أثر
العامل الاقليمي في العلاقات العربية –الكردية
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث -العراق
بقدر ما يتعلق الامر بالعراق ، والعامل الاقليمي المؤثر في
العلاقات العربية –الكردية ، فأن ثمةَ مثل شعبي موروث منذ القدم ، وبيتُ شعر قيل
مؤخرا يمثلان حقيقة هذا العامل المهم .
فالمثل الشعبي العراقي الموروث يقول : "
بين العجم والروم بلوا ابتلينا " .أما بيت الشعر فقد قيل على لسان أحد اعضاء
مجلس الحكم الذي تأسس بعد الاحتلال وسقوط النظام السابق في التاسع من نيسان سنة
2003 مفاده :
كُنا لهم حطبا في كل
نازلةً
وكانوا لنا حمالةَ الحطب
ومن الطبيعي أن الشاعر
يقصد العرب والدول العربية والتي قدم لها العراق الكثير لكنها لم تقف مع العراق
عند المحنة بل بالعكس قست عليه وأرادت له ولشعبه التهلكة ! .
اذاً المثل الشعبي الموروث وبيت الشعر الجديد
هما من يدلان على ان العراق يواجه في كل مراحل تاريخه القديم والوسيط والحديث
والمعاصر ثلاثة عوامل مؤثرة تأثيرا خطيرا في مستقبله هي العامل العربي والعامل
التركي والعامل الايراني .
ومما يدعم ما نقول اننا قرأنا للمؤرخ البريطاني الكبير ارنولد توينبي (توفي
1978 ) مايؤكد الحقيقة التي اشرنا اليها ،وهي ان تاريخ الشرق الاوسط والعراق في قلبه ماهو الا تاريخ صراع .. صراع
دائم بين الشرق والغرب .ان العراق بشكل خاص كان وسيظل ساحة للصراع ..كان ساحة للصراع
بين البيزنطيين والساسانيين وبين العثمانيين والصفويين وظل الناس في العراق وقودا لتلك
الصراعات ، وللأسف لم تكن لهم فيها ناقة ولاجمل .لقد استنزفت تلك الصراعات
امكانات العراق الاقتصادية والاجتماعية والفكرية وانعكس ذلك سلبا على الناس .
لسنا بصدد الدخول في متاهات ايام الصراع تلك وملابساتها وانعكاساتها ولكن لابد من تقرير
حقيقة ثابتة وهي ان تلك الصراعات وما كان ينجم
عنها من تدخلات كانت تزداد عندما يكون العراق ضعيفا وتقل عندما يقوى العراق .
نحن
لاننكر في ان يكون لتركيا نفوذ في العراق ولا لإيران ولا للعرب ولكن لابد ان تؤخذ سيادة العراق ووحدة
العراق بنظر الاعتبار .لإيران اجندات ومصالح وامتدادات بشرية وثقافية وأمنية في العراق ولتركيا كذلك وللعرب وعلى
العراقيين ان يعوا هذه الحقائق على ان َيظهروا موحدين وأقوياء وقادرين على
المحافظة على بلدهم .
لاننكر بأن ايران ومن قبلها الدولة الفارسية
استغلت الحركات المسلحة الكردية ضد العثمانيين وضد سلطات الاحتلال والانتداب
البريطانيين وضد الحكومة العراقية بعد سنة 1921 .
كما لاننكر التدخلات التركية بعد الحرب
العالمية الاولى والمطالبة بولاية الموصل وكما تعرفون فأن الامر حسم بصيرورة
الموصل جزءا من العراق وتوقيع اتفاقية 1926 والاعتراف بخط بروكسل حدا فاصلا بين
العراق وتركيا .
كما لاننكر بأن ايران كثيرا ما تتدخل في العراق
بحجة حماية العتبات المقدسة والمحافظة عليها وتطويرها .
وكذلك لاننكر التدخلات العربية ، فللعرب
امتدادات ومصالح يحرصون على المحافظة عليها وحقائق التاريخ وثوابت الجغرافية تدعم
دائما وجهة نظرهم وتوجهات سياساتهم ازاء العراق .
المدارس الايرانية ، والمدارس التركية وحتى المدارس البريطانية والاميركية على سبيل
المثال كانتا تعدان منافذ لنشر الرؤية الايرانية والرؤية التركية والرؤية الاميركية والرؤية البريطانية في العراق سواء تجاه الاوضاع القائمة او ماضي
وحاضر ومستقبل العراق ... لكن مما ينبغي ان نؤكده ان الحكومات العراقية - وخاصة
عندما كانت تشعر بقوتها - لم تكن لتسمح
بأن تتجاوز تلك المدارس اختصاصاتها وكانت تٌلزمها بتدريس التاريخ العراقي
والجغرافية العراقية واللغة العربية شأنها في ذلك شأن المدارس الرسمية وقد وصل
الامر في سنة 1969 الى تعريقها .
ومما انتبه اليه نوري السعيد رئيس الوزراء
العراقي المزمن والذي حكم العراق سرا وعلانية طيلة 40 سنة (1921-1958 ) .. أن
العراق لكي يظل قويا فلابد ان تكون علاقاته قوية مع ايران وتركيا ، وان يتحالف معهما ومع الغرب ضمن "منظومة
سياسية وأمنية وعسكرية " فكان "حلف بغداد" 1955 ومن قبله المعاهدات مع ايران وتركيا ومع
الدول العربية كالسعودية مثلا ومع
بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية في العشرينات
والثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي .وقد نقل نوري السعيد هذه الرغبة للرئيس جمال عبد الناصر
والذي كان يقود تيارا قوميا عربيا مستقلا جارفا
من خلال الصاغ صلاح سالم قائلا:
" ان ظروف العراق ليست كظروف مصر " أي ان موقع العراق الاستراتيجي وثراه
الاقتصادي والنفطي والبشري كان يختلف عن
موقع مصر ووضعها .
ومما ينبغي ذكره هنا ان الدكتور احمد عبد
الهادي الجلبي دعا الى اقامة ما أسماه ب (حلف الاقليم الرابع) وزاد على العراق وتركيا وإيران سوريا .وقد نشر
المشروع المقترح ولدي نسخة مفصلة عنه ومما
تضمنه المشروع " اقامة حلف رباعي تكاملي بين العراق وإيران وتركيا ويشمل
النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية ومن دون ان يكون موجها ضد أي
طرف اخر .كما انه يلتزم بالقانون الدولي وقرارات الامم المتحدة ولوائح حقوق
الانسان. والمشروع هو صيغة تعاونية على
مستويات متعددة تهدف بالدرجة الاولى الى تنمية الواقع الاقتصادي والاجتماعي
والعلمي والأمني للدول المؤسسة له بحكم جيرتها لبعضها جغرافيا وتراثيا ودينيا واجتماعيا " .
وقد
فسر الدكتور احمد الجلبي مشروعه المقترح قائلا :ان العراق لكي يعيد بناء نفسه فهو
بحاجة الى خبرة الشركات التركية والإيرانية والسورية "
الذي
يهمنا من هذا المشروع هو موقفه من الاكراد وقد اجاب الدكتور الجلبي حول ذلك بقوله
ان المسألة الكردية من اهم المسائل في المنطقة ، وملفها حساس جدا ، والشعور القومي
عند الاكراد قوي وهذا ما جعل قضيتهم عنصر عدم استقرار لدي الدول الاربعة العراق
وتركيا وإيران وسوريا ، وعصر القومية انتهى بمعانيه القديمة وحلت محله مفاهيم
سياسية جديدة تقول على التحالفات والاتحادات والكتل الاقتصادية والأمنية والسياسية
، وان قيام دولة كردية ضمن الوضع العالمي والاستراتيجي الراهن هو شيئ صعب جدا بدون
موافقة هذه الدول "ونحن بمشروعنا هذا لانريد ان نذوب حقوقهم الاكراد،
أو نحد منها بل غاية ما نطلبه هو ان ندفع دول المنطقة وشعوبها تجاه التعاون والعمل المشترك في كافة الميادين
، وعندئذ سوف يشكل الاكراد مصدر استقرار
ودعم واغناء لسياسات هذه الدول واقتصادها وثقافتها " .
ومن حسن الحظ ان يكون الرئيس جمال عبد الناصر
وهو يقود التيار القومي العربي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي كان اول القادة العرب ادراكا لحقيقة المطالب القومية
الكردية في العراق خاصة ، فمواقف الرئيس
عبد الناصر من قضية الاكراد وحقوقهم معروفة وقد كتبتُ عنها دراسة موسعة بعنوان :
"عبد الناصر والاكراد " منشورة على النت . كان عبد الناصر يقول انه
طالما اعتز العربي بقوميته فلابد له ان يسمح للآخرين ان يعتزوا بقومياتهم .
ان مما تنبغي الاشارة اليه ان القضية الكردية
او المسألة الكردية لاتزال ُتعد من أكثر القضايا أو المسائل تعقيدا في الشرق
الاوسط بسبب مواقف الدول الاقليمية منها اولا
، وبسبب التداخلات الاجنبية ثانيا ،وعدم
قدرة الاكراد انفسهم على تجسيد قضيتهم بالشكل المطلوب وخاصة بعد الحرب العالمية
الاولى ثالثا ،وبسبب السياسات (القومية ) التركية والإيرانية تجاه الموضوع
الكردي رابعا . مع ملاحظة ان ثمة فرصة سانحة لتحقيق
تقدم حقيقي بشأن المسألة الكردية في تركيا
هذه السنة .ويتمثل هذا التقدم في اصدار حكومة
حزب العدالة والتنمية دستورا جديدا من شأنه أن يتعامل مع مثل هذه المواضيع الكبيرة
المتمثلة بالهوية واللغة والتاريخ والثقافة الكردية بشكل ايجابي .كما ان تركيا بعد سنوات من العزلة ، بدأت تغير اساليبها وتطور علاقاتها التجارية والثقافية وحتى السياسية مع اقليم كردستان العراقي بشكل لم
يكن متاحا من قبل . ويترافق مع هذا كله انفتاح قيادة الاقليم على الدول العربية
والبحث عن قواسم اقتصادية وثقافية مشتركة بين الطرفين .
وبدون الدخول في تفاصيل المواقف العراقية والإيرانية والتركية من الاكراد ،
فأن العراق ومنذ بواكير تأسيس دولته
الحديثة في سنة 1921 كان من أولى الدول التي شرعنت الكثير من القوانين التي اعترفت
بالحقوق القومية واللغوية والثقافية للأكراد والتي توجت بأصدار بيان 11 اذار 1970
وقانون الحكم الذاتي في 1974 في حين لازالت القضية الكردية في ايران وفي تركيا على
حالها ولم يحدث اي تغيير جوهري والشيئ الملفت للانتباه ان ايران وتركيا تعالجان
مشاكلهما مع الاكراد في اطار من التعاون الامني والعسكري والسياسي وعبر سلسلة من
الاتفاقات الخاصة بضبط الحدود ومطاردة من يقومون بالأعمال العسكرية واعتبار
الفصائل الكردية المسلحة التركية والايرانية جماعات ارهابية . وفي تسعينات القرن العشرين وكما هو معروف
وقعت ايران وتركيا عددا من الاتفاقات الامنية انطلاقا من رفضهما منح الاكراد حكما
ذاتيا وحرصهما على التعاون في مواجهة الحركة الكردية فيهما خاصة بعد ان شهدت كردستان العراق حالة جديدة من
الاستقلال الذاتي اثر قرار الحكومة
المركزية في بغداد الانسحاب . واذا كانت تركيا تنسق مع الحكومة العراقية وفق
اتفاقات وترتيبات امنية منذ توقيع ميثاق سعد اباد سنة 1937 وحلف بغداد سنة 1955
واتفاقية المطاردة الحثيثة سنة 1984 ، فأن
ايران لم تدخل أبدا في اتفاقات أمنية مع العراق بسبب الخلافات المزمنة والتوترات
المستمرة والحرب الطويلة 1980-1988 .وهنا تظهر الحاجة الى اقامة المنظومة الامنية
والسياسية والاقتصادية والثقافية بين العراق وإيران وتركيا وبالتأكيد فان هذا لن
يتحقق الا اذا اقتنعت الدولتان
وهكذا
فالحل كامن في الداخل ..اقصد في داخلنا ومتى ما عملنا من اجل الوطن مخلصين،
ونظيفين ومتى جعل سياسيونا العراق في حدقات عيونهم، وبشكل يجعلهم يبتعدون عن منافع الدنيا الزائلة ، ومتى ما تصرفوا كرجال
دولة STATESMEN وليسوا كسياسيين مغامرين فأن كل المشاكل في طريقها
للحل .
لقد اكد الاكراد على لسان أرفع مسؤوليهم ، وفي اكثر من مرة ، وعلى أكثر من صعيد
، تشبثهم بوحدة العراق ، وبقوة العراق ، وبرفاهية أهل العراق ، وبدور العراق
العربي والإقليمي والدولي الفاعل . وعلى هذه الاسس ، يمكن ان نبني العلاقة
المستقبلية بين العرب والأكراد حتى في ظل الصراعات المحلية والإقليمية وحتى
الدولية الراهنة .يقول مورتون اراموتش
وجيسيكا سيمس من مركز دراسات المصالح الحيوية The National Center Interest
في دراسة لهما بعنوان "حل اللغز الكردي "
نشرتها وكالة اور في 19 ايار –مايس 2012 :
" وتبقى انقرة مرة اخرى
حاسمة : أذا أستطاعت تركيا تقوية ديمقراطيتها النامية من خلال تحقيق التقدم مع أكرادها،
فانها سوف تقيم أسسا لإقليم أفضل ، يشمل سوريا ... والعراق ... ، ويجب أن تدعم واشنطن تركيا في هذا التوجه بشتى الوسائل ..." . وهنا يمكن ان نضيف الى ذلك ايران فعلى ايران
ان تحل مشاكلها مع اكرادها بالطرق السلمية وعندئذ يمكن ان نرى " شرق اوسط
موحد " يمضي
قدما نحو القرن الحادي والعشرين بثقة وأمان واستقرار ورفاهية .
لكن مما ينبغي التأكيد عليه ونحن نصل الى
خاتمة هذه الكلمة هو أن المشاكل
لايمكن ان تحل إلا داخل عائلتنا العربية والإقليمية وكثيرا مما تعرضنا له ونتعرض
هو بسبب " التدخل الخارجي" اولا
و" ضعفنا " في ايجاد الحلول لمشاكلنا الداخلية ورحم الله الشاعر
الكبير نزار قباني عندما قال في قصيدته الشهيرة سنة 1967 "هوامش على دفتر
النكسة " :ما دخل اليهود من حدودنا بل نفذوا من عيوبنا .ان استطعنا أن نسد
عيوبنا ، وان نتماسك ونحل مشاكلنا داخل بيوتنا فلا أحد يستطيع ان يتدخل في شؤوننا
.تلك هي المشكلة وذلك هو الحل فهل نحن مدركون
؟ وهل نحن فاعلون ؟ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق