الأربعاء، 15 مايو 2013

69 عاما على وفاة الكاتب الصحفي العراقي الكبير ابراهيم صالح شكر



69 عاماً على وفاة الكاتب الصحفي العراقي إبراهيم صالح شكر/ج1


                               

          
  
تحل يوم الأربعاء 15 مايس 2013 الذكرى التاسعة والستون لوفاة الكاتب الصحفي العراقي إبراهيم صالح شكر. وبالرغم من السنوات الطويلة التي قضيتها في عملي الصحفي فأنني  لم أنشر شيئاً لمناسبة الذكرى السنوية لوفاة الوالد
  

كتب إبراهيم صالح شكر ذات مرة في جريدته (الزمان) أنه ولد في 8 ذي القعدة عام 1310 هجرية . وقد إختلف الذين كتبوا عنه فيما بعد في تحديد تاريخ ميلاده بالتقويم الميلادي، وإستعنت بالجداول المدرجة في كتاب ( التقويمان الهجري والميلادي) ترجمة حسام محي الدين الآلوسي ، لتحويل التاريخ الهجري الى الميلادي ، فكانت النتيجة 24 حزيران 1892، علماً بأن الوالد بنفسه قد ذكر عدة تواريخ لسنة ميلاده ،منها 1892 و1896، وتوضح صورة جواز سفره المنشورة في هذا الكتاب ، انه ثبت تاريخ الميلاد بعام 1893 .
  نسبه العائلي

ينتسب إبراهيم صالح شكر الى أسرة عراقية عريقة من عشيرة الكروية العتيقة التي تعود الى قبيلة قيس العدنانية. وكان والده أحمد صالح الملا شكر، مختاراً لمحلة قهوة شكر، وأمه أمينة ، قد حرصا على ولدهما الوحيد (إبراهيم ) بعد ان فقدا أربعة أبناء من قبله، وأبقت أمه على ضفيرة شعره حتى أصبح بعمر 11 عاماً فقصت الضفيرة لكي يتمكن من الالتحاق بمدرسة

الملا جمعة في جامع قهوة شكر،التي كانت تسمى(الكتاتيب) في مساجد بغداد المشهورة، وتعلم فيها دروس اللغة العربية والقرآن الكريم، وتلقى أول دروسه عند الملا جمعة ، ثم انتقل الى الدروس في مساجد أخرى ، فتعلم عند العلامة محمود شكري الآلوسي بجامع الحيدرخانه، وعند عبد الوهاب النائب في جامع الفضل ، وفي هذا الجامع كان عبد الكريم العلاف زميلاً له في تلقي العلم ، وعند عبد الجليل آل جميل في جامع العاقولية، وعند نجم الدين الواعظ في جامع العادلية ، وكان يتلقى العلم في هذا الجامع سوية مع ناجي القشطيني ، وتعلم فيها كلها مبادئ النحو والأجرومية والفقه والأدب والبلاغة والقرآن الكريم .

وقبل ان يبلغ عامه العشرين ، إجتاح وباء الطاعون بغداد ،وقيل انه كان وباء الكوليرا، فأصاب بيته ، وأودى بحياة الكثير، ومنهم ثلاثة من أهل داره ، هم والده ووالدته وجدته لأمه، ولم يبق إلا هو وشقيقته الصغيرة زبيدة .

وفي عام 1915 تعرض لتعسف العثمانيين بسبب حماسته وكفاحه من أجل الإستقلال العربي مما أثار ضغينة شفيق بك والي بغداد الذي أقنع قائد الجيش العثماني بالقبض على ستين ناشطاً في ليلة 3 تشرين الثاني 1915 ،وتقرر نفيهم الى الأناضول في تركيا ، ونقلوهم بالقطار تحت الحراسة الى سامراء ، ومنها الى الموصل على ظهر الدواب. لكن المجلس العرفي العثماني استبدل القرار لعدد من المنفيين ، الى النفي في الموصل ، وقضى إبراهيم فيها أربعة شهور ، كان خلالها يكتب لأقربائه ببغداد يطلب مالاً لسد إحتياجاته ، وقد وثق إبراهيم صالح شكر فترة النفي هذه في سلسلة مقالاته بعنوان ( حتروش) ، وهو صاحب الحمير الذي إستخدمه العثمانيون لنقل المنفيين من سامراء إلى الموصل.

وبعد عودته من المنفى، وكان ما يزال يرتدي العمامة والجبة ، إختاره أهالي محلة قهوة شكر مختاراً ، خلفا لوالده ، وهي المحلة المنسوبة إلى إسم جده ، شكر ، واشتهر بأنه كان يقدم خدمات المختارية للأهالي دون مقابل ، ويرفض أية هدايا ، ومنها هدية رفضها كانت قطعة ارض في لواء ديالى عرضها أحدهم عليه مقابل معاملة تحتاج لتوقيع المختار وتدخله لتخليصه من دعوى قضائية مقامة ضده .

                                                    

يقول روفائيل بطي فـي رثـاء نشره بمجلة ( الأسبوع ) العدد 20 عام 1953: ( في الموصل رأيت الأستاذ صالح شكر أول مرة وأنا يافع أقرمز الشعر المنثور وبين يدي الريحانيات ، وقد نثرت أحزاني على صديقي في مرثاة عنونتها ( دموع الإخلاص).

ثم يقول في وصفه لإبراهيم ( ان الرجل تتقد في ذهنه جذوة التحرر، ويتناثر من لسانه شرر الثورة ، ومن تلك الأيام السود تعارفنا وربطت الصداقة بيننا). وقد تعرف الرجلان على بعضهما في عام 1915 داخل مكتبة صغيرة في الموصل حينما كان إبراهيم يقضي عقوبة النفي هناك .

وكان أول عهد الوالد بالصحافة في جريدة( بين النهرين ) التي صدرت لأول مرة في 6 كانون الأول عام 1909،لصاحبها محمد كامل الطبقجه لي ، وعاشت حوالي ثلاث سنوات، وجريدة( النوادر) التي أصدرها محمود الوهيب عام 1911 ، وكتب فيهما موضوعات أدبية. وأصدرإبراهيم منيب الباجه جي ، في 25 نيسان1913 (1332هجرية) ، مجلة (الرياحين) الأدبية ، وأصبح إبراهيم صالح شكر محررها، وأصدر لوحده في نيسان 1913 مجلة أدبية هـي ( شمس المعارف)التي ظهرمنها 18 عدد.

وكان الباحث عبد الحميد العلوجي، الذي تقلد عدة مناصب ثقافية في عقد السبعينيات من القرن العشرين ، ومنها المدير العام لدار الكتب العراقية، يحتفظ بخمسة أعداد من ( الرياحين) ، كما يحتفظ ناجي القشطيني بالعدد الثاني من( شمس المعارف) الذي أهداه فيما بعد الى مكتبة المجمع العلمي العراقي.

                  
                 
  وأصدر إبراهيم صالح شكر أيضاً، عام 1921 مجلة شهرية جامعة ( الناشئة) مكرساً صفحاتها للأدب العراقي ، وكتب فيها عدد من الأدباء المعروفين ، أبرزهم محمد رضا الشبيبي ،وحسين البياتي ،ومحمد بهجة الأثري، وعبد المسيح وزير ، ورفائيل بطي، ومحمد الشماع ،وسلمان الشيخ داود، وشكري الفضلي، ومحمد رؤوف الكواز، وعبد الحسين الازري، ومحمود محمد، ونشرت شعراً لجميل صدقي الزهاوي، ومقالات جبران خليل جبران، والمنفلوطي . وأصدرمنها ثلاثة أعداد فقط قبل أن تعطلها الحكومة، وأحتفظ بالأعداد الثلاثة منها سليمة في مقتنياتي الخاصة ،وتحتفظ المكتبة الوطنية ببغداد بالعددين الاول والثاني .

وعاد عام 1922 ليصدر ( الناشئة الجديدة ) ، جريدة أسبوعية جامعة، بدلاً عنها ، وبدأ فيها أولى كتاباته السياسية ، وتعرضت للتعطيل عدة مرات ، إحداها بقرار شخصي منه إثر تعرضه لاعتداء مقابل بيت لنج في شارع الرشيد ، قيل انه كانت بتحريض من بعض السياسيين. وفي 2 أيار 1924 شارك روفائيل بطي في إصدار جريدة ( الربيع) ، وعمل فيها رئيساً للتحرير، لكن الحكومة عطلتها بعد عددها الأول.

وإشترك في الكتابة لجريدة( الأدب) التي أصدرها محمد باقر الحلي في 7 أيلول 1924، وصدر منها ثلاث أعداد وتوقفت، ثم أعاد كامل السامرائي إصدارها في 6 شباط 1925 ، وأحتجبت ، وأعدادها محفوظة لدى مكتبة المتحف العراقي ببغداد. كما كاتب جريدة( الفضيلة) التي أصدرها عبد الرزاق الحسني عام 1925 ، وجريدة ( التجدد) لمحمود الملاح عام 1930 ، وأعدادها وأعداد (الفضيلة) متوفرة في مكتبة المتحف أيضاً.

    

وفي 11 تموز 1927، دخل إبراهيم صالح شكر معترك الصحافة السياسية ، وأصدر جريدته الأسبوعية ( الزمان)، وقال في صدر صفحتها الأولى أنها( يومية أدبية سياسية إجتماعية إنتقادية)، وكان هو صاحبها ورئيس تحريرها في آن واحد. وهوأول من أصدر في تاريخ العراق جريدة بهذا الاسم. وعاشت 44 عدداً، تخللها تعطيل لعدة مرات ، مرة بقرار من حكومة جعفر العسكري ، وأخرى بقرار من حكومة عبد المحسن السعدون ، ومرات أخرى بطلب المندوب السامي البريطاني.

وفي 1960-1961 قابلت فائق بطي عدة مرات في مكتبه بجريدة( البلاد) في حي إرخيتة ببغداد، وقدم لي بسخاء الكثير مما كان المرحوم والده رفائيل بطي قد جمعه من صحف، أو قام بتوثيقه، دونت بعضها وأعدت أصولها اليه، ولن أنسى أبداً أن فائقاً أهداني آنذاك مشكوراً المجموعة الكاملة لجريدة والدي ( الزمان) مجلدة في مجلد واحد ضم الأعداد الاربعة والاربعين .

وفي ( الزمان) شن إبراهيم صالح شكر حملته السياسية ضد الإنتداب البريطاني ومعاهداته وأذناب الإنكليز في العراق، ودعا الى حرية التعبير والصحافة والتجنيد الإجباري وطرد الأجانب من الوظائف العراقية، وندد بزيارة الصهيوني الفرد موند لبغداد ، منتصراً للطلبة الذين تظاهروا احتجاجاً على هذه الزيارة.

وإنتقد في مقالاته ، المربي المعروف ساطع الحصري ، لأنه جاء بمدرسين أجانب ( ليدرسوا تلامذة العراق جغرافية فرنسا ويتركوا جغرافية العراق ، ويحدثونهم عن انهار السين والتايمس ، ويتركوا دجلة والفرات ، ويرون لهم تاريخ نابليون وبسمارك ، ويدعون تاريخ عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص).

وفي 29 كانون الأول عام 1929 إشترك مع صديقه عبد القادر إسماعيل البستاني في إصدار جريدة( المستقبل) ، وأخبرني البستاني، فيما بعد، بأنهما أصدرا تسعة أعداد فقط، كان البستاني صاحب الامتياز لأعدادها الثلاثة الأولى، وأصبح إبراهيم صاحب الامتياز لأعدادها الستة الأخيرة.

وفي عام 1930 كتب مقالات مجلة ( الوميض) التي أصدرها لطفي بكر صدقي في 28 تشرين الأول 1930، ثم أصبح رئيساً لتحرير جريدة( الأماني القومية) التي أصدرها عبد الوهاب محمود ، وكان عبد الرزاق شبيب مديرها المسؤول، ولم يصدر منها سوى عددها الأول في 30 تشرين الأول 1931، وعطلتها الحكومة، وأصبح كلا من محمود وشبيب في فترات لاحقة من تاريخ العراق نقيباً للمحامين.

وبشكل عام كتب إبراهيم صالح شكر في صحف ، أصدرها بنفسه ، أو ترأس تحريرها ، وهي حسب تواريخ صدورها، شمس المعارف 1913، والرياحين نفس العام، ومجلة الناشئة 1921، وجريدة الناشئة الجديدة 1922 ، والربيع لرفائيل بطي 1924، والزمان 1927 ، والمستقبل لعبد القادر إسماعيل البستاني 1929، واليقظة لسلمان الصفواني 1932، والتجدد لمحمود الملاح 1930 ، والأماني القومية لعبد الوهاب محمود 1931 . وبعضها لم يصدر منها سوى العدد الاول لتعالجها الحكومة بالتعطيل .

وبلغ مجموع ما أصدره من الصحف للفترة من بداية الحكم الوطني 1921 وحتى انتهاء الانتداب البريطاني 1931 ، حوالي تسعين عدداً من جميع الصحف التي حاول إصدارها، وكانت( الزمان) أطولها عمراً ، وصدر منها 44 عدداً في فترات بين تعطيل وآخر.

وكتب في صحف أخرى، أشهرها( الإستقلال) لعبد الغفور البدري ، ومجلة (الوميض) للطفي بكر صدقي ، و(البلاد) لروفائيل بطي ، وغيرها .

وكان يهاجم بإستمرار وجود غير العراقيين في الوظائف الحكومية الجديدة ، ويدعو الى إستبدالهم بالعراقيين ، ويعيب على غيرهم بأنهم كانوا من مناصري الطورانية وجمعية الاتحاد والترقي ، وإستبدلوا جلودهم عندما قامت الدولة العراقية واصبحوا يدعون بأنهم عرب أٌقحاح. ولعله عاش حتى يومنا هذا ، لما بعد 2003 ليرى من تسلق على أكتاف العراق وهم من غير العراقيين ، ويزعمون بأنهم عرب أقحاح!!

وكتب في العدد الأول من ( الزمان) خطته الصحفية قائلا( لست مضللاً يتخذ من الوطن أحبولة لتضليل السذج ، شأن المضللين من حملة الأقلام ، ولست دجالاً يستهوي الحمقى باسم الأمة ليقودهم وإياها الى الدمار، شأن الدجالين من حملة القصبات المرضوضة ، ولست نصاباً يغري البسطاء بالألوان الزاهية لينهب منهم ما يسد به جشعه، شأن النصابين من ذوي الصحف الملطخة بالسواد ، وانما أنا رجل أصارح الناس بالواقع وأخاطبهم على المكشوف).

ويضيف ( في المجتمع مضللون لهم صحف يضيق لها الحصر، وفي البلاد دجالون ماهرون لا يحصى لهم عد ، وفي الوطن نصابون بارعون في النصب والإحتيال ، إذن فالجمهور لا يحتاج لأن أجعل هذه الجريدة وسيلة الى التضليل أو التدجيل أو الإحتيال، ما دمت لست ماهراً في هذه " الأخلاق المألوفة" ، وإذن فأنا معذور إذا لم أنشر في هذه الجريدة ما إعتاد الناس مطالعته في الصحف المرتزقة) .

وندد بشدة بالمعاهدات البريطانية – العراقية ، وقال أنها مكنت المندوب السامي البريطاني من التدخل في شؤون العراق الداخلية ، وألزمت الحكومة بالرجوع الى وزارة المستعمرات

البريطانية في لندن في حالة الخلاف بينها وبين المندوب السامي ، وان البلاد لا ترى لإستقلالها قيمة إذا كانت الكلمة النافذة في سياستها لوزارة المستعمرات .

وذكر خالد الدرّة في مقالة له نشرها في العدد 14 لمجلته ( الوادي) بتاريخ 16 مايس عام 1948 ، انه يتذكر بأن الوالد كان يجلس في مقهى أبو علي ، على أحد ( التخوت) ممسكاً بيده اليسرى ورقة طويلة يسندها على ركبته اليسرى ويشهر بيده اليمنى قلم الرصاص ، ولا يقربه أحد من أصدقاءه ، فيبدأ يكتب ببطء شديد وإذا به يسرع بالكتابة وهو يصفر لحناً مبهماً.

ويضيف ، كان أكثر الناس عناية بإسلوبه وإنتقاء لإلفاظه ، وهو تواق لإستحداث العبارات الرنانة التي لم يسبقه إليها أحد، وإني لأذكر انه قرأ قصة( الشيخ حسن) الذي ترجمه عن الفرنسية إسكندر الرياش عشرات المرات ، وكان يعدها أعلى نموذج للأدب الرفيع ، ولا أغالي إذا قلت إن شخصية بطل الرواية قد أثرت على نفسيته إلى حد بعيد. وكان الدرة ، الكاتب الوحيد تقريباً الذي يشير الى هذه المسألة.

ويضيف الدرّة بأن إبراهيم كتب ذات مرة مقالاً بعنوان ( لنا وطن ولنا أمل ولنا زعيم ) وهو يقصد ياسين الهاشمي ،وقد إستغربت منه هذا الإتجاه الذي لم أعهده فيه ، ولما إستفسرت منه عن سر هذه المبادرة الجديدة أجابني بأن هذه الكلمة جواب على ما قاله لي نوري السعيد حيث طلب مني بالأمس أن أشتم الهاشمي كما أشتمه هو حتى لا يغلق جريدتي.

ورشح إبراهيم صالح شكر، ذات مرة للنيابة في 30 آذار 1928 عن منطقة باب الشيخ، ودعـا في منهاجـه الانتخابي إلى ( الإستقلال التام للعراق بحدوده الطبيعية بلا حماية ولا وصاية ولا إنتداب ) والى إلغاء الإنتداب البريطاني ، وان لا تبقى في العراق أية سلطة عسكرية لغير الجيش العراقي، والى وضع قوانين لحماية حقوق الفلاحين ، والعمال ، فيؤخذ بتوزيع الأراضي وتقسيمها تقسيماً عادلاً على من يريد ان يكد ويعمل ، والى ان يتمتع الشعب بحرية القول

والكتابة وتنقيح قانون المطبوعات ليواكب القرن العشرين ، ومنح التعليم حرية ، وحصانة المدارس العالية والكليات من التدخل السياسي ، ومراقبة المدارس الأجنبية لتكون مناهجها وطنية عراقية.

وفاز إبراهيم صالح شكر في المرحلة الأولى للانتخابات ، التي كانت تجري على مرحلتين ، لكن تدخلات الحكومة أحبطت فوزه في المرحلة الثانية ولم يصبح عضواًً في مجلس النواب، ولم يكرر المحاولة بعد ذلك.

                                        

وعطلت الحكومات ، صحفه الواحدة تلو الأخرى ، فإضطر الى مشاركة أصدقاء له في إصدار صحفهم ،وتبادل إبراهيم صالح شكر مع رفائيل بطي التنازل عن حقهما في إصدار صحيفة ،لأحدهما، فقد تنازل رفائيل بطي عام 1924 عن إمتياز صحيفته ( الربيع) لصديقه إبراهيم صالح شكر الذي عطل قرار حكومي صحيفته ( الناشئة الجديدة ).

وفي 1930 تبرع إبراهيم صالح شكر بإمتياز صحيفته( الزمان) لصديقه رفائيل بطي الذي تعرضت صحيفته ( البلاد) للتعطيل. وجاءت هذه الإعارة عام 1930 وإبراهيم صالح شكر موجود في العراق حيث عاد من سفرته الوحيدة الى خارج العراق اواخر 1928 ، وليس صحيحاً ما قاله فائق بطي في الموسوعة الصحفية من أن إبراهيم صالح شكر سلم إدارة ( الزمان) لرفائيل بطي بعد أن ترك البلاد إلى الخارج.

وعندما شغل إبراهيم صالح شكر مهمة رئيس التحرير في جريدة (الأماني القومية) لصاحبها عبد الوهاب محمود عام 1931 ، عطلتها الحكومة بعد عددها الأول الذي حمل مقالاً بعنـوان ( حفنة تراب على مرقد الباجه جي مزاحم الأمين ) وزير الداخلية آنذاك الذي رفع دعوى قذف قضائية ضد كاتب المقال إبراهيم صالح شكر، والمدير المسؤول عبد الرزاق شبيب

، فحكمت المحكمة عليهما بسنة لإبراهيم وستة اشهر لعبد الرزاق . وبعد الإستئناف خفض الحكم الى أربعة شهور للأول وشهرين للثاني قضوها في سجن بغداد المركزي بباب المعظم.

     

إبراهيم صالح شكر وعبد الرزاق شبيب بحراسة الشرطة بعد الحكم عليهما بالحبس بسبب مقال جريدة الأماني القومية ( حفنة تراب على مرقد الباجه جي مزاحم الأمين)

وبين كل صحيفة يصدرها وأخرى ، يكتب للصحف الأخرى ، وأتفق مع سلمان الصفواني على التصرف في جريدته ( اليقظة) ،وسرقت داره ودار الصفواني ، مع ان الجميع كان يعرف ان دار إبراهيم خالية من ما يطمع إليه اللصوص ، لكنهم سرقوا حتى الحصيرة، كما ابلغي الصفواني وهو يستعيد لي ذكرياته في منزله ببغداد، ، وإعتبرت الصحف أن السرقة كانت بدافع سياسي ومدبرة لإرهاب إبراهيم .

وكتب إبراهيم في الصفحة الأولى للعدد رقم 17 من ( اليقظة)، وهو من مقتنياتي الشخصية في مكتبتي في العراق، مقالاً تحت عنوان ( للوطن نحيا وللوطن نموت) قال فيه:

( تفضل الكاتب المفضال الأستاذ سلمان أفندي الصفواني فأباح لنا التصرف في جريدته ( اليقظة) ، فهي الآن تحل محل ( المستقبل) التي عطلتها وزارة ( الماضي المجيد)، فللأستاذ وافر الشكر والثناء، ولوزارة ( الاستقلال الأعرج) أن تعلم أننا للوطن نحيا وللوطن نموت).

                                                           

                          سلمان الصفواني

لكنه لم يستطع مواجهة قرارات الحكومة في تعطيل صحفه أو الصحف التي يكتب بها ، فلجأ لسد رمق العيش من الوظيفة التي كان يدخلها بين تعطيل وآخر لصحفه، مضطراً للسكون الى الوظيفة التي بقي فيها حتى أقصته الحكومة بسبب تأييده للثورة العراقية ضد الإنكليز عام 1941 .

          

وكان أول عهده بالوظيفة في 12 تموز 1924 حينما تم تعينه مديراً لتحريرات لواء الحلة ( محافظة بابل) فيما بعد ،خلفاً لكامل الجادرجي ، وكان صديقه ،علي جودت الأيوبي متصرفاً للواء:

العدد: 10578

التاريخ 24 تموز 1924

سعادة متصرف لواء الحلة المحترم

بعد التحية، ولاحقة لكتابنا المرقم 9715 والمؤرخ في 3 تموز 1924

بناء على استقالة كامل أفندي الجادرجي من مديرية تحريرات لواء الحلة قد عينا إبراهيم أفندي صالح شكر مديرا لتحريرات لواءكم براتب 250 روبية شهرياً . نرجو إنبائنا تاريخ مباشرته بالوظيفة المذكورة وحسن إستخدامه.

ولسعادتكم الاحترام

توقيع وزير الداخلية

 

ولم يبق الوالد في الحلة سوى 80 يوماً ، أي حتى 12 تشرين الأول 1924 فإستقـال منـها ليعـود لإصدار جريدته( الناشئة الجديدة) بعد إمتعاض وكيل المتصرف محمود نديم

الطبقجلي الذي تولى المتصرفية عقب نقل الأيوبي الى لواء ديالى ، من علاقاته الصحفية ، فقدم في 4 تشرين الأول إستقالته، وغادر الحلة بعد عدة أيام، دون ان ينتظر قبولها رسمياً .

وفي العاصمة إلتقى وزير الداخلية عبد المحسن السعدون الذي أبلغه بأن لا سبيل لقبول إستقالته ، وإستحالة إعادة صحيفته ( الناشئة الجديدة ) الى الصدور ، لكنه ترك له الخيار الوظيفي في أي لواء من ألوية العراق يرغب بالإنتقال إليه بدلاً من الحلة ، فإختار إبراهيم لواء ديالى على مقربة من صديقه المتصرف على جودت الأيوبي، وإعتبرت وزارة الداخلية مغادرته الحلة نقلاً وليس إستقالة.

لكن الوالد عاد مرة ثانية الى مغادرة الوظيفة فكتب في 6 حزيران 1925 استقالته من وظيفة مدير تحريرات لواء ديالى بحجة ان لديه ظروفاً تمنع عليه القيام بالوظيفة ، وقبلت وزارة الداخلية الإستقالة ، ليقوم في اليوم التالي 7 حزيران بإصدار العدد رقم 30 من ( الناشئة الجديدة ) بالرغم من أن قبول إستقالته لم يكن قد صدر رسمياً بعد، وملأ هذا العدد بمقالات كتبها كلها بنفسه ، ومنها مقاله المشهور ( ثلثمئة وثلاثون يوماً ) ليتحدث فيه عن أيام اشتغاله موظفاً حكومياً، ومقالات أخرى هاجم فيها توظيف غير العراقيين في الدوائر الحكومية ، ومنهم بحوشي في وزارة المالية، وساطع الحصري في وزارة المعارف ، وغيرهم من الأتراك والهنود والأرمن . وكان هذا العدد من صحيفة ( الناشئة الجديدة) آخر عدد لها، فعطلتها الحكومة .

الرقم : 177

التاريخ : 6/6/1925

إلى وزير الداخلية

م / إبراهيم أفندي صالح شكر

تبجيلاً وتفخيماً

وبعد، فقد رفع إلينا إبراهيم أفندي صالح شكر إستقالته من مديرية تحريرات اللواء لأسباب خاصة تمنعه من القيام بهذه الوظيفة، وطياً نقدم لمعاليكم صورة هذه الإستقالة ، ونحن أسفون لإصرار الموما إليه على ذلك ، فقد كان من خيرة الموظفين في سلوكه وأخلاقه وقيامه بواجبات الوظيفة التي عهدت إليه.

وبما أنه إنفصل من وظيفته بعد ظهر يوم السادس من حزيران 1925 فإننا نرجو أن تتفضلوا بإرسال من ترونه قديراً على القيام بشؤون مديرية تحريرات اللواء. فإن هذه الوظيفة تتطلب عقلية وحذقاً لما لها من صلة كلية بمعظم المخابرات التي تجري بين اللواء والوزارات ورؤوساء الدوائر الكبرى. هذا عدا كون مدير التحرير من الوظائف البارزة في اللواء التي يجب أن يتلقدها موظف له من شخصيته ما يجعله مرعباً في نظر الأهلين الذين يقيسون الأشياء بالظواهر.

هذا من نقترحه بهذه المناسبة

متصرف لواء ديالى

ووافقت وزارة الداخلية بكتابها رقم 15424 بتاريخ 14 حزيران 1925 على الإستقالة، وكان إبراهيم قد عاد في نفس يوم إستقالته 6 حزيران إلى بغداد ، وتمكن من إصدار عدد جديد من جريدته ( الناشئة الجديدة) ، فأصدر في 7 حزيران 1925 حرر مقالاته كلها ، كما ذكرنا آنفاً ،ومنها مقاله ( ثلثمئة وثلاثون يوماً) التي قضاها موظفاً في بداية حياته الوظيفية.

ونشر في الصفحة الثانية حقله ( المعلوم والمجهول)، وبتوقيع ( عدو الباطل)، هاجم فيه الحكومة لترفيع الموظف الأجنبي المستر بحوشي الى الدرجة الممتازة ، وفي حقل (رؤس حراب) ، وبتوقيع (محارب) هاجم ساطع الحصري لأنه أحد الأجانب في الوظيفة العراقية.

وفي الصفحة الثالثة كتب ( نظرات سريعة) وبتوقيع ( مستعجل) لام وزارة المعارف على إستمرارها في بقاء الحصري وغيره من الأجانب ، وكتب تحت عنوان ( جناية السياسة على السياسة) للمقارنة بين جريدة (السياسة) العراقية آنذاك، وجنايتها على جريدة( السياسة المصرية).

وربما إستخدم إبراهيم صالح شكر اسم ولده رياض لتوقيع إحدى مقالاته، فنشر بتوقيع رياض مقالة في الصفحة الرابعة ( في ظل الدستور) ، وفي حقل سماه ( حقل رياض) ، وكان رياض في حينه قد ولد تواً !

وفي الصفحة الرابعة نشر أيضاً ( على المكشوف) ووقعه بإسمه الصريح، إبراهيم صالح شكر، حمل فيه بشدة على ما كان يسميهم ( الدخلاء الثلاثة )، وهم الأرمني ، المفتش العام بوزارة المالية، والتركي ، المدير العام في المحاسبات العمومية، والهندي، معاون سكرتير بوزارة المالية ، وعاب عليهم عدم معرفتهم باللغة العربية ، إلا بالقدر معرفته هو باللغة الأرمنية ! وكان الوالد لا يعرف شيئاً على الإطلاق من اللغة الأرمنية.

كما هاجم في الصفحة الرابعة عبد الحسين الجلبي وزير المعارف في وزارة عبد المحسن السعدون المستقيلة . والمعروف أن الجلبي ،إشترك في جميع الوزارات التي ترأسها

عبد المحسن السعدون ، ففي الوزارة الأولى كان وزيراً للمعارف، وفي الوزارة الثانية أصبح وزيراً للأشغال والمواصلات ، ثم وزيراً للمعارف مرة أخرى في الوزارتين الثالثة والرابعة.

                                          

وتعدّدت وظائفه بعد ذلك ، وكذلك المدن التي عمل فيها في وسط العراق وجنوبه، ومنها مدير تحريرات لواء بغداد، ولواء ديالى ، ومدير ناحية شهربان( المقدادية حالياً) وناحية قزلرباط (السعدية حالياً) وناحية تكريت ،( قضاء حالياً) ، ثم قائمقاماً في أقضية شهربان بعد ان أصبحت قضاءً ، وقلعة صالح والهاشمية والصويرة وسامراء وخانقين والمحمودية والفلوجة والكاظمية، ووكيل متصرف لواء ديالى ، ولواء الدليم ، وملاحظ ، ثم سكرتير المكتب الخاص بوزارة الداخلية . وسافر إلى مدن وبلدات في أنحاء العراق بحكم وظيفته أو للزيارة ، منها الموصل وكركوك والبصرة والعمارة والرمادي ومندلي ، وكتب إنطباعاته عنها في الصحف .

وقضى إبراهيم صالح شكر في الوظيفة بشكل عام، فترة 13 سنة و28 يوماً ، قدم خلالها ثلاث إستقالات ، وحصل على 634 يوماً إجازات( أي سنة وعشرة أشهر) ، منها 238 إجازات مرضية و21 يوماً إجازات بدون راتب ، ولم توجه له خلالها أية عقوبة.


الجزء الثاني 69/ عاماً على وفاة الكاتب الصحفي العراقي إبراهيم صالح شكر

                                      
             
 
  
وقد تسنى لي تدوين نص إضبارته الشخصية بوزارة الداخلية عام 1962 بفضل موافقة مدير الداخلية العام ، هادي الجاوشلي، وهو في حينه الشخص الثاني بالوزارة قبل العمل بنظام وكيل الوزارة ، وكان رجلاً كردياً فاضلاً، وشخصية معروفة في تاريخ العراق، ساعدني كثيراً ، وأخذني شخصياً الى غرفة الأوراق بالوزارة ليبلغ الموظف المسؤول بالسماح لي الاطلاع على إضبارة إبراهيم صالح شكر، وكانت من ثلاثة أجزاء، وتدوين ما فيها من معلومات، وقمت بذلك بشكل كامل، وهي النسخة بخط يدي التي ما تزال محفوظة عندي حتى اليوم.

ووظائفه كانت كما يلي وفقاً لإضبارته الشخصية:-

مدير تحريرات لواء الحلة من 12/7/1924 إلى 12/10/1924

مدير تحريرات لواء بغداد من 13/10/1924 إلى 6/6 /1925

إستقالة

وكيل مدير ناحية شهربان من 20/8/1925 إلى 30 /11/1925

تثبيت مديراً لناحية شهربان من 1/12/1925 إلى 12/12/1925

مدير ناحية قزلرباط من 14/ 12/1925 إلى 30/8/1926

مدير تحريرات لواء ديالى من 2/9/1926 إلى 1/6/1927

إستقالة

مدير تحريرات لواء بغداد من 4/9/1930 إلى 31/1/1931

إستقالة

مدير ناحية تكريت من 24/8/1932 إلى 3/12/1932

مدير ناحية شهربان من 7/12/ 1932 إلى 5/9/1933

قائمقام قضاء شهربان من 6/9/1933 إلى 2/5/1934

قائمقام قضاء قلعة صالح من 24/5/1934 إلى 24/8/1934

قائمقام قضاء الهاشمية من 25/8/1934 إلى 18/2/1935

قائمقام قضاء الصويرة من 23 /2/ 1935 إلى 4/7/1935

ملاحظ المكتب الخاص بوزارة الداخلية من 10/7/1935 إلى 27/7/1935

سكرتير المكتب الخاص بوزارة الداخلية من 28/7/1935 إلى 2/2/1936 ( كان رشيد عالي الكيلاني وزيراً للداخلية في حكومة ياسين الهاشمي).

قائمقام قضاء سامراء من 8/2/1936 إلى 26/6/1936

قائمقام قضاء خانقين من 5/7/1936 إلى 30/7/1937

قائمقام قضاء المحمودية من 9/8/1937 إلى 22/9/1937

قائمقام قضاء الفلوجة من 29/9/1937 إلى 19/8/1939

قائمقام قضاء الكاظمية من 20/8/ 1939 إلى 7/7/1940

قائمقام قضاء خانقين ( ثاني مرة) من 13/7 /1940 إلى 23/6/1941

قائمقام قضاء قلعة صالح ( ثاني مرة ) من 2/7/1941 إلى 16/11/1941

وللتاريخ، يبدو أن أمراضه قد بدأت بوظيفته مديراً لناحية قزلرباط( السعدية حالياً) التي بدأها في 14 كانون الأول عام 1925، وبقي فيها حتى 25 آب 1926 ، وبعدها في أيلول تم نقله إلى وظيفة مدير تحريرات لواء ديالى .

ففي قزلرباط حصل بتاريخ 11 تموز 1926 على إجازة إعتيادية لإصابته بمرض الملاريا ، وأتبعها بإجازة مرضية لمدة شهر ، ثم تتابعت الأمراض ليصيب الرواتزم الحاد كتفه، والقرحة جدار المعي، والسكري ، وغيرها ، كان يقول عنها ( انه يحمل أمراضاً عجز الطب عن علاجها).

وباشر إبراهيم صالح شكر في 11 أيلول وظيفته المنقول إليها في مديرية تحريرات اللواء. وبقي فيها ثمانية أشهر ، حصل خلالها على إجازة طبية لمدة 15 يوماً، وعاودته في 22 شباط 1927 الحمى الحادة فحصل على إجازة لمدة 15 يوماً أخرى إستناداً إلى التقرير الطبي الصادر من الطبيب المركزي في بعقوبة ، ثم مددها مجدداً بتقرير طبي وقعه الدكتور إستاوري في البصرة ، دون أن يسنى معرفة دوافع سفره إلى البصرة وهو مريض، ولكنه بالتأكيد حاول إصدار جريدة في البصرة باسم ( الثغر) وقدم طلبه بهذا الشأن الى وزارة الداخلية ، سوية مع طلب ثاني لإصدار صحيفة في بغداد، بأسم( الزمان).

وتعددت صداقات إبراهيم وتنوعت ، ومنهم رؤوساء حكومات ووزراء وأدباء وصحفيين، وكان أقربهم إليه رئيس الوزراء لثلاث مرات ، علي جودت الأيوبي ، والسياسي يونس السبعاوي ، والصحفي عبد القادر إسماعيل البستاني ، والصحفي رفائيل بطي، والصحفي لطفي بكر صدقي.

وما تزال بعض أوراقه المحفوظة عندي تحمل توقيع الأيوبي عندما كان رئيساً للوزراء، وهو الذي أهداه القلم الذي كتب به سلسلة مقالاته المشهورة ( قلم وزير)، وكذلك بضعة رسائل موجهة إليه من لطفي بكر صدقي، وكذلك رسالة واحدة من بطي من معتقل العمارة عام 1941 .

                                                                                

                          لطفي بكر صدقي

وقد قابلت علي جودت الأيوبي عدة مرات في الستينيات في منزله بالوزيرية ، وأكرمني بكل ذكرياته عن والدي . وقال لي ان الوالد كان يهرب فجأة من الوظيفة عندما كان يعمل معه وهو متصرف في لواء الحلة أو لواء ديالى ،( حالياً محافظة بابل، ومحافظة ديالى)، وإن الوالد ( في إجازة متى أراد ذلك)، ويذهب الى بغداد ليقدم إستقالته الى الوزارة مباشرة ، ثم يطلب إمتيازاً لإصدار جريدة.

وللتاريخ ، لابد من القول بأن علي جودت الأيوبي عندما كان نائباً لرئيس الوزراء بحكومة جميل المدفعي ، التي تشكلت في 5 آذار 1953 بعد إستقالة حكومة الفريق نور الدين محمود العسكرية ، قد أحاطنا نحن أبناء إبراهيم صالح شكر بعناية خاصة، روى لي تفاصيلها ، خالي عبد الوهاب عبد الرزاق الفرضي ، وقال انه كان ذات يوم في فترة الغذاء من عمله طباعاً في إحدى مطابع شارع المتنبي ، وسمع بمن يناديه، ولما إلتفت الى مصدر الصوت ، إكتشف انه معالي علي جودت الأيوبي الذي كان مكتبه في رئاسة الحكومة بالقشلة، جوار شارع المتنبي.

وسأل الأيوبي خالي عن مصير أبناء إبراهيم ، وفهم منه انهم يعيشون في كنف سيدات العائلة المعلمات في قضاء عنه بلواء الدليم ( الأنبار حالياً)، فطلب الأيوبي من الخال موافاته الى مكتبه في اليوم التالي ، وأملى عليه صيغة عريضة بأسم أخي باسم الذي لم يكن قد تجاوز الخامسة عشر من العمر ، ولم يغادر خالي مكتب الأيوبي في ذلك اليوم إلا ومعه كتاب بتاريخ 21/4/1953 وصادر من ديوان رئاسة مجلس الوزراء وبتوقيع الأيوبي ، موجهاً الى

أخي باسم ، يقول الأيوبي فيه: ( إنشاء الله سأسعى لإيجاد طريقة لكم لتأمين معيشتكم على قدر الإمكان).

والأيوبي في هذا التاريخ كان نائباً لرئيس الوزراء في حكومة جميل المدفعي، ومن أعضائها نوري السعيد وزيراً للدفاع، وتوفيق السويدي وزيرا للخارجية، وأحمد مختار بابان وزيراً للعدلية وغيرهم، وتولى الأيوبي رئاسة الحكومة ثلاث مرات في حياته ، هي:

من 27 آب 1934 – 4 آذار 1935

من 10 كانون الأول 1949 – 5 شباط 1950

من 20 حزيران 1957 – 15 كانون الأول 1957

وقد أوفى الأيوبي بوعده ، فمنذ ذلك الحين أصبح لنا الثلاثة، أبناء إبراهيم صالح شكر ، راتباً تقاعدياً ظل يصرف لنا حتى عام 1961 ، حينما صار أخي باسم ضابطاً في الجيش العراقي ، فإنقطع الراتب التقاعدي لأن الأخ الكبير أصبح معيلاً لنا وفقا للقوانين.

وقد ضاقت السبل بالوالد عام 1928 نتيجة ملاحقة وزارة عبد المحسن السعدون لصحفه ، وبعد تعطيلها إثر صدور العدد رقم 44 من جريدته ( الزمان) ، وحاول رئيس الوزراء عبد المحسن السعدون رشوته بعشرة اشتراكات في الجريدة لكل قضاء من أقضية العراق مقابل

سكوته عن الوزارة والتوقف عن مهاجمتها ، لكنه رفض ، فضربته الحكومة بسلاح التعطيل ، ووضعت بهذا الإجراء نهاية لجريدته التي لم تعد الى الحياة ثانية.

وسافر غاضباً الى سوريا ولبنان وفلسطين وشرق الأردن ومصر بجواز سفر ما زال محفوظاً هو الآخر عندي، وينص على ان مهنته هي الصحافة ، ويحمل أختاماً للسلطات الفرنسية على الحدود مع سوريا ولبنان ، وأختاماً لحكومة فلسطين، وأختاماً وطوابع عراقية ومصرية .

وتوطدت علاقاته مع الأدباء العرب والسياسيين في تلك الأيام، وقد ذكرهم إبراهيم جميعاً في مفكرته لعام 1928 وما دار بينه وبينهم، والتقط معهم صوراً ما تزال بعضها محفوظاً عندي وهي تحمل إهداء أصحابها. ومنهم في سوريا ولبنان ، معروف الأرناؤؤط صاحب جريدة ( الفتى العربي) ، والأديب صهيب العطار، وفوزي الغزي ، وهاشم الأتاسي ، والشاعر فخري البارودي، والشاعر اللبناني أمين نخلة، ونجيب الرئيس صاحب جريدة ( القبس) ، ورشيد الملوحي محرر جريدة ( العرب) ، وفائز الخوري، وأدمون رباط ، وعبد اللطيف العسلي ، والأمير حسن الأطرش ، وقابل الأخطل الصغير بشارة الخوري في بيروت

أما في شرقي الأردن وفلسطين فقد التقى مع الأمير عبد الله عدة مرات، وسجل أراء الأمير في الإنكليز والصهيونية ، ومصطفى وهبي التل ، وعارف العارف ، والتقى في حيفا مع الشيخ كامل القصاب الذي أوصله في اليوم التالي الى محطة قطار حيفا ليسافر الى مصر عبر القنطرة على قناة السويس، وفي عودته الى القدس ، قابل حسام الدين الخطيب صاحب جريدة( جزيرة العرب) ، وزار الحرم الشريف .

وتوطـدت علاقاتـه في مصر مـع محمد علي الطاهـر صاحـب جـريدة ( الشورى)، ومع أحمد زكي باشا، وتوفيق دياب ،وخير الدين الزركلي، وسامي السراج، وأسعد داغر، ورشيد الخوجه ، وزار عزيز المصري في منزله في عين شمس وقضى عنده نهاراً كاملاً

، وحضر حفل حزب الوفد في ذكرى الجهاد الوطني ، وإستمع الى خطبة النحاس وقصيدة الشاعر عبد المحسن الكاظمي، وسجل في مفكرته انطباعاته عن المطربة أم كلثوم.

                      

وكان الوالد مواظباً على حضور المجلس الأدبي في مقهى الشط ببغداد، مع جميل صدقي الزهاوي ، وعبد الحسين الازري، ورشيد الهاشمي ،ومحمد الهاشمي وإبراهيم حلمي العمر، وعبد الرحمن البنا، وصادق الاعرجي، وعبد الجبار صدقي، وعباس العبدلي، وروفائيل بطي ، ومحمد أحمد السيد ،وحسين الرحال، وعوني بكر صدقي، وصديق الخوجة ، وناجي القشطيني.

وأبلغني ناجي القشطيني ، في زياراتي له بمنزله في السفينة، جبهة النهر بالأعظمية ، انه والوالد كانا لا يفترقان ، وتلقيا العلم سوية عند العلامة نجم الدين الواعظ بجامع العادلية، وتردد عليه في مدرسة الفضل عندما أصبح القشطيني عام 1917 مديراً لها، وتناولا الغذاء في المدرسة عدة مرات بعد إنصراف الطلبة ، ثم يذهبان سوية الى المقهى ، وتردد القشطيني عليه عدة مرات في منزله بقهوة شكر عندما كان الوالد يتعرض للمرض أو الانزواء بعيداً عن الناس.

وإستعرض القشطيني لي في أيلول 1966 بعض الذكريات عن إبراهيم صالح شكر ومشاركته ومحمد الشماع في كتابة عريضة عام 1922 موجهة الى الملك فيصل الأول حول الاحتفال بمناسبة 9 شعبان ، ذكرى الثورة العربية ضد الأتراك، وتأييد فهمي المدرس في الديوان الملكي .

ومن الأحداث التي رافقته في عمله الإداري انه كان يرفض الهدايا ويحارب الرشوة ، حتى انه تدخل عندما كان قائمقاماً في قضاء خانقين لمنع مد شارع أمام منزل أحد وجهاء المدينة لان هذا الشخص حاول تقديم رشوة لكي يضمن مرور الشارع من أمام منزله .

                        

وفي قضاء الهاشمية كان صديقه عارف قفطان متصرفاً للواء الحلة ، الذي تضايق من أوامر القائمقام إبراهيم صالح شكر بإعتقال أحد الشيوخ ، وطلب إطلاق سراحه ، لكن إبراهيم رفض ، وقال للمتصرف عارف قفطان انه مارس صلاحياته القضائية ،وليست الإدارية لإعتقال الشيخ بسبب ورود شكوى ضده . وكانت العادة آنذاك هي ان يجري تخويل القائمقام أو مدير الناحية صلاحيات حاكم جزاء في المنطقة التي يعمل بها بإرادة ملكية حسب توصية وزير العدلية.

وفي إضبارته الشخصية بوزارة الداخلية عدة طلبات لسلف مالية من مديرية أموال القاصرين لكي يواجه بها أعباء الحياة له ولعائلته، وفي إحداى المرات،في نيسان 1937 ، وهو الموظف بدرجة قائمقام في الدولة ،إشترك إسماعيل الغانم، الموظف في وزارة العدلية، وعبد الله علوان ، المستشار في مديرية الاوقاف العامة ، ثم بوزارة الداخلية ، في كفالته أمام اموال القاصرين لمنحه سلفة مالية ، وهما من أصدقائه . وقد إستقطعت الحكومة عندما فصلته من الوظيفة ، من مستحقاته المالية ، ما لمديرية أموال القارصين من ديون عليه، وكلاهما الغانم وعلوان من أنصار رئيس الوزراء ياسين الهاشمي.

وفي الفلوجة ، عندما كان إبراهيم صالح شكر قائمقاماً فيها ، وتعرضت المدينة في شتاء 1939 لخطر فيضان الفرات وبالتالي تهديد المعسكر الإنكليزي في سن الذبان ( الحبانية ) ، وجاءته أوامر وزارة الداخلية بفتح ثغرة على ضفة الفرات لكي لا تغرق سن الذبان ، لكن إبراهيم رأى في الثغرة ستكون تهديداً للعراقيين بالغرق ، فجمع الشيوخ والأهالي ، كلا في منطقته على النهر ، وأصدر أوامـره بعدم فتح أيـة ثغرة لتصريف المياه قائـلا لـهم ( يريدون إنقاذ الإنكليز ليغرقوا العرب) ، فسمع الملك غازي بالحادثة ،وقدرعمله بهدية هي بندقية صيد .

وكان الوالد في خانقين حينما إندلعت ثورة مايس 1941 ضد الإنكليز، وبحكم منصبه ، تمكن من تسهيل مرور قادة الثورة العسكريين والمدنيين بعد فشلها عبر الحدود العراقية – الإيرانية ، ورافق بعضهم حتى نقطة الحدود ، ولما عاد الى منزله وجد فيه عدداً من الشخصيات العربية التي شاركت في الثورة، ومنهم عادل أرسلان وأكرم زعيتر، فساعدهم على عبور الحدود الى إيران. وقد ذكر القائد صلاح الدين الصباغ ،دور إبراهيم صالح شكر هذا في مذكراته التي صدرت بدمشق في الخمسينيات من القرن العشرين بعنوان ( فرسان العروبة في العراق) .

وروى إسماعيل الغانم لي، في زياراتي له بمنزله في شارع عمر بن عبد العزيز بالاعظمية ، انه كان حاكماً في أحد أقضية لواء ديالى ، وإلتحق خلال الثورة بصديقه إبراهيم في خانقين ، ثم سافرا سوية الى بعقوبة، وأقاما عند صديقهما مدير البلدية أحمد عزة الأعظمي ، وكان الغانم شاهداً على جميع إتصالات إبراهيم الهاتفية مع صديقه يونس السبعاوي الذي أعلن نفسه حاكماً عاماً في بغداد بعد خروج قادة الثورة من العراق، وطلب السبعاوي من إبراهيم تولي مهام متصرف ديالى وإلقاء القبض على متصرفها حميد صرصر، لكن إبراهيم لم يستجب لدعوة السبعاوي.

ومن إتصال مع قائد القوة الجوية أكرم مشتاق ، فهم إبراهيم ان الأمور غير طبيعية في بغداد ، وإختار البقاء في العراق ورفض مغادرته وهو في مدينة تقع على الحدود مع إيران، حتى علم بإعلان الهدنة وان أرشد العمري، أمين العاصمة ورئيس لجنة الأمن الوطني المشكلة تواً قد أرسل قوة مسلحة لإعتقال السبعاوي وصديق شنشل، ونقلتهما مخفورين الى الحـدود .

                                                                         

                           يونس السبعاوي

ويؤكد إسماعيل الغانم ، وهو شاهد عيان ، على أن إبراهيم صـالح شكر خرج من خانقين الى ناحيـة قزلـرباط ( السعدية حالياً) التابعة لقضاء خانقين ليستقبل السبعاوي وصحبه ، وتحدث معه بعض الوقت ، وكلف موظفاً لديه بمرافقتهم الى الحدود . بينما يروي رفائيل بطي رواية أخرى يقول فيها إنه أثناء مرور السبعاوي وشنشل في خانقين بحراسة الشرطة ، منعوا من الاتصال مع القائمقام إبراهيم ، لكن السبعاوي ، عند وصوله الى المنذرية إتصل بإبراهيم هاتفياً ، وودعه ، وأوصاه بعائلته التي تركها ببغداد ، وأعاد على مسامعه المداعبة القديمة التي كان إبراهيم يقولها للسبعاوي، ومفادها ( كتب علي أن أراك وزيراً ، ثم أراك مشنوقاً(، وقال له (أغادر العراق ولم يكتب لك أن تراني مشنوقاً ).

على أية حال، قررت عائلتا يونس وصديق الالتحاق بهما في إيران، ولم تكونا ، ولا والدة يونس ، يحملون جوازات سفر ، فتم لهم ذلك في خانقين بمعرفة القائمقام إبراهيم صالح شكر.

وأرسل إبراهيم صالح شكر قائمقام خانقين أكثر من برقية تأييد لرئيس وزراء الثورة رشيد عالي الكيلاني حال سماعه بإندلاعها ، وكما يلي :

فخامة الزعيم الجليل الأستاذ رشيد عالي الكيلاني

في هذا الصباح أعود من جولة في الأودية والمخارم والجبال والحماسة الوطنية تضطرم في قرية تلو أخرى، وفي قبيلة أثر قبيلة، تدفعها روحانية باسلة تنشد النصر في زعامتكم . ومتى إجتمعت القوة المخلصة والحق المؤمن مشى جلال التاريخ في عمر الدنيا، يسجل أبلغ الصفحات، وعن الله كتاب محفوظ، هذه النهضة من سوره.

ان صرخة الوطن من وحي الرحمن، وهي مرحلة رائعة من عمر العراق ، وثمرة طيبة في فم الدنيا.

عاش الشعب، عاش الوطن، عاش الملك.

إبراهيم صالح شكر

8 نيسان 1941

  
                         رشيد عالي الكيلاني

فخامة الزعيم الجليل الأستاذ رشيد عالي الكيلاني

السحاب الأحمر إنما يتدفق في الأفق ليشرق على مجد مل الرقاد بين الأحلام والذكريات فهب الى الجهاد في حشد واسع الأمل ، واضح الرجاء ، يستمد النصر من نور الله ، ويأبى الله إلا ان يتم نوره.

وبين زغاريد البطولة ، وهتاف الشرف ، وتهاليل الكون يتولى الذادة والحماة أمانة الجهاد في كتائب حمراء تواكبها هالة من ضياء يوهج بالأيمان وتقوى الرحمن.

باسم الله والوطن ، حيا على الصلاح ، حيا على الفلاح ، حيا على خير العمل

إبراهيم صالح شكر

قائمقام خانقين

3 أيار 1941

الى جمعية الهلال الأحمر

في حفل تشرف عليه من الملأ الأعلى أرواح الأبرار من شهداء الجهاد وضحايا الوطن، وفي موقف للأيمان يزدهي به سجل المؤمنين جمعته الفطرة، وجاء به الإخلاص، وفي مظاهرة مطمئنة ، كل نفس فيها أمة باسلة العزمات، وكل فرد فيها شعب يرى في جهاده الإنكليز مجداً في الأرض وخلوداً في السماء.

بهذه الحماسة الحمراء إجتمع الغيارى في خانقين فتبرعوا بما في متناول الأيدي فبلغت التبرعات ألف دينار، يضاف إليها تبرع البلديات وإسالة الماء البالغة مائتي دينار أخرى.

أنه لحاضر عظيم لماض باهر ومستقبل تتطلع إلى أمجاده الأجيال القادمة.

وبهذه الحمية الجياشة تستمر قائمة التبرعات مفتوحة ، وفي البريد أرسلت أسماء المساهمين.

ان عقبى الأيمان بحق البلاد نصر يشع يالقوة والفلاح

قائمقام خانقين

18 أيار 1941

وعاقبته الحكومة بعد فشل الثورة بنقله الى قضاء قلعة صالح بلواء العمارة ( محافظة ميسان فيما بعد) في جنوب العراق ، وهو ما إعتبره الوالد نفياً له ، وإتصل عدة مرات بصديقه جميل المدفعي رئيس الوزراء لإيجاد مخرج له ، دون جدوى حتى قررت حكومة نوري السعيد الذي أصبح رئيساً للوزراء في 21 أيلول 1941 بعد استقالة المدفعي ،فصله من الوظيفة.

وكان وزير الداخلية صالح جبر قد كتب في 26 تشرين الأول 1941 كتاباً سرياً الى مجلس الوزراء برقم س – 506 يطلب فيه فصل من أيد الثورة من الموظفين الإداريين ، وحسب ما يلي:

1/ إبراهيم صالح شكر قائمقام قضاء قلعة صالح لمدة سنتين

2/ عبد الرزاق الفضلي قائمقام المحمودية لمدة سنتين

3/ جميل الوسواسي قائمقام بدرة لمدة سنتين

4/ نوري السيد سعيد قائمقام مندلي لمدة سنتين

5/ عبد الحميد الدبوني قائمقام العمادية لمدة سنتين

6/ حكمت الزهاوي قائمقام كويسنجق لمدة 6 أشهر

7/ حسن التكريتي قائمقام الرفاعي لمدة سنتين

                    

وبعد يوم واحد فقط ، صدرت الإرادة الملكية برقم 669 وتاريخ 27 تشرين الأول 1941 وبتوقيع الوصي على العرش عبد الإله ، ورئيس الوزراء نوري السعيد ، ووزير الداخلية صالح جبر بفصل الموما إليهم وفقا لتوصية وزير الداخلية .

وتركه رئيس الوزراء نوري السعيد 16 شهراً بعد الفصل ، قضاها إبراهيم في المكتبات يقرأ كتب السيرة النبوية والتاريخ والتصوف والفتوحات الإسلامية والسير والتراجم، ويداوي أوجاعه الجسدية والنفسية ، ثم قرر إستخدامه في مكتبة الأوقاف العامة :

أمر إداري

العدد: 2037

التاريخ 23/2/1943

بناء على رغبة فخامة رئيس الوزراء في العناية بالمكتبات العامة وخاصة ما يعود منها للأوقاف ، يعين السيد إبراهيم صالح شكر مديراً لمكتبات الأوقاف العامة بإعتباره مستخدماً براتب مقداره ثلاثون ديناراً في الشهر ليقوم بما تحتاج إليه هذه المكتبات من تنظيم وعناية .

التوقيع/ مدير الأوقاف العام

وهكذا فقد كان تدخل نوري السعيد سبيلاً للتخفيف عن الوالد الذي بدأ في هذه الفترة يعاني بشدة من أمراضه المتعددة، وأخذت صحته بالتدهور ، فقد أصيب بالملاريا وكان يعاني من الروماتزم في الكتف الأيسر، ، والقرحة في جدار المعي ، ثم دخل مرض السكر الى قائمة أمراضه العديدة، وسكن في دار مستأجرة في رخيتة بالكرادة الشرقية ،( وفي هذه الدار ولدت أنا أصغر أبناء إبراهيم صالح شكر)، وأبقت الشرطة الدار تحت المراقبة ، وقيل لي من قبل أحد أصدقائه بأن الوالد إعترض في إحدى المرات الشرطي السري الذي يراقبه ، وأعطاه ورقة ، قائلاً : يا إبني لا تتعب نفسك، هذه هي حركاتي فإكتبها لمن أرسلك!

لكن مسلسل إعدام رجال الثورة، وعلى الخصوص إعدام صديقه المقرب يونس السبعاوي زاد من مشاكله الصحية ، وقالت لي إحدى سيدات العائلة ، أنه إستضاف في منزله والدة السبعاوي ليلة إعدامه، وشاركها الحزن، وبأنه كان حزيناً جداً لما سبق أن قاله للسبعاوى حول توزيره وشنقه ، وأثرت في حالته الصحية والنفسية ، فأصيب بذات الرئة ثم السل الحاد، فنقل ، بمعرفة محمود صبحي الدفتري الى مستشفى العلمين بالكرادة الشرقية، وتولى علاجه
الطبيب ، الدكتور ألبير إلياس ، وتوفي فيها في الساعة السابعة والربع من صباح يوم 15 أيار 1944.

                                                                                 
                         محمود صبحي الدفتري

وحدثني محمود صبحي الدفتري في منزله بالشواكة ببغداد، حالياً شارع حيفا، أنه كان وزيراً للخارجية ، وإتصلت به إدارة المستشفى ، على غير العادة ، لتبلغه برغبة إبراهيم صالح شكر حضوره الى المستشفى، بالرغم من أنه كان يزوره يومياً ، وإكتشف عند وصوله ان الوالد

قد أوصى بمغادره ابنه، رياض ، للمستشفى الى البيت، لكي لا يموت أمام إبنه ، وأبلغ الأطباء ، الدفتري ، بأن إبراهيم يحتضر ، وحضر الى المستشفى أيضاً رفائيل بطي والمحامي فائق توفيق ، وكان الثلاثة موجودون ساعة وفاة إبراهيم صالح شكر.

وكانت ( البلاد) قد قالت يوم الجمعة 5 أيار 1944 بأن صحة ( حضرة الأديب الأستاذ إبراهيم صالح شكر في إنحرفت في الأيام الأخير ، وبعد معالجة بضعة أيام قرر الأطباء نقله إلى مستشفى العلمين حيث يكون التطبيب والمعالجة أيسر ، فنقل أمس ، فنسال للكاتب المبدع شفاء عاجلاً) .

وفي يوم17 أيار قالت أيضاً ( أحتفل ضحى أمس إحتفالاً كبيراً بتشييع جثمان فقيد البيان الرفيع والفكرة الوطنية الحرة الأستاذ إبراهيم صالح شكر. وقد خف جمهور من علية القوم وأصدقاء الفقيد إلى داره في رخيتة ، ومن هناك بدأ التشييع فوضعت الجنازة على سارة مكشوفة وبجانبها رسم الكاتب النابغ).

وشيع يوم 16 ايار 1944 وكان نعشه ملفوفاً بالعلم العراقي ،وتقدمت موكب التشيع صورة كبيرة له ،وهي الصورة الموجودة عندي حتى اليوم.

وشارك في التشيع جميل المدفعي، ومحمود صبحي الدفتري ، والوزراء ، وممثل عن نوري السعيد ، ورئيس مجلس النواب الشيخ محمد رضا الشبيبي ، ورئيس مجلس الأعيان محمد الصدر ، وجمع غفير من الوزراء ورجال السياسة والدولة والصحافة والأدب، ورفائيل بطي وجميع أصدقائه ، ودفن في مقبرة الغزالي بوسط بغداد، بعد أداء الصلاة على جثمانه في مسجد الشيخ عبد القادر الكيلاني.

وبعد حين توفي إبنه البكر ، رياض عام 1946 في لبنان نتيجة إنتقال وباء السل إليه بالعدوى بعد ان كان ملازماً لوالده في المستشفى ، ونقل الى مصح بحنس اللبناني للعلاج دون جدوى، ودفن في بحنس بأشراف قنصل العراق العام عبد الجليل الراوي ، والشاعر اللبناني أمين نخلة ، وهما من أصدقاء الوالد المقربين .

وبكى الشاعر أمين نخلة على الهاتف عندما إتصلت أنا به عام 1970 ليدلني على قبر رياض في لبنان، وتكررت إتصالاتي ومراسلاتي معه في إطار جمعي لتراث والدي.

وبعد عشرة أيام من وفاة إبراهيم صالح شكر ، قالت جريدة (البلاد ) في 26 أيار 1944 بأنه قد تم تشكيل لجنة في بغداد لإقامة حفل تأبين له ضمت : نجيب الراوي نائب الدليم ونقيب المحامين ، والمحامي إبراهيم الواعظ سكرتير نادي الاتحاد العربي، والشيخ الشاعر باقر الشبيبي، والمحامي عبد الوهاب محمود نائب البصرة، والمحامي جميل عبد الوهاب نائب ديالى ، والمحامي عبد الرزاق الشيخلي، والصحفي رفائيل بطي.

وإجتمعت هذه اللجنة ، وإتفقت على إقامة حفل التأبين في أواخر شهر أيلول 1944 ، وإصدار كتاب بما نشره وتخصيص ريعه لأسرة الفقيد ، وإقامة ضريح له فوق قبره بمقبرة الغزالي. لكن هذه القرارات لم تشهد التنفيذ ، فلم يقم حفل التأبين ، ولم يصدر الكتاب ، ولم يقم الضريح ، وما يزال قبر إبراهيم صالح شكر قبراً عادياً حتى يومنا هذا.

وقبل وفاته ، وتحديداً في 6 نيسان 1944 أملى على ابنه رياض ، من على سرير المرض في المستشفى، نص رسالة موجهة الى صديقه عبد الجليل الراوي، قنصل العراق في بيروت ،هي آخر ما في تراثه الأدبي، وأصلها محفوظ لديّ، ونشرها الشاعر أمين نخلة في  كتاب الملوك


http://www.algardenia.com/maqalat/4396-69.html*
** http://www.algardenia.com/maqalat/4404-69-2.html
      

هناك تعليقان (2):

  1. أشكر الاستاذ العلاف على هذا الاهتمام
    مع تمنياتي لكم بالتوفيق
    د.مليح

    ردحذف
  2. العفو اخي الاستاذ الدكتور مليح ابراهيم صالح شكرا ....وانا الان اعيد قراءة الكتاب الوثائقي الذي اصدره الاستاذ الرشودي وفيه مقالات الفقيد او معظمها ..دمت بعز وسؤدد .

    ردحذف

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...