قصيدة
أخرى للمرحوم فاضل الصيدلي يخاطب فيها دجلة الفائض الخطير ويعاتبه واصفاً
ما أصابه وما أصاب قومه من سوءٍ وزيغ. وفي القصيدة أيضا إنكار للسفور الذي
كان يروج له بعض أهل العصر كأمين الريحاني والزهاوي, وفيها كشف كبير عن
ذاته المفرطة الإحساس وما يعتمل في دخيلته الثائرة...
***************************************
وقفه على شاطىء دجلة في طغيانه الخطير عام 1926
شعر : فاضل الصيدلي (رحمه الله )
أدجلةَ ما إنّ الحياةَ هديرُ ولا هو موجٌ يُعْتلى وخريرُ
أدجلةَ إنَّ العيشَ والعزَّ والصفا تولىّ فما إلاّ قذىً وكُدورُ
لقد طوّقتكَ الحادثاتُ كما ترى فأنتَ بجسرٍ كالوثاقِ أسيرُ
ولو كنتَ حراً لم تَطَأكَ أباعدٌ بأقدامِها قَسْراً فأنتَ حقيرُ
جريتَ على غيرِ استقامةِ غايةٍ كما هبَّتِ النكباءُ حين تثورُ
وحِدْتَّ عن النهجِ السويّ فلم تزلْ تهيمُ بوادٍ تارةً وتحورُ
وقد عَبَثَتْ هوجُ الرياحِ بكَ المدى يقودكَ منها صرصرٌ ودَبورُ
ومن لم يقوِّمْ في السلوكِ سبيلَهُ فما هو الاَّ بالضَّلالِ جديرُ
ففيك اقتدى الأبناء, أبناكَ ضِلَّةً بمِعْوَجِّ مِنهاجٍ عليهِ تسيرُ
تروحُ بطيشٍ لستَ تلوي لِموطنٍ نشأتَ لديهِ وازدَهاكَ غُرورُ
فأين فُيوضٌ كنتَ تُحيي بها الثرى فينبتُ منها سُندسٌ وحريرُ
بقاعٌ زٌهت حيناً من الدهر كالدمى عليها نهودٌ من رِبى ونُحورُ
فجافيتَ جناتٍ بها وحدائقَ تعودّنَ منك الرِفدَ وهو نميرُ
أتتركُ ذا القربى من الأرض يلْتَظي أواماً ولِليَمِّ البعيدِ تمورُ
تبعتَ هوى وصلِ الأباعدِ والسِّوى فصرتَ الى قعرٍ وساءَ مصيرُ
وَضِعتَ بأرضٍ غيرِ أرضِكَ مثلما يضيع أديب في العرِاق غيورُ
فكان بها مثواكَ ميتاً وإنما قُبِرتَ بها حياً وعزَّ نُشورُ
ومنْ يَحْلُ في ذوقِ العدا يزدرده بالـ تقامٍ فيعفو إثرُه ويبورُ
رميتَ بنفسٍ للمهالكِ فاغتبط بفعلكَ واعلمْ إنه لكبيرُ
فذقْ من مراراتِ الخليجِ الذي لهُ سعيتَ كذاكَ الدائراتُ تدورُ
أدجلةُ ! هل تدري بما آل أمرُنا إليه وما يدريكَ وهو خطيرُ
رزايا وأنكادٌ عَرَتْ ومصائبٌ وأسواءُ عاداتٍ فشتْ وشرورُ
إذا أزمةٌ مرتْ أتى ألفُ أزمةٍ تكرُّ بجيش نحونا وتُغيرُ
قضى أو سيقضي الدينُ والشرعُ والتُّقى كذاك العفافُ انهارَ فيهِ شفيرُ
وغاضت ينابيعُ البلادِ عن اهلِها على أنها للأجنبيِّ دَرورُ
فأثرى بها العاثي المُبيرُ فَمُلِّئَت جيوبُ لَعوبٍ والكَدودُ فقيرُ
ولا أعتب الأغيار في كلِّ جورِهِم ولكنْ بني الأوطانِ كيفَ تجورُ
وليسَ كأبناءِ المَواطنِ آلةٌ لأعدائِها أو ساعدٌ ونصيرُ
سُقوطٌ أليمٌ في الخَلاقِ وفي النُّهى وطَيشٌ قليلٌ أن يُقالَ كثيرُ
فظائعُ ما أن لي لسانٌ بِذِكرِها ومِن بعضها ما قيلَ عنهُ (سُفورُ)
ونحنُ أناسٌ إن رأينا ذميمةً هُرعنا إليها أو يحيقُ ثُبورُ
ونحن أناس إن دُعينا لصالحٍ ثنانا جِماحٌ دونهُ ونفورُ
(وإنا لَقومٌ لا نرى) العارَ سُبَّةً إذا ما رآه أصْيَدٌ وغَيورُ
أدجلةُ ذا حظي وحظُّكَ في الشقا كلانا له طعمُ الحياةِ مَريرُ
فانت دهاكَ البحرُ في مرِّ طعمهِ وإنى دَهتني غَيرةٌ وضميرُ
وأنت بقيدٍ من صروفٍ وإنني بقيدِ ظروفٍ كالأسيرِ حسيرُ
أغصُّ بريقي حسرةً وتَغَيُّظاُ وماؤك في عرضِ القفارِ غزيرُ
وإن جيفةً تعلوك يوماً فطالما لدينا لآلٍ شأنهنَ خطيرُ
فَرُفِّع منحطٌّ وُحطَّ مُرَفَّعٌ وهانَ عزيزٌ واستخيرَ شريرُ
وما أنا للحرمانِ آسٍ وإنما أمورٌ بأيدي اللاعبينَ تدورُ
أدجلةُ لو ابصرتَ تاللهِ حالَنا لكنتَ لفرطِ الاغتيارِ تغورُ
كما أنا أهوى أن نوحاً بفُلكِهِ يُفاجئُ والتنورُ ثَمَّ يفورُ
* * *ِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق