عبد الرزاق الحسني وجهوده في ارساء أسس المدرسة التاريخية العراقية المعاصرة
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث- العراق
الحوار المتمدن-العدد: 2519 - 2009 / 1 / 7 - 07:18
السيد عبد الرزاق الحسني، مؤرخ
عراقي رائد، قدم للمدرسة التاريخية العراقية الكثير من النتاج التاريخي
الذي لا يمكن تجاهله من قبل المؤرخين المحترفين بأي حال من الأحوال. ولد في
بغداد سنة 1903، وتلقى في مطلع حياته تعليما دينيا، ثم التحق بمكتب الترقي
الجعفري العثماني (المدرسة الجعفرية فيما بعد )، وفيها شرع في تعلم اللغات
العربية والتركية والفرنسية. وعند انتقال والده الى النجف سنة 1920، عمل
مدرسا في المدرسة الرسمية هناك، ثم دخل دار المعلمين في بغداد. وفيها نمت
عنده قابلية الكتابة والنشر، فبدا يكتب في جريدة المفيد، وبتأثير أستاذه
الصحفي المعروف عبد اللطيف الفلاحي اولع بالتاريخ وفي مطبعة الفلاحي الخاصة
طبع كتابه (المعلومات المدنية لطلاب المدارس العراقية )الذي يعد باكورة
مؤلفاته .
لقد تتابعت مؤلفات الحسني بعد ذلك حتى تجاوزت (38 ) ، بينها (تاريخ العراق السياسي الحديث ) في ثلاثة أجزاء و (العراق في دوري الاحتلال والانتداب ) في مجلدين و (العراق قديما وحديثا ) و (الثورة العراقية الكبرى ) و(الأسرار الخفية في حركة السنة 1941 التحررية ) هذا فضلا عن كتبه الأخرى ومنها كتابة عن (تاريخ الصحافة العراقية).
إن كتابه الذي صدرت منه طبعات خمسة والموسوم (تاريخ الوزارات العراقية) في (10) أجزاء يظل من ابرز واشهر كتبه على الإطلاق. ذلك انه يعتبر من المصادر الرئيسة لتاريخ العراق الحديث .
عمل الحسني في الصحافة، وكانت له جريدة أدبية تاريخية أسبوعية باسم (الفضيلة) صدر عددها الأول في الأول من أيلول /سبتمبر 1925 وفي الحلة اصدر جريدة علمية أدبية تاريخية باسم(الفيحاء ) منذ 27 كانون الثاني 1927، وبعد ان توقف إصدار جريدته هذه التجأ الى الوظيفة الحكومية فعين معاونا لمحاسب وزارة المالية ثم اصبح مديرا لحسابات مديرية البر يد والبرق العامة ولكن قيام ثورة 1941 واشتراكه فيها أدى إلى اعتقاله فبقي في المعتقل اربع سنوات كتب خلالها بعض مؤلفاته وبعد أن أطلق سراحه ندب للعمل منذ 1949 في ديوان مجلس الوزراء ويروي السيد هذه القصة فيقول : أن نوري السعيد وكان رئيسا للوزراء استدعاه وقال له بالحرف الواحد :علمت انك تفسد ضمائر بعض الموظفين وتحصل على الوثائق الحكومية لتستعين بها في مؤلفاتك وأنا أريد أن أنقلك إلى مجلس الوزراء لتطلع على ما كنت تتمناه من وثائق ومستندات. وفي ديوان مجلس الوزراء عهد إليه تنظيم سجلات خاصة بتاريخ الدولة. وفي هذه الوظيفة التي أعجبته قضى (14) سنة أفاد منها كثيرا في تهيئة المصادر الأولية لمواد كتابه (تاريخ الوزارات العراقية). وفي سنة 1964 أحال نفسه على التقاعد وانصرف إلى مراجعة بحوثه وكتابه في ضوء الوثائق والمصادر الحديثة .
بالرغم من الجهد الذي قدمه السيد الحسني فانه يعترف بأنه لم يرق الى ما قدمه المؤرخون الرواد أمثال الطبري وابن الاثير وفي هذا يختلف عن المؤرخ المصري الذي يشبهه وهو المؤرخ عبد الرحمن الرافعي 1889 - 1966 وقد كتب (16) مؤلفا في تاريخ مصر الحديث وحينما علم بعد ثورة 1952 أن ثمة دعوة لاعادة كتابة مصر الحديث قال قولته المشهورة (أن تاريخ مصر قد كتب فعلا …الم تقراوا كتبي). اما الحسني فيتواضع كثيرا وقد سمته مرة عند زيارتي له "إننا كنا نحفر بالمجرفة وانتم اليوم تحفرون بالإبرة " وعندما أحالت إليه جامعة بغداد اول أطروحة في التاريخ الحديث لتقويمها لم يكن يعرف بان هناك مركزا لحفظ الوثائق وقال : "ساقني حب الاطلاع الى مراجعة المركز المذكور …تمهيدا لاعادة طبع كتاب تاريخ الوزارات العراقية … " وفي 1971 سافر الى لندن لمراجعة مركز السجلات العامة هناك.
أن منهج السيد الحسني يقوم على " مراجعة الأصول وتدقيق المراجع وقابلة الوثائق مع أصولها والاتصال بأصحاب العلاقة وصانعي الأحداث آنذاك ومن ثم تكوين فكرة صحيحة عن الظروف والمناسبات " ومعنى هذا انه يهتم بالوقائع الرسمية فهو مؤرخ للسلطة او الحكومة. لم يهتم بالجماهير وحتى كتابه (تاريخ الأحزاب السياسية في العراق) اقتصر فيه على الأحزاب العلنية البرلمانية وحينما سألته عن سر الكتابة عن ( حزب البعث ) قال أن أحد المسؤولين سمع بأنه يؤلف كتابا عن الأحزاب فطلب من أن يكتب عن حزب البعث فتحجج بعدم توفر المصادر لديه وما هي إلا أيام حتى جاءه صندوق ملي بالمصادر وقال لي السيد الحسني انه وجد بين كل تلك المصادر تقريرا ضافيا عن الحزب فقرر أن يدخله ضمن كتابه مع انه لم يشر الى ذلك في الكتاب .
اما لماذا لم يوثق للفترة التي أعقبت ثورة 1958 فاغلب الظن أن سنه لم تكن تساعده على ارتياد المكتبات والبحث عن المصادر. هذا فضلا عن أن الظروف السياسية المضطربة آنذاك لم تكن تسمح بالكتابة الموضوعية لاسيما وان المدرسة التاريخية الأكاديمية قد بدأت تشق طريقها وتتحمل مسئوليتها في الكتابة والتوثيق .
أصيب السيد الحسني بكسور خطيرة بعد تعرضه لحادث دهس بسيارة وقد عولج على حساب الدولة ومنحته جامعة بغداد الدكتوراه الفخرية في التاريخ الحديث تقديرا لجهوده في خدمة حركة التاريخ. كما منح وسام المؤرخ العربي من اتحاد المؤرخين العرب. ألف السيد الحسني كتبا حول اليزيدية والصابئة وكتب عن مدن العراق وله كتاب عن مشكلة الحدود العراقية - الإيرانية ولعل أخر انتاجاته هو كتاب (أحداث عاصرتها) صدر جزئه الأول في حياته وصدر الجزء الثاني بعد وفاته من قبل ابنته 1999 .كنت ازوره باستمرار في بيته مع عدد من الزملاء وكان يرحب بنا ويفتح صدره ويحدثنا عن طريقته في كتابة التاربخ في وقت لم يكن هناك من يكتب التاريخ بالطريقة الاكاديمية وقد اعترف امامي بانه معجب بما قدمه طلبة الدراسات التاريخية العليا العراقيين وخاصة في استخدامهم لوثائق لم يطلع هو شخصيا . في الرابع والعشرين من كانون الأول /ديسمبر 1997 انتقل السيد الحسني الى رحمة الله.
لقد تتابعت مؤلفات الحسني بعد ذلك حتى تجاوزت (38 ) ، بينها (تاريخ العراق السياسي الحديث ) في ثلاثة أجزاء و (العراق في دوري الاحتلال والانتداب ) في مجلدين و (العراق قديما وحديثا ) و (الثورة العراقية الكبرى ) و(الأسرار الخفية في حركة السنة 1941 التحررية ) هذا فضلا عن كتبه الأخرى ومنها كتابة عن (تاريخ الصحافة العراقية).
إن كتابه الذي صدرت منه طبعات خمسة والموسوم (تاريخ الوزارات العراقية) في (10) أجزاء يظل من ابرز واشهر كتبه على الإطلاق. ذلك انه يعتبر من المصادر الرئيسة لتاريخ العراق الحديث .
عمل الحسني في الصحافة، وكانت له جريدة أدبية تاريخية أسبوعية باسم (الفضيلة) صدر عددها الأول في الأول من أيلول /سبتمبر 1925 وفي الحلة اصدر جريدة علمية أدبية تاريخية باسم(الفيحاء ) منذ 27 كانون الثاني 1927، وبعد ان توقف إصدار جريدته هذه التجأ الى الوظيفة الحكومية فعين معاونا لمحاسب وزارة المالية ثم اصبح مديرا لحسابات مديرية البر يد والبرق العامة ولكن قيام ثورة 1941 واشتراكه فيها أدى إلى اعتقاله فبقي في المعتقل اربع سنوات كتب خلالها بعض مؤلفاته وبعد أن أطلق سراحه ندب للعمل منذ 1949 في ديوان مجلس الوزراء ويروي السيد هذه القصة فيقول : أن نوري السعيد وكان رئيسا للوزراء استدعاه وقال له بالحرف الواحد :علمت انك تفسد ضمائر بعض الموظفين وتحصل على الوثائق الحكومية لتستعين بها في مؤلفاتك وأنا أريد أن أنقلك إلى مجلس الوزراء لتطلع على ما كنت تتمناه من وثائق ومستندات. وفي ديوان مجلس الوزراء عهد إليه تنظيم سجلات خاصة بتاريخ الدولة. وفي هذه الوظيفة التي أعجبته قضى (14) سنة أفاد منها كثيرا في تهيئة المصادر الأولية لمواد كتابه (تاريخ الوزارات العراقية). وفي سنة 1964 أحال نفسه على التقاعد وانصرف إلى مراجعة بحوثه وكتابه في ضوء الوثائق والمصادر الحديثة .
بالرغم من الجهد الذي قدمه السيد الحسني فانه يعترف بأنه لم يرق الى ما قدمه المؤرخون الرواد أمثال الطبري وابن الاثير وفي هذا يختلف عن المؤرخ المصري الذي يشبهه وهو المؤرخ عبد الرحمن الرافعي 1889 - 1966 وقد كتب (16) مؤلفا في تاريخ مصر الحديث وحينما علم بعد ثورة 1952 أن ثمة دعوة لاعادة كتابة مصر الحديث قال قولته المشهورة (أن تاريخ مصر قد كتب فعلا …الم تقراوا كتبي). اما الحسني فيتواضع كثيرا وقد سمته مرة عند زيارتي له "إننا كنا نحفر بالمجرفة وانتم اليوم تحفرون بالإبرة " وعندما أحالت إليه جامعة بغداد اول أطروحة في التاريخ الحديث لتقويمها لم يكن يعرف بان هناك مركزا لحفظ الوثائق وقال : "ساقني حب الاطلاع الى مراجعة المركز المذكور …تمهيدا لاعادة طبع كتاب تاريخ الوزارات العراقية … " وفي 1971 سافر الى لندن لمراجعة مركز السجلات العامة هناك.
أن منهج السيد الحسني يقوم على " مراجعة الأصول وتدقيق المراجع وقابلة الوثائق مع أصولها والاتصال بأصحاب العلاقة وصانعي الأحداث آنذاك ومن ثم تكوين فكرة صحيحة عن الظروف والمناسبات " ومعنى هذا انه يهتم بالوقائع الرسمية فهو مؤرخ للسلطة او الحكومة. لم يهتم بالجماهير وحتى كتابه (تاريخ الأحزاب السياسية في العراق) اقتصر فيه على الأحزاب العلنية البرلمانية وحينما سألته عن سر الكتابة عن ( حزب البعث ) قال أن أحد المسؤولين سمع بأنه يؤلف كتابا عن الأحزاب فطلب من أن يكتب عن حزب البعث فتحجج بعدم توفر المصادر لديه وما هي إلا أيام حتى جاءه صندوق ملي بالمصادر وقال لي السيد الحسني انه وجد بين كل تلك المصادر تقريرا ضافيا عن الحزب فقرر أن يدخله ضمن كتابه مع انه لم يشر الى ذلك في الكتاب .
اما لماذا لم يوثق للفترة التي أعقبت ثورة 1958 فاغلب الظن أن سنه لم تكن تساعده على ارتياد المكتبات والبحث عن المصادر. هذا فضلا عن أن الظروف السياسية المضطربة آنذاك لم تكن تسمح بالكتابة الموضوعية لاسيما وان المدرسة التاريخية الأكاديمية قد بدأت تشق طريقها وتتحمل مسئوليتها في الكتابة والتوثيق .
أصيب السيد الحسني بكسور خطيرة بعد تعرضه لحادث دهس بسيارة وقد عولج على حساب الدولة ومنحته جامعة بغداد الدكتوراه الفخرية في التاريخ الحديث تقديرا لجهوده في خدمة حركة التاريخ. كما منح وسام المؤرخ العربي من اتحاد المؤرخين العرب. ألف السيد الحسني كتبا حول اليزيدية والصابئة وكتب عن مدن العراق وله كتاب عن مشكلة الحدود العراقية - الإيرانية ولعل أخر انتاجاته هو كتاب (أحداث عاصرتها) صدر جزئه الأول في حياته وصدر الجزء الثاني بعد وفاته من قبل ابنته 1999 .كنت ازوره باستمرار في بيته مع عدد من الزملاء وكان يرحب بنا ويفتح صدره ويحدثنا عن طريقته في كتابة التاربخ في وقت لم يكن هناك من يكتب التاريخ بالطريقة الاكاديمية وقد اعترف امامي بانه معجب بما قدمه طلبة الدراسات التاريخية العليا العراقيين وخاصة في استخدامهم لوثائق لم يطلع هو شخصيا . في الرابع والعشرين من كانون الأول /ديسمبر 1997 انتقل السيد الحسني الى رحمة الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق