . وأجاب قادة الثورة أنهم يريدون الاستقلال ولاشيء غيره وهذا اضطرت
بريطانيا لتغيير سياستها وتكليف السر برسي كوكس بالعودة إلى العراق بدلا من ارنولد
ويلسون المندوب السامي البريطاني، ووضعت الخطوات لتشكيل حكومة عراقية مؤقتة ، وتم
ذلك في 25 تشرين الأول 1920 وهذه الحكومة التي تشكلت برئاسة السيد عبد الرحمن
الكيلاني، نقيب أشراف بغداد، مهدت لترشيح فيصل ملكا على العراق وهكذا وضعت الأسس
لكي يبدأ العراق عهدا جديدا ، وهو العهد الملكي الذي أستمر حتى قيام ثورة 14 تموز
1958 وعندئذ فتحت صفحة أخرى من تاريخ العراق المعاصر.
هناك مسألة لابد من التذكير
بها ونحن نستذكر ثورة العراق الكبرى وهي ان لهذه الثورة صحافتها الخاصة وقد كتبت انا
عن ذلك كثيرا ومما قلته في احدى تلك الكتابات ثورة 1920 الكبرى في العراق ضد الاستعمار
البريطاني كانت ثورة وطنية قومية شاملة،
شارك فيها العراقيون جميعا، وقد تطورت وتشعبت لتشمل العراق من شماله إلى جنوبه .
وكان لهذه الثورة التي استهدفت تحرير العراق من السيطرة البريطانية، وإقامة الدولة
الحديثة، وتحقيق الوحدة العربية، صحافة خاصة بها. ومع أن بعض الكتاب، ومنهم
الأستاذ الدكتور نديم عيسى خلف الجابري في كتابه( الفكر السياسي لثورة العشرين)
قال: بان مجلة ( اللسان) لصاحبها احمد عزة الاعظمي والتي صدر عددها الأول ببغداد
في 2 تموز 1919، كانت أول جريدة دعت إلى الثورة ونشرت مفاهيمها في الحرية والسيادة
والاستقلال، إلا أن حقيقة الأمور هو أن قيادة الثورة وضعت خطة لإصدار سلسلة من
الصحف والنشرات أبان وقوع الثورة التي ابتدأت في مطلع حزيران سنة 1920، وتوقفت
عملياتها العسكرية في 20 من تشرين الثاني 1920.
ان من ابرز الصحف التي أصدرتها قيادة الثورة (جريدة الفرات)، وقد أريد لها أن تكون لسان الثورة، وهكذا كانت بالفعل كما يشير المرحوم الدكتور عباس ألزيدي في مقالة نشرتها مجلة أفاق عربية ( العدد7 آذار 1979) أن جريدة الفرات كانت تنشر أخبار الحركات العسكرية في جبهات القتال وتكتب المقالات التي تحرص على استمرار الثورة وتدعو إلى توحيد الصفوف وتحث الناس على النهوض والوحدة طلبا للاستقلال.
صدرت الفرات بأربع صفحات من الحجم الصغير، وبرز عددها الأول في أوائل في 1920 وعدها مؤرخو الصحافة. لسان حال الثوار التي تفصح عن أرائهم، وتشرح مبادئ الثورة وأهدافها وغدت مجالا لنشر فتاوى علماء الدين وأرائهم في حث الناس على مقارعة المستعمر الانكليز. يقول روفائيل بطي في كتابه: ( صحافة العراق) أن جريدة الفرات بدت بلهجة صارمة وكتبت بدم القلب لابحبر القلم، وحصرت بحثها في الشؤون السياسية وكتابه المقالات الاستفزازية، وإذاعة الخطب التي كانت تلقى في محافل الثورة.
في عددها الصادر يوم 18 من أيلول سنة 1920 نشرت مقالا بعنوان: ثورة العراق قارنت فيه بين ثورة العراق والثورتين الايرلندية والمصرية، ومما جاء في المقال : أن الثورة العراقية تشبه الثورة الايرلندية والمصرية في الوجوه كلها، فقد فجر بركانها الضغط وأضرم نارها الاستبداد ووسعها القضاء على الحرية والتجاوز على الحقوق، فصّمت الأذهان عن سماع الحق وسدت المحاكم أبوابها وأصبح الحق للقوة ورددت مطالب الأمة. فاشتد الظلم حتى بلغ منتهاه ونفذ صبر الأمة مما تلاقيه كل يوم من جور حكام الاحتلال.
وفي العدد الخامس من الجريدة الذي صدر يوم 25 من أيلول سنة 1920 نشرت مقالا افتتاحها جاء فيه( أن جريدة الفرات تصدر بتوجيه من الهيئة العلمية وزعماء النهضة العربية). والجدير بالذكر أن الهيئة العلمية تأسست في النجف بعد تحريرها يوم 8 تموز 1920، وكان من أعضاء هذه الهيئة الشيخ عبد الكريم الجزائري، والشيخ علي الحلي ،والشيخ جواد ألجواهري، وكانت حسبما يقول الدكتور عبد الله الفياض في كتابه( الثورة العراقية الكبرى) بمثابة ((مجلس استشاري تنفيذي للثورة تعرض عليه القضايا التي تتعلق بسياسة الثورة العامة )).
وفي بغداد صدرت ( جريدة الاستقلال) وجاء في ترويستها أنها جريدة عربية حرة صدر العدد الأول في 28 من أيلول 1920 وكان عبد الغفور ألبدري صاحبها، وهو احد قادة النضال الوطني في العراق استهدفت الجريدة خدمة حركة الثورة والتعبير عن أهدافها في التحرر والاستقلال والوحدة وقد أسهم في تحريرها نخبة من الكتاب أبرزهم الشيخ محمد مهدي البصير وعبد الرحمن البناء ومحمد باقر الحلي وطالب مشتاق وسامي خوندة. وقد أشار يعقوب يوسف كوريا في كتابه (صحافة ثورة العشرين) إلى أن هذه الجريدة أكدت أهمية التكاتف بين أبناء الشعب ،وحذرت من دسائس الأجنبي وأساليبه في بث التفرقة والانقسام. فضلا عن أنها نشرت مفاهيم الثورة، وأوضحت حق الشعب في الاستقلال والسيادة وشنت حملات لاذعة ضد سلطات الاحتلال .أما عبد الرسول حسين وعدنان حسين ،فيشيران في كتابهما الموسوم: (صحافة ثورة العشرين وموقف صحف بغداد من الثورة ) ،الذي نشر سنة 1970 إلى أن جريدة الاستقلال غذت حركت الثورة في العاصمة بغداد والمدن الأخرى وكانت مؤثرة في الأفكار العامة لذلك أسرعت سلطات الانتداب البريطاني إلى اعتقال عدد من محرريها.
كانت الاستقلال( بمثابة منشور وطني حر يخدم أبناء العراق والأمة العربية يدافع عما يدافعون ويطلب مايطلبون ولا يبالي أذا انزعج منه الخائنون .. لاينتسب ألا إلى الوطنية الصادقة ولا يتكلم ألا بما يطابق أقوال الشعب وأفكاره) .
وفي النجف صدرت جريدة أخرى تحمل كذلك اسم ( جريدة الاستقلال) وكان صاحبها محمد عبد الحسين المحامي، وبرز عددها الأول في الأول من تشرين الأول سنة 1920. يقول الاستاذ الدكتور نديم عيسى خلف الجابري أن هذه الجريدة قامت بدور بارز في تنمية الروح الثورية لدى الجماهير . وقد اتخذت هذه الجريدة من ( مكتب الدعاية والإخبار ) للثورة مقرا لها ،وكان هذا المكتب الذي أسسته قيادة الثورة يشرف على إصدار المناشير والبرقيات الحربية التي تؤجج المشاعر ضد المستعمرين وتنقل أخبار التحركات العسكرية والمعارك. وقد أنضوي تحت لواء هذا المكتب عدد من المثقفين الشبان أمثال السيد محمد علي كمال الدين ،والسيد محمد عبد الحسين المحامي، والسيد باقر الشبيبي.
أن المتصفح لأعداد هذه الجريدة يجد أنها كانت تهاجم الاستعمار البريطاني وتدعو إلى مواصلة الثورة ضده ويذكر روفائيل بطي أن محرري هذه الجريدة كانوا يكتبون مقالاتهم تحت أزيز القنابل وقد رفعت الجريدة شعار( لاحياة بلا استقلال) وبعد صدور العدد الثامن منها احتجبت في 2 من تشرين الأول سنة 1920.
لم يقف أبناء العراق عند هذا الحد ، بل أنهم أصدروا المناشير والبلاغات واندفع عدد من المثقفين نحو نشر مقالات أضافية عن القضية العراقية في بعض الصحف الأوربية كجريدة ( لومانتية الفرنسية) ويذكر الدكتور عبد الله الفياض أن جمعية العهد العراقي أصدرت في دمشق ( جريدة الُعقاب ) وكانت تدعو الى الثورة وتوزع أعدادها في جميع أنحاء العراق ،وكان لها تأثير مهم في بث الدعوة الوطنية ،على الرغم من أن سلطات الانتداب البريطاني كانت تمنع دخولها إلى العراق ، لكنها كانت تدخل سرا ويتولى أعضاء الجمعية وأنصارها مهمة توزيعها.
حقا لقد قامت صحافة ثورة العشرين بدورها الفاعل في تعميق الوعي الوطني، وتنمية الشعور بالمقاومة. والتأكيد على حق العراقيين في الحياة الحرة الكريمة فتحية لثورة العشرين وقادتها ولأولئك الجنود المجهولين الذين عملوا في صحافتها وجهاز أعلامها في تلك الظروف والأيام الحالكة .
ان من ابرز الصحف التي أصدرتها قيادة الثورة (جريدة الفرات)، وقد أريد لها أن تكون لسان الثورة، وهكذا كانت بالفعل كما يشير المرحوم الدكتور عباس ألزيدي في مقالة نشرتها مجلة أفاق عربية ( العدد7 آذار 1979) أن جريدة الفرات كانت تنشر أخبار الحركات العسكرية في جبهات القتال وتكتب المقالات التي تحرص على استمرار الثورة وتدعو إلى توحيد الصفوف وتحث الناس على النهوض والوحدة طلبا للاستقلال.
صدرت الفرات بأربع صفحات من الحجم الصغير، وبرز عددها الأول في أوائل في 1920 وعدها مؤرخو الصحافة. لسان حال الثوار التي تفصح عن أرائهم، وتشرح مبادئ الثورة وأهدافها وغدت مجالا لنشر فتاوى علماء الدين وأرائهم في حث الناس على مقارعة المستعمر الانكليز. يقول روفائيل بطي في كتابه: ( صحافة العراق) أن جريدة الفرات بدت بلهجة صارمة وكتبت بدم القلب لابحبر القلم، وحصرت بحثها في الشؤون السياسية وكتابه المقالات الاستفزازية، وإذاعة الخطب التي كانت تلقى في محافل الثورة.
في عددها الصادر يوم 18 من أيلول سنة 1920 نشرت مقالا بعنوان: ثورة العراق قارنت فيه بين ثورة العراق والثورتين الايرلندية والمصرية، ومما جاء في المقال : أن الثورة العراقية تشبه الثورة الايرلندية والمصرية في الوجوه كلها، فقد فجر بركانها الضغط وأضرم نارها الاستبداد ووسعها القضاء على الحرية والتجاوز على الحقوق، فصّمت الأذهان عن سماع الحق وسدت المحاكم أبوابها وأصبح الحق للقوة ورددت مطالب الأمة. فاشتد الظلم حتى بلغ منتهاه ونفذ صبر الأمة مما تلاقيه كل يوم من جور حكام الاحتلال.
وفي العدد الخامس من الجريدة الذي صدر يوم 25 من أيلول سنة 1920 نشرت مقالا افتتاحها جاء فيه( أن جريدة الفرات تصدر بتوجيه من الهيئة العلمية وزعماء النهضة العربية). والجدير بالذكر أن الهيئة العلمية تأسست في النجف بعد تحريرها يوم 8 تموز 1920، وكان من أعضاء هذه الهيئة الشيخ عبد الكريم الجزائري، والشيخ علي الحلي ،والشيخ جواد ألجواهري، وكانت حسبما يقول الدكتور عبد الله الفياض في كتابه( الثورة العراقية الكبرى) بمثابة ((مجلس استشاري تنفيذي للثورة تعرض عليه القضايا التي تتعلق بسياسة الثورة العامة )).
وفي بغداد صدرت ( جريدة الاستقلال) وجاء في ترويستها أنها جريدة عربية حرة صدر العدد الأول في 28 من أيلول 1920 وكان عبد الغفور ألبدري صاحبها، وهو احد قادة النضال الوطني في العراق استهدفت الجريدة خدمة حركة الثورة والتعبير عن أهدافها في التحرر والاستقلال والوحدة وقد أسهم في تحريرها نخبة من الكتاب أبرزهم الشيخ محمد مهدي البصير وعبد الرحمن البناء ومحمد باقر الحلي وطالب مشتاق وسامي خوندة. وقد أشار يعقوب يوسف كوريا في كتابه (صحافة ثورة العشرين) إلى أن هذه الجريدة أكدت أهمية التكاتف بين أبناء الشعب ،وحذرت من دسائس الأجنبي وأساليبه في بث التفرقة والانقسام. فضلا عن أنها نشرت مفاهيم الثورة، وأوضحت حق الشعب في الاستقلال والسيادة وشنت حملات لاذعة ضد سلطات الاحتلال .أما عبد الرسول حسين وعدنان حسين ،فيشيران في كتابهما الموسوم: (صحافة ثورة العشرين وموقف صحف بغداد من الثورة ) ،الذي نشر سنة 1970 إلى أن جريدة الاستقلال غذت حركت الثورة في العاصمة بغداد والمدن الأخرى وكانت مؤثرة في الأفكار العامة لذلك أسرعت سلطات الانتداب البريطاني إلى اعتقال عدد من محرريها.
كانت الاستقلال( بمثابة منشور وطني حر يخدم أبناء العراق والأمة العربية يدافع عما يدافعون ويطلب مايطلبون ولا يبالي أذا انزعج منه الخائنون .. لاينتسب ألا إلى الوطنية الصادقة ولا يتكلم ألا بما يطابق أقوال الشعب وأفكاره) .
وفي النجف صدرت جريدة أخرى تحمل كذلك اسم ( جريدة الاستقلال) وكان صاحبها محمد عبد الحسين المحامي، وبرز عددها الأول في الأول من تشرين الأول سنة 1920. يقول الاستاذ الدكتور نديم عيسى خلف الجابري أن هذه الجريدة قامت بدور بارز في تنمية الروح الثورية لدى الجماهير . وقد اتخذت هذه الجريدة من ( مكتب الدعاية والإخبار ) للثورة مقرا لها ،وكان هذا المكتب الذي أسسته قيادة الثورة يشرف على إصدار المناشير والبرقيات الحربية التي تؤجج المشاعر ضد المستعمرين وتنقل أخبار التحركات العسكرية والمعارك. وقد أنضوي تحت لواء هذا المكتب عدد من المثقفين الشبان أمثال السيد محمد علي كمال الدين ،والسيد محمد عبد الحسين المحامي، والسيد باقر الشبيبي.
أن المتصفح لأعداد هذه الجريدة يجد أنها كانت تهاجم الاستعمار البريطاني وتدعو إلى مواصلة الثورة ضده ويذكر روفائيل بطي أن محرري هذه الجريدة كانوا يكتبون مقالاتهم تحت أزيز القنابل وقد رفعت الجريدة شعار( لاحياة بلا استقلال) وبعد صدور العدد الثامن منها احتجبت في 2 من تشرين الأول سنة 1920.
لم يقف أبناء العراق عند هذا الحد ، بل أنهم أصدروا المناشير والبلاغات واندفع عدد من المثقفين نحو نشر مقالات أضافية عن القضية العراقية في بعض الصحف الأوربية كجريدة ( لومانتية الفرنسية) ويذكر الدكتور عبد الله الفياض أن جمعية العهد العراقي أصدرت في دمشق ( جريدة الُعقاب ) وكانت تدعو الى الثورة وتوزع أعدادها في جميع أنحاء العراق ،وكان لها تأثير مهم في بث الدعوة الوطنية ،على الرغم من أن سلطات الانتداب البريطاني كانت تمنع دخولها إلى العراق ، لكنها كانت تدخل سرا ويتولى أعضاء الجمعية وأنصارها مهمة توزيعها.
حقا لقد قامت صحافة ثورة العشرين بدورها الفاعل في تعميق الوعي الوطني، وتنمية الشعور بالمقاومة. والتأكيد على حق العراقيين في الحياة الحرة الكريمة فتحية لثورة العشرين وقادتها ولأولئك الجنود المجهولين الذين عملوا في صحافتها وجهاز أعلامها في تلك الظروف والأيام الحالكة .
عندما
طبع الاستاذ الدكتور عبد الله الفياض
كتابه عن الثورة العراقية الكبرى 1920 طلب من سماحة العلامة الشيخ محمد رضا
الشبيبي أن يكتب له تصديراً .. وقد استجاب الشبيبي ، رحمه الله ، للطلب فكتب عن
ماضي الثورة وحاضرها وخصومها وعواملها ونتائجها ، وقال : " ان الثورة
العراقية كانت وما زالت حادثاً خطيراً خليقاً بالدرس .. وآخر من تناولها بالبحث
الأستاذ عبد الله الفياض في كتابه هـذا وهو يتضح لقارئه أي جهد مضني بذله المؤلف
في تأليفه ، فلـم يفته مأخذ من المآخذ أو المظـان المحررة في هذا الموضوع باللغتين
العربية والإنكليزية ، وعلاوة على ذلك فإنه ظفر بجملة من الوثائق والمستندات
النادرة ، ولم يكتف السيد الفياض بهذا وإنما لاحظنا أنه قتل تلك الكتب بحثاً
ونقداً ... فجاء ( كتابه ) بحثاً من البحوث المقارنة في تاريخ الثورة . لذلك لا
يسعنا إلاّ إكبار الجهد الذي بذله
" .
ومما
قاله الاستاذ الشيخ محمد رضا الشبيبي انه يرى بأن ثمة عاملين خطرين كانا وراء
الثورة العراقية الكبرى اولهما الضغط والاستغلال الاقتصادي وثانيهما الضغط السياسي
والحجر على الافكار والحيلولة بين ابناء البلاد والتعبير عن ارائهم والمطالبة
بحقوقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم واختيار حكامهم وحكومتهم بملء ارادتهم ثم للمحاولات
التي بذلتها السلطة المحتلة لفرض نوع من السيطرة الاستعمارية المباشرة على العراق
.وقد تأثر بهذا العامل ابناء المدن والحواضر اكثر من غيرهم ..لذلك بادر قادة الرأي
في جملة من امهات المدن الى تنسيق جهودهم وتنظيمها لمقارعة الاستعمار في اعقاب
الحرب العالمية الاولى والمطالبة بحقوقهم الطبيعية في تقرير المصير .
وفيما
يتعلق بالعامل الاول ونقصد به الضغط الاقتصادي فكما هو معروف ان العراق بلد زراعي
قبل كل شيء والاستيلاء على موارده من الخامات والمواد الغذائية بأبخس الاثمان
وردها بعد استخدامها في الصناعة الحديثة لتصريفها في اسواقه بأغلى الاثمان كشف
الجوهر الخبيث للاستعمار الجديد وقد ادرك العراقيون ان حياتهم الاقتصادية
والمعاشية مهددة بضرب من الضنك والفقر المدقع ولهذا تأثت بهذا العامل طبقة
الفلاحين والزراع قبل غيرها حتى حفزها لهذا التأثر البليغ لان تكون في طليعة القائمين
بالثورة المجيدة بل كانت في مقدمة من بذل وضحى في سبيل مقاومة ذلك الضغط
والاستغلال .
ولم
يكن لهؤلاء الثوار الريفيين البواسل بد من ملاذ يلوذون به ويفزعون اليه في سبيل
تسويغ الانتفاضة واقامة الحجة على شرعية الحركة فوجدوا العون من عدد غير قليل من
علماء الدين وفي مقدمتهم الشيخ المجاهد محمد تقي الشيرازي والشيخ مهدي الخالصي
توازرهم نخب مثقفة من شباب الاسر العلمية في النجف وبغداد والموصل وبعض المدن
العراقية فأفتوهم بضرورة الدفاع عن الشرف والكرامة وعن الحقوق العامة وعن حوزة
الفضيلة والدين .
كان
من ابرز نتائج الثورة تشكيل حكومة عراقية وبالرغم من كل سيئات تلك الحكومة التي
تألفت برئاسة السيد عبد الرحمن النقيب الكيلاني الا قيامها يعد نتيجة مهمة من نتائج الثورة وحدثا
ذا اهمية في تاريخ العراق الحديث وقد اعقب تشكيل الحكومة ترشيح فيصل بن الحسين
ملكا دستوريا على العراق في اب سنة 1921 .وكان للثورة ابعادها العربية حتى ان
المؤرخ الكبير جورج انطونيوس في كتابه "يقظة العرب " يقول ان ثورة
العشرين دلت على ان الوعي العربي القومي كان قوة يحسب حسابها وان السياسة القائمة
على التسط والاستعباد باهظة التكاليف " .
من
الامور الجميلة التي ينبغي ان نقف عندها ونحن نتحدث عن ثورة 1920 انه كان للشعر
دوره الفصيح منه والشعبي فالشيخ الشاعر محمد رضا الشبيبي يقول في احدى قصائده :
السيف
قرب منا كل قاصية
لاالمنطق
الفصل من قوم ولاالجدل
ماذا
نؤمل في ادراك غايتنا
من
السياسة كلا انها حيل
اما
الشاعر العلامة محمد حبيب العبيدي مفتي الديار العراقية فقال :
قسما
بالقران والانجيل
ليس
نرضى وصاية لقبيل
او
تسيل الدماء مثل السيول
افبعد
الوصي زوج البتول
نحن
نرضى بالانكليز وصيا ؟
لاتقل
جعفرية حنفية
لاتقل
شافعية زيدية
جمعتنا
الشريعة الاحمدية
وهي
تأبى الوصاية الغربية
اما الاستاذ
الشاعر والسياسي سعد صالح فقال :
سئمت
العيش في وطن
يُضام
يُذل يُضطهد
محته
يد القضاء فراح
لاروح
ولاجسُد
وقال الدكتور مصطفى جواد
شباب أعرسوا بالموت
مرادا
وكان رصاص قاتلهم نثارا
وتابعهم كهول القوم زفا
فوا حزنا لمن تركوا
الديارا
وقال شاعر شعبي وهو يهجو
الميجر ديلي حاكم الديوانية السياسي لما هرب من الديوانية بعد ان احتلها الثوار
شارد من اهل الفوس مالك
يديلي
جربت يوم الكون حيلك
اوحيلي
وقال احد شعراء بني حجيم
يخاطب احد رؤساء العشيرة
حاربت الحكومة العودي
اوجدي
وخليت اللشاش امخالفه
ابحدي
وقالت احد الشاعرات
تخاطب ولدها الملتحق بالثورة
عفيه أولدي شيال راسي
ردتك ترد ذوله الجواسي
وبموتتك كويت باسي
وقد جمع الاستاذ الاديب
علي الخاقاني كثيرا من الشعر الشعبي الذي قيل في الثوة في كتاب بعنوان :"
فنون الادب الشعبي " .
هذه هي ثورة 1920 قصصنا
على حضراتكم جانبا من قصتها ليفخر بها ابناءنا واحفادنا وروينا لكم احداثها
ومراميها ونتائجها .
فتحية لثورة 1920 وتحية لرجالها وقادتها وتحية
لأبناء العراق الموحد والى الأبد.
_____________________________________________
*مادة حلقة "الثورة العراقية الكبرى 1920 " من برنامجي "شذرات " الذي اقدمه من على قناة الغربية "الفضائية " .
_____________________________________________
*مادة حلقة "الثورة العراقية الكبرى 1920 " من برنامجي "شذرات " الذي اقدمه من على قناة الغربية "الفضائية " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق