الأحد، 3 فبراير 2013

رسالة من الشيخ الدكتور عبد المالك عبدالرحمن السعدي إلى: السيد بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة



رسالة .... للتاريخ...والتاريخ مواقف.
========================
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة من:
سماحة الشيخ الأستاذ الدكتور عبدالملك عبدالرحمن السعدي
إلى:
السيد بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة المحترم

الموضوع: مأساة العراق والعراقيين
تحية طيبة:

لايخفى عليكم أن الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 2003 قادت تحالفا مع بعض الدول الغربية لاحتلال العراق وتدميره وإسقاط حكومته من دون قرار أممي صادر من مؤسستكم التي تديرونها ، ونصّبت على العراقيين حكوماتٍ في عشر سنوات من الاحتلال ذاق العراقيون فيها أنواعا من انتهاك حقوق الإنسان ، وأصبح العراق في طليعة الدول التي حلّ فيها الفساد الإنساني والإداري والمالي والقضائي والسياسي والاجتماعي، وقد شهدت منظمات دولية ومحلية بذلك، وفُرض على العراقيين دستورٌ لايحقق مصالح الشعب العراقي ولا يحمي حقوق الإنسان، مما تسبب بنفاد صبر العراقيين ولم يعد أحد منهم يحتمل الظلم الواقع عليه ، فقاموا متظاهرين مطالبين بحقوقهم التي يمنحها لهم القانون واعتصموا في الميادين والطرقات العراقية مصممين على وجوب حصولهم على تلك الحقوق المشروعة.

إننا نعرض عليكم مأساة العراق ومصائب العراقيين التي حلّت بهم في عشر سنوات من الاحتلال لتأخذوا دوركم في إنقاذ الشعب العراقي الذي يرزح تحت وطاة الظلم والفساد والاضطهاد والتهميش وزرع الطائفية بين مكونات الشعب العراقي دينا ومذهبا وقومية، فإننا نفهم الأهداف التي قامت عليها مبادئُ هيئة الأمم المتحدة ، ونعلم بنودَ إعلان حقوق الإنسان العالمي التي ينبغي أن تأخذ دورها في إنصاف العراقيين من حكومتهم الظالمة بحقهم، خاصة وأن العراق لا يزال تحت البند السابع الذي يُلزم منظمتكم بحماية الشعب العراقي الذي يتطلع إلى نظام ديمقراطي يحقق مصالح كل فرد عراقي على حد سواء.

وفيما يأتي نقدم إليكم بعضا مما يعاني منه الشعب العراقي:

1 – الدستور العراقي:

كانت صياغة الدستور العراقي بطريقة غير واضحة للشعب العراقي لأنه أنجز تحت سلطة الاحتلال ، وأثار حوله جدلا كثيرا في الأوساط العراقية، إذ صرحت جهات دولية ومحلية متعددة أن الدستور صيغ خارج العراق وأملي على الساسة العراقيين الذين دخلوا العراق مع المحتل، وجرى التصويت عليه بصورة غير نظامية ، فقد زورت الأصوات في بعض المحافظات العراقية ، ونشرت على الشعب العراقي نسخ من الدستور كل نسخة مختلفة عن الأخرى ويشهد لذلك الطبعات المتعددة الموجودة عند العراقيين كل طبعة تختلف عن الأخرى، مما جعل التصويت عليه غير حقيقي.

ثم إن هذا الدستور لا يحقق مصالح الشعب العراقي ولا يمنحهم حقوقهم كاملة ، وفيه ما يساعد على انتهاك حقوق الإنسان وتأصيل الطائفية، وفيه من الغموض ما يجعل كل فئة تفسره وفق مصالحها وطموحاتها الطائفية والعرقية.

إن المتظاهرين العراقيين يرون أن الدستور العراقي قد أصبح عبئا ثقيلا على حياتهم ، وأصبح من الضروري إسقاطه وإعادة كتابة دستور عراقي جديد بأسلوب ديمقراطي علمي وفق المعايير الدولية بما يحقق مصالح الشعب العراقي في حياة كريمة حرة ، ليصوت عليه العراقيون تصويتا حقيقيا تحت إشراف منظمتكم الدولية.

2 – التدخل الإيراني في العراق:

صرح النظام الإيراني أنه هو الذي سهل احتلال العراق وتعاون مع المحتل في كل المجالات لإسقاط حكومته وتدمير بنيته وإذلال شعبه، وقد استمرت إيران في التدخل بالشؤون العراقية في كل مفاصله ومؤسساته وقراره الرسمي، من خلال هيمنة الأحزاب التي تدربت ونشأت في أحضان إيران ودخلت إلى العراق مع المحتلين، ومن خلال الزيارات المتكررة بين حكومة العراق وحكومة إيران ،وتصريحات القادة الإيرانيين من مدنيين وعسكريين بشؤون العراق الداخلية، وقد رأى العراقيون ما يقوم به السفير الإيراني من جولات في المؤسسات العراقية وزيارات لجهات عراقية رسمية وشعبية مما يخالف الأعراف الدبلوماسية، وأدرك العراقيون التدخل الإيراني السافر في القرار العراقي وما رفع صور القادة الإيرانيين السياسين والدينيين ونشرهافي العراق إلا دليل على الهيمنة الإيرانية على العراق.

لذا فإن العراقيين المتظاهرين يطالبون بوقف فوري للتدخل الإيراني في الشأن العراقي واحترام حقوق حسن الجوار وإزالة المظاهر الإيرانية من العراق.

3 – تسييس القضاء العراقي :

كان القضاء العراقي قبل عام 2003 من المؤسسات القضائية المشهود لها عالميا في تطبيق القانون بكل عدل وحيادية مما أكسب القضاء العراقي ثقة عالمية، ولكنه – مع الأسف – انحرف انحرافا كبيرا بعد عام 2003، بسبب الاحتلال والحكومات التي سيطرت على القضاء العراقي وسيسته وأصبح القضاء العراقي خاضعا لرغبات السلطة التنفيذية فتظلم من تشاء وتعدم من تريد وتنتزع الاعترافات انتزاعا قسريا بالتعذيب الجسدي والاستغلال الجنسي واغتصاب الأبرياء، وأصبح القضاء العراقي غير معترف به دوليا لذلك قررت الشرطة الدولية (الأنتربول) عدم الاعتراف بما يقرره القضاء العراقي بمذكرات إلقاء القبض على العراقيين لأنه قضاء خاضع للحكومة وغير نزيه.

والعراقيون المتظاهرون يطالبون بإعادة القضاء العراقي إلى عهده السابق عدلا ونزاهة وحرية على أن يتولاه عراقيون متمكنون في القوانين ومشهود لهم بالمهنية والنزاهة وتطبق القانون بعدل ومساواة، وطرد السييئين الذين أساؤا إلى القضاء العراقي.

4 – انتهاك حقوق الإنسان في العراق:

شهد العراقيون بكل مكوناتهم منذ احتلاله في عام 2003 أنواعا من المعاناة وانتهاك حقوق الإنسان في عشر سنوات وكلما مرّ يوم يدخل العراقيون في يوم آخر أسوأ من سابقه، وبقي الوضع على هذا الحال حتى انتهى صبر العراقيين ولم يجدوا أمامهم إلا أن يطالبوا بحقوقهم العادلة بتظاهرات سلمية حضارية ليسمعوا أصواتهم للعالم ويعلنوا ما تقوم به الحكومة من ظلم وتعسف، وتتمثل انتهاكات حقوق الإنسان بالأمور الآتية:

أ - اعتقالات الشعب العراقي عشوائيا ومداهمات في الليل والنهار من دون أمر قضائي ، ويرافق ذلك نهب وسلب للممتلكات من بيوت الناس .

ب - اعتقال النساء البريئات وأخذهن بديلا عن الرجال المطلوبين وتعذيبهن واغتصابهن من قبل أجهزة الدولة المشرفين على اعتقالهن.

ج - الاعتقالات الكيدية بسبب المخبر السري المجهول وتعذيب المعتقلين بالضرب والكهرباء والإهانة ، وإذا ظهر كذب المخبر السري لا يعاقب كما ينص عليه الدستور.

د - إبقاء الأبرياء الذين برّأهم القضاء العراقي في السجون من دون أن يطلق سراحهم مع تعذيبهم أو استغلالهم ماديا بطلب مبالغ مالية من ذويهم كشرط لأطلاق سراحهم.

هـ - بقاء الموقوفين الأبرياء مدة طويلة تصل إلى سنين من دون توجيه أي تهمة إليهم ولا يجرى لهم تحقيق عادل ولا محاكمة عادلة.

و- سجون سرية تشرف عليها أجهزة الحكومة العراقية بحيث يؤخذ الفرد العراقي من أهله ولا يعلمون أين مصير.

ز - تنفيذ أحكام الإعدام بالعراقيين الأبرياء نتيجة انتزاع اعترافات قسرية منهم تحت طائلة التعذيب الجسدي وثقب الأجسام وكسر العظام والحرق بالنار والكهرباء حتى وصل عدد المعدومين في سنة 2012 يساوي ضعف المعدومين سنة 2011 ويساوي ستة أضعاف المعدومين سنة 2010 حسب منظمات دولية منها اللجنة الدولية للبحث عن العدالة (ISJ).

ح - إلقاء جثث العراقيين الأبرياء المغدور بهم في الشوارع على المزابل ، من الذين تقوم بقتلهم المليشات الموالية للحكومة العراقية والموالية لإيران.

ط - سكوت السلطة العراقية عن كثير من الجرائم التي ترتكب بحق الشعب العراقي وعدم اتخاذ إجراء رادع ينقذ العراقيين من التفجيرات والخطف والقتل في الشوارع واستعمال المسدسات كاتمة الصوت ولم تعلن السلط العراقية عن إيقاع أي عقوبة قانونية على المجرمين.

ي - تهميش شرائح كبيرة من الشعب العراقي من كل مذاهبه وأديانه وقومياته وملاحقتهم بالتهديد والوعيد مما تسبب في تهجير أعداد كبيرة من مناطقهم داخل العراق ، وهجرة ملايين العراقيين إلى خارج العراق تاركين وطنهم وأموالهم .

ك - حرمان ملايين العراقيين من حقوقهم المعنوية والوظيفية والمالية مدة عشر سنوات من الاحتلال فلا رواتب تصرف لهم ولا تقاعد يصدر بحقهم ولا يسمح لهم بمزاولة أعمالهم بل حجزت أموالهم بغير حق وأصبحوا عالة على المساعدات في عيش مهين يخدش كرامة الإنسان.

ل - تجويع الشعب العراقي بسبب الفساد المالي الذي ترتكبه الحكومة العراقية بالسرقات وإهدار مال الشعب العراقي وفقدان مليارات الدولارات العراقية من غيرحساب ولا توثيق لطريقة صرف الأموال مما تسبب بإلغاء أبسط ما يُقدم للفرد العراقي وهو البطاقة التموينية التي هزلت في سنوات الاحتلال، مما ترك كثيرا من العراقيين يفتشون عن لقمة الخبز في المزابل ليقتاتوا بها وينقذوا حياتهم من موت محقق بسب الجوع.

5 – تأصيل الطائفية بين مكونات الشعب العراقي:

دأبت الحكومة العراقية إلى إرساء قواعد الطائفية بين العراقيين وقامت بتصرفات تؤصل للطائفية وهي بذلك تهدف إلى قيام حرب أهلية في العراق لكنها لم تنجح في ذلك، ومن مظاهر الطائفية ما يأتي:

أ - شق الدوائر الرسمية العراقية وتقسيمها تقسيما طائفيا كما جرى لشطر الأوقاف العراقية إلى وقف شيعي ووقف سني.

ب - السيطرة القسرية على ممتلكات وقفية سنية أوقفها أهل السنة وأداروها آلاف السنين، وإلحاقتها الحكومة العراقية بالوقف الشيعي كما جرى للمراقد في سامراء واغتصاب مساجد سنية في العراق وتحويلها إلى حسينيات شيعية.

ج - تغيير مناهج الدراسة بما ينسجم مع توجهات مذهب واحد دون مراعات المذاهب الأخرى ، وما جرى في كلية القانون في جامعة ديالى من وضع أسئلة امتحانية طائفية تثير حفيظة أهل السنة وتزرع الكراهية بين الشعب العراقي أحد الأدلة على ذلك.

د - منح الإمتيازات لشريحة معينة من العراقيين وحرمان الآخرين منها كدخول الكليات العسكرية والإيفاد إلى خارج العراق للدراسة والتوظيف في مراكز الدولة وحرمان الأكاديميين من مزوالة التدريس والعمل في المناصب الجامعية من عمادة ورئاسة قسم وغيرها.

هـ - توجيه الإعلام العراقي الرسمي توجيها طائفيا يخدم رغبات الحكومة ولا يراعي مكونات الشعب العراقي الذي يخالف توجهات الحكومة.

6 - تعامل الحكومة العراقية مع المتظاهرين:

خرج ملايين العراقين يطالبون بحقوق عادلة مشروعة يقرها لهم الدستور العراقي ويجيزها المجتمع الدولي وقد تحلى المتظاهرون بأرقى صور الحضارة والانضباط فأعلنوها مظاهرة سلمية لم يحمل فيها أحد من المتظاهرين سلاحا ولا آلة جارحة سوى مطالبهم الشرعية وقاسى المتظاهرون ظروف الطقس البارد والمطر مصممين على تحقيق الاستجابة لتنفيذ حقوقهم.

ورغم مرور أسابيع على تظاهرهم واعتصامهم فإن الحكومة العراقية صمّت آذانها عن سماع نداءات المتظاهرين ولم تستجب لمنحهم حقوقهم بل قابلتهم بالسب والشتم بألفاظ نابية رديئة جاءت على ألسنة كبار مسؤولي السلطة العراقية ووصفت المتظاهرين بأوصاف تخالف حقوق الإنسان مثل كلمات (طفح، ونتنة ، وفقاعات....).

بل إن رئيس الوزراء نوري المالكي هدد المتظاهرين بقوله : ( انتهوا قبل أن تُنْهَوا) وفعلا نفذ تهديده بالمتظاهرين بتوجيه السلاح الحي إلى صدورهم بمجزرة أنتجت عشرات القتلى والجرحى في الفلوجة ولا يزال الجيش الحكومي يضايق المتظاهرين بسلاحه ويمنعهم من الالتحاق بالمظاهرات السلمية في محافظات العراق.

وقد دست الحكومة العراقية بين صفوف المتظاهرين من رجالها من يصور أفرادا من المتظاهرين لإنزال العقوبة بهم ولتشويه صورة المطالبين بحقوقهم ، وإصدرت توجيهها إليهم برفع ما يسيئ إلى المظاهرات من شعارات طائفية حتى تنسب إلى المتظاهرين كذبا وزورا.

إن الواجب يحتم على المجتمع الدولي من خلال منظمة الأمم المتحدة أن تقف إلى جانب الشعب العراقي في حقوقه العادلة والعمل على إنقاذ العراقيين من ظلم وقع عليهم في عشر سنوات، ولم يعودوا قادرين على تحمله، وهو واجب إنساني قبل فوات الأوان وانفراط عقد المظاهرات بخيارات لا تحمد عقباها مما يعود على المنطقة والعالم بأسره بشر وفتنة يعسر إيقاف عجلتها.

وأخيرا فهذا غيض من فيض وقليل من كثير عن وضع العراق وما يعانيه من فساد ودمار، وعن وضع العراقيين وما يعانونه من ظلم وقهر وفقر ومرض وتخلف من حكومة تسلطت عليهم بتعامل يبتعد كثيرا عن النهج الديمقراطي وعن حقوق الإنسان ، ولا يزال في الجعبة كثير لم نذكره هنا.

الشيخ أ.د عبدالملك عبدالرحمن السعدي
30/1/2013م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حركة الشواف المسلحة في الموصل 8 من آذار 1959 وتداعياتها

  حركة الشواف المسلحة  في الموصل  8 من آذار 1959 وتداعياتها  أ.د. إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل ليس القصد ...