ذكريات
بقلم :الاستاذ سامي مهدي
1. عالم الكلمات
عالم الكلمات عالم مدهش عجيب ، وأبي هو الذي قادني إلى أبوابه . كان شبه أمي ، معرفته بالقراءة والكتابة جد ضئيلة ، ولكنه علمني أن أكتب اسمي واسمه ، وكلمات أخرى قليلة ، وأنا بعد في أواخر العام الرابع من عمري . يومها حسبت الكتابة لعبة من اللعب فأحببتها واستمرأتها . جعلتني أحس إحساساً غامضاً بأن وراء كل كلمة سراً من الأسرار ، وباباً يختفي وراءه عالم سحري غريب ، فصرت ألح على أبي ، المرة بعد المرة ، بأن يشتري لي قلماً ودفتراً لأخط على الورق ما يحلو لي خطه . وأظن أن هذا لم يكن يضايقه ، بل يسعده ، فكان يستجيب لطلباتي وعلامات الرضا بادية على وجهه .
في العام الخامس من عمري قرر أبي أن يلحقني بكتّاب من كتاتيب ذلك الزمان . كانت الكتاتيب يومئذ تقوم بالمهام التي تقوم بها اليوم رياض الأطفال وأكثر . فتعلمت في ( كتاب الملا قاسم في باب السيف ) القراءة والكتابة ، و العمليات الحسابية الأربع بأشكالها الأولية البسيطة ، وحفظت أجزاء كثيرة من القرآن ، وصرت أردد آيات من سورة الكهف ، وآيات سورة النجم كلها ، بطرب واستمتاع يبلغ حد النشوة . ورحت أقرأ بلا صعوبة كل ما يقع في يدي من الصحف والمجلات التي كان خالي يحملها معه إلى بيتنا في زياراته الأسبوعية ، ومنها مجلة المختار الأمريكية ( النسخة العربية من مجلة : ريدر دايجست ) ومجلة الهلال المصرية ومجلات خفيفة أخرى . وهكذا تعلقت بعالم الكلمات حتى صرت من أهله .
ما كان أجملها من أيام !
1. عالم الكلمات
عالم الكلمات عالم مدهش عجيب ، وأبي هو الذي قادني إلى أبوابه . كان شبه أمي ، معرفته بالقراءة والكتابة جد ضئيلة ، ولكنه علمني أن أكتب اسمي واسمه ، وكلمات أخرى قليلة ، وأنا بعد في أواخر العام الرابع من عمري . يومها حسبت الكتابة لعبة من اللعب فأحببتها واستمرأتها . جعلتني أحس إحساساً غامضاً بأن وراء كل كلمة سراً من الأسرار ، وباباً يختفي وراءه عالم سحري غريب ، فصرت ألح على أبي ، المرة بعد المرة ، بأن يشتري لي قلماً ودفتراً لأخط على الورق ما يحلو لي خطه . وأظن أن هذا لم يكن يضايقه ، بل يسعده ، فكان يستجيب لطلباتي وعلامات الرضا بادية على وجهه .
في العام الخامس من عمري قرر أبي أن يلحقني بكتّاب من كتاتيب ذلك الزمان . كانت الكتاتيب يومئذ تقوم بالمهام التي تقوم بها اليوم رياض الأطفال وأكثر . فتعلمت في ( كتاب الملا قاسم في باب السيف ) القراءة والكتابة ، و العمليات الحسابية الأربع بأشكالها الأولية البسيطة ، وحفظت أجزاء كثيرة من القرآن ، وصرت أردد آيات من سورة الكهف ، وآيات سورة النجم كلها ، بطرب واستمتاع يبلغ حد النشوة . ورحت أقرأ بلا صعوبة كل ما يقع في يدي من الصحف والمجلات التي كان خالي يحملها معه إلى بيتنا في زياراته الأسبوعية ، ومنها مجلة المختار الأمريكية ( النسخة العربية من مجلة : ريدر دايجست ) ومجلة الهلال المصرية ومجلات خفيفة أخرى . وهكذا تعلقت بعالم الكلمات حتى صرت من أهله .
ما كان أجملها من أيام !
2. مجلة الآداب
صلتي بعالم الثقافة والأدب انعقدت ، وأنا في عامي الثالث عشر ، وارتبطت بمجلة الآداب اللبنانية دون غيرها . اكتشفت هذه المجلة حين جاء بأحد أعدادها إلى صفنا مدرس اللغة العربية القدير الأستاذ عباس علي القرغولي . كان الدرس درس مطالعة ، فوضع المجلة أمامي وطلب مني أن أقرأ على زملائي قصيدة عن فلسطين كانت منشورة فيها ، أظنها كانت للشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد ، فقرأتها ، وبعد أن قام هو بشرح القصيدة والتعليق عليها ، طلب منا الانصراف إلى كتابنا الغني الجميل المقرر أيامئذ لدرس المطالعة . ولكنني رجوته أن يسمح لي بالقراءة في المجلة حتى نهاية الدرس ، فوافق وهو يبتسم ابتسامة عريضة وتنفرج نواجذه عن سنه الذهبية . وعندها رحت أقرأ في المجلة سطوراً من هنا وأخرى من هناك ، فوجدتني أشبه بمن يدخل غابة مجهولة غامضة ، ولكنها مغرية بما تنطوي عليه من سحر الغموض ، ومن يومها ، من يومها تماماً ، صرت أجمع الفلس إلى الفلس حتى أقتني أعدادها بلهفة وانتظام .
كان ذلك في أواخر عام 1953 ، وكنت في الصف الأول المتوسط ، وكانت المجلة ما تزال في سنتها الأولى ، فصرت أترقب صدور كل عدد من أعدادها بلهفة ، وأقرأه من الغلاف إلى الغلاف بلا ملل ، بما في ذلك ما نشر فيه من إعلانات عن الكتب الجديدة ، وكثيراً ما كنت أعيد قراءة بعض موضوعاته وقصصه وقصائده مرة واثنتين . فأنا لم أكن أفهم الكثير مما يرد فيها ، ولكن كان حسبي ما كنت أفهمه منها . وكان هذا الذي أفهمه ينمو ويتسع عدداً بعد عدد وقراءة بعد أخرى .
في وسعي الآن أن أقول : إن هذه المجلة هي التي فتحت لي باب الأدب وأغرتني بدخوله ، وهي التي دربتني على الصبر والتساؤل والتفهم في أثناء القراءة ، وأدخلتني عالم الأدب الحديث دون مقدمات ، وأثرت في ذوقي وفي تكويني الثقافي . فقد صرت أقتني ما يلفت نظري من كتب تعلن عن صدورها أو تنشر عروضاً لها أو نقوداً عنها . وهي لم تهدني إلى كتب بعينها فقط ، بل قادتني إلى مجلات أخرى بما أثارت في من فضول ومن رغبة في المعرفة ، فرحت أقتني ، إلى جانبها ، شتى المجلات الأدبية : عراقية ولبنانية ومصرية وسورية . وهكذا اتسعت دائرة اهتماماتي وتنوعت ، ولكن الآداب بقيت مجلتي الأولى ، وبقيت هي الأساس والمحور ، مثلما كانت هي نقطة الانطلاق .
آه كم أحسست بالألم يوم أعلن الدكتور سماح إدريس بعد عقود اضطراره إلى إيقاف المجلة التي أسسها أبوه عن الصدور !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق