السياسي العراقي الاستاذ حسين
جميل والوطنية
القومية التقدمية
أ.د. إبراهيم
خليل العلاف
استاذ التاريخ
الحديث-العراق
رحل في يوم 7
من كانون الثاني سنة 2001 السياسي والقانوني العراقي المعروف المرحوم الاستاذ حسين
جميل عن عمر ناهز التسعين عاما، و حسين جميل هو واحد من ابرز الذين أسهموا في
تكوين الحياة السياسية والحزبية والنيابية والتشريعية في العراقالمعاصر، ولد في
محلة قنبر علي في بغداد سنة 1980 وعاش في بيت جده القاضي احمد جميل الذي يضم كذلك
كلا من ابنه عبدالحميد جميل وهو قاض في المحاكم المدينة وعمه عبدالجبار جميل
القاضي كذلك وقد ورد في بعض اوراقه التي اجاب بها على اسئلة احد الباحثين وضمها
الكتاب الموسوم: (جماعة الاهالي في العراق) ونشر في بغداد 1979 انه بعد ان امضى
مرحلة طفولته في الكتاتيب ادخل المدرسة الابتدائية في بغداد سنة 1917 حيث قضى فيها
السنتين الاولى والثانية اما السنوات الاربع الاخيرة فقد قضاها في مدرسة ابتدائية
في العمارة ملتحقا بابيه الذي كان يعمل قاضيا في محكمتها، ويروي حسين جميل كيف ان
اخاه الكبير مكي جميل وابن عمه عبدالعزيز جميل كانا يحبان المطالعة فيكثران من جل
الكتب واكثرها مما يصدر في مصر والشام وقد افاد من ذلك وتأثر منذ شبابه بالثورة
العربية الكبرى سنة 1916 وبثورة 1919 في مصر وبثورةى العراق الكبرى سنة 1920.
قرأ حسين
ماكان يكتبه مجاملة القاص العراقي (محمود احمد السيد) واعجب بهذا الكتابات لما
كانت تنطوي عليه من أفكار تقدميه وقد اسهمت في تكوينه الفكري كتابات الصحفية
(العراقية) ومجلة (العصور) المصرية ويقول ان
تلك الكتابات كانت تعارض ماكان سائدا نذاك من افكار ومفاهيم مختلفة، ومما يذكر ان
حسين جميل وهو طالب في الثانوية المركزية في بغداد قام مع عدد من زملائه سنة 1926
بالاضراب على سلوك مدرس انكليزي تعمد توجيه بعض الكلمات النابية بحق ابناء العراق
كما اسهم في الدفاع عن حرية الفكر سنة 1927 حين اقدمت السلطات على منع توزيع الكتب
وحينما جاء الصهيوني موند الى بغداد سنة 1928 تظاهر حسين جميل معه عدد من اصحابه
ضد هذه الزيارة.
عشق حسين جميل
الصحافة فمنذ ان كان طالبا في مدرسة العمارة الابتدائية حرر بعض المقالات ونشرها
في مجلة التلميذ العراقي كما كتب في مجلة الشباب التي صدرت في شباط سنة 1929 طرد
حسين جميل من كلية الحقوق لنشاطه السياسي القومي المعادي للحكم الملكي وللاستعمار
البريطاني وللصهيونية ولم يكن قد اجتاز الصف الاول واضطر الى السفر باتجاه سوريا
ودخل كلية الحقوق وهناك تخرج فيها وعاد الى بغداد ليمارس المحاماة وحين التقى
بمحمد حديد وعبدالفتاح ابراهيم تبلورت فكرة اصدار جريدة الاهالي وقد صدر العدد
الاول في الثاني من كانون الثاني سنة 1932 ثم تطورت الفكرة الى تأليف (جماعة
الاهالي) خاصة بعد انضمام طليعة من المثقفين والسياسيين الشباب امثال عبدالفتاح
ابراهيم وعلي حيدر سليمان وجعفر ابو التمن وكامل الجادرجي.
وارتكزت جماعة
الاهالي على السعي للعمل باتجاه (رفاه الاهلين وتقدمهم اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا)
وراح حسين جميل ورفاقه يسعون الى كسب الشباب ودعوتهم الى تنظيم انفسهم في جمعيات
ونواد يتم فيها تبادل الرأي ومهاجمة القوى الرجعية المتخلفة وقد اسسوا (جمعية
السعي لمكافحة الامية) و (نادي بغداد) و (جمعية الشبيبة) ورفعوا شعار (الشعبية)
كأيدلوجية ترمي الى اصلاح المجتمع وحل مشاكله.
كان حسين جميل
من مؤسسي الحزب الوطني الديمقراطي في سنة 1946 وقد اسهم في الحياة النيابية ابان
العهد الملكي فانتخب نائبا في مجالس 1947و1948 و1954 كما عمل وزيرا للعدل سنة 1949
ونقيبا للمحامين (1953_1957) ومشرفا على مجلة القضاء وبعد ثورة 14 تموز 1958 أشترك
في وضع الدستور المؤقت وبين سنتي 1956-1958 صار امينا عاما لاتحاد المحامين
العرب وفي السنوات الاخيرة من حياته قدم
للباحثين ولطلبة الدراسات العليا الكثير من الاستشارات والمصادر هذا فضلا عن
انكبابه على التأليف فالرجل اهتم منذ زمن طويل بتتبع التراث النيابي في العراق
وكتب سلسلة مقالات في مجلة الهلال المصرية خلال السنتين 1966-1967 بعنوان : صفحات
من التراث الديمقراطي العراقي 1919-1922.
وتزخر
الصحف والمجلات العراقية بالكثير من مقالاته ومن مؤلفاته المنشورة انكلترا في
جزيرة العرب 1930 والاحكام العرفية 1953 وتكييف القانون لحق النقد 1958 والعراق
الجديد 1958 وفكرة توحيد القانون الجنائي للبلاد العربية ووسائل تحقيقها 1967
والحياة النيابية في العراق 1948 ونشأة الأحزاب السياسية 1948. وبالمناسبة فان
حسين جميل يعد اول من الف كتاباً عن ثورة 14 من تموز 1958 فبعد بضعة أشهر من
اندلاع الثورة نشر كتاب العراق الجديد والكتاب بالأصل محاضرة القاها باللغة
الانكليزية في نيودلهي بالهند حيث كان يعمل سفيراً للعراق هناك بتاريخ 29 من أيلول
1958.
آمن حسين جميل بالوطنية العراقية
وبالقومية العربية وكان تقدمياً في أفكاره ومبادئه ومنذ ان بدأ يعي الحياة آمن
بفكرة استقلال العرب وتحقيق وحدة الأمة العربية واكد في كتاباته حق العراقيين في
الاستقلال وفي بناء دولتهم القومية الديمقراطية وقد اقترنت افكاره القومية بحس
تقدمي اجتماعي تحرري كان يقول ان العرب امة ذات حضارة وقد افاد الغرب من حضارتهم
ومن روح هذه الحضارة التي تؤمن بالعلم والتسامح والعدل دافع عن قضية فلسطين ونقم
على الصهيونية والاستعمار وقد حرص على ان لايغير مساره الفكري باتجاه التطرف
والغلو وظل كما يقول معتدلاً في اتجاهاته (اليسارية) الا انه بقى تقدمياً في نزعته
الفكرية ونادى بنفسه بعيداً عن الشيوعية واقترب من ممثلي التيار القومي الاشتراكي
كثيراً وكانت الفكرة القومية العربية تملأ حيزاً في تفكيره كما ان الجو القومي
العربي وصلته بالحركات العربية الاستقلالية ورجالها وشبابها كانت كبيرة لذلك ظل
حسين جميل يحتفظ بمحبة الجميع واحترامهم رحمه الله وجزاه خيراً على مافعه تجاه
وطنه وامته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق